أرشيف المقالات

تأثير الإسلام في الأخلاق

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
تأثير الإسلام في الأخلاق

يكفي أن نقول: إن الإسلام ما ترك من مكارم الأخلاق شيئاً إلا حث عليه وجعله من متممات الدين حتى قال عليه الصلاة والسلام: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
والذي يدرس أخلاق العرب قبل الإسلام وبعده يدرك إلى أي مدى كان تأثيره فيهم، فبعد أن كانت العصبية الجاهلية تهيمن عليهم فتنغص حياتهم بما تضرمه من حروب لا مبرر لها، جاء الإسلام ومزق حجابها، وقطع دابر الحروب الخائرة التي تنشأ عنها، وأبدلهم بأخلاقهم أخلاقاً لا تبلى جِدتها مع الزمن ولا تذوي نظارتها سَجيسَ الليالي.
 
وأما تأثيره الاجتماعي: فكان عظيماً إلى أقصى حدود العظم، فبينا كان العرب قبل الإسلام أمة منسية في الصحراء لا أثر لها ولا شأن، أصبحت بعده أمة نابهة الذكر، لامعة الاسم، تجمعها كلمة التوحيد، وتشد رابطتها قوة الدين، فدكت عرش قيصر، وثلت ملك فارس، ونشرت دينها ونفوذها بين الشرق والغرب في زمن حار في تأويل قصره المؤرخون الذين يؤمنون بمعجزة الإسلام.
 
أما أثر الإسلام العلمي: فيكفي أن نقول فيه: إن الأسس التي وضعها كانت دعامة المدنية الحاضرة، فبعد أن كانت الثقافة في القرون الوسطى تعتمد كل الاعتماد على آراء اليونان، وتقديس ما قال أفلاطون وأرسطو كل التقديس، جاء الإسلام فدعا الناس إلى استعمال العقل والتفكير في خلق السموات والأرض، فلو بقيت تلك الحرمة لآراء أرسطو وأفلاطون وغيرهم إلى الآن، لما كنا وجدنا هذه المدنية التي ننعم بها الآن.
ولقد اعترف بذلك الأستاذ (لكي) إذ قال: ((لم تبدأ النهضة الفكرية في أوربا إلا بعد أن انتقل التعليم من الأديرة إلى الجامعات، وإلا بعد أن حطمت العلوم الإسلامية والأفكار اليونانية والاستقلال الصناعي سلطان الكنيسة)).
 
ولقد أوجد المسلمون علوماً برهنت على الاختراع العقلي عندهم، كالنحو والصرف والبلاغة والتفسير والحديث والفقه الذي يعد مفخرة الإسلام ما تعاقب الجديدان.
ولقد اتصل الأوربيون بالمسلمين في الأندلس اتصالاً وثيقاً، واتخذ علماؤهم فلاسفة المسلمين أساتذة يتعلمون منهم ويدرسون عليهم، ونقلت أهم المؤلفات العربية إلى اللغة اللاتينية، وهي لغة الأدباء والعلماء في القرون الوسطى، واتصلوا معهم أيضاً في الحروب الصليبية، فكان من جراء هذا الاتصال ظهور المدنية التي نراها اليوم.
 
أما أثره الاقتصادي: فقد كان بالحث على العمل، والسعي في مناكب الأرض لتحصيل الرزق، ومتى وجدت الرغبة في العمل والشوق إليه ازدادت العمال، وحصل التزاحم، ونشأ عن ذلك الابتكار والاختراع، مما أوجد مدنية صناعية فنية إسلامية خاصة، لا تزال موضع إعجاب العلماء إلى يوم الناس هذا، ولا غرو في ذلك فإن الإسلام عد العمل ديناً وفرض على المسلمين تعلم كل ما يحتاجون إليه.
 
هذه هي الثورة التي لا نتردد بعدما تقدم من الكلام أن نسميها بالثورة الكبرى، فهي التي علمت الناس الحرية، والمساواة، والأخلاق، وحب العمل، وأوجدت فيهم كل نزعة صالحة، وانتزعت منهم كل خلة فاسدة، هذه هي الثورة التي ستبقى إلى الأبد ملء الأسماع والأبصار والعقول، والتي ستبقى السراج المنير للهداة والمرشدين والمصلحين، يستمدون منها قوتهم ويستعيدون نشاطهم، ويستوحون إلهامهم، ويستجمون راحتهم.
وإذ كان من شيء يؤسف له فهو تعوق المسلمين عن العمل بمبادئ هذه الثورة الكبرى، وركونهم إلى حياة خاصة يشوبها الذل، وتحفها الضعة وتتنافى مع قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].
 
وإذا كان من شيء يثلج الصدر، ويشرح النفس، فهو ظهور عصبة من الشبان المسلمين عاهدوا الله أن ينصروا أنفسهم بنصر دينه، وأن يعيدوا مكانتهم التي رفعها آباؤهم على جماجمهم، وأن يبعثوا مجدهم الذي سقاه أجدادهم بدمائهم، ولهم من حيوية الإسلام التي لا تنضب ومن صلاحه لكل عصر، خير عون لتحقيق آمالهم وإدراك أمانيهم، وبلوغ مراميهم.
وكما أصلح الإسلام العرب، وأخرجهم من الظلمات إلى النور قبل ثلاثة عشر ونيف من القرون كذلك سيصلح الله بالإسلام ما اعتور المسلمين في هذا العصر من ضعف وفتور، بسبب تركهم له ونبذهم لتعاليمه، وكأني أسمع من خلال الآفاق صوت الصيد الصناديد الذين ملكوا ناصية الأرض يصيحون بنا قائلين: لن تنجحوا إلا بالطريق الذي نجحنا به، وكأني بصوت يرن في أذني يجيب هذه الصيحة الداوية فأتبينه فإذا به صوت الشبان المسلمين الذين قد أصاخوا إلى نداء أولئك الأمجاد يرددون هاتفين: لبيكم أيها الآباء والأجداد، إنا على آثاركم سائرون، وإنا على غراركم لناسجون، وإنا لشريعة نبينا لحامون ومطبقون، وإنا لذكر أمة الوحي والقرآن والبيان لرافعون ومعلون.
 
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الرابعة، العدد الثاني، 1357هـ - 1358هـ

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن