أرشيف المقالات

الابتسامة والمصافحة سنة نبوية

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
من خلال المنهج النبوي الذي يوجهنا دائماً إلى طريق الخير والصلاح، والسعادة والفلاح، أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الابتسامة والمصافحة عند التقائنا ببعضنا البعض، ففي ذلك تعزيز للأخوة بين المسلم وأخيه، وتقوية للأواصر والصلات، ونشر للألفة والمحبة بين أفراد المجتمع ..
والمواقف والأحاديث النبوية التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلالها على الابتسامة والمصافحة عند اللقاء كثيرة، منها: الابتسامة : البشاشة والابتسامة هي طلاقة الوجه، وهي تظهر في ملامح الوجه وحركة الشفاه، كما تبدو في التبسط والتحبب، ومحاولة التقارب وروعة الاستهلال، وهي ـ الابتسامة عامة وعند اللقاء خاصة ـ أسرع طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، وهي من الخصال المتفق على استحسانها وامتداح صاحبها، وقد فطر الله الخَلْقَ على محبة صاحب الوجه البسَّام، وهي مع ذلك كله سنة نبوية وصدقة لك عند الله عز وجل تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة بمالك، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحْقِرَنّ من المعروف شيئاً وَلَوْ أن تفرغ من دَلْوِك في إناء الْمُسْتَسْقِي، ولو أن تُكَلِّمَ أخاك ووجهك إليه مُنْبَسِط (عليه سرور وانشراح)) رواه ابن حبان.
قال ابن علان في دليل الفالحين: "أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين". وقال ابن بطَّال: "فيه أن لقاء الناس بالتَّبسُّم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النبوة، وهو مناف للتكبُّر، وجالب للمودَّة". أخو البِشْرِ محبوبٌ على حُسْنِ بِشْرِهِ ولن يعدم البغضاءَ منْ كان عابسا وكان نبينا صلى الله عليه وسلم مع علو منزلته وكثرة مسئولياته أكثر الناس تبسُّمًا، وطلاقة وجهٍ في لقاءِ من يلقاه، وكانت البسمة إحدى صفاته التي تحلّى بها، حتى لم تَعُد الابتسامة تفارق مُحيّاه، وصارت عنواناً له وعلامة عليه، وكان لا يُفَرِّق في حُسْن لقائه وبشاشته بين الغنيّ والفقير، والأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويُحسِن لقاءهم، يعرف ذلك كل من صاحبه وخالطه، كما قال عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: (ما رأيتُ أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الترمذي.
وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (ما رآني رسول الله لى الله عليه وسلم إلا ابتسم في وجهي) رواه البخاري. قال ابن عيينة: "البشاشة مصيدة المودَّة، و البِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن". المصافحة : المصافحة عند اللقاء من الآداب والسنن النبوية، وهي تعبير عن المحبة والمودة بين المتصافحين، عن قتادة رضي الله عنه قال: (قُلْتُ لأنس بن مالك: هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسم؟ قال: نعم) رواه البخاري.
وقد جاء في فضلها أحاديث عظيمة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا لقِيَ المسلم أخاه المسلم فأخذ بيدِه فصافحه تناثَرَتْ خطاياهما من بين أصابعهما كما يتناثرُ وَرَقُ الشجرِ بالشِّتاء) رواه الطبراني.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفِرَ لهما قبل أن يفترقا) رواه أبو داود.
قال المناوي: "(ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان) ذكرين أو أنثيين، (إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) فيسن ذلك مؤكداً ..
قال النووي: والمصافحة سنة مجمع عليها عند كل لقاء".
وقال ابن حجر: "الذي دلت عليه صرائح السنة وصرح به النووي وغيره أنه حيث وُجِدَ تلاقٍ بين اثنين سنَّ لكل منهما أن يصافح الآخر". فائدة: الأحاديث في فضل المصافحة عند اللقاء تشمل مصافحة الرجل للرجل، والمرأة للمرأة، أما مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه فيحرم ولا يجوز، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد (ما يخاط به من الإبرة ونحوها) خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني.
قال الصنعاني: "ظاهره ولو بغير شهوة، وفيه تحريم لمس الأجنبية". وعن عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا أصافح النساء) رواه النسائي، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام) رواه مسلم.
قال النووي: "وقد قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه حرم مسه، بل المس أشد".
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت: (لا، والله ما مسَّتْ يـدُهُ يـدَ امرأةٍ قطُّ في المبايعة، ما بايعهن إلا بقولِهِ: قد بايعتك على ذلك)، وفي روايةٍ لابن ماجه: (ولا مسَّتْ كفُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفَّ امرأةٍ قطّ، وكانَ يقولُ لهنَّ إذا أخذ عليهن: قد بايعتكن، كلاماً) . قال ابن حجر:"قوله: (قد بايعتكن كلاماً)، أن يقول ذلك كلاماً فقط، لا مصافحة باليد، كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة"..
فهذا نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم خير البشرية جمعاء، سيد ولد آدم، فكيف غيره من الرجال؟!.
قال النووي "قولها: (والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) فيه: أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كفٍّ، وفيه أنَّ بيعة الرجال بأخذِ الكَفِّ مع الكلام، وفيه أنَّ كلام الأجنبية يُباح سماعُهُ، وأنَّ صوتها ليس بعورة، وأنه لا يلمسُ بشرةَ الأجنبيَّة من غير ضرورةٍ، كتطبيب ..". لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تقوية أواصر المحبة والألفة بين المسلمين، واعتنى بذلك عناية كبيرة، وذلك لأن قوة المجتمع وسعادته في الأخوة والألفة والمحبة بين أفراده، وليس هناك أغيظ لأعداء الإسلام من اجتماع المسلمين وتآلفهم وحبهم، وتلاحمهم وترابطهم، ولا شك أن هناك أسبابا كثيرة تؤدِّي إلى الأُلْفَة والمحبَّة، وتقوية الروابط والعلاقات بين أفراد المجتمع، منها: الابتسامة والبشاشة والمصافحة عند اللقاء، وإفشاء السلام، والكلمة الطيبة، وحسن العشرة، والتواضع، وزيارة المسلم وعيادته إذا مرض، وإطعام الطعام ولين الكلام، والتهادي، والبعد عن كل ما يؤدي إلى الاختلاف والشحناء ..
إلى غير ذلك من الأمور التي أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وحثنا عليه بقوله وفعله..
قال ابن عثيمين: "وظيفة المسلم مع إخوانه، أن يكون هيِّنًا ليِّنًا بالقول وبالفعل، لأنَّ هذا ممَّا يوجب المودَّة والألفة بين الناس، وهذه الأُلْفَة والمودة أمرٌ مطلوبٌ للشَّرع" .

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣