رزق أهل الرباط
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
رزق أهل الرباطالحمدُ لله ذي الجَلال، المنعوتِ بصِفات الكمال، والصَّلاةُ والسلام على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد:
فإنَّ من أسماء الله تعالى الحسنى: (الرزَّاق)؛ قال جلَّ شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال تعالى أيضًا: ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ ﴾ [الرعد: 26]، وقال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].
خلَق عِبادَه ورزَقهم، فلم ينسَ منهم أحدًا؛ رزَق الطَّيرَ في الهواء، ورزق الحوتَ في الماء، ورزق الحيَّةَ في العراء، ورزق الوحوشَ في الصحراء، ورزق الدود في الصخرة الصمَّاء، ورزق النملةَ الصَّغيرة السوداء.
ورِزْق الله ينقسم إلى قسمين:
الأول: الرِّزق العام، وهو يشمل البَرَّ والفاجِر، والمسلمَ والكافر، وكلَّ دابَّة؛ وهذا رزق الأبدان، ﴿ وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]؛ فقد تكفَّل سبحانه بقُوتِها وما يقيمها، ويسَّر لها أسبابَ الرِّزق: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60]، وقد استنكر الله عبادةَ الكفَّار مَن لا يرزقهم، قال سبحانه: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [النحل: 73].
الثاني: الرِّزق الخاص؛ فهو ما يقوم به الدِّينُ مِن العلم النَّافع والعمل الصالح، والرزقِ الحلال المُعِين على طاعة الله[1].
والرزَّاق سبحانه وتعالى هو الذي يتولَّى تنفيذَ المقدر في عطاء الرِّزق المقسوم والذي يخرجُه في السماوات والأرض؛ فإخراجه في السماوات يعني أنَّه مقضيٌّ مَكتوب، وإخراجه في الأرض يعني أنَّه سينفذ لا مَحالة.
فالرِّزق أولًا مَكتوب في اللَّوح المحفوظ، ثمَّ بعد ذلك ينزل في السماوات لتعرفه الملائكة وتنزل به إلى صاحب الرِّزق في الأرض، فينفذ على صاحبه.
ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحِّد ومخاطبته سليمان: ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النمل: 25].
فيا مَن اخترتَ فلسطين سكنًا وموطنا، أتخشى على رزقك؟ اصبِرْ وصابِر ورابِط، أتغفل أنَّك في أرض الرِّباط؟!
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوَّلُ هذا الأمرِ نبوَّةٌ ورحمةٌ، ثم يكونُ خلافةً ورحمةً، ثم يكونُ مُلكًا ورحمةً، ثم يكونُ إمارةً ورحمةً، ثم يتكادمون عليها تكادُمَ الحميرِ؛ فعليكم بالجهادِ، وإن أفضلَ جهادكم الرِّباطُ، وإن أفضلَ رِباطِكم عسقلانُ[2]))[3].
أم أتدري أنَّك في الصَّفوة؛ وأهل الصَّفوة يُبتلَون ويمحَّصون ما لا يُبتلى ويمحَّص غيرهم، ألم تَسمع حديثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صَفوةُ اللهِ من أرضِه الشَّامُ، وفيها صَفْوتُه من خلقِه وعبادِه، ولَيدْخُلَنَّ الجنَّةَ من أمَّتي ثُلَّةٌ لا حِسابَ عليهم ولا عذابَ))[4].
يا مَنِ اخترتَ ساحلًا مِن سواحل الشام، أبشِرْ فإنَّك لن تُضَيَّع!
عن عبدالله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّكم ستجنِّدونَ أجنادًا؛ جندًا بالشَّامِ، وجندًا بالعراقِ، وجُندًا باليمَنِ))، فقلتُ: يا رسولَ الله، خِرْ لي، قالَ: ((عليْكَ بالشَّامِ، فمَن أبى فليلحَقْ بيَمَنِه وليَسْقِ من غُدُرِهِ؛ فإنَّ اللَّهَ قد تَكفَّلَ لي بالشَّامِ وأَهلِهِ))، قال أبو إدريسَ[5]: مَن تَكفَّلَ اللَّهُ بِهِ، فلا ضيعةَ عليه.
فلا تقلق ولا تخَف على رِزقك في أرض البركة والخير؛ قال تعالى: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71]، عن قتادة، قال: كانا بأرض العراق، فأُنجيا إلى أرض الشَّأم، وكان يقال للشَّأم: عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زِيدَ في الشَّأم، وما نقص من الشأم زِيدَ في فلسطين، وكان يُقال: هي أرض المَحْشَر والمَنْشَر، وبها مَجمع الناس، وبها يَنزل عيسى ابن مريم، وبها يُهلِك اللهُ شيخَ الضلالة الكذَّاب الدجَّال[6].
ختامًا: أسأل اللهَ تعالى أن يبرم لأمَّة الإسلام إبرامًا رشدًا، وأن يجعل بلادَنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.
[1] مختصر شرح العقيدة الواسطية؛ للعلامة محمد بن صالح العثيمين 1/ 203.
[2] عسقلان: مدينة من مُدُن فلسطين، تقع على الساحل الغربي، بالقرب من قطاع غزة.
[3] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، والهيثمي في معجم الزوائد، والألباني في السلسلة الصحيحة، وقال: إسناده جيد.
[4] أخرجه ابن حبان في صحيحه، والطبراني في الأوسط.
[5]عائذ الله بن عبداللهأبو إدريس الخولاني، قال عنه الذهبي: قاضي دمشق وعالمها وواعظها، وُلِد عام فتح مكة 8 هـ بحياة النبي ولكن لم يصحبه، ووالده يُعدُّ من الصحابة، ولكنه أدرك وصحب عددًا كبيرًا من الصحابة، مثل: أبي ذر الغفاري وأبي موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وأبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شُعبة، وروى الحديثَ عنهم وعن غيرهم من الصحابة.
[6] تفسير الطبري (18/ 469).