أرشيف المقالات

الركعات الأربع قبل الظهر هل هن قبل الآذان أم سنة الظهر

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
الركعات الأربع قبل الظهر هل هن قبل الآذان أم سنة الظهر
 
الحمد لله الذي منَّ علينا بالنوافل تكميلًا وجبرًا لما نقص من الفرائض، وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

فإن الله لَما كلَّف المكلفين ما كلَّفهم إلا لمصلحتهم، وإتمامًا لما فُرض عليهم من الفرائض التي يجوب المكلف الدنيا أثناء أدائه لها، فورد في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على أربع ركعات قبل الظهر.

ومن ثم فإننا سنحوم حول النصوص التي وردت في هذا الباب، لنعرف ماهية هذه الركعات، هل هن قبل الظهر؟ أم هنَّ السُّنة القبلية؟

وبالله التوفيق...

 
الأربع الركعات قبل الظهر التي تعدل قيام الليل - صلاة السحر- ليس فيهن تسليم أم أنها مثنى مثنى؟
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الوَضَّاحِ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ المُؤَدِّبُ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ الجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: «إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ» وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي أَيُّوبَ: «حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ، لَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ»[1].
 

أولًا: صورة المسألة: مسلمٌ أراد أن يصلي راتبة الظهر القبلية، فهل يصلي أربع ركعات بتشهد؟ أم يصلي أربع ركعات يجلس بعد ركعتين للتشهد المحمدية؟ أم يفصل بين كل ركعتين؟
 

ثانيًا: تحرير محل النزاع: اتفق الفقهاء على مشروعية السنن الرواتب والمحافظة عليها، واختلفوا في أدائها هل تثنى أو تربع أو تثلث؟[2] إلى ثلاثة مذاهب.
 

ثالثًا: مذاهب الفقهاء:
المذهب الأول: ذهب الحنفية إلى أنه يجوز أن يصلي نوافل النهار مثنى مثنى، وأربعًا أربعًا، فإن زاد على ذلك بطلت صلاته، والأربع أفضل، وأما نوافل الليل، فتجوز مثنى، وأربعًا، وستًّا، وثمانية، ولا يجوز الزيادة على ذلك، والأربع أفضل[3].

واستدلوا: بما ورد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي ثلاثًا، فقالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر، فقال: «يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي»[4].
 
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا»، وليس في حديث جرير «منكم»[5].
 
وجه الدلالة: دلَّ الحديثان على مشروعية صلاة النافلة في الليل والنهار أربعًا، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
 
مناقشة الحديث الأول: إنما هو للتفرقة بين مسألتين، وهما الإتمام والرجوع، فجعله يتم أربعًا إذا قام إلى الركعة الثالثة؛ لأن من أهل العلم من يرى ذلك اختيارًا[6].
 
مناقشة الحديث الثاني: لعله إشارة إلى كراهة الاقتصار على ركعتين بعدها؛ لئلا يلتبس بالظهر التي هي أربع، وهذا التأويل على رواية "من كان منكم مصليًا"، وأما رواية "إذا صلى فليصل"، فلعله يكون معناه: إن شاء التنفل[7].
 
المذهب الثاني: ذهب المالكية [8]، والشافعية [9]، وبعض الحنابلة [10]، إلى أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
 
واستدلوابما روي عن ابن عمر- رضي الله عنهما - أن رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خَشِيَ أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى»[11].
 
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة»، فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: «أن تسلم في كل ركعتين»[12].
 
وجه الدلالة: دل الحديثان بمنطوقهما الصريح على أن صلاة النافلة بالليل والنهار مثنى مثنى، تسلم بعد كل ركعتين، ولا بد أن يكون الوتر ركعة واحدة.
 
المذهب الثالث:ذهب جمهور الحنابلة [13] إلى أن صلاة التطوع مثنى مثنى، وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس.

واستدلوا بما ورد عن ابن عمر- رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح يدركك، فأوتر بواحدة»، فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: «أن تسلم في كل ركعتين»[14].
 
وجه الدلالة: دل الحديث على أن تطوع النهار بأربع لا بأس به؛ لأن تخصيص الليل بالتثنية دليل على إباحة الزيادة عليها في النهار، والأفضل التثنية؛ لأنه أبعد من السهو[15].
 
رابعًا: سبب الخلاف:
والسبب في اختلافهم: اختلاف الآثار الواردة في هذا الباب، وقد تَم تخريجها والإشارة إليها ومناقشتها عند ذكر أدلة المذاهب.


خامسًا: ثمرة المسألة:
ويرجع الخلاف في هذه بأثر على بعض الفروع الفقهية، ومنها لو أن رجل يصلي صلاة الليل "وصلاة الليل مثنى مثنى"، فقام إلى الثالثة ناسيًا فما الحكم؟

الصلاة صحيحة عند أبي حنيفة ومن تبِعه، وباطلة إن لم يرجع إلى التشهد، ويسلم لكل ركعتين عند الجمهور.

والحمد لله ربِّ العالمين.


وممن سبق ينبثق عدة تساؤلات
هل الأربع ركعات المذكورة هي سنة الظهر؟ أم هي صلاة الضحى؟ أم هي صلاة مستقلة؟
الحمد الله، أما بعد:
فذهب الفقهاء في هذا المنحى إلى مذهبين:
المذهب الأول: أشار أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنها أربع ركعات سنة الظهر[16]، وليست مستقلة ولم تتبع لصلاة الضحى.
 
واستدلوا بعموم الأدلة التي وردت في المسألة السابقة.
 
المذهب الثاني: ذهب بعض الشافعية[17] وابن قيم، والمبارك فوري، والسيوطي نقلًا عن العراقي إلى أنها غير الأربع التي هي سُّنة الظهر قبلها، وتُسمى سنة الزوال[18].
 
واستدلوا:
بما ورد عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعًا بعد أن تزول الشمس، وقال: «إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح »[19].
 
وفي السنن أيضًا عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر صلاهنَّ بعدها»، وقال ابن ماجه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فاتته الأربع قبل الظهر، صلاها بعد الركعتين بعد الظهر»[20].
 
وأما سنة الظهر، فالركعتان اللتان قال عبد الله بن عمر، يوضح ذلك أن سائر الصلوات سنتها ركعتان ركعتان، والفجر مع كونها ركعتين، والناس في وقتها أفرغ ما يكونون، ومع هذا سنتها ركعتان، وعلى هذا، فتكون هذه الأربع التي قبل الظهر وردًا مستقلًّا سببه انتصاف النهار وزوال الشمس.
 
وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يصلي بعد الزوال ثمان ركعات، ويقول: إنهنَّ يعدلنَّ بمثلهنَّ من قيام الليل.
 
وسر هذا - والله أعلم - أن انتصاف النهار مقابل لانتصاف الليل، وأبواب السماء تفتح بعد زوال الشمس، ويحصل النزول الإلهي بعد انتصاف الليل، فهما وقتا قربٍ ورحمة، هذا تفتح فيه أبواب السماء، وهذا ينزل فيه الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا[21].
أما القول الراجح أنها سُّنة الظهر القِبلية وهذا ما ذهب إليه الجمهور



[1] سننن الترمذي، أبو الوتر، باب ما جاء في الصلاة عند الزوال (2/ 342)، برقم (478)، وصححه أحمد شاكر في المرجع نفسه.


[2] انظر: بداية المجتهد، لابن رشد (1/ 207).


[3] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني: (1/ 294)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي، للزيلعي:(1/ 172)، والعناية شرح الهداية، للبابرتي:(1/ 444).


[4]صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة (1/ 509)، برقم(17).


[5]صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة:(2/ 600)، برقم(881).


[6] انظر: مناهج التحصيل، للرجراجي:(1/ 505).


[7] انظر: المعلم بفوائد مسلم، للمازري:(1/ 477).


[8] انظر: المالكية: المدونة، لمالك:(1/ 189)، والتلقين في الفقه المالكي، للثعلبي:(1/ 50)، والكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر:(1/ 219).


[9] انظر: الحاوي الكبير، للماوردي:(2/ 289)، والمهذب في فقه الإمام الشافعي، للشيرازي:(1/ 161)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، للعمراني:(2/ 284).


[10] انظر: مختصر الخرقي:(ص: 28)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي:(2/ 63).


[11]صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل (1/ 516)، برقم(749).


[12]صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل(1/ 519)، برقم (749).


[13] انظر: مختصر الخرقي:(ص: 28)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي:(2/ 63)، والكافي في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة:(1/ 270).


[14]صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل(1/ 519)، برقم (749).


[15] انظر: مختصر الخرقي:(ص: 28)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي:(2/ 63)، والكافي في فقه الإمام أحمد، لابن قدامة:(1/ 270).


[16] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني:(1/ 294)، والهداية في شرح بداية المبتدي، للمرغيناني:(1/ 67) وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي، للزيلعي:(1/ 172)، والاختيار لتعليل المختار، للبلدحي:(1/ 67)، وشرح مختصر خليل، للخرشي:(2/ 39)، والفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، للنفراوي:(1/ 196)، والمجموع شرح المهذب، للنووي:(4/ 10)، والنجم الوهاج في شرح المنهاج، للدميري:(2/ 288)،و الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي:(2/ 180)، والشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 69).


[17] انظر: اللباب في الفقه الشافعي، للضبي:(ص: 148)، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي، للهيثمي:(2/ 239)، التدريب في الفقه الشافعي، للبلقيني: (1/ 254).


[18] انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم:(1/ 298وما بعدها)، وقوت المغتذي على جامع الترمذي، للسيوطي:(1/ 204)، وتحفة الأحوذي، للمبارك فوري:(2/ 479)


[19] سننن الترمذي، أبو الوتر، باب ما جاء في الصلاة عند الزوال (2/ 342)، برقم (478)، وصححه أحمد شاكر في المرجع نفسه.


[20]سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسُّنة فيها، باب من فاتته الأربع قبل الظهر (1/ 366)، برقم(1158)، وضعفه الألباني في المرجع نفسه.


[21] انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم:(1/ 299وما بعدها).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١