مشكلة التصنع والمكر والحيل عند الأبناء
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الآباء الناجحون في أدوارهم التربوية مع أبنائهم يدركون أنهم يجب ألا يقتصروا على طرائق محددة وثابتة في تعاملهم مع أبنائهم وإلا فإن الأبناء سيُكونون سترًا وجدرًا ووسائل دفاعية نفسية يستطيعون من خلالها أن يحدوا ويقللوا من تأثير الآباء خصوصًا فيما يرونه غير مستساغ في شخصيات الآباء كالحزم وكثرة النصح وتقييد الحريات.فالأبناء بسبب كثرة معايشتهم مع والديهم يتوقعون سلوك الآباء والأمهات، ويتوقعون ردود أفعالهم تجاه المواقف المختلفة، بل إن بعضهم يدرك نوعية الكلمات التي ستوجه له وشكل التأنيب على الخطأ وطرائق العقاب أو الثواب...
هذه الطرق النفسية لدى الأبناء لها جانبان سلبي وإيجابي، فالإيجابي الذي يمكننا استغلاله في صالح العملية التربوية هو أن نسعى دومًا لتثبيت القيم المهمة في نفوسهم وعقولهم بحيث يكون الأبناء على معرفة بصوابية أعمالهم وتصرفاتهم من خطئها بناء على القيم التي تعلموها وبناء على ما يسمعونه من والديهم،, فالأب يعظم قيمة التدين فيأمر بالمحافظة على الصلاة، فالإبن يتوقع تأنيبًا له من والده إن هو ضيعها أو تكاسل فيها والابن يعلم قيمة الصدق في نفس الأم فيدرك أن كذبه سيترتب عليه غضب الأم وربما عقوبتها.
الجانب السلبي في هذا أن الأبناء بمعرفتهم كيفية الأداء التربوي لوالديهم وكيفية تعاملهم مع المواقف، ينجحون في تفويت الفرصة على الآباء والأمهات في المواقف التربوية، بل إن بعضهم ليتصنع ما يحبه الوالدان ليرضيهما مؤقتًا وهو على غير قناعة بما يفعل وربما يكون فعله إنما هو تغطية لسلوك سيء آخر (حكى لي بعض الآباء أن ابنه كان يحتفظ بسيديهات عنده على مكتبه ويكتب عليها أسماء بعض المشايخ وأهل العلم ...
فكان أبوه يمتدح ذلك فيه كثيرًا، لكنه للأسف اكتشف أن السيديهات لم تكن تحمل إلا أفلامًا سيئة!!
قد تتطور حيل الأبناء إلى تصنع الأمراض لعدم الذهاب إلى المدرسة أم درس العلم، أو إلى الكذب لتشويه صورة أحد زملائه يراهم أبوه أفضل منه دراسيًا أو خلقيًا ويعايره به أو إلى الوقيعة بين بعض أفراد الأسرة كان قد تسبب في ضيق لهم، أوغير ذلك مما هو معروف مشهور!
هناك بعض الحلول لمشكلة التصنع والمكر الذي يقوم به الأبناء وللحيل النفسية المختلفة التي يقومون بها:
أهم هذه الحلول هو التربية على الصدق، فالكذب داء عضال يبدأ صغيرًا وما يلبث أن يترسخ في نفسية الطفل فينشأ عليه ويعتاده في غالب حياته، وربما أقام بعضهم حياته على عدة كذبات.
التربية على الصدق ومعانيه تحتاج كلامًا كثيرًا وشرحًا مفصلًا لكنني أقول باختصار أن الصدق يترسخ في نفس الإبن على طريق بث الثقة بين الوالدين والإبن، كما يترسخ عن طريق الحزم بلا ضرب أو أذى، وعن طريق الاقتداء بالوالدين في ذلك.
كذلك فمحاولة تفهم الرسائل التي يوصلها الأبناء من خلال مواقفهم شيء هام للغاية، فلسنا نحن الطرف الوحيد في العملية التربوية لكي نقصر التربية على الإرسال والنصح والأمر والتوجيه والوعظ، بل إن هناك طرفًا آخر مستقبلًا، له شخصيته بصفاتها وملامحها واحتياجاتها، يجب اعتباره وتقديره وفهم ما يريد أن يرسله لنا أو ينبهنا له.
( تفيد الإحصاءات أننا نأمر أطفالنا بأكثر من 2000 مطلب إلزامي يوميًا!).
كذلك فالتفريغ الوجداني لما في صدور الأبناء شيء هام للغاية لإتقاء الحيل والمكر والتصنع منهم، فالإبن الذي يجيش صدره بهموم أو يمتلئ بمواقف سلبية تجاه ما يحيط به سيلجأ بلا شك إلى الحيل المختلفة في المواقف المختلفة، لذلك فأنصح دائمًا الوالدين أن يفتحا لأبنائهم مجالًا واسعًا للتعبير والحكاية والتكلم والتحدث والوصف وبيان آرائهم فيما حولهم من البيئة والمواقف والناس والمجتمع، ولست أبالغ لو قلت إن بعض الآباء قد يفاجئ بشخصية لإبنه مختلفة عما ظنه كثيرًا عندما يعطيه فرصه لتفريغ مافي صدره!
الحديث عن الطموح والآمال والأمنيات مهم للغاية أيضًا، وهو مركب من مركبات شخصية الأبناء وينبني عليه كثير من تصرفاتهم، فالأبناء يطمحون غالبًا إلى تحقيق ما يرونه لامعًا ومغريًا ومسببًا للشهرة والقوة والكسب والامتلاك وغيره، وهنا ينبغي أن يظهر دورنا التربوي فلنسمع لهم جيدًا ولنسألهم كثيرًا وبطرائق مختلفة عن آمالهم وأحلامهم وأمنياتهم ثم لنحاول تقويم ذلك بأساليب ذكية.
ولنحذر جدًا من تحقير أمنياتهم أو آمالهم، لأن ذلك سوف يسبب دفنها في عقله الباطن طوال السنين القادمات ليخرجها في وقت آخر من حياته!
عليك إذن بتقويم آمال ولدك بأسلوب يحبه الابناء، وتستطيع بطريقة الاستبدال أن تنجح كثيرًا في ذلك (بمعنى أن تقنعه أن يستبدل أمنية سلبية بأمنية إيجابية وتقوم بالعمل على تحقيقها له) وهكذا...
لست في حاجة أن أذكر الآباء والأمهات من أن الغضب من أهم مسببات الحيل عند الابناء، وأن الشدة من أهم مسببات الكذب عندهم، وأن التحقير من أهم مسببات التصنع فلنحذر...
وللحديث بقية إن شاء الله
خالد رُوشه
28/11/1435 هـ