أرشيف المقالات

الأصول الخمسة للمعتزلة

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
الأصول الخمسة للمعتزلة
 
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
ابتدع المعتزلة أصولًا خمسةً لم يعرفها سلف الأمة الأخيار، وهذه الأصول الخمسة هي الإطار الجامع لمذهب المعتزلة، وهي:
1- التوحيد، على طريقة الجهمية.
 
2- العدل، على طريقة القدرية.
 
3، 4، 5- الوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على طريقة الخوارج[1].
 
قال القاضي عبد الجبار[2]: (فأمَّا جملة ما كُلِّف به المرء...
يلزمه أنْ يعرف التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
[3].
 
وقال الخياط[4]: (وليس يستحِقُّ أحدٌ منهم اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا كَمُلت في الإنسان هذه الخصال الخمس؛ فهو معتزلي)[5].
 

المعنى العام لأصول المعتزلة الخمسة:
1- التوحيد: ومعنى التوحيد عندهم هو نفي أن يكون لله تعالى صفات أزلية؛ كالعلم، والسمع، والقدرة، والبصر، وحُجَّتُهم في إنكار صفات الله تعالى أنَّ إثباتها يستلزم تعدد القدماء، وهو شرك - على حد زعمهم.
 
وتأوَّلوا الآيات التي تُثبت الصفات، التي يُفهم منها أن له صفات كصفات المخلوقين، ورفضوا الأحاديث التي تُثبت هذه الصفات أيضًا، والمعتزلة في نفيهم الصفات وتعطيلها، وتأويل ما لا يتوافق مع مذهبهم من نصوص الكتاب والسنة، وافقوا الجهمية (المعطلة)، فهم الذين أحيوا آراءهم، ونفخوا في رمادها، وصيروها جمرًا من جديد، ومن هنا استحق المعتزلةُ أنْ يُطلق عليهم جهمية أو معطلة، وبناء على هذا الأصل أطلق المعتزلةُ على مَنْ عاداهم - وخصوصًا أهل السُّنة - أسماءً جائرة؛ مثل المشبهة، والحشوية.
وسمَّوا أنفسَهم أهلَ التوحيد، والمُنزِّهون لله، حيث نفوا الصفات عنه[6]!
 
2- العدل: ويقصدون به البحث في أفعال الله تعالى التي يصفونها كلَّها بالحُسن، ونفي القبح عنها، بما فيه نفي أعمال العباد القبيحة، وتحت ستار العدل؛ نفوا القدر، وأسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم، وأنهم الخالقون لها، مع أنهم يؤمنون بأنَّ اللهَ تعالى عالِمٌ بكلِّ ما يعمله العباد، وأنه تعالى هو الذي أعطاهم القُدرةَ على الفِعل أو الترك[7].
 
والمعتزلة لنفيهم القَدَر يُلقَّبون بالقدرية؛ لموافقتهم للقدرية في إنكار القدر، ولأنَّ أهل السنة يُثبِتون القدرَ لله تعالى، ويُؤمنون به خيرِه وشرِّه، حلوِه ومُرِّه، فهم يُطلِقون عليهم القدرية المجبرة[8].
 
وبناءً على هذا الأصل (العدل) الذي يعني نَفْيَ القدر؛ تأوَّلوا الآيات التي تفيد إثبات القدر لله تعالى؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وأنكروا الأحاديثَ الصحيحة التي تُثبت القدر.
 
3- الوعد والوعيد: ويقصدون به أنَّ الله وَعَدَ المطيعين بالثواب، وتوعَّد العصاة بالعقاب فيجب على الله - تعالى اللهُ عن قولهم علوًّا كبيرًا - أنْ ينفذ وعْدَه فيمَنْ أطاعه، ووعيدَه فيمَن عصاه، وتأوَّلوا الآيات التي تُفيد بأنَّ الله تعالى يعفو عمَّن يشاء، ويُعذِّب مَنْ يشاء؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، وردُّوا الأحاديثَ الواردة في شفاعة عصاة المؤمنين من أهل الكبائر، والأحاديثَ التي تفيد أنهم تحت المشيئة؛ إنْ شاء اللهُ عذبهم، وإنْ شاءَ غَفَر لهم.
 
ويلزم على هذا الأصل (العدل) أنَّ أصحابَ الكبائر - من عصاة المؤمنين - إذا ماتوا من غير توبة؛ فإنهم يستحقُّون بمقتضى الوعيد من الله النارَ خالدين فيها، إلاَّ أن عقابهم يكون أخفَّ من عقاب الكفار[9].
 
4- المنزلة بين المنزلتين: ويقصدون بها أنَّ مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان، ولا يدخل في الكفر؛ فهو ليس بمؤمنٍ ولا كافر، لكنه في منزلةٍ بينهما فاسق، والفاسقُ يستحق النار، والمعتزلة بقولهم هذا وافقوا الخوارج؛ لأنَّ الخوارج لَمَّا رأوا لأهل الذنوب الخلود في النار سموهم كفرةً، وحاربوهم، والمعتزلة رأت لهم الخلود في النار، ولم تجسر على تسميتهم كفرة، ولا جسرت على قتالهم، فضلًا عن قتال جمهور مخالفيهم، ولهذا قيل للمعتزلة: إنهم مخانيث الخوارج.
 
وكان لهذا الأصل أثره السَّيِّئ في موقف المعتزلة من الصحابة رضي الله عنهم، ولا سيما أصحاب الجمل، وصِفِّين من الفريقين[10].
 
5- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: توافق أهل السنة والمعتزلة في هذا الأصل، واتفقوا على أنه من الواجبات على الكفاية، إلاَّ أنه وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة فيما يلي:
أ- حملُهم الناس على المعروف والمنكر في مذهبهم وإلزامهم به، ويبدو هذا واضحًا في محنة خلق القرآن.
 
ب- طريقة تغيير المنكر؛ إذْ ساروا فيها عكس الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة تغيير المنكر (اليد، اللسان، القلب)، بينما تغيير المنكر عندهم يبدأ بالحسنى، ثم باللسان، ثم باليد، ثم بالسيف على عكس ما يرشد إليه الحديث.
 
ج- حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أم من أصحاب المعاصي من أهل القبلة.
 
د- أوجبوا الخروج على السلطان الجائر، متأثرين بتنطع الخوارج[11].
 
ومن فوارق الأصول عند المعتزلة: (أنَّ القرآن الكريم فَصْلٌ مُحكَم، وصراطٌ مستقيم، ولا خلافَ فيه ولا اختلاف، وأنَّ سنة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ ما كان لها ذِكْرٌ في القرآن ومعنى)[12].
 
وفي هذا الأصل الخامس بيان لموقفهم السيئ من السُّنة النبوية، فهم لا يأخذون إلاَّ بالسُّنة الموافقة للقرآن فقط، ولا يأخذون بالسُّنة المُستقِلَّة، وهذا الموقف له أثره السيئ حيث اتخذوه منهجًا خاصًا بهم، حَكَموا من خلاله على السُّنة النبوية، وهو عَرْضُ الحديثِ على القرآن الكريم، فما خالفه - ولو مخالفةً ظاهريةً يمكن الجمع بينهما - ردُّوه حتى ولو كان في أعلى درجات الصحة.
 
وهكذا كانت المعتزلة - في أصولهم - مخالفين لأهل السنة في مفهوم الإسلام الجامع، وكان لهذه الأصول الأثر السيئ على الإسلام "قرآنًا وسنة" وعلى المسلمين[13].



[1] انظر: الفرق بين الفرق، (ص 112).


[2] القاضي عبد الجبار: هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني، أبو الحسين، قاضي، أصولي، شيخ المعتزلة في عصره، يلقبونه قاضي القضاة، ولا يطلقون ذلك على غيره.
مات (سنة 415 هـ).
انظر: تاريخ بغداد، (11/ 113).


[3] شرح الأصول الخمسة، (ص 19).


[4] الخياط: هو أبو الحسين، عبد الرحيم بن محمد بن عثمان، شيخ المعتزلة البغدادية من نظراء الجبائي، وله مكانة عند المعتزلة.
انظر: تاريخ بغداد، (11/ 87).


[5] الانتصار، (ص 188).


[6] انظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، (2/ 834)؛ فتح الباري، (13/ 357)؛ شرح الأصول الخمسة، (ص 197).


[7] انظر: الملل والنحل، (1/ 41).


[8] انظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، (2/ 824)؛ موقف المعتزلة من السنة النبوية ومواطن انحرافهم عنها، د.
أبو لبابة حسين (ص 31).


[9] انظر: الملل والنحل، (1/ 42).


[10] انظر: الفرق بين الفرق، (ص 116)؛ الملل والنحل، (1/ 42).


[11] انظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، (2/ 849).


[12] رسائل العدل والتوحيد، يحيى بن الحسين (1/ 76).


[13] انظر: السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، (ص 110).

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن