الآداب القواعدية
مدة
قراءة المادة :
23 دقائق
.
الآداب القواعديةالحمد لله الذي يفتح على عباده من فضله ونعمائه، والصلاة والسلام على خير عباده وآله؛ أما بعد:
فهذه طريقة مبتكرة، وجادة مخترعة، جامعة بين الأدب والقواعد على نمط لطيف ظريف، والله أسأل أن يتقبلها وينفع بها؛ إنه جواد كريم.
متن الآداب القواعدية:
اعلم رحمك الله أن خير الأعمال الإخلاص؛ فبه الخلاص، فلا تُرِدْ بعملك غير الله؛ إذ ((الأمور بمقاصدها))[1]، و((إنما الأعمال بالنيات))[2]، وإياك وما يشين نفسك؛ فما لك نفس بعدها تستعيرها[3]، و((الساقط لا يعود))[4]، واحرص على الرزق الحلال، ولا يعجلنَّك حب الغنى لكسب الحرام؛ فإن ((من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه))[5]، وانتخب من تصاحب؛ فإن المرء على دين خليله[6]، و((التابع تابع))[7]، و((ما قارب الشيء يُعطَى حكمه))[8]، وفي الله والِ، وعليه عادِ؛ فإن ((الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا))[9]، وليكن ديدنك وهجيراك ترك البطالة والكسل، والعكوف على جمع العلم والعمل، وبذلك ينتفي عنك الفراغ، والملل فـ((المشغول لا يشغل))[10]، وإياك ومواطن الريب؛ فإن من دخل مداخل السوء اتُّهم، ومن عرض نفسه للتهم، فلا يلومنَّ مَن أساء به الظن[11]؛ فإنه ((لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل))[12]، و((إذا قويت القرائن قدمت على الأصل))[13]، واتقِ الله جهدك؛ فإنه ((لا واجب مع العجز ولا محرَّم مع الضرورة))[14]، و((المشقة تجلب التيسير))[15]، و((ما حُرِّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة))[16]، ولتكن السنة لعملك شعارًا ودثارًا؛ فإن ((الأصل في العبادات الحظر والمنع))[17]، و((لا قياس في العبادات غير المعقولة))[18]، واعلم أن الخير كل الخير فيما أمر الله، والشر كل الشر فيما نهى عنه الله؛ فـ((الشريعة مبنيةٌ على جلب المصالح ودرء المفاسد))[19]، و((النهي يقتضي الفساد))[20]، وكن من نفسك على حذر؛ فالظلم والجهل من شيم النفوس، و((اليقين لا يزول بالشك))[21]، والزم مثافنة الشيوخ ونهل العلم منهم لا من الكتب فقط، وإن وُجد من حاز العلم بلا شيوخ، فإن ((النادر لا حكم له))[22]، ولا تقنع من الفضائل إلا بالغاية، فإن عجزت فـ((الميسور لا يسقط بالمعسور))[23]، واعلم بأن حق العلم وأهله التعظيمُ والإكرام، ومن تعظيم العلم تعظيم أوعيته فـ((البدل له حكم المبدل))[24]، و((الكتاب كالخطاب))[25]، وإياك والبخل؛ فالبخل أخو الجبن، فهما رضيعا لَبان، ومن اتصف بهما فقد أقر على نفسه بانحطاط النفس و((لا عذر لمن أقرَّ ولو ادَّعى غلطًا))[26]، وإياك والغيبة؛ فإن ((الأصل في الأعراض التحريم))[27]، و((الأصل في الأبضاع واللحوم التحريم))[28]، و((المستقذر شرعًا كالمستقذر حسًّا))[29]، وإن مضيتَ في خير فأتمَّه ولا تنقطع دون بلوغه، وأتبع الفرس اللجام[30]؛ فإن ((الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بوجود شروطها وأركانها وانتفاء موانعها))[31]، والبس من الثياب الجميل الأبيض بلا شهرة وافتخار؛ فـ((العادة محكمة))[32]، واعلم أن العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام[33]، و((الوارث يقوم مقام مورثه))[34]، وكن للمسلمين سُلَّمًا؛ فتلك سجية الصالحين فــ((لا ضرر ولا ضرار))[35]، ولا تكن لوقتك قتَّالًا مِتلافًا؛ فإن ((الإتلاف يستوي فيه المتعمد وغيره))[36]، واعرف الحق تعرف أهله[37]، ولاتعكس فتنكس؛ فـ((لا عبرة بالتوهم))[38]، كما أنه ((لا عبرة بالظن البين خطؤه))[39]، وإن بلغك عن أخيك سوء فنفاه، فاعلم أنه ((لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح))[40]، و((الأصل في الأمور العارضة العدم))[41]، وإياك والآراء المضادة للنصوص؛ فإنها أهواء و((لا مساغ للاجتهاد في مورد النص))[42]، وليكن الرفق شيمتك والحلم طبيعتك، والبس لكل حالة لبوسها[43]؛ فـ((لا يقوم البدل حتى يتعذر المبدل منه))[44]، ولا تطلب من صاحبك حالًا لا تكون له منك فتكون من المطففين؛ فإنه ((لا ولاية لأحد على غيره إلا في حدود ولايته على نفسه))[45]، وأحسن الظن بأهل الخير والدين، ولا تترك ذلك لما تراه من بعض من تلبس بلباسهم زورًا وكذبًا؛ فإنه ((لا يبطل الأصل ببطلان فرع له))[46]، وإذا عمِلتَ عملًا فأشرِكْ إخوانك فيه معك؛ فإن يد الله مع الجماعة[47]، و((اتحاد الموجب والقابل ممنوع))[48]، وعليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين[49]؛ فإن ((كثرة الاستعمال لا توجب الترجيح))[50]، وأحسن تأديب ولدك؛ فإنه من كسبك وربحه من ربحك، فــ((الكسب يُملَك بملك الأصل))[51]، و((الغُنم بالغُرم))[52]، واعلم بأن حال الناس لا تصلح ولا تنتظم إلا بإمام، وبغير ذلك تكون الأمور فوضى بلا زمام؛ فإن ((من لا يُعرَف له ولي فالإمام وليه))[53]، وإذا حزبك أمر فاستخِرْ واستشر، واعلم بأن ((الشورى إنما تجري فيما يجوز فيه الاجتهاد))[54]، وإذا تشبَّهتَ فكن شبيهَ الكرام لا اللئام؛ فإنه ((يمنع في الشريعة التشبه بكل ناقص))[55]، وليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر[56]؛ فإن ((احتمال أخف المفسدتين لأجل أعظمهما هو المعتبر في قياس الشرع))[57]، واسعَ في تحصيل العفاف ما أمكنك؛ فإن ((الوسائل لها أحكام المقاصد))[58]، و((يُغتفَر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد))[59]، وكن عزيزًا غنيًّا بالله مستغنيًا عن الخلق ما أمكنك، فإنه ((لا يلزم قبول المنة))[60]، و((لا يعتبر المكلف قادرًا بقدرة غيره))[61]، وإياك والنزاع والشقاق والخصام؛ فإن ((قطع المنازعة واجب ما أمكن))[62]، فــ((المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرم حلالًا))[63]، وسابق في الخيرات وسارع إلى الطاعات؛ فــ((الإيثار لا يكون في القُرب))[64]، وإذا استعرتَ شيئًا، فكن حافظًا له داعيًا لصاحبه، وإياك وإهمال حفظه؛ فإن ((الضمانات تجب إما بأخذ أو بشرط))[65]، و((تُضمن المثليات بمثلها والمتقومات بقيمتها))[66]، واعلم بأنك إذا لم تزد على الحياة شيئًا، فأنت زائد عليها؛ لأن ((ما لا قيمة له كالمعدوم))[67]، و((المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًّا))[68]، واعلم بأن ((العدل واجب في كل شيء والفضل مسنون))[69]، و((إنما شرعت القرعة عند تساوي الحقوق))[70]، وكن عارفًا بأهل زمانك عالمًا بأحوالهم وعوائدهم؛ فإن من علامات العاقل أن يكون عالمًا بأهل زمانه، حافظًا للسانه، مقبلًا على شانه[71]، و((التعيين بالعرف كالتعيين بالنص))[72]، و((المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا))[73]، وإياك والتنطع والتعمق والبدع وعليك بالعتيق[74]؛ فما سواه غواية وضلالة؛ إذ ((لا يُنسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان))[75]، و((المُكبَّر لا يُكبَّر))[76]، وليكن مشيك هونًا معتدلًا، لا سريعًا ولا بطيئًا، بلا كبر ولا عجرفة؛ فإنه ((لا ثواب ولا عقاب إلا بنيَّة))[77]، فالزم ما تقدم من النصح في كلامي؛ فإن ((إعمال الكلام أولى من إهماله))[78]، والصلاة والسلام على نبينا محمد وصحبه وآله.
[1] الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 12).
[2] الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية (ص: 26).
[3] جزء من بيت للحسين بن مطير، وهو: فنفسك أكرم في أمور كثيرة = فما لك نفس بعدها تستعيرها؛ [انظر: ديوان المعاني (2/ 248)، والدر الفريد وبيت القصيد (5/ 407)].
[4] غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (3/ 81).
[5] الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 152).
[6] أخرجه الحاكم في "مستدركه" (4/ 171) برقم: (7412)، (4/ 171) برقم: (7413)، وأبو داود في "سننه" (4/ 407) برقم: (4833)، والترمذي في "جامعه" (4/ 187) برقم: (2378)، وأحمد في "مسنده" (2/ 1687) برقم: (8143)، (2/ 1769) برقم: (8533)، والطيالسي في "مسنده" (4/ 299) برقم: (2696)، وعبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" (1/ 418) برقم: (1431).
[7] الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 102).
[8] موسوعة القواعد الفقهية (12/ 56).
[9] حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/ 276).
[10] المنثور في القواعد الفقهية (3/ 174).
[11] من الكلمات المنسوبة إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه؛ [انظر: ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (3/ 298)، والآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 289)].
[12] مجلة الأحكام المادة (35)، ومعلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (323/ 1).
[13] شرح القواعد السعدية للزامل (ص: 260).
[14] رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة للسعدي (ص: 102).
[15] المنثور في القواعد الفقهية (3/ 169).
[16] إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 408).
[17] القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 112).
[18] معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (275/ 29).
[19] نشر البنود على مراقي السعود (2/ 271).
[20] شرح الورقات في أصول الفقه للمحلي (ص: 117).
[21] الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية (ص: 26).
[22] من أصول الفقه على منهج أهل الحديث لزكريا الباكستاني (ص: 187).
[23] المنثور في القواعد الفقهية (1/ 230).
[24] فتح القدير لابن الهمام (9/ 519).
[25] القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 339).
[26] شرح القواعد السعدية للزامل (ص: 267).
[27] شرح منظومة القواعد الفقهية للشثري (ص: 73).
[28] المنثور في القواعد الفقهية (1/ 177).
[29] موسوعة القواعد الفقهية (10/ 590).
[30] مثل عربي شهير وهو: (أتبع الفرس لجامها والناقة زمامها)؛ [انظر: مجمع الأمثال (1/ 134)، وزهر الأكم في الأمثال والحكم (1/ 309)].
[31] القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة (ص: 50).
[32] الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 7).
[33] أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1/ 289) برقم: (88)، وأبو داود في "سننه" (3/ 354) برقم: (3641)، (3/ 355) (بدون ترقيم)، والترمذي في "جامعه" (4/ 414) برقم: (2682)، والدارمي في "مسنده" (1/ 361) برقم: (354)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 150) برقم: (223)، (1/ 161) برقم: (239)، وأحمد في "مسنده" (9/ 5082) برقم: (22129)، (9/ 5083) برقم: (22130)، والبزار في "مسنده" (10/ 80) برقم: (4145)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/ 10) برقم: (982).
[34] شرح القواعد السعدية للزامل (ص: 270).
[35] قواعد الفقه للبركتى (ص: 22).
[36] شرح القواعد السعدية للزامل (ص: 128).
[37] تنسب للصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه؛ [انظر: البيان والتبيين (3/ 144)، وميزان العمل (ص: 349)].
[38] الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية؛ (ص: 208).
[39] المنثور في القواعد الفقهية (2/ 353).
[40] شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص: 141).
[41] القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 111).
[42] شرح القواعد الفقهية (ص: 147).
[43] هذا المثل منسوب لبيهس وأصله: البس لكل حالة لبوسها = إما نعيمها وإما بؤسها؛ [انظر: جمهرة الأمثال (2/ 212)، والمستقصى في أمثال العرب (1/ 304)].
[44] موسوعة القواعد الفقهية (8/ 919).
[45] موسوعة القواعد الفقهية (8/ 934).
[46] موسوعة القواعد الفقهية (8/ 944).
[47] أخرجه مسلم في "صحيحه" (6/ 22) برقم: (1852)، (6/ 22) برقم: (1852)، (6/ 23) برقم: (1852).
[48] الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 280).
[49] انظر: مدارج السالكين (1/ 46).
[50] موسوعة القواعد الفقهية (8/ 279).
[51] قواعد الفقه للبركتي (ص: 100).
[52] القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 543).
[53] معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (283/ 26).
[54] معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (343/ 26).
[55] معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (327/ 18).
[56] الاستقامة (2/ 211).
[57] موسوعة القواعد الفقهية (1/ 230).
[58] رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة (ص: 54).
[59] الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 58).
[60] معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (256/ 18).
[61] فتح القدير لابن الهمام (1/ 124).
[62] موسوعة القواعد الفقهية (8/ 214).
[63] موسوعة القواعد الفقهية (5/ 95).
[64] المنثور في القواعد الفقهية (1/ 214).
[65] قواعد الفقه (ص: 89).
[66] شرح القواعد السعدية للزامل (ص: 155).
[67] معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (424/ 4).
[68] موسوعة القواعد الفقهية (10/ 742).
[69] شرح القواعد السعدية للزامل (ص: 149).
[70] معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية (413/ 13).
[71] انظر: جمهرة الأمثال (1/ 22)، وإحياء علوم الدين (3/ 111).
[72] شرح القواعد الفقهية (ص: 241).
[73] شرح القواعد الفقهية (ص: 237).
[74] هذه الوصية نُقلت عن جمع من السلف رضوان الله عليهم؛ منهم: ابن مسعود ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما؛ [انظر: الاعتصام (1/ 129)].
[75] قواعد الفقه (ص: 113).
[76] المنثور في القواعد الفقهية (3/ 197).
[77] القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 69).
[78] الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 189).