فتاوى نور على الدرب [96]


الحلقة مفرغة

السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم.

أصحاب الفضيلة العلماء المحترمين! هذه بعض الأسئلة نرجو توضيحها لخدمة المسلمين وجزاكم الله عنا خير الجزاء: أولاً قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، فهل أن معظم سكان البشرية غير المسلمين هم في الآخرة مطرودون من رحمة الله حتى ولو كانوا ينتمون إلى أديان سماوية الأخرى مثل الديانة اليهودية والمسيحية؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وبعد، فإن خير الكلام وأصدقه وأحكمه كلام الله عز وجل، والسائل قد صدر سؤاله بكلامٍ محكمٍ صدق وهو قوله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] ، فهذه الآية فيها عموم في قوله: وَمَنْ يَبْتَغِ فإن (من) شرطية، وأسماء الشرط للعموم وكذلك قوله: (ديناً ) نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم يعني: أي دين، فأي إنسانٍ يبتغ أي دينٍ من الأديان غير الإسلام فإنه لا يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، والإسلام هو ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإسلام عند الله ما بعث به رسله.

ومن المعلوم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل كلهم، وأنه هو الذي جاء بالإسلام، وأن ما سوى ذلك فهو كفر، وعلى هذا فكل من دان بغير الإسلام سواءٌ دان بكتابٍ سماويٍ نُسخ أو اتبع رسولاً نسخت رسالته كاليهود والنصارى أو لم يكن على دينٍ سماوي فكل هؤلاء أعمالهم حابطة وسعيهم ضائع وهم في الآخرة من الخاسرين.

ولا تستغرب أيها السائل أن يكون عامة البشر من أهل هذا الوصف فإنه قد ثبت في الصحيح: ( أن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك فيقول: أخرجْ من ذريتك بعثاً إلى النار فيقول: يا رب! وما بعث النار، قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) يعني: في الألف واحد من أهل الجنة والباقون كلهم من أهل النار، وعلى هذا فلا يبقى في المسألة شكٌ ولا ارتياب بأن كل من ليس على دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فإنهم خاسرون، خاسرون دنياهم وآخرتهم وأنهم يوم القيامة في نار جهنم خالدون.

ثم إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم لا يتبع ما جئت به إلا كان من أهل النار).

مداخلة: لكن هل هذا الواحد الذي يؤخذ من الألف في كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل سنة أم أنه يزيد وينقص تبعاً للعصور وتبع قوة المسلمين؟

الشيخ: ليست النسبة لأمة محمدٍ فقط، بالنسبة لكل بني آدم، كل بني آدم من أولهم إلى أخرهم ما يدخل الجنة منهم إلا واحدٌ في الألف، هذا الواحد قد يكون غالبهم من هذه الأمة وهو الأظهر؛ لأن أكثر الأمم أتباعاً هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هم أكثر الأمم أتباعاً للوحي وقبولاً له، فعلى هذا يكون هذه النسبة واحدٌ من الألف أكثرها من هذه الأمة ولله الحمد.

السؤال: قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، والمقصود بالأمة: هي الأمة المحمدية المسماة الأمة الإسلامية التي تدين بدين الإسلام والمتكونة من العرب روح الإسلام ومادته، والأكراد، والأتراك، والفرس، والأفغان وغيرهم، فهل جائزٌ شرعاً أن يتحدوا ويصبحوا دولةً واحدة، وأن يعملوا لهدف واحد وهو رفع راية الإسلام عالياً وينضموا تحت قيادة واحدة أم لا يمكن وحدتهم إدارياً ولماذا؟

الجواب: قوله: هل جائزٌ أن يتحدوا، هذا التعبير فيه نظر، والصواب أن يقال: فهل من الواجب أن يتحدوا فنقول: نعم الواجب على المسلمين أن يتحدوا ويكونوا أمة واحدة، ويكون خليفتهم واحداً ثم هذا الخليفة ينصب له نواباً وأمراء على البلدان الأخرى؛ لأنه ليس من الممكن أن شخصاً واحداً يدير هذه الممالك العظيمة الإسلامية، فالواجب عليهم أن يتحدوا ويكونوا يداً واحدة على من سواهم، وتحت رايةٍ واحدة وهي راية الإسلام، وفي ظلٍ واحد وهو ظل الإسلام، هذا هو الواجب على المسلمين في جميع أقطار الدنيا، وما ضر المسلمين اليوم إلا تفرقهم وتناحرهم ومعاداة بعضهم بعضاً، وكونهم يذهبون إلى غير ما أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه من الشعارات التي لا يمكن أن تجمعهم بل هي إلى تفريقهم أقرب، فشعار المسلمين الذي يمكن أن يجمعهم هو شعار الإسلام: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، أن ينادى بالمسلمين الذين يعبدون الله حتى من عربٍ وعجمٍ وغيرهم حتى يكونوا يداً واحدة على من سواهم، وأما المناداة بغير هذه الشعارات الإسلامية الإيمانية فإنها في الحقيقة ضائعةٌ سدىً، ولهذا منذ نشأت هذه الشعارات إلى يومنا هذا ما وجدناها خدمت المصالح بل ولا مصالح من ينادون بها بهذه الأوصاف، وإنما هي شعارات أثارت النزاعات وأثارت العداء والبغضاء بين المسلمين وتشتتوا فرقاً، والواقع يشهد بما قلنا، ولكننا نؤمل أن الله سبحانه وتعالى يرد المسلمين إلى رشدهم ويرجعوا جميعاً إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يكونوا أمةً واحدة ويداً واحدة على من سواهم.

السؤال: هل جائز أن تقول: صدق الله العظيم، على أقوال محمد صلى الله عليه وسلم لأنه وحيٌ يوحى؟

الجواب: الأفضل أن نقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا الكلام الذي تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ليس كلام الله وإن كان وحياً يُوحى، والسنة كما يُعلم من التتبع والاستقراء: منها وحيٌ يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها اجتهادٌ يجتهد فيه، ثم ينزل القرآن مقرراً له أو مبيناً للصواب.

ثم إن ختم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أو خَتم كلام الله تعالى بـ(صدق الله العظيم )، هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفةً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد السلف الصالح، نعم إذا وقع أمرٌ مصدقٌ لما أخبر الله به ورسوله فحينئذٍ تقول: صدق الله، مثل: أن ترى تعلقك بأولادك أو يصيبك شيء منهم من الفتنة عن دين الله يلهونك عنه ويصدونك تقول: صدق الله العظيم: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28]، أو ما أشبه ذلك مما ينزل مصداقاً لكلام الله فتقول: صدق الله. وكذلك ما يكون أو ما يقع مصداقاً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فتقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان كذا وكذا، وأما أن تقول: صدق رسول الله أو صدق الله كلما ختمت كلام الله أو كلام رسوله فهذا ليس من السنة بل هو من الأمور المحدثة.

السؤال: سؤالي هو أن هناك ناساً من الذين يجيدون الكتابة الممتازة بالخط العريض، وبعض هذه الكتابات إنهم يكتبون آية كريمة على شكل رجلٍ يصلي فهل هذا يجوز؟ أفيدونا وشكراً.

الجواب: الذي يظهر لي أنه لا يجوز وأن هذا من التعمق والتنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هلك المتنطعون )، ثم إن الكتابة العربية بالحروف العربية لا بد أن يحصل فيها تغيير إذا هي عُصفت حتى تكون على هيئة مصلٍّ، ثم إن هيئة المصلي قد يكون فيها أو من جملة الهيئات أن يكون ساجداً وحينئذٍ يكون أعلى القرآن أو أعلى الصحيفة وأسفلها مختلفاً، ويكون القرآن معبراً عن ساجدٍ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً )، فكل شيء يوهم أن هذا القرآن في منزلةٍ أسفل فإنه منهيٌ عنه، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يقرأ الإنسان القرآن راكعاً أو ساجداً لأن هيئته هيئة ذلٍ بالغ، والقرآن ينبغي أن يكون في محل القيام الذي يكون محل انتصابٍ وارتفاع.

فالحاصل إن هذه الكتابة نرى أنها لا تجوز. ثم إن من المغالاة أن يدعى الناس إلى شريعة الله بمثل هذه الأمور.

وبهذه المناسبة أود أن أنبه أيضاً إلى ما يُعلَّق من بعض الآيات في المجالس فإن هذا أيضاً من الأمور المبتدعة المحدثة التي وإن كان فاعلوها يقصدون إما التبرك وإما التذكير فهذا لا ينبغي؛ لأن التبرك على هذا الوجه بالقرآن الكريم لم يرد، وأما التذكير فإنها في الحقيقة لا تذكر في الغالب بل إنك تجد في هذا المجلس الذي عُلِّقت فيه هذه الآيات تجد فيه من السباب واللغو والشتم أو من الأفعال المنكرة من شرب دخان أو من استماع إلى ما لا يجب الاستماع إليه أو ما أشبه ذلك، وهذا لا شك أنه يكون كالاستهزاء بآيات الله تعالى حيث تكون آيات الله تعالى فوق رؤوس الناس الجالسين وهم ينابذون الله تعالى بالمعاصي وبالسباب والشتم والغيبة ونحو ذلك، فلهذا نرى أن للمسلمين غنىً عن هذه الأمور التي تلقيت عن غير روية ومن غير تأمل، وخير هدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة الصالح، فالذي أنصح به إخواني المسلمين أن لا يعلقوا مثل هذه الآيات في بيوتهم؛ لأن فيها من المفاسد ما أشرنا إليه آنفاً، والحمد لله في المصاحف غنىً عن هذا، ومن أراد كلام الله والتمتع بتلاوته أو التدبر لآياته وجده مكتوباً في المصاحف، والله الموفق.

السؤال: إخوتي الشيوخ والعلماء! إنني شاكر وعاجز عن الشكر لما تبذلوه من جهدٍ في هذه الأسئلة، يقول: أرجو حل أسئلتي هذه ولكم الشكر، السؤال الأول: ما الحكم إذا عطس شخصٌ والإمام يخطب وأنت بجانبه، فهل يجوز لك أن تشمته أم لا؟

الجواب: لا يجوز لك أن تشمته؛ لأن استماع الخطبة أهم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)، مع أن تنصيت المتكلم من الأمور الواجبة؛ لأن الكلام حال الخطبة محرم ومنكر يجب إنكاره، لكن لما كان هذا الإنكار يتضمن التشاغل به عن استماع الخطبة دل هذا على أنه لا يجوز للإنسان أن يتشاغل بكل ما يشغله عن استماع الخطبة.

السؤال: ما حكم مس العورة سواء كان قبلاً أو دبراً وبخاصة السبيل أو السبيلين أثناء الوضوء والإنسان متوضئ؟

الجواب: يعني كأنه يقصد نقض الوضوء بذلك، الصواب عندي أن مس العورة لا ينقض الوضوء؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك مختلفة، والأصل عدم النقض إلا أن الجمع بين حديث طلق بن علي حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال: ( إنما هو بضعةٌ منك )، وحديث بسرة : ( من مس ذكره فليتوضأ)، يمكن أن يؤخذ من هذين الحديثين أن الإنسان إذا مس ذكره لشهوة وجب عليه الوضوء، وإذا مسه لغير شهوة لم يجب عليه الوضوء، ويكون هذا جمعاً بين الحديثين، ويدل لهذا الجمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم علل عدم النقض بأنه بضعة، يعني: فإذا كان بضعةً منك فإن مسه كمس بقية الأعضاء كما لو مس الإنسان يده الأخرى أو مس رجله أو مس رأسه أو مس أنفه أو مس أي طرفٍ منه فإنه لا ينتقض وضوؤه، كذلك الذكر فإن مسه لغير شهوة كمس سائر الأعضاء، وأما إذا مسه لشهوة فإنه يختلف عن مس سائر الأعضاء، فيكون هنا الجمع بين الحديثين أن يقال: إذا مس ذكره لشهوة انتقض وضوؤه، وإن مسه لغير شهوة لم ينتقض، وجمع بعض العلماء بجمعٍ آخر بأن الأمر في قوله: فليتوضأ، ليس على سبيل الوجوب، وإنما هو على سبيل الاستحباب، وعلى كل حال فوجوب الوضوء من مس الذكر مطلقاً أو الفرج مطلقاً فيه نظر، والصواب عندي خلافه.

مداخلة: لكن مس الإنسان لقبله في الصلاة لا يكون إلا من وراء حائل وهذا يمكن أن يكون؟

الشيخ: هو إذا كان من وراء حائل لا يعتبر مساً، ما يقال: مسه؛ لأن المس هو المباشرة، مباشرة الشيء بالشيء هو مسه، وأما إذا مسه من وراء حائل فإنما مس الثوب، ثم إنه يمكن أن يمسه بدون حائل لا سيما في الزمن الأول ليس عليهم إلا الأزر فيمكن أن يُدخلَ يده لحكه أو نحوه.

السؤال: هل النظر إلى عورة رجلٍ ما أو امرأةٍ ما سواء كان شاباً أم طفلاً أم شيخاً ينقض الوضوء؟

الجواب: لا ينقض الوضوء، وما علمت أحداً من أهل العلم قال: إن نظر العورة ينقض الوضوء، لكن هذا مشهورٌ عند العامة ولا أصل له.