فتاوى نور على الدرب [93]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز ترك الجنازة إلى الصباح وهي ميتة بعد صلاة العشاء أو تغسل وتكفن وتدفن في وقتها، ويقصد بدون صلاة؟

الجواب: من المعلوم أن المشروع في الجنازة هو المبادرة فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسرعوا بالجنازة)، ولكن لا بأس أن تؤخر الساعة والساعتين لمصلحة الجنازة، مثل: أن يكون الغرض من ذلك تكثير المصلين عليه والمشيعين له؛ لأن هذا غرضٌ مقصود، ولكن بشرط أن لا يكون التأخير كثيراً كما يفعل بعض الناس، فإن هذا خلاف السنة وخلاف المشروع، والميت إذا كان مؤمناً فإنه محتاجٌ إلى أن يُسرَع في تجهيزه وتسليمه إلى مثواه الأخير؛ لأجل أن ينال السرور والفرح الذي يحصل له بعد موته، فإن المؤمن إذا مات ووضع في قبره وجد النعيم الذي أمره الله به، قال الله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، فهو يرى نعيم الجنة وسرورها من حين ما يوضع في قبره، فالذي ينبغي وهو من المشروع ومن الإحسان بالميت المبادرة في تجهيزه إلا إذا انتظر به انتظاراً غير كثير من أجل مصلحته، وأما إذا أراد أحدٌ أن يدفن ميته في الليل بدون الصلاة عليه فهذا لا يجوز؛ لأنه تجب الصلاة على المسلم إذا مات، وعلى هذا فإذا مات في الليل وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وكان المصلون قليلاً حصل المقصود ولا بأس أن يدفنوه في الليل، ولكن كما قلت: إذا انتظروا به إلى الفجر لأجل كثرة المصلين فهذا لا بأس به.

السؤال: أكتب إلى فضيلتكم هذه الرسالة، وأرجو أن تجيبوا عليها من جميع النواحي حيث طال الحديث بيني وبين أحد الإخوة من إحدى الدول العربية إلى أن وصلنا إلى صلاحية القلب حيث قال هذا الأخ: إنه ليس القلب هو الذي يصلح أو يُصلح الجسد وجميع الجوارح بدليل أنه لو أجريت عملية نزع قلب إنسانٍ مؤمن واستبداله بقلب كافر لا يؤمن بالله لم يؤثر عليه هذا القلب الذي هو من الكافر، وإنما استمر على إيمانه بالله، هل هذا صحيح؟ حيث أورد علي شبهة كنت منها حائراً وهي أنه إذا كان هذا الحكم صحيحاً أو الكلام صحيحاً ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلُحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله)، وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.

الجواب: ينبغي أن يُعلم أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم حق، وأنه لا يصدر عنه إلا الحق، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. ثم قال: ألا وهي القلب)، فصدر الجملة المبينة المفسرة لهذه المضغة ب(ألا) الدالة على التنبيه والتأكيد إشارةً إلى تأكد هذا الأمر، وأن هذا القلب إذا صلح صلح الجسد كله، ولكن القلب له مكان وله أعضاءٌ خاصة، فما دام في هذا الجسم الذي خلق فيه فإنه إذا صلح لا بد أن يصلح، وأما إذا نقل إلى مكانٍ آخر فإنه نُقل عن مملكته فلا يلزم من صلاحه أن يصلح الجسد الآخر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما تحدث عن أمرٍ كان هو المفهوم في ذلك الوقت، وهو أن القلب لا يتجاوز محله وبدنه الذي تكون الأعضاء فيه بمنزلة جنود السلطان المطيعين له هذا وجه، ووجهٌ آخر أن يقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام بين محل القلب، وأن المراد بالقلب: القلب المعنوي الذي هو العقل الذي محله القلب وأن هذا العقل يكون في نفس الشخص الذي قُدّرت هدايته، بمعنى: أن القوة المعنوية العاقلة في هذا القلب المركب في هذا الجسم هي المدبرة لهذا الجسم وأنه إذا انتقل محلها تبقى هي، فتبقى الهداية في قلب المؤمن المهتدي وإن زال قلبه هذا على فرض أن هذه المسألة قد تكون بمعنى أنه يُنقل قلب مسلم ويركب له قلب كافر أو بالعكس، فالجواب من أحد هذين الوجهين:

إما أن يقال: إن المراد بالقلب هي هذه المضغة الجسمية، ولكن لها الإمرة على البدن الذي ركبت فيه وخلقت فيه الذي خلقها الله فيه إذا صلحت صلح الجسد، بخلاف ما إذا نُقلت إلى مملكةٍ أخرى فإنه لا يلزمه أن تأتمر هذه المملكة الجديدة بأمرها. أو يقال: إن المراد بالقلب: القوة العقلية الشائعة في نفس البدن والتي محلها ومنبعها من القلب، وبأحد هذين الوجهين يتبين به ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم على أحد هذين الوجهين أن نقول: إنه إذا رُكِّب قلب مؤمنٍ في كافر أن يكون هذا الكافر مؤمناً، وأنه إذا رُكَّب قلب كافرٍ في مؤمن أن يكون هذا المؤمن كافراً.

مداخلة: أيضاً ألا نقول: إنه حتى الآن لم يوجد مسألة تعارض حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أننا لم نعرف مؤمناً ركب له قلب كافرٍ فاستمر على إيمانه، أو كافرٌ ركب له قلب مؤمنٍ فآمن؟

الشيخ: نحن قلنا: إذا وجد هذا احتطنا بهذا، لكن لو فرضنا إن وجد ما ندري في الأجيال القادمة ربما يوجد هذا في الأجيال القادمة فيكون الجواب بأحد الوجهين.

مداخلة: نعم لكن نقول: حتى الآن لم يوجد ذلك؟

الشيخ: أي نعم، لكن لاحتياط الأمور القادمة، وإذا صح الآن أنهم يركبون القلب في إنسانٍ مريض ويستقيم ويبقى هذا، فلا مانع من أن يكون هذا بين مؤمنٍ أو كافر بالعكس.

مداخلة: نعم، لكن على حسب الوارد الآن من القلوب أن أصحابها لا يستمرون أكثر من خمسة أشهر أو سبعة أشهر بالكثير وهذا لا يقرر إيماناً أو كفراً؟

الشيخ: لا لا، يمكن يقرر حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، يمكن الإنسان في آخر لحظة يمن الله عليه فيؤمن.

مداخلة: لكنه حتى الآن لم يحدث لا لمسلم أن أجريت له هذه العملية أو لكافرٍ أخذ منه قلبه؟

الشيخ: لكن قلنا: إن المسألة إذا ثبت قلنا في أثناء الجواب: نعم. ولا مانع من أن نحتاط؛ لأنه قد يأتي مثل الوقت تبقى هذه المسألة مشكلة.

مداخلة: نعم. لكن السائل الذي أفحمه كلام الخصم الذي من إحدى الدول العربية وهو يثبت أنه نقل قلب كافرٍ لمسلم نقول: حتى الآن لم يثبت ما زعم هذا الشخص.

الشيخ: إن كان قد ثبت ما زعم بارك الله فيك فهذا الجواب، وإن لم يثبت وأن المسألة فرضية فهذا الجواب أيضاً.

المقدم: أحسنتم أثابكم الله.

السؤال: هل يجوز للفتى الشاب أن يحج إلى بيت الله الحرام قبل الزواج أم لا بد من زواجه ثم بعد ذلك الحج؟ وما هي الشروط الواجبة عليه؟

الجواب: يجوز للشاب أن يحج قبل أن يتزوج، ولا حرج عليه في ذلك، لكن إذا كان محتاجاً إلى الزواج ويخاف العنت والمشقة في تركه فإنه يقدمه على الحج؛ لأن الله تبارك وتعالى اشترط في وجوب الحج أن يكون الإنسان مستطيعاً، وكفاية الإنسان نفسه بالزواج من الأمور الضرورية، فإذا كان الرجل أو الشاب لا يهمه إذا حج وأخر الزواج فإنه يحج ويتزوج بعد، وأما إذا كان يشق عليه تأخير الزواج فإنه يقدم الزواج على الحج.

السؤال: في الصباح كنت نائماً، واستيقظت من نومي حوالي الساعة العاشرة صباحاً ولم يوقظني أحد حتى أصلي الصبح، هل يجوز في هذا الوقت صلاة الصبح؟ وما المفروض أن أفعله لأكفر عن نفسي حيث وقت الصلاة قد تركني؟

الجواب: يجوز أن تصلي الفجر إذا قمت ولو الساعة العاشرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، ولا كفارة عليك سوى هذا، هذه هي كفارتها، ولكن يجب على الإنسان الذي ليس عنده من يوقظه أن يحتاط عند نومه بحيث يضع عنده ساعة منبهة له يكون توقيتها عند دخول الوقت حتى يستيقظ ويؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في وقتها.

السؤال: أنا شاب عمري الثالثة والعشرون سنة، يقول: عندما بلغت سن العاشرة صليت ثم صمت، وعندما بلغت الثامنة عشرة تركت الصلاة والصيام، وفي السنة الثانية أو الثالثة والعشرين تبت إلى الله عز وجل وأقبلت على الله وبقيت أصلي وأصوم. ما هو المفروض علي أن أفعله كفارة لتلك السنوات الماضية من صلاة وصيام وكل واجبات دين الله على المسلم؟

الجواب: لا يجب عليك شيءٌ، وإنما الواجب عليك الآن أن تُصلح عملك وتستقيم فيما بقي من عمرك، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:53-55]، فلا يجب عليك قضاء ما فاتك في السنوات التي تركت فيها العبادات عامداً بدون عذر.

السؤال: هل أداء صلاة الظهر في الساعة الواحدة والنصف يعتبر وقتاً متأخراً؟

الجواب: لا نستطيع أن نجيب على هذا السؤال؛ لأن الساعة الواحدة والنصف قد تكون في بلد بعد دخول وقت العصر، وقد تكون في بلدٍ قبل دخوله، ولكن الجواب أن نقول: إن وقت الظهر متصلٌ بوقت العصر فليس بينهما وقت، فوقت الظهر يمتد من الزوال إلى دخول وقت العصر ليس بينهما شيءٌ، هذا هو الذي نستطيع أن نجيب به عن هذا السؤال.

السؤال: ما المقصود بيأجوج ومأجوج؟ وماذا تعرفون عنهم كما ورد ذكرهما في القرآن الكريم؟

الجواب: المقصود بيأجوج ومأجوج أنهما قبيلتان من بني آدم كما جاء في ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما ورد في بعض الكتب من أن منهم القصير جداً والصغير ومنهم الكبير ومنهم الذي يفترش أذناً من أذنيه ويلتحف بالأخرى وما أشبه ذلك، فكل هذه لا أصل لها، وإنما هم من بني آدم وعلى طبيعة بني آدم، لكنهم كانوا في وقت ذي القرنين كانوا قوماً مفسدين في الأرض، فطلب جيرانهم من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سداً حتى يمنعهم من الوصول إليه إليهم وإفسادهم في أرضهم، وفعل ذلك، وقال: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [الكهف:96] الجبلين قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا [الكهف:96]، ففعلوا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف:97]، فكفى الله جيرانهم شرهم، ثم إنه في آخر الزمان وبعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام يخرجون على الناس ويبعثون، يبعثون بمعنى أنهم يخرجون وينتشرون في الأرض ويحصرون عيسى ابن مريم والمؤمنين معه في جبل بيت المقدس، ثم يلقي الله تبارك وتعالى في رقابهم دودةً تأكل رقابهم فيصبحون فرسى يعني: جمع فريسة، يعني موتى كلهم ميتة رجلٍ واحد، ويقي الله سبحانه وتعالى عيسى وأصحابه شرهم.

السؤال: أنا إنسانة أقوم الليل في الساعات الأخيرة منه حيث هو أفضل أوقات الصلاة كما تعلمون، ولكن المشكلة هنا تكمن في أنه ينتابني بعد أو أثناء الصلاة بعض المخاوف وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأقرأ المعوذتين، وبسبب هذه المخاوف ينصرف ذهني إليها وأصبح مشغولة تماماً عن صلاتي، وكل شيءٍ من حولي هادئ وساكن، وبالتالي كل شيءٍ يخيل إلي. أرجو أن توصلوني من بعد الله عز وجل إلى طريقةٍ أتخلص بواسطتها من تلك المخاوف وفقكم الله؟

الجواب: هذه المخاوف إذا كانت أسبابها ظاهرة حسية فالتخلص منها بدفاعها والبعد عنها، وإذا كانت أسبابها خفية معنوية فالتخلص منها بكثرة الذكر، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقراءة آية الكرسي، فإنه إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح، وإذا لم يلتفت الإنسان إلى هذه الوساوس وهذه المخاوف فإنها تزول عنه بإذن الله.

مداخلة: يعني: قراءة آية الكرسي والاعتقاد بجدواها دون القراءة فقط؟

الشيخ: نعم لا بد أن يعتقد؛ لأن جميع الأذكار الواردة والدعوات والقراءة على المرضى لا بد فيها من اعتقاد النفع، وأما من فعلها على سبيل التجربة فهذه لا تنفعه.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3919 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3699 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3651 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3505 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3481 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3451 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3444 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3426 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3346 استماع