من أسباب عذاب القبر .. أكل الربا [10]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المطر رحمة مادية من الله لعباده

أيها الإخوة في الله! القلوب فرحة، وهي تأمل المزيد من الله عز وجل من رحمته وغيثه، المطر ينزل في هذه اللحظات، والغيث يهمل والقلوب تأمل، والله يقول: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28].

وقد سمّى الله المطر أو الغيث رحمة؛ لأنه دليل رضوان من الله عز وجل، وأحياناً يأتي دليل عذاب وعقوبة من الله عز وجل، إذا غضب ربنا تبارك وتعالى حينما تنتهك حرماته ولا يستجاب لأمره، فهو يعذب بالمطر إما بالإنزال وإما بالمنع، فيمنعه فيموت الناس، أو ينزله فيموت الناس، ينزله حتى يغرقهم: وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40] ويمنعه حتى يموتون جوعاً وعطشاً، ولكن بالمقادير التي يحتاجها الناس يكون رحمة، أن ينزل الله المطر على الناس بالمقدار الذي يريدونه؛ لأن تحديد نسبة نزول المطر لا يملكها أحد على وجه الأرض: يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:27].

فإذا جاء الغيث على المقدار الذي يحتاجه الإنسان، من غير تدمير ولا تخريب، ولا كوارث، ولا فيضانات، ولا إهلاك، كان هذا دليل رحمة من الله عز وجل، قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28]. أما إذا جاء المطر كثيراً غزيراً مغرقاً مدمراً، فهو دليل عذاب من الله، ينبغي على هؤلاء الذين ينزل عليهم هذا الشيء أن يراجعوا حساباتهم مع الله، وأن يصححوا وضعهم قبل أن يكون المطر الذي نزل ناراً وعذاباً وحجارة من السماء -والعياذ بالله- فالمطر ينزل في هذه اللحظات وهذه الدقائق المباركة، ونحن نأمل من الله تبارك وتعالى أن يكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وأن يعطينا بقدر ما نحتاج فإنه أعلم بحاجاتنا تبارك وتعالى.

والله يا إخوان! القلوب تتألم كثيراً حينما نسمع الرعد ونرى البرق ونرى السماء ملبدة بالغيوم ثم ينزل من المطر قطرات وبعد ذلك يذهب، على ماذا يدل هذا؟ المفروض أن الإنسان العاقل يتأمل، كأنه يرينا تبارك وتعالى آثار رحمته ثم يبعدها منا من أجل أن نطلبه، وأن نتوب إليه، وأن نستغفره، وأن نلح عليه، وأن نراجع حساباتنا فيعطينا، وإلا فماذا؟ هذه عملية ترغيب وتشويق، أنت ترى محتاجاً وتعطيه شيئاً ثم تمنعه، من أجل أن يلح عليك، يقول: أعطني، زدني بارك الله فيك، فنحن نطلب من الله الذي لا إله إلا هو أن يسقينا وأن يسقي جميع المسلمين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا وغيث المطر في بلادنا وأوطاننا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأدر لنا به الضرع، وأنبت لنا به الزرع، واجعلنا فيه من السعداء في الدنيا والآخرة يا رب العالمين!

الرسول رحمة قلبية للناس

لقد سمّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة فقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. وفي الحديث الذي يرويه الحاكم وهو صحيح وقد ذكره السيوطي في صحيح الجامع، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا الرحمة المهداة) وقال عز وجل: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. فالرحمة القلبية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرحمة المادية هو المطر، وقد تأتي هذه ولا تأتي تلك، أي: ليس بالضرورة أن تأتي الاثنتين إلا إذا توفرت رحمة القلوب، إذا رحم الله القلوب بأن تمسك الناس بغيث القلوب عن طريق التمسك بالهداية الربانية والرسالة النبوية -رسالة الإسلام- جاءت تبعاً لها بالضرورة الرحمة الأخرى رحمة المطر، أما إذا تخلفوا عن الرحمة النبوية، ولم يتمسكوا بدين الله فقد تأتي الأولى لكن إما على سبيل العذاب والتدمير أو على سبيل الاستدراج والمكر من الله، كما يحصل الآن في بلاد الكفر، عندهم أمطار بالليل والنهار، لكن هل هذا دليل رضوان الله عليهم؟ لا. إنما يمتعهم الله عز وجل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً [آل عمران:178] من أجل أن يزداد العذاب عليهم.

وديننا الذي شرعه الله عز وجل، ونبينا الذي أرسله الله، وكتابنا الذي أنزله الله هو رحمة لهذه القلوب، يقول الله عز وجل: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] الرحمة العظيمة وسعت كل شيء، فيا حرج ويا شقاء من ضاقت عليه هذه الرحمة ولم تسعه، ولكن لا تسعه إلا إذا توفرت فيه الشروط التي ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف، فقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:156-157] أربعة عشر شرطاً لنيل هذه الرحمة، وللحصول على الفلاح أن تتوفر فيك كل هذه، فإذا توفرت بداية بالتقوى ونهاية بمناصرة هذا الدين واتباع هذا النور الذي أنزله الله على رسوله الكريم فأنت من المفلحين.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا غيث الإيمان والرحمة وغيث المطر إنه على ذلك قدير.

أيها الإخوة في الله! القلوب فرحة، وهي تأمل المزيد من الله عز وجل من رحمته وغيثه، المطر ينزل في هذه اللحظات، والغيث يهمل والقلوب تأمل، والله يقول: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28].

وقد سمّى الله المطر أو الغيث رحمة؛ لأنه دليل رضوان من الله عز وجل، وأحياناً يأتي دليل عذاب وعقوبة من الله عز وجل، إذا غضب ربنا تبارك وتعالى حينما تنتهك حرماته ولا يستجاب لأمره، فهو يعذب بالمطر إما بالإنزال وإما بالمنع، فيمنعه فيموت الناس، أو ينزله فيموت الناس، ينزله حتى يغرقهم: وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40] ويمنعه حتى يموتون جوعاً وعطشاً، ولكن بالمقادير التي يحتاجها الناس يكون رحمة، أن ينزل الله المطر على الناس بالمقدار الذي يريدونه؛ لأن تحديد نسبة نزول المطر لا يملكها أحد على وجه الأرض: يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:27].

فإذا جاء الغيث على المقدار الذي يحتاجه الإنسان، من غير تدمير ولا تخريب، ولا كوارث، ولا فيضانات، ولا إهلاك، كان هذا دليل رحمة من الله عز وجل، قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28]. أما إذا جاء المطر كثيراً غزيراً مغرقاً مدمراً، فهو دليل عذاب من الله، ينبغي على هؤلاء الذين ينزل عليهم هذا الشيء أن يراجعوا حساباتهم مع الله، وأن يصححوا وضعهم قبل أن يكون المطر الذي نزل ناراً وعذاباً وحجارة من السماء -والعياذ بالله- فالمطر ينزل في هذه اللحظات وهذه الدقائق المباركة، ونحن نأمل من الله تبارك وتعالى أن يكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وأن يعطينا بقدر ما نحتاج فإنه أعلم بحاجاتنا تبارك وتعالى.

والله يا إخوان! القلوب تتألم كثيراً حينما نسمع الرعد ونرى البرق ونرى السماء ملبدة بالغيوم ثم ينزل من المطر قطرات وبعد ذلك يذهب، على ماذا يدل هذا؟ المفروض أن الإنسان العاقل يتأمل، كأنه يرينا تبارك وتعالى آثار رحمته ثم يبعدها منا من أجل أن نطلبه، وأن نتوب إليه، وأن نستغفره، وأن نلح عليه، وأن نراجع حساباتنا فيعطينا، وإلا فماذا؟ هذه عملية ترغيب وتشويق، أنت ترى محتاجاً وتعطيه شيئاً ثم تمنعه، من أجل أن يلح عليك، يقول: أعطني، زدني بارك الله فيك، فنحن نطلب من الله الذي لا إله إلا هو أن يسقينا وأن يسقي جميع المسلمين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا وغيث المطر في بلادنا وأوطاننا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأدر لنا به الضرع، وأنبت لنا به الزرع، واجعلنا فيه من السعداء في الدنيا والآخرة يا رب العالمين!

لقد سمّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة فقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. وفي الحديث الذي يرويه الحاكم وهو صحيح وقد ذكره السيوطي في صحيح الجامع، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا الرحمة المهداة) وقال عز وجل: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. فالرحمة القلبية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرحمة المادية هو المطر، وقد تأتي هذه ولا تأتي تلك، أي: ليس بالضرورة أن تأتي الاثنتين إلا إذا توفرت رحمة القلوب، إذا رحم الله القلوب بأن تمسك الناس بغيث القلوب عن طريق التمسك بالهداية الربانية والرسالة النبوية -رسالة الإسلام- جاءت تبعاً لها بالضرورة الرحمة الأخرى رحمة المطر، أما إذا تخلفوا عن الرحمة النبوية، ولم يتمسكوا بدين الله فقد تأتي الأولى لكن إما على سبيل العذاب والتدمير أو على سبيل الاستدراج والمكر من الله، كما يحصل الآن في بلاد الكفر، عندهم أمطار بالليل والنهار، لكن هل هذا دليل رضوان الله عليهم؟ لا. إنما يمتعهم الله عز وجل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً [آل عمران:178] من أجل أن يزداد العذاب عليهم.

وديننا الذي شرعه الله عز وجل، ونبينا الذي أرسله الله، وكتابنا الذي أنزله الله هو رحمة لهذه القلوب، يقول الله عز وجل: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] الرحمة العظيمة وسعت كل شيء، فيا حرج ويا شقاء من ضاقت عليه هذه الرحمة ولم تسعه، ولكن لا تسعه إلا إذا توفرت فيه الشروط التي ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف، فقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:156-157] أربعة عشر شرطاً لنيل هذه الرحمة، وللحصول على الفلاح أن تتوفر فيك كل هذه، فإذا توفرت بداية بالتقوى ونهاية بمناصرة هذا الدين واتباع هذا النور الذي أنزله الله على رسوله الكريم فأنت من المفلحين.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا غيث الإيمان والرحمة وغيث المطر إنه على ذلك قدير.

في هذه الليلة -أيها الإخوة الكرام- نختم أسباب عذاب القبر -أجارنا الله وإياكم منها- نختمها بالحديث عن السبب السابع الذي يُعذب أصحاب القبور بسببه إذا هم وقعوا فيه، خصوصاً أصحاب الثراء؛ لأن الفقير ليس عنده إمكانية أنه يرابي، لكن يقع في هذا السبب أصحاب الأموال الذين أكرمهم الله بالمال، وأحسن إليهم بالغنى، وجعل أيديهم العليا، وجعل الناس ينظرون إليهم ولا ينظرون هم إلى الناس، وكان الأولى بهم والأجدر أن يشكروا الله على هذه النعمة، كما قال قوم قارون لـقارون : وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77].

وهؤلاء أصحاب الأموال العريضة والطويلة الأجدر بهم والأولى والأفضل لهم والأصلح في حقهم في الدنيا والآخرة ما دام أن الله قد منحهم المال وأحسن إليهم بالرزق أن يحسنوا إلى أنفسهم بصرف هذا المال في طاعة الله عز وجل وعدم مبارزة الله ومحاربته بهذا المال، فإن المرابي محارب لله ولرسوله، كل صاحب معصية لم يأذن الله بحربه كما أذن على صاحب الربا، قال عز وجل: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] أشعل الله الحرب بينه وبين المرابي، وأطلق الفتيل، وأعلمهم بأنه محاربهم، وفي الحقيقة لا مقدرة لهم ولا قوة ولا شأن لهم بالله عز وجل؛ لأن الله يقول: والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].

الربا موبقة ومهلكة ومعضلة خطيرة، وقع فيها كثير من الناس في هذا الزمان، زمن الانفتاح المادي، وزمن كثرة الخير، وانتشار الفضل، وعموم الرزق من الرزاق واهب الفضل ذي الجلال والإكرام، فوقع كثير منهم إما بالجهل، أو بعدم المبالاة، أو بالرغبة في الإثراء وفي تعدد وتكثير المال ولو عن طريق الحرام، وقعوا في هذه الجريمة المنكرة التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات -أي: من المهلكات- بل هي من أكبر الكبائر.

هذه الجريمة الخطيرة حرمت لأسباب ولأشياء ودواعي تواجدها في المجتمعات الإسلامية، وتسببها على الإنسان المرابي في الدنيا والآخرة.

أدلة تحريم الربا من القرآن

يقول الله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: يوم القيامة إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] الذي دخل فيه الجن، وقضت على العقل، يصبح يتخبط، فلا يعرف يتصرف، تجده يتكلم كلاماً غير معقول، ويتصرف تصرفات غير مسئولة، وربما يأكل أذاه؛ أي: يأكل حتى نجاسته وعذرته، وربما يقع على أمه، مجنون يتخبطه الشيطان وبعضهم يريد أن يلقي بنفسه من العمارة، وبعضهم يلقي بنفسه في النار، يفحس وجهه في جهنم.

هناك شخص مصروع إذا جاءه الجني لم يرض إلا أن يفحس وجهه في النار، من غير عقل، هذا المرابي يقوم يوم القيامة وحالته كحالة الذي يتخبطه الشيطان من المس، والسبب في هذا أنهم قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275-276].

ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:278-281].

ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:130-131].

علل تحريم الربا

لماذا حرم الله الربا؟

هذا السؤال يتردد على ألسنة وعقول عباد المادة، الذين جاءتهم نقود يريدون أن يستثمروها بأي وسيلة، يمصون دماء البشر، ولا يعانون من معاناة الآخرين، ولا يهمهم فقر الفقراء، أو موت الجائعين، إنما يهمه ما دام عنده فلوس لماذا لا يشتغل فيها بالربا؟ ولماذا حرم الله الربا؟

علل الربا ذكرها العلماء، فقالوا: إنها أربع:

العلة الأولى: محض التعبد.

إذ لا يسأل ربنا عما يفعل وهم يسألون، ومقتضى العبودية: أن ترضخ وتستسلم لأمر خالقك ومولاك من غير أن تسأل، أنت عبد مأمور، وإذا أمرك الله بأمر أو نهاك عن نهي لزمك بمقتضى عبوديتك أن تقول: سمعنا وأطعنا، الله حرم؟ حرم، لماذا؟ ليس لك دخل في هذا.

لكن من فضل الله ورحمته أحياناً يبرر الأمر، أو يعلل للنهي ويبين الحكمة، فضلاً منه ورحمة، وإلا فلا حجة لنا في أن نطلب من الله؛ لأننا نصير عبيد منفعة، وإذا أمرنا الله ورأينا الحجة وكانت الحجة والعلة مقنعة وكافية ومبررة قبلنا أو رفضنا، فنحن إذاً لا نعبد الله، بل نعبد أهواءنا وعقولنا، يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36]. إن بيّن الله لك الحكمة كان فضلاً منه ونعمة، وإن لم يبين كان موقفك أن تستجيب لأمر الله، وأن ترضخ وتستسلم وأن تقول: سمعنا وأطعنا، فالعلة في الدرجة الأولى في كل العبادات والمنهيات محض التعبد أي: أن الله تعبدنا ابتلاءً واختباراً.

العلة الثانية: أنه لو أحل الربا لبطلت المكاسب ولتعطلت التجارات، إذ من يحصل على درهمين بدرهم، كيف يتجشم مشقة كسب التجارة وحمل البضاعة وتسويقها وعرضها وليس هناك حاجة أو إمكانية. إن شخصاً يتاجر قد يقول: ما دام أنا عندي فلوس وأنا أعطي الناس ريالاً بريالين، أو ريالاً بعشرة، أو عشرة بأحد عشر، فلا داعي أن أذهب وأشتري أشياء ولا أشتري لي دكاناً ما دام الفلوس نفسها أتاجر فيها.

وببطلان التجارة وبتعطيل المكاسب البشرية تنقطع مصالح الناس وتنعدم الحياة الاجتماعية، إذ أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارة وبالمبادلة والمعاوضة وبالحرف والصناعة، فالله أعلم بشرعه وما يصلح عباده، فهو حرم عليهم هذا ليتبادلوا المصالح، وليبدأ هذا بالشراء، أنا أعمل دكاناً في المأكولات، والثاني يعمل دكاناً في الملابس، والثالث يعمل دكاناً في الفواكه، لماذا؟ من أجل أن ننمي هذا المال، لكن إذا كان الربا مباحاً فأنا أعمل دكان صرافة، وهذا صرافة، وهذا صرافة، وبالتالي من يجلب المئونة للناس؟ من يعمل معوضات في التجارة؟ تصبح المعوضات فقط في الريال، ولا يصبح معوضات في بقية الأشياء، وتنقطع الحرف وتتعطل الصناعات والمهن وبالتالي ينقلب نظام العالم كله رأساً على عقب، هذه العلة الثانية.

العلة الثالثة: أن الربا يؤدي إلى انقطاع الفضل والمعروف والإحسان والقرض الحسن، الله تبارك وتعالى شرع القرض، وبين ثوابه، والحديث في السنن وفيه مقال: (أنه مكتوب على باب الجنة: الحسنة بعشرة أمثالها، والقرضة بثمانية عشر مثلاً فلما سأل صلى الله عليه وسلم جبريل: ما بال القرض أعظم أجراً من الصدقة والقرض يعود والصدقة لا تعود؟ قال: إن المستقرض يستقرض من حاجة، والسائل ربما يسأل من غير حاجة).

فعلاً الشحاذ والسائل أصبحت وسيلة عنده صناعة أو وظيفة، تجده يشحذ وجيبه ممتلئ بالنقود وعنده رصيد في البنك، لكن المستقرض لا يأتيك يستقرض إلا وليس معه ريال واحد، فكان أجرها أعظم؛ لأثرها على المستقرض، فلو أبيح الربا لتعطل هذا الجانب، وسوف ينعدم مبدأ المعروف، ولأصبح لما يأتي واحد تقول: بالله أنا عندي أزمة وأريد منك ألف ريال، قال: كم تعطي عليه بعد ذلك: ألف ومائة، أو ألف ومائتين، أو ألف وثلاثمائة؟ هل في هذا معروف؟ لا. فيه زيادة والزيادة محرمة، ولكن الله حرمها ليبقى الإحسان، تأتي تريد ألفاً أعطني ألف ريال، هذا ألف ريال لكن متى ترده؟ وهذا مبدأ ينبغي أن نأخذ به حينما نقرض الناس؛ لأن كثيراً من الناس يستقرضون ويتسبب هذا القرض في قطيعة بين المستقرض والمقرض، يأخذ حقه وبعد ذلك لا يسدده، ثم بعد ذلك يتمنى أنه ما أقرضه؛ لأنه أقرضه من أجل تزيد الصلة بينه وبين زميله، فأصبح القرض سبباً للقطيعة بينه وبين زميله، إذ أنه لم يسدده في الوقت المعين، وربما أنكره المال؛ لأنه ما كتب عليه كتاباً، وربما أعطاه بعد تعب إذا طلبه، وبعض المستقرضين إذا جاء صاحب القرض يقول: أعطني حقي يا أخي؟ قال: أنت فضحتنا، أعطيتنا ألف ريال وكل يوم وأنت تطلبني. يا أخي! أريد حقي، كيف فضحتك؟ أنت الذي جئت تأخذ مني حقي، فأحسنت إليك، لو أنني أقفلت الباب ذاك اليوم عليك وقلت: ما عندي شيء، أو ابحث لك عن غيري، أو عندي لكن لن أعطيك؛ لأني راصد هذا المبلغ لمشروع أو لمهمة أريد أصرفه فيها، كان قلت: شكراً في أمان الله، ما أخذته بصميل ولا بعصا، لكن لما فتحت بابي وفتحت جيبي وأقرضتك حقي تتخذني عدواً، فلا بد من الأمرين:

أولاً: الكتابة، تأخذ منه سنداً؛ لأنه سوف ينسى وتنسى، ولا يذكركم إلا الكتابة.

ثانياً: أن تحدد أجلاً، إذا قال: أريد ألف ريال. تقول: إلى متى؟ إذا قال: قريب. قل: لا أريد قريباً، ماذا قريب؟ قال: شهراً أو شهرين، لكن شهرين صدق.

وأذكر مرة كنت في العمل، وجاءني أحد الإخوة فقال لي: أريد منك خمسة آلاف ريال؟ قلت: متى تردها؟ قال: أصلي معك صلاة العصر وأعطيك إياها في نفس اليوم وهو صادق، وأنا أذكر أننا نخرج من العمل الساعة الثالثة ونصل بيوتنا ونصلي العصر، والرجل بيته في الحجاز، ومتى يذهب ويأخذ ويعود، فعرفت أنه لا يأتي بها في العصر، فقلت: لا. ردها في صلاة المغرب، قال: لماذا؟ قلت: المغرب صدق أما العصر كذب. أي: لو صبرت عليك للمغرب وتأتي بها أحسن من عصر وترد لي الفلوس، قال: حسناً، والرجل جزاه الله خيراً من أجل الكلمة هذه وقعت في قلبه استأذن في الساعة الثانية، وذهب إلى البيت، ولما دخلت المسجد أصلي العصر وإذا به جالس في الروضة، ماذا فيك؟ خذ، قال: هذا عصر سداد ليس عصر كذاب، فالشاهد في الموضوع: أن المستقرض ينبغي أن يحدد الأجل ويكتبه في الورقة، وبعد ذلك لا تحزن إذا جاءك صاحب الحق يطلب حقه، قل: بارك الله فيك وجزاك الله خيراً (رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى).

إذا جئت تطلب فاطلب بالمعروف، وإذا أعطيت تعطي بالمعروف، وكن سمحاً في جميع أمورك.

فمن أسباب وعلل تحريم الربا: أن الربا يفضي بالنهاية إلى قطع مبدأ الإحسان والإقراض بين الناس.

العلة الرابعة: وهو أن الغالب أن المقرضين هم الأغنياء، وأن المستقرضين هم الفقراء، ولو مُكن الأغنياء من الزيادة في القرض على الفقراء لأفضى هذا إلى الضرر وأُلحق زيادة التراكم في الديون على هذا المسكين، فهو ما جاءك يطلب إلا لأنه محتاج، فعندما تعطيه ألفاً ويرده بألف ومائة، معناه سديت حاجة لكن سببت مشكلة في أنك زدت في مسألة المال والرصيد والتراكم عليه، ولكن لو أعطيت المبلغ ألفاً بألف، سديت حاجة ولم تعمل له مشكلة.

هذه هي مجمل العلل التي ذكرها العلماء في علة تحريم الربا.

يقول الله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: يوم القيامة إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] الذي دخل فيه الجن، وقضت على العقل، يصبح يتخبط، فلا يعرف يتصرف، تجده يتكلم كلاماً غير معقول، ويتصرف تصرفات غير مسئولة، وربما يأكل أذاه؛ أي: يأكل حتى نجاسته وعذرته، وربما يقع على أمه، مجنون يتخبطه الشيطان وبعضهم يريد أن يلقي بنفسه من العمارة، وبعضهم يلقي بنفسه في النار، يفحس وجهه في جهنم.

هناك شخص مصروع إذا جاءه الجني لم يرض إلا أن يفحس وجهه في النار، من غير عقل، هذا المرابي يقوم يوم القيامة وحالته كحالة الذي يتخبطه الشيطان من المس، والسبب في هذا أنهم قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275-276].

ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:278-281].

ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:130-131].

لماذا حرم الله الربا؟

هذا السؤال يتردد على ألسنة وعقول عباد المادة، الذين جاءتهم نقود يريدون أن يستثمروها بأي وسيلة، يمصون دماء البشر، ولا يعانون من معاناة الآخرين، ولا يهمهم فقر الفقراء، أو موت الجائعين، إنما يهمه ما دام عنده فلوس لماذا لا يشتغل فيها بالربا؟ ولماذا حرم الله الربا؟

علل الربا ذكرها العلماء، فقالوا: إنها أربع:

العلة الأولى: محض التعبد.

إذ لا يسأل ربنا عما يفعل وهم يسألون، ومقتضى العبودية: أن ترضخ وتستسلم لأمر خالقك ومولاك من غير أن تسأل، أنت عبد مأمور، وإذا أمرك الله بأمر أو نهاك عن نهي لزمك بمقتضى عبوديتك أن تقول: سمعنا وأطعنا، الله حرم؟ حرم، لماذا؟ ليس لك دخل في هذا.

لكن من فضل الله ورحمته أحياناً يبرر الأمر، أو يعلل للنهي ويبين الحكمة، فضلاً منه ورحمة، وإلا فلا حجة لنا في أن نطلب من الله؛ لأننا نصير عبيد منفعة، وإذا أمرنا الله ورأينا الحجة وكانت الحجة والعلة مقنعة وكافية ومبررة قبلنا أو رفضنا، فنحن إذاً لا نعبد الله، بل نعبد أهواءنا وعقولنا، يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36]. إن بيّن الله لك الحكمة كان فضلاً منه ونعمة، وإن لم يبين كان موقفك أن تستجيب لأمر الله، وأن ترضخ وتستسلم وأن تقول: سمعنا وأطعنا، فالعلة في الدرجة الأولى في كل العبادات والمنهيات محض التعبد أي: أن الله تعبدنا ابتلاءً واختباراً.

العلة الثانية: أنه لو أحل الربا لبطلت المكاسب ولتعطلت التجارات، إذ من يحصل على درهمين بدرهم، كيف يتجشم مشقة كسب التجارة وحمل البضاعة وتسويقها وعرضها وليس هناك حاجة أو إمكانية. إن شخصاً يتاجر قد يقول: ما دام أنا عندي فلوس وأنا أعطي الناس ريالاً بريالين، أو ريالاً بعشرة، أو عشرة بأحد عشر، فلا داعي أن أذهب وأشتري أشياء ولا أشتري لي دكاناً ما دام الفلوس نفسها أتاجر فيها.

وببطلان التجارة وبتعطيل المكاسب البشرية تنقطع مصالح الناس وتنعدم الحياة الاجتماعية، إذ أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارة وبالمبادلة والمعاوضة وبالحرف والصناعة، فالله أعلم بشرعه وما يصلح عباده، فهو حرم عليهم هذا ليتبادلوا المصالح، وليبدأ هذا بالشراء، أنا أعمل دكاناً في المأكولات، والثاني يعمل دكاناً في الملابس، والثالث يعمل دكاناً في الفواكه، لماذا؟ من أجل أن ننمي هذا المال، لكن إذا كان الربا مباحاً فأنا أعمل دكان صرافة، وهذا صرافة، وهذا صرافة، وبالتالي من يجلب المئونة للناس؟ من يعمل معوضات في التجارة؟ تصبح المعوضات فقط في الريال، ولا يصبح معوضات في بقية الأشياء، وتنقطع الحرف وتتعطل الصناعات والمهن وبالتالي ينقلب نظام العالم كله رأساً على عقب، هذه العلة الثانية.

العلة الثالثة: أن الربا يؤدي إلى انقطاع الفضل والمعروف والإحسان والقرض الحسن، الله تبارك وتعالى شرع القرض، وبين ثوابه، والحديث في السنن وفيه مقال: (أنه مكتوب على باب الجنة: الحسنة بعشرة أمثالها، والقرضة بثمانية عشر مثلاً فلما سأل صلى الله عليه وسلم جبريل: ما بال القرض أعظم أجراً من الصدقة والقرض يعود والصدقة لا تعود؟ قال: إن المستقرض يستقرض من حاجة، والسائل ربما يسأل من غير حاجة).

فعلاً الشحاذ والسائل أصبحت وسيلة عنده صناعة أو وظيفة، تجده يشحذ وجيبه ممتلئ بالنقود وعنده رصيد في البنك، لكن المستقرض لا يأتيك يستقرض إلا وليس معه ريال واحد، فكان أجرها أعظم؛ لأثرها على المستقرض، فلو أبيح الربا لتعطل هذا الجانب، وسوف ينعدم مبدأ المعروف، ولأصبح لما يأتي واحد تقول: بالله أنا عندي أزمة وأريد منك ألف ريال، قال: كم تعطي عليه بعد ذلك: ألف ومائة، أو ألف ومائتين، أو ألف وثلاثمائة؟ هل في هذا معروف؟ لا. فيه زيادة والزيادة محرمة، ولكن الله حرمها ليبقى الإحسان، تأتي تريد ألفاً أعطني ألف ريال، هذا ألف ريال لكن متى ترده؟ وهذا مبدأ ينبغي أن نأخذ به حينما نقرض الناس؛ لأن كثيراً من الناس يستقرضون ويتسبب هذا القرض في قطيعة بين المستقرض والمقرض، يأخذ حقه وبعد ذلك لا يسدده، ثم بعد ذلك يتمنى أنه ما أقرضه؛ لأنه أقرضه من أجل تزيد الصلة بينه وبين زميله، فأصبح القرض سبباً للقطيعة بينه وبين زميله، إذ أنه لم يسدده في الوقت المعين، وربما أنكره المال؛ لأنه ما كتب عليه كتاباً، وربما أعطاه بعد تعب إذا طلبه، وبعض المستقرضين إذا جاء صاحب القرض يقول: أعطني حقي يا أخي؟ قال: أنت فضحتنا، أعطيتنا ألف ريال وكل يوم وأنت تطلبني. يا أخي! أريد حقي، كيف فضحتك؟ أنت الذي جئت تأخذ مني حقي، فأحسنت إليك، لو أنني أقفلت الباب ذاك اليوم عليك وقلت: ما عندي شيء، أو ابحث لك عن غيري، أو عندي لكن لن أعطيك؛ لأني راصد هذا المبلغ لمشروع أو لمهمة أريد أصرفه فيها، كان قلت: شكراً في أمان الله، ما أخذته بصميل ولا بعصا، لكن لما فتحت بابي وفتحت جيبي وأقرضتك حقي تتخذني عدواً، فلا بد من الأمرين:

أولاً: الكتابة، تأخذ منه سنداً؛ لأنه سوف ينسى وتنسى، ولا يذكركم إلا الكتابة.

ثانياً: أن تحدد أجلاً، إذا قال: أريد ألف ريال. تقول: إلى متى؟ إذا قال: قريب. قل: لا أريد قريباً، ماذا قريب؟ قال: شهراً أو شهرين، لكن شهرين صدق.

وأذكر مرة كنت في العمل، وجاءني أحد الإخوة فقال لي: أريد منك خمسة آلاف ريال؟ قلت: متى تردها؟ قال: أصلي معك صلاة العصر وأعطيك إياها في نفس اليوم وهو صادق، وأنا أذكر أننا نخرج من العمل الساعة الثالثة ونصل بيوتنا ونصلي العصر، والرجل بيته في الحجاز، ومتى يذهب ويأخذ ويعود، فعرفت أنه لا يأتي بها في العصر، فقلت: لا. ردها في صلاة المغرب، قال: لماذا؟ قلت: المغرب صدق أما العصر كذب. أي: لو صبرت عليك للمغرب وتأتي بها أحسن من عصر وترد لي الفلوس، قال: حسناً، والرجل جزاه الله خيراً من أجل الكلمة هذه وقعت في قلبه استأذن في الساعة الثانية، وذهب إلى البيت، ولما دخلت المسجد أصلي العصر وإذا به جالس في الروضة، ماذا فيك؟ خذ، قال: هذا عصر سداد ليس عصر كذاب، فالشاهد في الموضوع: أن المستقرض ينبغي أن يحدد الأجل ويكتبه في الورقة، وبعد ذلك لا تحزن إذا جاءك صاحب الحق يطلب حقه، قل: بارك الله فيك وجزاك الله خيراً (رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى).

إذا جئت تطلب فاطلب بالمعروف، وإذا أعطيت تعطي بالمعروف، وكن سمحاً في جميع أمورك.

فمن أسباب وعلل تحريم الربا: أن الربا يفضي بالنهاية إلى قطع مبدأ الإحسان والإقراض بين الناس.

العلة الرابعة: وهو أن الغالب أن المقرضين هم الأغنياء، وأن المستقرضين هم الفقراء، ولو مُكن الأغنياء من الزيادة في القرض على الفقراء لأفضى هذا إلى الضرر وأُلحق زيادة التراكم في الديون على هذا المسكين، فهو ما جاءك يطلب إلا لأنه محتاج، فعندما تعطيه ألفاً ويرده بألف ومائة، معناه سديت حاجة لكن سببت مشكلة في أنك زدت في مسألة المال والرصيد والتراكم عليه، ولكن لو أعطيت المبلغ ألفاً بألف، سديت حاجة ولم تعمل له مشكلة.

هذه هي مجمل العلل التي ذكرها العلماء في علة تحريم الربا.

حال قيام آكل الربا يوم القيامة

يقول الله عز وجل -كنوع من الشرح بالنسبة للآيات الكريمة-: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: يوم القيامة من قبورهم: إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] أي: يصرعه الشيطان فيخبطه تخبيطاً من جهة الجنون، فإذا بعث الله الناس يوم القيامة وخرجوا من قبورهم مسرعين يخرجون وهم عقلاء إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون ويقعون على وجوههم وجنوبهم وظهورهم كما يحصل للمصروع، وسر هذا: أن الحرام الذي أكلوه بطريق المكر والخداع والمحاربة لله عز وجل ولرسوله رَبَا في بطونهم؛ لأنه رِبا، ورَبَا: أي: كبر، حتى نفخها وأثقلها، ولذلك لما قاموا من قبورهم عجزوا عن حمل بطونهم؛ لأنه يأتي وبطنه مثل الجبال يوم القيامة، كل ريال دخل عليه من الربا يحشره الله وهو في بطنه يأتي به يوم القيامة، وصاروا كلما أرادوا الإسراع والسير مع الناس سقطوا وتخلفوا، ومعلوم أن النار التي تحشرهم إلى الموقف كلما سقطوا أكلتهم، وزاد عذابهم، فجمع الله عليهم في الذهاب إلى الموقف عذابين عظيمين: التخبط، والسقوط في النار ولفح جهنم وأكلها لهم وسوقها لهم بعنف -أعاذنا الله وإياكم من ذلك-.

السبب في هذا: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ [البقرة:275] أي: العذاب الشديد الذي أذاقهم الله عز وجل بسبب قولتهم الفاسدة وحكمهم القياسي المنكوس الذي بنوه على عقولهم القاصرة حين قدموها على النص الشرعي فقالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [البقرة:275].

هذه الكلمة للكفار، يقولون: البيع مثل الربا، لماذا يحل الله البيع ويحرم الربا، وهذه كلها سواء؟ وجعلوا الربا أصلاً وجعلوا البيع مقيساً عليه، مبالغة في حله، ومحبة له، واعتناءً بشأنه، ووجه القياس فاسد؛ لأنهم تخيلوا أنه كما يجوز شراء الشيء بعشرة ريال ثم يبيعها الإنسان بأحد عشر ريالاً، يجوز أن يشتري عشرة ريال ويدفعها بعد ذلك أحد عشر ريالاً، إذ لا فرق عندهم في هذه الصور، مع حصول التراضي من الطرفين، وغفلوا أن الله عز وجل الذي شرع الشرائع ونزَّل تحريم هذا الأمر وحد لنا حداً ونهانا عن نهي، فوجب علينا كعبيد لله امتثال ذلك؛ لأن حدود الله لا تقابل بقضايا الرأي والمنطق والعقل، بل يجب تقديم أمر الله عز وجل سواء فهمنا أو لم نفهم، هذا هو شأن العبيد وشأن التكليف، والعبد الضعيف القاصر المحدود ذو الرأي الناقص وذو العقل السقيم يتعين عليه الاستسلام لأمر الله عز وجل القوي القادر العليم الحكيم الرحمن الرحيم.

ومتى حكم عقله وعارض أمر سيده ومولاه انتقم الله منه، وأذاقه العذاب الشديد إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج:12-13].. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].

ثم قال عز وجل: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:275] أي: من زلَّت به القدم، وغفلت به الرجل، وسار في هذا الطريق، ووضع أمواله في الربا، ووصلته النصيحة، وبلغه الأمر: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275] أي: يغفر الله خطيئته الماضية: وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ [البقرة:275] أي: تجاهل وشاقَّ الرسول وعصاه وتعالى على أمر الله وارتفع عليه: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] واحد تقول له: الربا حرام وهذا الدليل فيه من كتاب الله ومن سنة رسول الله ويقول: صدقت، ويستمر في الربا والمعاوضة، هذا متعالي على أمر الله، إذا كان الله عز وجل هدد من يرفع صوته على الرسول أو يجهر له بالقول كجهره لأحد إخوانه في الله أن يحبط عمله، قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ [الحجرات:2] أي: عند المحادثة معه كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] تحبط: أي تفسد وتبطل وترد، مهما كانت وأنتم صحابة، وهذه الآية نزلت في الصحابة، وحكمها معهم؛ لأن الرسول لا يرفع صوته عليه إلا وهو حي، ولكن العلماء أخذوا منها القياس قالوا: إذا كان من يرفع صوته أو يحادث الرسول محادثة كمحادثته لأخيه يوشك أن يحبط الله عمله، فكيف بمن يخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟! كيف بمن يشاقه؟! والله يقول: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء:115] وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم : لما نزلت هذه الآية افتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس ، وهذا صحابي جليل وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم كان جهوري الصوت قوي الحجة والبيان، إذا جاءه الخطباء يقول: أين ثابت ؟ كما أن حسان شاعر النبي فـثابت خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية خاف الرجل وصار يصلي ويخرج من المسجد إلى البيت، ويغلق على نفسه بالغرفة، ولا يفتح لأحد، فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه سعد بن معاذ رضي الله عنه وقال: (يا أبا عمرو ! ما صنع ثابت وأين هو؟ أيشتكي من مرض؟ قال: يا رسول الله! ما علمت عليه شكوى، إنه جاري) يقول: عرفت أنه ليس مريضاً؛ لأنه جاري، والجار يعرف عن جاره ليس مثل الآن، الجار يموت لا يدري عنه جاره الآن؛ لانقطاع الصِلات الإيمانية بين الناس، يقول: (إنه جاري ولو كان مشتكياً لعلمت ولكن آتيك بخبره، فخرج من مجلسه وطرق الباب على ثابت قال له: ما لك إن الرسول يسأل عنك؟ فقال: آية نزلت في كتاب الله أخشى أن يحبط عملي بسببها؛ لأني جهوري الصوت، وأخشى أن أرفع صوتي على رسول الله وأنا أكلمه أو أحدثه، مثلما أحدث واحداً منكم وأجهر بالقول كجهري لأحدكم فيحبط عملي، فلما رجع سعد بن معاذ إلى النبي وأخبره قال: لا. بل يعيش سعيداً ويموت شهيداً ويدخل الجنة) وبشره الله، وهو من المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه لا يشاق الرسول ولا يعصي الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هنا: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].

الربا محق مادي ومعنوي

ثم قال عز وجل: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [البقرة:276] وهذا فيه جواب على الذين يريدون أن يكثروا أموالهم بطريق الربا يقول الله لهم: لا تحاولوا المستحيل، فإن الربا الذي تقصدون من ورائه زيادة الأموال، الله يمحق الأموال بالربا يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [البقرة:276] أي: معاملة لفاعليه بنقيض قصدهم، فإنهم آثروه على الله وأحبوه على أوامر الله، تحصيلاً وطمعاً بالزيادة، غير ملتفتين ولا آبهين ولا مبالين بما يسببه لهم من غضب الله في الآخرة وهم دنيويون همهم زيادة المال، فمحق الله تلك الزيادة في الدنيا قبل الآخرة، ومحق المال من أصله، حتى صير عاقبتهم إلى الفقر المدقع، كما هو مشاهد في أكثر من يتعاطاه، وبفرض أنه مات على غِرَّة، يمحقه الله من أيدي ورثته، فلا يمر عليهم أدنى زمان إلا وقد صاروا في غاية الفقر والذلة والهوان، قال صلى الله عليه وسلم: (الربا وإن كثر فإلى قِلِّ) أي: إلى المحق، أي: المحق هنا محق مادي ومعنوي، فالمادي أن الله يمحق هذا المال مهما كان.

ثانياً: من المحق المعنوي أن الله عز وجل يرتب على المرابي الذم، ليس هناك شخص مرابي ويحبه الناس، بل يذمونه، والبعض يكرهونه وخصوصاً الفقراء الذين ليس عندهم شيء؛ لأنه ما عنده رحمة، ما عنده قرض حسن، إذا جاءوا يطلبون يقول: هات، الذم والبغض، وسقوط العدالة، والكراهية في قلوب الناس، وزوال الأمانة، وحصول اسم الفسق، والقسوة، والغلظة، فالذي يزيد عليه يدعو عليه، يقول: الله ينتقم منه، الله يعطيه وهو ما يعطيني، يدعو عليه بأنه أخذ ماله بغير حق، وذلك سبب زوال البركة من هذا المال الذي فيه لعنة الله ورسوله والعياذ بالله.

الصدقة بركة وزيادة في الدنيا والآخرة

ثم قال عز وجل: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] وهذا عكس ما هو مشاهد الآن في الميزان الاقتصادي المادي، أن الربا زيادة والصدقة نقص، لكن عند الله الربا نقص والصدقة زيادة، كيف؟ يقول العلماء: إذا كان عندك -مثلاً- أربعمائة ريال في جيبك، وعرض عليك مشروع خيري، أو رأيت فقيراً، أو علمت بأسرة محتاجة، وأخرجت من هذا المبلغ خمسين ريالاً أو مائة ريال، لما تأتي تعد الباقي في الشنطة تجد أن الباقي ثلاثمائة ريال، الظاهر أنه نقص، لكن الله يقول: وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] كيف يربيها؟ قالوا:

أولاً: هذا المبلغ الذي أخذ منك يربيه الله في الآخرة حتى يصبح كالجبال الرواسي: (إن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوه) أنت تضعها ريالاً لكنها تأتي يوم القيامة مثل الجبال، هذه واحدة.

ثانياً: يصرف الله عن الإنسان من الآفات والمشاكل التي كان بالإمكان أن تلتهم هذه المائة وأضعافها الشيء الكثير -فمثلاً- يصرف الله عنه مرض زوجته بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه السقم من أولاده بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه الحوادث في سيارته بأسباب الصدقة، ويصرف الله عنه الفساد في زراعته وتكون مزارعه باستمرار محفوظة، ويصرف الله عنه الكساد في تجارته، وتكون تجارته مطلوبة، وبضاعته مرغوبة، وجلبه للزبائن محبوب، بأسباب أنه أنفق، لكن لو أنه ما أنفق في سبيل الله، وأعطى هذه المائة لشخص قرضاً بمائتين بعد ذلك، لكن الله يمحقه؛ أولاً: تمرض المرأة، وإذا مرضت تلك الليلة يذهب بها إلى المستشفى، وفي المستشفى لا يريدون علاجها؛ لأنهم يقولون: بلاش، فيذهبون المستوصف ويخسر خمسين ريالاً وأعطاه قبضة حبوب، وبعد ذلك يمرض الولد، وبعد ذلك يوقف السيارة وإذا هي مصدومة في جنبها لا يدري من صدمها، وبعد ذلك زراعته تخرب وبركة أمواله وبركة حياته في أكله حتى في طعامه لا يجد له بركة بأسباب الربا، فالله يقول: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] يقول في الحديث: (ما نقص مال من صدقة بل تزيد، بل تزيد، بل تزيد) وفي بعض الآثار: [ما هلك مال في بر ولا بحر إلا بأسباب منع الزكاة].

أحد التجار يخبرني حكاية عن تاجر في مكة ، يقول: كان له تجارة بينه وبين الهند ، وبعد ذلك الباخرة آتية، وكانت البواخر يوم ذاك تسير (بطرب) بدائية عن طريق الشراع وليس بالبواخر الحديثة، وفي البحر اضطربت الباخرة وهاجت وتكسرت، وكادت أن تغرق، ولكن ربانها -أهل السفينة- خففوا من البضائع أملاً في نجاة أنفسهم، ولا يعلمون لمن البضائع طبعاً؛ لأنهم مؤتمنين عليها آتين بها من الهند، فقاموا يأخذون من الكراتين ويرمون البضاعة، حتى بقي شيء تنجو به السفينة، إلى أن وصلوا ميناء جدة، وفي ميناء جدة كان كل التجار واقفين وكل واحد منهم لديه كشفه يريد أن يستلم بضاعته، ووجدوا أن البضائع كلها مرمية إلا تاجر بضاعته ما ذهب منها ولا كرتون، لما جاءوا عليه وإذا به من أهل الزكاة ومن أهل الصلاة ومن أهل الخوف من الله، وأولئك بضاعتهم فيها حرام، وفيها منع زكاة، وفيها ربا، ذهبت [فلا هلك مال في بر ولا بحر إلا بأسباب منع الزكاة].

فهنا يقول الله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276] أي: يزيدها؛ لأنه كما جاء في الحديث الصحيح: (ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وملك ينادي يقول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً) هذه دعوة الملك يدعو لك كل يوم: يا من أنفقت في سبيل الله! يا من أنفقت فيما يرضي الله! أن الله يخلف عليك، الفقير عندما تعطيه ريالاً، يقول: خلف الله عليك، بارك الله لك، جزاك الله كل خير، الله يوسع عليك، الله يمدك، الله يعطيك، سبحان الله! وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سـبأ:39] تبارك وتعالى.

حرب الله على أهل الربا

ثم قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:278] وهنا يقول العلماء: إن في نداء الناس بالإيمان وهو يدعوهم إلى ترك الربا فيه استثارة وتنبيه، فيه أنكم مؤمنون، كيف تؤمنون وتعملون الربا؟! هل يتصور؟! يا أيها الذين آمنوا! كيف تقعون في الربا وقد آمنتم بالله، ورضيتم به رباً، وبهذا الإسلام ديناً وبهذا الرسول نبياً، ثم تقعون في الربا؟! فيه إلهاب لهم واستثارة وإشعال لمشاعرهم، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:278] خافوا من الله، راقبوا الله، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية من خوفه: وَذَرُوا أي: اتركوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا ثم قال بعدها: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إن كنتم صادقين، إذ ليس مؤمناً من يرابي، وما هو بصادق أبداً، لو كان مؤمناً صادقاً لترك الربا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278].

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:279] شخص رفض، قال الله عز وجل: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] إذا رفضتم خلاص استمروا في الربا، لكن قد أذن الله بحربكم: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] ويقول العلماء: الحرب هي على شاكلتين: حرب في الدنيا، وفي الآخرة، فأما الحرب التي في الدنيا فالخسارة العاجلة، والمحق لهذا المال، والقلق في القلب، والاضطراب في النفس، والحيرة في الفؤاد، وشقاء النفس، وعذاب داخلي يشعر به المرابي لا يمكن أن يجده أي إنسان على وجه الأرض؛ لأن الإنفاق والإعطاء نفع للناس يترتب عليه رحمة في القلوب، مردود عاجل، والقسوة على الناس ومزاولة الشدة عليهم، يترتب عليها قسوة في القلب وضيق في النفس ولعنة في الضمير -والعياذ بالله- هذا في الدنيا وجبة عاجلة.

قال: وأما الآخرة فإن الله يختم له بسوء الخاتمة، إذا لا يلهم الشهادة؛ لأن من اعتاد الربا وتورط فيه فإنه يختم له بسوء الخاتمة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من حالات المرابين في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أن كثيراً من المرابين حينما حضرتهم الوفاة كان يقال لهم: قولوا لا إله إلا الله، فكانوا يقولون: العشرة بعشرين، قل: لا إله إلا الله قال: العشرة بعشرين، ومات على العشرة بعشرين والعياذ بالله.

لكن هذا في الدنيا يختم له بسوء الخاتمة، وفي القبر يسلط عليه العذاب، ما هو العذاب؟ ورد في الأحاديث الصحيحة من حديث سمرة بن جندب في البخاري : (ثم انطلقنا إلى رجل يسبح في نهر من دم، وآخر واقف على طرف النهر، وعنده كوم من حجارة، وذاك يسبح إلى طرف النهر، فإذا قرب منه فغر فاه وضربه بحجر بفمه ثم نزل في بطنه ورجع إلى طرف النهر، ثم يرجع وكلما جاء ألقمه حجر، فقلت: من هذا؟ قال: هذا آكل الربا) هذا عذابه في القبر -أعوذ بالله وإياكم من هذا الحال- أنت تتقزز إذا وقع على ثوبك نقطة دم، أو إذا وقعت في يدك دجاجة مذبوحة أو ذبحت لك ذبيحة تغسل يديك بصابون بل بالديتول فكيف بمن يسبح في الدم؟! وبعد ذلك من يوم أن يموت إلى أن يبعثه الله يوم القيامة وهو في الدم، لماذا الورطة هذه؟ من أجل ماذا؟ من أجل تبني عمارة أو تشتري سيارة جديدة أو تتزوج بزوجة، بعض الناس يقول: أنا مضطر للربا، لا يا أخي! والله أنت لست مضطراً للربا، فاصبر على الفقر وعلى الجوع وعلى أن تأكل الطين تعجنه وتأكله ولا تصبر على النار لحظة واحدة، فلا يا أخي! صبرك على نفسك في الدنيا ولا صبرك عليها في النار في الآخرة، لا توقع نفسك في الربا بأي حال من الأحوال.

حال التائب من أكل الربا

ثم قال عز وجل: وَإِنْ تُبْتُمْ [البقرة:279] ذلك الذي لم يرفض يأذن بحرب من الله ورسوله، والذي يتوب إلى الله: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة:279] راجعوا حساباتكم، واشطبوا الزيادات التي أخذتموها على الناس، إن كانت قروضاً وخذوا فقط رأس المال لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ [البقرة:279-280] أي: إن كان هذا المدين الذي أخذت منه أعطيته الدين على أمد أن يرد أكثر أو أسقطت منه الربا طبعاً وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] أي: من توبتك لله عز وجل ألا تشد عليه وتقول: لا. أنا أعطيتك ألف بألف ومائة الآن هاتها الآن ولا أشتكي، هات ألف والمائة سامحتك بها، لا أنظره إلى أن الله ييسر عليه، ثم قال: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280] أي: إذا كان تركت شيئاً من مالك فضلاً عن ذاك الربا تركته فإن تركته كان ذلك خير لك في الدنيا والآخرة.

هذا ما يتعلق -أيها الإخوة- بالشرح الإجمالي لهذه الآيات.

فتأملوا -أيها الإخوة- كيف وعد الله آكل الربا هذا الوعد الشديد الذي يظهر لمن له بصيرة في الدين قبح هذه المعصية وشؤمها ومزيد فحشها، لما يترتب عليها من العقوبات العظيمة في الدنيا والآخرة، لا سيما محاربة الله ورسوله التي لم يترتب على شيء من المعاصي إلا على صاحب الربا والعياذ بالله.

وإذا ظهر للإنسان العاقل قبح هذا الأمر وتاب إلى الله عز وجل عن هذه الفاحشة المهلكة، فإنه يحمد الله عليها.

يقول الله عز وجل -كنوع من الشرح بالنسبة للآيات الكريمة-: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ [البقرة:275] أي: يوم القيامة من قبورهم: إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275] أي: يصرعه الشيطان فيخبطه تخبيطاً من جهة الجنون، فإذا بعث الله الناس يوم القيامة وخرجوا من قبورهم مسرعين يخرجون وهم عقلاء إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون ويقعون على وجوههم وجنوبهم وظهورهم كما يحصل للمصروع، وسر هذا: أن الحرام الذي أكلوه بطريق المكر والخداع والمحاربة لله عز وجل ولرسوله رَبَا في بطونهم؛ لأنه رِبا، ورَبَا: أي: كبر، حتى نفخها وأثقلها، ولذلك لما قاموا من قبورهم عجزوا عن حمل بطونهم؛ لأنه يأتي وبطنه مثل الجبال يوم القيامة، كل ريال دخل عليه من الربا يحشره الله وهو في بطنه يأتي به يوم القيامة، وصاروا كلما أرادوا الإسراع والسير مع الناس سقطوا وتخلفوا، ومعلوم أن النار التي تحشرهم إلى الموقف كلما سقطوا أكلتهم، وزاد عذابهم، فجمع الله عليهم في الذهاب إلى الموقف عذابين عظيمين: التخبط، والسقوط في النار ولفح جهنم وأكلها لهم وسوقها لهم بعنف -أعاذنا الله وإياكم من ذلك-.

السبب في هذا: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ [البقرة:275] أي: العذاب الشديد الذي أذاقهم الله عز وجل بسبب قولتهم الفاسدة وحكمهم القياسي المنكوس الذي بنوه على عقولهم القاصرة حين قدموها على النص الشرعي فقالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [البقرة:275].

هذه الكلمة للكفار، يقولون: البيع مثل الربا، لماذا يحل الله البيع ويحرم الربا، وهذه كلها سواء؟ وجعلوا الربا أصلاً وجعلوا البيع مقيساً عليه، مبالغة في حله، ومحبة له، واعتناءً بشأنه، ووجه القياس فاسد؛ لأنهم تخيلوا أنه كما يجوز شراء الشيء بعشرة ريال ثم يبيعها الإنسان بأحد عشر ريالاً، يجوز أن يشتري عشرة ريال ويدفعها بعد ذلك أحد عشر ريالاً، إذ لا فرق عندهم في هذه الصور، مع حصول التراضي من الطرفين، وغفلوا أن الله عز وجل الذي شرع الشرائع ونزَّل تحريم هذا الأمر وحد لنا حداً ونهانا عن نهي، فوجب علينا كعبيد لله امتثال ذلك؛ لأن حدود الله لا تقابل بقضايا الرأي والمنطق والعقل، بل يجب تقديم أمر الله عز وجل سواء فهمنا أو لم نفهم، هذا هو شأن العبيد وشأن التكليف، والعبد الضعيف القاصر المحدود ذو الرأي الناقص وذو العقل السقيم يتعين عليه الاستسلام لأمر الله عز وجل القوي القادر العليم الحكيم الرحمن الرحيم.

ومتى حكم عقله وعارض أمر سيده ومولاه انتقم الله منه، وأذاقه العذاب الشديد إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج:12-13].. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].

ثم قال عز وجل: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:275] أي: من زلَّت به القدم، وغفلت به الرجل، وسار في هذا الطريق، ووضع أمواله في الربا، ووصلته النصيحة، وبلغه الأمر: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275] أي: يغفر الله خطيئته الماضية: وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ [البقرة:275] أي: تجاهل وشاقَّ الرسول وعصاه وتعالى على أمر الله وارتفع عليه: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275] واحد تقول له: الربا حرام وهذا الدليل فيه من كتاب الله ومن سنة رسول الله ويقول: صدقت، ويستمر في الربا والمعاوضة، هذا متعالي على أمر الله، إذا كان الله عز وجل هدد من يرفع صوته على الرسول أو يجهر له بالقول كجهره لأحد إخوانه في الله أن يحبط عمله، قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ [الحجرات:2] أي: عند المحادثة معه كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] تحبط: أي تفسد وتبطل وترد، مهما كانت وأنتم صحابة، وهذه الآية نزلت في الصحابة، وحكمها معهم؛ لأن الرسول لا يرفع صوته عليه إلا وهو حي، ولكن العلماء أخذوا منها القياس قالوا: إذا كان من يرفع صوته أو يحادث الرسول محادثة كمحادثته لأخيه يوشك أن يحبط الله عمله، فكيف بمن يخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟! كيف بمن يشاقه؟! والله يقول: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء:115] وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم : لما نزلت هذه الآية افتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس ، وهذا صحابي جليل وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم كان جهوري الصوت قوي الحجة والبيان، إذا جاءه الخطباء يقول: أين ثابت ؟ كما أن حسان شاعر النبي فـثابت خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية خاف الرجل وصار يصلي ويخرج من المسجد إلى البيت، ويغلق على نفسه بالغرفة، ولا يفتح لأحد، فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه سعد بن معاذ رضي الله عنه وقال: (يا أبا عمرو ! ما صنع ثابت وأين هو؟ أيشتكي من مرض؟ قال: يا رسول الله! ما علمت عليه شكوى، إنه جاري) يقول: عرفت أنه ليس مريضاً؛ لأنه جاري، والجار يعرف عن جاره ليس مثل الآن، الجار يموت لا يدري عنه جاره الآن؛ لانقطاع الصِلات الإيمانية بين الناس، يقول: (إنه جاري ولو كان مشتكياً لعلمت ولكن آتيك بخبره، فخرج من مجلسه وطرق الباب على ثابت قال له: ما لك إن الرسول يسأل عنك؟ فقال: آية نزلت في كتاب الله أخشى أن يحبط عملي بسببها؛ لأني جهوري الصوت، وأخشى أن أرفع صوتي على رسول الله وأنا أكلمه أو أحدثه، مثلما أحدث واحداً منكم وأجهر بالقول كجهري لأحدكم فيحبط عملي، فلما رجع سعد بن معاذ إلى النبي وأخبره قال: لا. بل يعيش سعيداً ويموت شهيداً ويدخل الجنة) وبشره الله، وهو من المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه لا يشاق الرسول ولا يعصي الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هنا: وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
من أسباب عذاب القبر الحلقة [7] 1،2 2792 استماع
من أسباب عذاب القبر .. الديون والنياحة [11] 2593 استماع
من أسباب عذاب القبر 2063 استماع
من أسباب عذاب القبر [3] 2057 استماع
من أسباب عذاب القبر الحلقة [2] 1784 استماع
من أسباب عذاب القبر الحلقة [6] 1،2 1030 استماع