أرشيف المقالات

أبواب الخير متسعة يا من يروم الدخول - محسن العزازي

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
 

جاء الاسلام بخيري الدنيا والآخرة جاء لجلب الخير ودفع الشر يقول الله تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [البقرة : 208]، فنادك بأحب الصفات إلى النفس صفة الإيمان ورغبك في الخير بحلم وحذرك من الشر بلطف، أتى عبدالله بن مسعود رجل فقال: اعْهَدْ إليَّ، فقال له: إذا سمعْتَ الله يقول: ”يا أيها الذين آمنوا” فأَرْعِها سَمْعك؛ فإنه خيرٌ يَأمر به، أو شَرٌّ يَنهى عنه.
وقد جاء النداء بلفظ الإيمان في القرآن الكريم نحو تسع وثمانين مرة فانظر إلى مدى حب الله لأهل الإيمان.
وأهل الصلاح يدركون قيمة الخير فحرصوا عليه في القول والفعل والسر والجهر، وقد مدح الله تعالى أنبياءة لمسارعتهم في فعل الخير فقال تعالى:  {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}  [الأنبياء:90]، ومدح من صار على نهجهم فقال تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:61]، وأمرنا بالتسابق في الخير فقال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } [البقرة: 148]، وبين أن حقيقة التنافس لا تكون إلا فيه فقال: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، ووضع جائزة ذلك التنافس الجميل وقال: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ .
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ .
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}
 [الواقعة:10 – 12]؛ قال ابن القيِّم: “السَّابِقُونَ في الدُّنْيا إلى الخَيْراتِ هُمْ السَّابِقُونَ يومَ القَيامةِ إلى الجن َّات”.،
وأعمالُ الطاعةِ والعِبادةِ مُتنوِّعةٌ ومُتعدِّدةٌ، وهِمَمُ الناسِ في الإقبالِ عليها مُتفاوِتةٌ، ومِن ثَمَّ كانتْ أُجورُ العِبادِ ودَرَجاتُهم مُتفاوِتةً عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: { إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } [الكهف : 30]، فكل من شارك في السباق، وظن قلة العمل له جائزة على قدر جهده وطاقته، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أَخرِجوا مِنَ النار ِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مَن كان في قلبِه مِنَ الخَيرِ ما يَزِنُ ذَرَّةً، أَخرِجوا مِنَ النارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مَن كان في قلبِه مِنَ الخَيرِ ما يَزِنُ شَعِيرةً، أَخرِجوا مِنَ النارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مَن كان في قلبِه مِنَ الخَيرِ ما يَزِنُ بُرَّةً» [1].
نمازج فى المسارعة في الخيرات
الناظر للمسارعة بين الناس اليوم من أجل حمع المال، أو المنصب والجاه، أوالمنافسة في تشيد أعلى برج وأكبر مسرح وأفضل فيلم وأحسن لاعب قال تعالى:  {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}  [ القيامة : 20].
ولقد كان صلى الله عليه وسلم مثالاً أعلى في المسارعة إلى الخير يقول عقبة بن الحارث: «"صَلَّيْتُ ورَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِن سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عليهم، فَرَأَى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِن سُرْعَتِهِ، فَقالَ: ذَكَرْتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فأمَرْتُ بقِسْمَتِهِ» [2]، يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم: المُبادرةُ لأداءِ القُرباتِ، وفِعلِ الخَيراتِ، وتَعجيلِ إيصالِ البِرِّ، والتَّحذيرُ مِن تأخيرِه.
وهؤلاء الصحابة من تربوا في مدرسة النبي أئمة الهدى يقول الله تعالى قيهم:  {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}  [الأنبياء: 73]، فأينما وجدوا الخير جمعوه وبذلوه لله تعالى فمن أثار حمية الخير في نفوسهم النبي صلى الله عليه وسلم، يقول النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: « بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ فأخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له.
ثُمَّ قَالَ: الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِيقُ، وصَاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ، وقَالَ: لو يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عليه.
ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ ولو يَعْلَمُونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا»
[3].
وهذا بلال يسبق إلى الجنة بوضوئه وصلاته؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ «أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لِبِلَالٍ: عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ يا بلَالُ حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ، فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ» [4]، يبين عَظيمُ مُجازاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لعِبادِه على اليَسيرِ مِن أعمالِهِم.
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان سباقا، وحريصا على أن يكون له سهم في كل وجوه الخير، بعدما أشعل النبي حب المنافسة الفاضلة في نفوس أصحابه، فيسألهم:  «مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ» .[5]
ومنافسة عمر لأبي بكرٍ رضي اللهُ عنهما يقول عمر: «أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ نتصدقَ، فوافقَ ذلك عندي مالًا فقلتُ: اليومَ أسبقُ أبا بكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قال: فجئتُ بنصفِ مالي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ قلتُ مثلهُ، وأتى أبو بكرٍ بكُلِّ ما عنده، فقال يا أبا بكر: ما أبقيتَ لأهلِكَ؟ فقال: أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسبِقُهُ إلى شيءٍ أبدًا» [6].
وهذا أبو الدحداحِ الأنصاريُّ  يسارع الى الخير أنَّ رجُلًا قال: «يا رسولَ اللهِ، إنَّ لفُلانٍ نَخلةً، وأنا أُقيمُ حائطي بها، فأْمُرْه أنْ يُعطيَني حتى أُقيمَ حائطي بها، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَعطِها إيَّاه بنَخلةٍ في الجَنَّةِ فأَبى، فأَتاه أبو الدَّحْداحِ فقال: بِعْني نَخلتَكَ بحائطي، ففعَلَ، فأَتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قدِ ابتَعْتُ النَّخلةَ بحائطي، قال: فاجعَلْها له، فقد أَعطَيْتُكها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كم من عِذقٍ رَداحٍ لأبي الدَّحْداحِ في الجَنَّةِ، قالها مِرارًا، قال: فأَتى امرأتَه فقال: يا أُمَّ الدَّحْداحِ، اخرُجي منَ الحائطِ؛ فإنِّي قد بِعْتُه بنَخلةٍ في الجَنَّةِ، فقالت: ربِحَ البَيعُ، أو كلمةً تُشبِهُها» [7].
كانَ أبو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالًا مِن نَخْلٍ، وكانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْخُلُهَا ويَشْرَبُ مِن مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ.
قَالَ أنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ:  {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}  [آل عمران: 92] «قَامَ أبو طَلْحَةَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يقولُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، وإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أرْجُو برَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يا رَسولَ اللَّهِ حَيْثُ أرَاكَ اللَّهُ.
قَالَ: فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَخٍ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، وقدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ، وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ.
فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يا رَسولَ اللَّهِ.
فَقَسَمَهَا أبو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ»
[8]،
ويقول عمر بن الخطاب «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ، عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَامَ فَتَسَمَّعَ قِرَاءَتَهُ، ثُمَّ رَكَعَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَجَدَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ مِنَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، قَالَ: فَأَدْلَجْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِأُبَشِّرَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا ضَرَبْتُ الْبَابَ - أَوْ قَالَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتِي - قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ لِأُبَشِّرَكَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَدْ سَبَقَكَ أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: إِنْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ سَبَّاقٌ بِالْخَيْرَاتِ، مَا اسْتَبَقْنَا خَيْرًا قَطُّ إِلَّا سَبَقَنَا إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ» [9].
وروى أبو نُعيمٍ في حليةِ الأولياء أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي اللهُ تعالى عنه خرجَ في سوادِ الليلِ فرآهُ طلحةُ، فذهبَ عمرُ فدخلَ بيتًا ثم دخلَ آخرَ، فلمَّا أصبحَ طلحةُ ذهبَ إلى ذلك البيتِ فإذا بعجوزٍ عمياءَ مقعدةٍ، فقال لها: ما بالُ هذا الرجلِ يأتيكِ؟ قالتْ: إنَّهُ يتعهدُنِي منذُ كذا وكذا يأتينِي بمَا يُصلحُنِي، ويخرجُ عنِّي الأذىَ، فقالَ طلحةُ: ثكلتكَ أمُّكَ يا طلحةُ أعثراتِ عمرَ تتبعُ؟!
كل منا بداخلة طاقة نور يريد الاسلام منا تنميتها فإياك أن تسلم نفسك للتسويف؛ فيأتيك عارض المنع فتضيع منك فرصة الفوز سارعوا قبلَ أنْ تندمُوا ولا ينفعُ الندمُ، قالَ تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ؛ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}  [المؤمنون:99-100]، وقال سبحانَهُ وتعالى:  {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } [المنافقون:10]؛ رُوِيَ أن الإمامَ الحسنَ البصريَّ وقفَ عندَ شفير قبرٍ بعدَ دفنِ صاحبهِ، ثم التفتَ إلى رجلٍ كان بجانبهِ فقالَ: أتراهُ لو يرجعُ للدنيا ماذا سيفعلُ؟! قال الرجلُ: يستغفرُ ويصلِّي ويتزودُ مِن الخيرِ.
فقال الإمامُ: هو فاتتهُ فلا تفتكَ أنت!! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» .[10].
فيَأمُرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المؤمِنينَ بالمُسابَقةِ والمُسارَعةِ بالأعمالِ الصَّالِحةِ قبلَ مَجيءِ الفِتَنِ التي تَكثُرُ في آخِرِ الزَّمانِ، أو قبلَ الانشِغالِ عَنها بوُقوعِ الفِتَنِ الَّتي تُثبِّطُ العامِلَ عن عَملِه.
قال تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}  [ الحج : 77]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتَنِمْ خمسا قبل خمْسٍ ، شبابكَ قبل هِرمكَ ، وصِحّتكَ قبل سقمكَ ، وغِناكَ قبل فقركَ ، وفراغكَ قبل شُغلكَ ، وحياتكَ قبل موتكَ[11].

دقات قلب المرء قائلـــة له *** إن الحياة دقـــــائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها ***   فالذكر للإنسان عمر ثان
وقد بين صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أبواب الخير فقال:  «ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ : الصَّومُ جُنَّةٌ ، والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ ، وصلاةُ الرَّجلِ من جوفِ اللَّيلِ قالَ : ثمَّ تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ، حتَّى بلغَ يَعْمَلُونَ، ثمَّ قالَ: ألا أخبرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كلِّهِ وعمودِهِ، وذِروةِ سَنامِهِ ؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ : رأسُ الأمرِ الإسلامُ ، وعمودُهُ الصَّلاةُ ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ » [12]
ويقول صلى الله عليه وسلم: « إنَّ أبوابَ الخيرِ لكثيرةٌ: التَّسبيحُ والتَّحميدُ والتَّكبيرُ والتَّهليلُ والأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المنكَرِ وتُميطُ الأذى عن الطَّريقِ وتُسمِعُ الأصَمَّ وتَهدي الأعمى وتدُلُّ المستدِلَّ على حاجتِه وتسعى بشدَّةِ ساقَيْكَ مع اللَّهفانِ المستغيثِ وتحمِلُ بشدَّةِ ذراعَيْكَ مع الضَّعيفِ فهذا كلُّه صدقةٌ منك على نفسِك» [13].
قال تعالى: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}  [البقرة: 148]، وبين جل وعلا أن كل عمل خير مهما كان صغيرا أو حقيرا فإنه يعلمه، قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} ( [لنساء: 127].
وكل عمل ستراه في صحيفة أعمالك قال تعالى:  {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه .
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}
 [الزلزلة: 8]، نعم فكل ما تعمله من خير ولو كان وزن ذرة تراه في الآخرة في صحيفتك ، وتشهد لك الجمادات.
«قَرَأَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ هذه الآيَةَ  يَومَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَهَا قال: أتَدْرُون ما أخبارُها؟ قالُوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ.
قال: فإِنَّ أخبارَها أنْ تَشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بِما عَمِلَ على ظَهرِها، تَقولُ: عَمِلَ يومَ كذا، كَذا وكذا ، فهذِهِ أخبارُها»
[14]، فهنيئًا لمن وفق لعمل الخير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ( البخاري [44]، ومسلم [193] بنحوه، والترمذي [2593] باختلاف يسير، وأحمد [13928] واللفظ له).
 (البخاري [851]).
 (البخاري [652]).
 (البخاري [1149]).
 (مسلم [1028]).
 (الترمذي [3675]).
 (أحمد [12482] إسناده صحيح على شرط مسلم).
 (البخاري [1461]، ومسلم [998]).
 (أحمد وصححه أحمد شاكر[1/97]).
 (مسلم[118]).
 (فتح الباري لابن حجر[11/239]).
 (الترمذي [2616]).
 (صحيح ابن حبان[3377]).
 (الترمذي [3353]، واللفظ له، والنسائي في (السنن الكبرى) [11693]، وأحمد [8867])

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن