أرشيف المقالات

(35) العلم قبل الطريق (4) - خطوات في التربية - مدحت القصراوي

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
التحذير من انحراف المتعبدين (عقائد الحلول والاتحاد)
يقعد الشيطان هناك، على كل سبيل الى الله تعالى {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
مما يحذر السالك لربه والعابد أن لا يخلط عمله بشرك أعظم فالله تعالى قال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]، هذا خطاب لخير الخلق صلى الله عليه وسلم، خطابًا له ولمن خلفه من أمته وللخلق جميعًا.
ونفس الخطاب وجه لإخوانه من الأنبياء والرسل {ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88].
والشيطان يقطع طريق السالكين إلى ربهم تعالى فيبث لهم عقائد باطلة تتلقاها نفوس مريضة ومنحرفة، وكثيرًا ما يخدع العبّاد خوف أن يفلتوا منه وينجون بأنفسهم.
فبينما هناك متصوفة السنة الذين يلتزمون الكتاب والسنة فيقول أبو سليمان الداراني: "تعرض عليّ النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل: الكتاب والسنة"، وقال الجنيد: "مذهبنا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدَى به في طريقنا".(راجع مدارج السالكين جـ2، صـ 40، 41).
في المقابل هناك منحرفون منتسبون للتعبد، ومن هذا الانحراف ممن يظن أن الولاية تعني الحلول والاتحاد بالرب تعالى.
وهذا كفر أعظم وخلل في الربوبية وضلال مبين ومخالفة للحقيقة؛ إذ أن غاية العبد هي تحقيق العبودية لله تعالى، ولذا ذكر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية في أعلى مراتبه والثناء عليه فذكره عند الإسراء {أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] وعند الوحي {فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ} [النجم:10] وعند قيامه بواجب الدعوة إلى وحدانية الله تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [ الجن :19]، وعند التحدي بالقرآن العظيم {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا} [البقرة:23].
وأما الحديث  القدسي «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها»، فهذا معناه معية الله تعالى للعبد وحفظ جوارحه عن المعصية، فيكون جزاء العبد ومقتضى المحبة:
1-  أن يعمل العبد بمعية الله تعالى، وهذا جانب الربوبية.
2- ويعمل من أجله، وهذا جانب الألوهية.
وهذه هي أعظم نعم الله تعالى على عبده، فعلى هذين المعنيين يدور الحديث الكريم ويعد الله تعالى عباده المتقربين المتحببين إليه عندما يحبهم تعالى.
فالله تعالى بائن من خلقه مستوٍ على عرشه، ليس في خلقه شيء من ذاته، وليس في ذاته شيء من مخلوقاته.
والله تعالى يقرب من خلقه كيف يشاء، فهو العلي الكبير، والله تعالى عليّ أعلى، وهو في علوه قريب، وهو مع خلقه بسمعه وبصره وعلمه، وهو الظاهر فوق كل شيء وهو الباطن فكل شيء بادٍ له ومكشوف بين يديه لا يحجزه مخلوق عن مخلوق، وهو محيط بكل شيء حيث الشيء لا يحيط بنفسه.
والقُرب هو غاية السابقين ومثار أشواق المحبين وحادي السائرين ولا يحيط به وصف إنما يجده في الدنيا بقلبه العابد وهو غاية سعيه في الآخرة.
أما عقائد الباطل من الحلول والاتحاد فهي عقائد وثنية تسللت من وثنية الهند واليونان وقدماء الفراعنة ثم المسيحية المحرفة، فلا يخدعنك مغرور.
يتبع إن شاء الله تعالى.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن