فتاوى نور على الدرب [132]


الحلقة مفرغة

السؤال: عندنا في مصر المساجد التي توجد عليها وفيها الأضرحة موجود فيها بدع ومنكرات، ويقيمون عليها السرج، ويتخذون حولها المعازف والغناء، وبعض ألوان الدجل، مثل السحر، وترتكب فيها بعض المنكرات، ومثَّل بضريح السيد البدوي بطنطا، وغيرها في أنحاء الجمهورية، غير أنهم لا يؤدون الصلاة فيها على حقها الأوفى، والوجه الأكمل، أفيدونا أفادكم الله عن ذلك؟

الجواب: فإن بناء المساجد على القبور محرم، لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله وهو في السياق عليه الصلاة والسلام، حيث قال: ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد)، فبناء المساجد على القبور هو من فعل اليهود والنصارى، وهو من موجبات لعنة الله تبارك وتعالى، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدم هذا المسجد، ولا تصح الصلاة فيه، ولا يجوز للإنسان أن يقصده للتعبد فيه، أو لاعتقاد أن إجابة الدعاء هناك أحرى من إجابتها في المساجد الخالية من القبور، وكذلك أيضاً لا يجوز أن يدفن ميت في مسجد قد بني من قبل، فإن دفن ميت في مسجد قد بُني من قبل، فإنه يجب نبشه وإخراجه ودفنه مع المسلمين إن كان من المسلمين، أو مع غير المسلمين إن كان من غير المسلمين، والمهم أنه لا يجوز أن يوضع القبر في المسجد، ولا أن يبنى مسجد على قبر.

ولا يجوز أيضاً أن يعتقد المرء أن هذه المساجد المبنية على القبور أفضل من غيرها، بل هي مساجد باطلة شرعاً يجب هدمها والقضاء عليها، ولا فرق بين أن تكون هذه المساجد مبنية على من يُدعى أنهم أولياء، أو على أناس عاديين، فإن الحكم لا يختلف بين هذا وهذا، والواجب على المسلمين عموماً أن يقوموا لله تبارك وتعالى مخلصين له الدين، متبعين لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المتقين.

السؤال: أنا رجل لي أخت من الرضاعة، ولها أب وأم موجودان على قيد الحياة، وأن أهل -وأعتقد أنه يقصد أهلها- يوجد بيني وبينهم كراهية لأسباب بسيطة، فهل يجب علي أن أعامل أختي مثل معاملتي لإخواني من أمي وأبي؟ ومثَّل لذلك بقوله: إذا أتيت من سفر فهل يلزمني أن اشتري لها مثلما اشتري لإخواني الباقين، أرجو الإجابة؟

الجواب: لاشك أن الرضاعة صلة بين المرتضع وبين من أرضعته ومحارمها، ولكن هذه الصلة ليست كصلة القرابة بالنسب، فصلتها -أي: صلة جهة الرضاع- ليست كصلة جهة القرابة، ولكن لاشك أن من المعروف والحسن أن يقوم الإنسان لمن له حق عليه وصلة به، بما يجب له من صلة هذا الذي له الحق بحسب حقه، فإن ذلك من العدل الذي أمر به في قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] ، ولكنها ليست كصلة أختك من النسب، أي: من القرابة أو أمك أو أبيك أو ما أشبه.

السؤال: إذا كان هناك إنسان يحب صفة من صفات الخير والفضيلة، مثل الشجاعة أو الكرم، وهذه الصفة ليست موجودة فيه الآن، وهو يريد أن يغرسها في نفسه ويجعلها ملازمة له مدى الحياة، ويريدها بأي ثمن، حتى لو كلف ذلك حياته، فهل يستطيع؟ واعترض ووضع بين شرطتين -يبدو السؤال غريباً- ولكني أرجو منكم التكرم بحله، لأنه يهمني كثيراً، وجزاكم الله خيراً على ما تقدمونه من خدمة للمسلمين؟

الجواب: الأخلاق الفاضلة من الكرم والشجاعة وسعة البال وغيرها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: غريزي جبل الله العبد عليه، والثاني: اكتسابي يكتسبه العبد بالتمرن، فأنت أيها الأخ السائل يبدو من كلامك أنك تحب الشجاعة والكرم، ولكنك لست متصفاً بهما الآن، فقد فاتتك الغريزة، ولكن القسم الثاني وهو الاكتساب لم يفتك، فإنه بإمكانك أن تمرن نفسك على الشجاعة والإقدام في الأمور النافعة شيئاً فشيئاً حتى ترتقي إلى الكمال، وكذلك بالنسبة للكرم تعود نفسك البذل فيما فيه خير ومنفعة حتى تصل بذلك إلى الكمال، وليس الكرم وليست الشجاعة التهور في بذل المال، أو في بذل النفس وتعريضها للخطر، بل إن الكرم هو بذل المال في محله، والشجاعة أيضاً بذل النفس في محلها، وقد قال المتنبي :

الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني

فعندما تريد أن تتعود الكرم لا تسرف في الإنفاق وتبذر، ولكن أنفق حيث يكون الإنفاق خيراً من الإمساك، وأمسك حيث يكون الإمساك خيراً من الإنفاق، كذلك أيضاً في الشجاعة عندما تريد أن تكون جريئاً لا تأخذك في الله لومة لائم، ولا تبالي من أحد، أقدم حيث يكون الإقدام خيراُ من الإحجام، وأحجم حيث يكون الإحجام خيراً من الإقدام، على كل حال لابد من اتزان في هذين الأمرين.

السؤال: هل حصل في تاريخ البشرية أن هناك إنساناً كان جباناً في بادئ الأمر ثم تحول شجاعاً، ومن الذي ساعده على ذلك إن وجد؟

الجواب: لاشك أن هذا موجود، فإن كثيراً من المؤمنين الذين جاهدوا في سبيل الله، واكتسبوا الشجاعة التي اشتهروا بها، لاشك أن هذه الشجاعة في بعضهم لم تكن طبيعية، والذين كانت فيهم طبيعية أو جبلة لاشك أنها ازدادت بالممارسة والاكتساب حتى أصبحوا مضرب المثل في الشجاعة، ولا يحضرني الآن ذكر شخص معين من هؤلاء.

مداخلة: في نهاية رسالته يقول: إذا كانت حالتي هذه لا تصلح للإذاعة فأرجو إرسال الجواب لي خطياً، نقول: أبداً يا القعقاع بن عمرو من جدة، فرسالتك هذه تمس خصالاً حميدة جاء بها الإسلام وهي الشجاعة والكرم، والبرنامج يجيب على كل شيء محمود، أو معالجة شيء غير محمود.

الشيخ: وأقول للأخ السائل: إن اسمه هذا من أسماء الشجعان، فلعله يكون مثل من تسمى به.

مداخلة: أو يكون قد استعار الاسم أيضاً؟

الشيخ: الله أعلم.

السؤال: أرجو أن ترشدوني إلى ما فيه الخير، إني متزوج من خمسة أعوام، ودائماً يحصل بين الأسرة مشاجرة، ولي والدة وإخوان صغار ليس معهم سوى وجه الله، وأنا الذي أعمل وأصرف عليهم ودائماً تحصل مشاجرة بين زوجتي ووالدتي نتيجة الإخوان هم يأتون بالمشاكل، وعلى هذا الطريق وما تحصل به المشاجرة، ولم أدر ماذا أفعل، ولي بيت يبعد ثلاثة أمتار من بيت إخواني بنيته بخمسين ألف ريال يمني، ولا أدري هل أتصدى للوالدة لأني أعرف حقوق الوالدين، أم ماذا أفعل؟ فأفيدوني جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً؟

الجواب: إنه إذا لم يمكن العيش بسلام بين الأسرة فإنه لا حرج عليك أن تنقل زوجتك إلى محل آخر تسكن معها، وتستطيع أن ترضي والدتك بما تطيب به نفسها، وهذا أهون من بقاء الجميع في نكد، لا يتمتعون بحياة سعيدة، لا أنت ولا هم، وكونك تنفرد بأهلك في مكان آخر، ليس هذا من العقوق، بل هذا من الإصلاح، والله تبارك وتعالى لا يضيع أجر المصلحين، فالذي نرى لك أن تنفرد وزوجتك في مكان، وتكون مع أمك في قلبك وقالبك، وتأتي إليها بين ساعة وأخرى.

السؤال: هل يصح للمسلم أن يصلي صلاة الجمعة وراء الراديو، علماً بأنني كنت مقيماً في الجبل وليس بجواري مساجد لكي أصلي فيها، هل تصح صلاتي أم لا؟

الجواب: نقول: أما سُكْناك في الجبل، وكونه ليس حولك مساجد، فإنه لا تلزمك الجمعة، بل تصلي بدلها ظهراً، لأنك لست من أهل الجمعة مادمت لست في قرية، وأما صلاتك خلف المذياع فإن هذا لا يجوز، وذلك لأن الجمعة لابد أن يكون فيها اجتماع على إمام واحد، وكيف يصح الاجتماع وبينك وبين هذا الإمام مسافات بعيدة جداً؟! هذا إذا قُدر أن صلاة الجمعة تنقل مباشرة على الهواء من المسجد، فكيف وهو يحتمل أنها لم تنقل على الهواء، ولكننا نقول: إن كانت لم تنقل على الهواء فإنها لا تصح بلا إشكال في ذلك، وإن كانت تنقل على الهواء مباشرة فإنها لا تصلح أيضاً، وذلك لفوات المقصود من الجمعة وهو الاجتماع على إمام واحد في المكان والأفعال، والمسافات البعيدة هذه لا يتحقق معها هذا الشرط الذي لابد منه في الجمعة والجماعة أيضاً.

السؤال: أفيدكم أنه جرى علي حادث وذلك في وقت ليل، ودخلت المستشفى ونذرت أني ما أسافر بالليل، وعندما تعافيت ولله الحمد والشكر أجبرتني الظروف أن أسافر بالليل، أرجو الإفادة عن هذا الموضوع، وما هي الكفارة التي تنصحوننا بها، بحيث إني صاحب عمل، ويمكن العمل أو الواجب يجبرني على ما ذكرت وفقكم الله؟

الجواب: نقول: أولاً: لا ينبغي للمؤمن أن ينذر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: ( إنه لا يأتي بخير)، ومن المؤسف أن كثيراً من الناس ينذرون إذا حصلت لهم حوادث وأمراض وعلل وفقر، ينذرون لله تعالى إن زال عنهم ما يكرهون أن يفعلوا كذا وكذا، كأن الله سبحانه وبحمده لا ينعم عليهم إلا بشرط، وهذا في الحقيقة خلل ونقص، والذي ينبغي للمرء مادام الله قد عافاه من هذا النذر الذي يلزم به نفسه، أن يحمد الله على العافية، وألا ينذر، لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن النذر.

وأما موضوعك أنت فإن نذرك هذا له حكم اليمين، لأنه نذر على ترك مباح، فأنت لا بأس أن تسافر في الليل، وأن تكفر كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام، ومن المعلوم أن إطعام عشرة مساكين في وقتنا هذا متيسر جداً ولله الحمد، فأنت أطعم عشرة مساكين، إما أن تدعوهم إلي بيتك وتغديهم أو تعشيهم، وإما أن تملكهم فتدفع إليهم صاعين من الرز إن كانت الأصواع عندكم مثل الأصواع هنا في القصيم، وإلا فإن المعتبر بالكيلو كيلوين وأربعون غراماً لكل أربعة مساكين من الرز تدفعه إلى العشرة، ويحسن أن يكون معه شيء يؤدمه من لحم أو غيره، وبهذا تبرأ ذمتك.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع