أرشيف المقالات

دعوة التوحيد - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
دعوة التوحيد ناصعة البياض شديدة الوضوح الخالية من أي تعقيد هي دعوة جميع الرسل , ورسالة جميع الربانيين إلى يوم القيامة .
و بين يدي ما واجه به إبراهيم عليه السلام قومه وما وجههم به من رسالة بأن يخلصوا التوحيد لله فما الأوثان التي يعبدونها إلا من صنع أيديهم , فأي عقل يساوي بينها وبين من خلق السموات والأرض ويدبر الأمر ويرزق بغير حساب , ثم يجمع الكل يوم القيامة فإما نعيم وإما عذاب .
و هل يتساوي منهجه وما صنعت أيدي البشر من قوانين يتحاكمون إليها في وقت طالبهم سبحانه بالتحاكم لكلماته وحدها ...
التشابه واضح بين عبادة الأوثان وبين اتخاذ المناهج الأرضية وتقديمها على قانون السماء ونبذه بل وتشويهه ومقابلته والمطالبين به بالعداء المستمر والاعتقاد بعدم صلاحيته .
و السؤال :هل يستحق ربنا إلا إخلاص العبادة له وحده والرجوع إلى أمره وحده والتحاكم إلى منهجه وحده .
تعالى الله عن كل شريك أو مشرك .
 
 { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } [  العنكبوت 16-22]
قال السعدي في تفسيره :
يذكر تعالى أنه أرسل خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى قومه، يدعوهم إلى الله، فقال [لهم]: { { اعْبُدُوا اللَّهَ} } أي: وحِّدوه، وأخلصوا له العبادة، وامتثلوا ما أمركم به، { {وَاتَّقُوهُ} } أن يغضب عليكم، فيعذبكم، وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي، { {ذَلِكُمْ } } أي: عبادة الله وتقواه { خَيْرٌ لَكُمْ } من ترك ذلك، وهذا من باب إطلاق { {أفعل التفضيل} } بما ليس في الطرف الآخر منه شيء، فإن ترك عبادة الله، وترك تقواه، لا خير فيه بوجه، وإنما كانت عبادة الله وتقواه خيرا للناس، لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته في الدنيا والآخرة إلا بذلك، وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة، فإنه من آثار عبادة الله وتقواه.
{ {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} } ذلك، فاعلموا الأمور وانظروا ما هو أولى بالإيثار، فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه، نهاهم عن عبادة الأصنام، وبيَّن لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبودية، فقال: { {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } } تنحتونها وتخلقونها بأيديكم، وتخلقون لها أسماء الآلهة، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك، { {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } } في نقصه، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته، { {لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} } فكأنه قيل: قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة، لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وأن من هذا وصفه، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله، والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه وتسأله حوائجها، فقال -حاثا لهم على من يستحق العبادة- { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ } فإنه هو الميسر له، المقدر، المجيب لدعوة من دعاه في أمر دينه ودنياه { {وَاعْبُدُوهُ } } وحده لا شريك له، لكونه الكامل النافع الضار، المتفرد بالتدبير، { {وَاشْكُرُوا لَهُ } } وحده، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق من النعم فمنه، وجميع ما اندفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها.
{ { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } } يجازيكم على ما عملتم، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم، فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم، وارغبوا فيما يقربكم إليه، ويثيبكم -عند القدوم- عليه.
{ {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} } يوم القيامة { {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } } كما قال تعالى: { {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } }
{ {قُلْ} } لهم، إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء: { {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} } بأبدانكم وقلوبكم { { فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} } فإنكم ستجدون أمما من الآدميين والحيوانات، لا تزال توجد شيئا فشيئا، وتجدون النبات والأشجار، كيف تحدث وقتا بعد وقت، وتجدون السحاب والرياح ونحوها، مستمرة في تجددها، بل الخلق دائما في بدء وإعادة، فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى -النوم- وقد هجم عليهم الليل بظلامه، فسكنت منهم الحركات، وانقطعت منهم الأصوات، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين، ثم إنهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم، حتى انفلق الإصباح، فانتبهوا من رقدتهم، وبعثوا من موتتهم، قائلين: " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور "
ولهذا قال: { {ثُمَّ اللَّهُ} } بعد الإعادة { {يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} } وهي النشأة التي لا تقبل موتا ولا نوما، وإنما هو الخلود والدوام في إحدى الدارين.
{ {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } } فقدرته تعالى لا يعجزها شيء وكما قدر بها على ابتداء الخلق، فقدرته على الإعادة من باب أولى وأحرى.
{ {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} } أي: هو المنفرد بالحكم الجزائي، وهو إثابة الطائعين ورحمتهم، وتعذيب العاصين والتنكيل بهم.
{ {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} } أي: ترجعون إلى الدار، التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته، فاكتسبوا في هذه الدار، ما هو من أسباب رحمته من الطاعات، وابتعدوا من أسباب عذابه، وهي المعاصي.
{ {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } } أي: يا هؤلاء المكذبون، المتجرؤن على المعاصي، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم، أو معجزون للّه في الأرض ولا في السماء، فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم أنفسكم وخدعتكم، من النجاة من عذاب الله، فلستم بمعجزين الله في جميع أقطار العالم.
{ { وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ } } يتولاكم، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم، { {وَلَا نَصِيرٍ} } ينصركم، فيدفع عنكم المكاره.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١