فتاوى نور على الدرب [74]


الحلقة مفرغة

السؤال: أثناء تأدية فريضة عصر أحد الأيام رأيت طفلاً يصلي وهو يلبس نعله، ومرة أخرى رأيت رجلاً يصلي أيضاً وهو يلبس نعله، وفي صلاة إحدى الجمع رأيت رجلاً يصلي بنعله أيضاً، ولا أدري هل صلاتهم صحيحة أم غير صحيحة، أرجو تبصيري بالحقيقة؛ لأن الأمر قد التبس عليَّ، أفادكم الله وزادكم علما؟

الجواب: الحقيقة أن الصلاة في النعلين من السنن التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( خالفوا اليهود فإن اليهود لا يصلون في نعالهم)، وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إذا أتى المسجد أن ينظر في نعليه فإن رأى فيهما أذىً مسحه وإلا صلى فيهما.

وثبت في الصحيحين من حديث أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه)، و( صلى مرة بأصحابه فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف من صلاته قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك يا رسول الله خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذىً فخلعتهما).

فهذه السنة ثبتت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره، وهي من أقوى السنن ثبوتاً، لكن العمل بها هجر الآن ولا يعمل بها إلا النادر من الناس، ولعل من أسباب ذلك أن الناس لا يبالون إذا دخلوا في نعالهم يدخلون بها من الشوارع وهي متلوثة وغير نظيفة، فمن أجل ذلك ترك الناس هذه السنة، وصاروا إذا دخلوا المساجد خلعوا نعالهم وأخذوها بأيديهم، أو أبقوها عند باب المسجد تنزيهاً للمساجد، وخوفاً من أن يأتي أحد فيدخل المسجد على غير الوجه الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليه المسجد.

وإلا فلو أن الإنسان ضمن أن يدخل الناس المساجد بنعالهم على الوجه الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم من النظر فيهما وإزالة الأذى عنهما بالمسح، ثم الصلاة بهما لكان الإنسان يدعو إلى ذلك بقوله وفعله لئلا تموت السنة وتهجر، لكن الذي يمنع من هذا ويحول دونه هو إساءة بعض الناس لاستعمال النعلين في الصلاة حيث يدخلون فيهما المسجد بدون أن ينظروا فيهما وبدون أن ينقوهما من الأذى.

وعلى كل حال: أرجو أن يكون الجواب قد تبين، وأن لباس النعلين في الصلاة من السنة، ولكنه ينبغي كما قلنا: ألا يدخل الإنسان المسجد بهما إلا وقد استنقاهما ونظفهما.

السؤال: في أثناء الصلاة أيضاً أرى بعض الأخوة المصلين يأتون بحركات كثيرة منها تحريك ساعته، ولف غطاء الرأس أكثر من مرة، وتحريك يديه مع بعضها مراراً، فهل هذا يبطل الصلاة، أم ماذا؟ أرجو الإفادة، نور الله لكم طريق الهدى والصلاح.

الجواب: هذه الحركات التي يفعلها كثير من الناس في صلاتهم هي عبث وهي منقصة للصلاة، منافية للخشوع، لأن الخشوع -خشوع القلب وخشوع الجوارح- هو اللزوم والسكينة بحيث لا ينصرف القلب إلى غير صلاته، ولا تتحرك الجوارح بغير أفعال صلاته، أو ما يكملها، فهذه الحركات التي يشاهدها الأخ السائل هي من العبث التي لا ينبغي للمصلي فعلها، بل يكره له ذلك، ثم إن كثرت بحيث أخرجت الصلاة عن موضوعها وصارت إلى اللعب أقرب منها إلى الجد فإنها تبطل الصلاة إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك كمن تحرك بحركات كثيرة لإنقاذ نفسه من عدو هاجمه أو نحو هذا، فإنه لا حرج عليه في ذلك لجواز الحركات حينئذ.

وقد سبق لنا في حلقة ماضية أن بينا أن الحركات في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام:

فمنها حركات واجبة، ومنها حركات مستحبة، ومنها حركات مباحة، ومنها حركات مكروهة، ومنها حركات محرمة.

أما الحركات الواجبة: فهي التي يتوقف عليها فعل واجب في الصلاة، كما لو دخل الإنسان في صلاته مستقبلاً غير القبلة ظاناً أنها هي القبلة، ثم أتاه من ينبهه في محل يسوغ له أن يجتهد فيه إلى القبلة، كما لو كان في البر فاتجه إلى غير القبلة، ثم أتاه إنسان وقال له: القبلة على يمينك فإنه يجب أن ينحرف على يمينه كما صنع الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا في قباء يصلون إلى بيت المقدس غير عالمين بتحويل القبلة، فأتاهم آتٍ وهم في صلاة الصبح فأخبرهم بأن القبلة حولت إلى الكعبة فاستداروا وهم في صلاتهم إلى الكعبة وأتموها.

كذلك أيضاً لو تذكر وهو يصلي أن في غترته نجاسة، أو في مشلحه نجاسة، أو في سرواله نجاسة، ثم بادر وخلعها وهو يصلي فإن هذه الحركة واجبة؛ لأنه يتوقف عليها اجتناب محظور في الصلاة كما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو يصلي حين أخبر بأن فيهما أذىً.

ومن القسم المستحب من الحركة في الصلاة إذا تحرك الإنسان لتسوية الصف، كما لو شعر بأنه متقدم أو متأخر عن الصف، فتقدم أو تأخر ليكون مساوياً للصف.

وكذلك لو أن الصف نقص وتقلص على يمينه أو يساره فدنا منه، فإن هذه الحركة مستحبة؛ لأن بها تكميل الصلاة، وتكون الحركة مكروهة إذا كانت قليلة لغير حاجة كالعبث الذي ذكره السائل مثل: الذي يعبث بلحيته أو بأنفه أو بساعته أو بقلمه أو بثوبه بدون حاجة لذلك فإنه من المكروه.

والمحرم: إذا كانت الحركة كثيرة متوالية بغير ضرورة بحيث تخرج الصلاة عن موضوعها وتكون الصلاة في هذه الحال إلى اللعب أقرب منها إلى الجد، فهذه محرمة ولا تجوز وتبطل الصلاة، إلا إذا كان لعذر فإنها مباحة لا تبطل الصلاة.

وأما القسم المباح: وهو اليسير لحاجة، كما لو أصاب الإنسان حكة أو قرصته نملة أو ما أشبه ذلك فتحرك ليحك هذه الحكة تبرد عليه، أو يزيل تلك النملة، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأنه حركة يسيرة لحاجة وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها على الأرض، فهذه حركة لكنها يسيرة لحاجة، ففعلها النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك أيضاً من القسم المباح الكثيرة إذا كانت للضرورة، كما لو هاجمه سبع أو عدو أو لحقه واد من الماء شديد، أو ما أشبه ذلك، وصار يسعى للتخلص من هذا الضرر فإن ذلك ضرورة ولا يبطل صلاته، لقول الله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] ، ومعلوم أن الرجال الذين يمشون على أرجلهم سوف يتحركون حركات كثيرة بقدر ما يتخلصون به من هذا المخوف.

السؤال: أنا عندما أتبول لا ينزل جميع البول، وإنما يبقى منه قليل، وأحاول إنزاله ولكن لا أستطيع وبعد ذلك أتوضأ للصلاة، وأنا في الطريق إلى المسجد أو في الصلاة أحس أن الباقي قد نزل، ولما أصلي أذهب إلى البيت فأغسل مكان النجاسة، فهل تصح صلاتي، وما هو الحكم والحل في هذه الحالة؟

الجواب: الحل في هذه الحالة أولاً: أن تراجع الطبيب المختص في المجاري البولية، لعلك تجد عنده ما يشفي الله به هذا المرض.

وأما بالنسبة للحكم الشرعي في ذلك: فإنه ينبغي لك أن تتقدم قبل أن يحين فعل الصلاة، فتتبول وتبقى على بولك حتى يخرج جميع البول، فإذا غلب على ظنك أنه خرج جميع البول فقمت بعد الاستنجاء وتوضأت، ثم خرجت إلى المسجد وأحسست بأنه نزل فإن لم تتيقن أنه خرج فلا شيء عليك، وإن تيقنت أنه خرج فقد انتقض وضوءك وعليك أن ترجع إلى البيت وتغسل ثيابك، وما لوثك من البول وتعيد الوضوء لتصلي صلاة صحيحة.

السؤال: أنا فتاة أذهب إلى حفلات الزفاف للتقابل مع الصديقات والأقرباء الذين لا نراهم إلا في هذه الحفلات، وأشعرك أنني فتاة متمسكة بديني وسنة نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وأريد أن أسألكم: هل هذا حلال أم حرام؟

الجواب: هذا حلال ولا بأس به، وإن كان لزوم البيت أفضل وأحسن، لكن ليست المرأة ممنوعة من الخروج في مثل هذه الحال بشرط أن تخرج غير متطيبة ولا متبرجة بزينة ولا سافرة كاشفة عن وجهها، وبشرط أيضاً ألا تشتمل الحفلة التي ذهبت إليها على منكر أو اختلاط برجال أو نحو ذلك من المحرم، فإن كان كذلك فإنه لا يجوز لها أن تذهب.

السؤال: لدي لبس من الذهب الذي أستعمله عندما أذهب إلى هذه الحفلات، وهذا الذهب قليل، فهل عليه زكاة أم لا؟

الجواب: إذا كان قليلاً فإنه لا زكاة فيه، والقليل ما دون النصاب، والنصاب عشرون مثقالاً وتحريره بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه، فما بلغ ذلك ففيه الزكاة وما دونه فلا زكاة فيه، ولا فرق بين أن تكون المرأة تلبسه دائماً أو تلبسه في المناسبات، أو قد أعدته للعارية دون اللبس، فإن هذا كله تجب فيه الزكاة لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، ولم يرد تخصيص الحلي بدليل صحيح.