ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾[1].
إن من أمارات ضعف الرأي: الاغترارُ مع قلة العمل الصالح، والإسراف على النفس في الذنوب والمعاصي.
فهؤلاء اليهود على ما فعلوه من سوء اعتقادهم في الله تعالى، وقتلهم الأنبياء بغير حق، ومعاداتهم لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، يزعمون أنهم لَنْ تَمَسّهُم النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ.
وتمادي بهم الغرور حتى جعلوا الجنة قاصرةً عليهم؛ فَقَالُوا: ﴿ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾[2].
وغرَّهُم باللهِ الغَرُورُ حتى جعلوا الهدايةَ حكرًا عليهم دونَ غيرهم؛ فَقَالُوا: ﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾[3].
وكم نرى من الناس عندهم مثل هذا الغرور، فيزكي أحدهم نفسه، مع الغفلة، وضعف اليقين، وسوء العمل، والإسراف على النفس في المعاصي والشهوات.
وأين مثل هذا من السلف رضوان الله عليهم الذين تقطعت نياط قلوبهم خوفًا من الجليل، وقرحت أجفانهم من البكاء والنحيب، وإذا ذُكِرَتْ النَّارُ فكأنها ما خُلِقَتْ إلا له، وما خُلِقَ إلا لها، وهم مع ذلك أَشَدُّ النَّاسِ اجتهادًا، وأكثرهم من الله خوفًا، وأحسنهم به ظنًا.
هذا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: «وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا، لاَ لِي وَلاَ عَلَيَّ»[4].
وكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: «لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ»[5].
وهذه عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَثْنَى عَلَيها ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عند موتها فَقَالَتْ: «وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا»[6].
وكَانَ الشَّعْبِيَّ رحمه الله يَقُولُ: «وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْ عَمَلِي كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ»[7].
[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 24.
[2] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 111.
[3] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 135.
[4] رواه البخاري- كِتَابُ الأَحْكَامِ، بَابُ الِاسْتِخْلاَفِ، حديث رقم: 7218، ومسلم- كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ وَتَرْكِهِ، حديث رقم: 1823.
[5] رواه أحمد- حديث رقم: 21516، والترمذي- أَبْوَابُ الزُّهْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابٌ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا»، حديث رقم: 2312، بسند حسن.
[6] رواه البخاري- كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ، بَابُ ﴿ وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، حديث رقم: 4753.
[7] رواه الدارمي- بَابُ مَنْ كَرِهَ الشُّهْرَةَ وَالْمَعْرِفَةَ، حديث رقم: 548، بسند صحيح.