خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [69]
الحلقة مفرغة
السؤال: أسأل عن القصر في الصلاة، ومتى يكون؟ وفي أي حالة؟ وهل لصلاة القصر فترة محددة من الأيام، وذلك لأنني قد بقيت مدة تزيد على الشهر، وتقل على الشهرين، أو على حسب كلامه، أقصر الصلاة لكوني عسكرياً في الحرب، فهل عليّ أن أستمر في قصر الصلاة، أو أن أتمها، وهل يجوز لي أن أجمع بين الصلوات في بعض الأحيان؟
الجواب: السفر الذي تقصر فيه الصلاة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد مدته، وإنما أطلق السفر في القرآن والسنة: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ [النساء:101]، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين).
فهذا دليل على أنه ليس محدداً بمسافة معينة، ولا بزمن معين، وإنما يعتبر اسم السفر، فمتى صدق على الرجل الذي خرج من بلده أنه مسافر فهو مسافر، قد يكون الخروج سفراً إذا طالت مدة زمنه، وإن قربت مسافته، وقد يكون سفراً إذا بعدت مسافته ولو قل زمنه، هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم لعدم وجود الدليل على التحديد، وكذلك بالنسبة لزمن الإقامة الذي ينقطع فيه حكم السفر فإنه لا حد له، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديده بأربعة أيام ولا بخمسة ولا بعشرة، بل أقام النبي صلى الله عليه وسلم إقامات مختلفة كان يقصر فيها الصلاة، فأقام حجة الوداع في مكة المكرمة عشرة أيام منها: أربعة قبل الخروج إلى منى، وأقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً، وأقام في تبوك عشرين يوماً وفي هذه الإقامات كلها كان يقصر الصلاة عليه الصلاة والسلام، ولم يقل للناس: من نوى عدداً معيناً من الأيام فليقصر، وقد قدم لحجته صلى الله عليه وسلم في اليوم الرابع من ذي الحجة، وكان يقصر الصلاة، ولم يقل للناس الحجاج: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم الصلاة، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن الناس يقدمون للحج قبل اليوم الرابع وبعده.
فلما لم يقل ذلك علم أنه لا تحديد له وأن قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الرابع إنما وقع اتفاقاً لا قصداً، وما وقع اتفاقاً لا قصداً فإنه لا يتعلق به حكم.
على هذا نقول للأخ: ما دمت في الجبهة مسافراً فإنه يجوز لك أن تقصر الصلاة، وهو المشروع في حقك، وأما الجمع بين الصلاتين المجموعتين كالجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، فهذا جائز ولا حرج فيه ولكن الأفضل تركه، إلا إذا كان في تركه شيء من المشقة، أو كان في فعله أي في الجمع شيء من المصلحة فلتجمع أيضاً ولا حرج عليك في ذلك.
السؤال: في هذه الرسالة مناظرة الإمامين الجليلين أحمد بن حنبل والإمام الشافعي رضي الله عنهما وهي في كتاب فقه السنة المجلد الأول للسيد سابق صفحة خمس وتسعين.
والمناظرة هي: ذكر السبكي في طبقات الشافعية أن الشافعي و أحمد رضي الله عنهما تناظرا في تارك الصلاة: قال الشافعي : يا أحمد ! أتقول إنه يكفر؟ قال: نعم. قال: إذا كان كافراً فبم يسلم؟ قال: يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال الشافعي : فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه، قال: يسلم بأن يصلي قال: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم له بالإسلام بها، فسكت الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فما رأي فضيلة الشيخ أن يجيب على هذه الرسالة في هذه المناظرة، وأرجو أن يفسر ما تعنيه هذه المناظرة؟
الجواب: في هذه المناظرة أولاً: يحتاج إلى إثباتها، أي: إلى أن يثبت بأنها وقعت بين الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمه الله، فلابد من أن تكون ثابتة عنهما بسند صحيح يكون مقبولاً على حسب شرائط المحدثين.
وأيضاً مجرد نقل السبكي لها وبينه وبين الإمام الشافعي والإمام أحمد مئات السنين لا يكون ذلك حجة في ثبوتها عنهما.
ثم إن التعبيرات التي وقعت فيها تعبيرات جافة يبعد جداً أن تصدر من الإمام الشافعي إلى الإمام أحمد مع أنه قد عرف عنه التعظيم الكامل الذي يليق بمقام الإمام أحمد وبمقام الشافعي رحمهم الله جميعاً.
ثم إن هذه المناظرة تخالف المعروف في مذهب الإمام أحمد ، فإن المعروف في مذهب الإمام أحمد أن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يكون مسلماً إلا بفعلها، وإنه إذا فعلها وصلى حكم بإسلامه، هذا هو المعروف من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وهكذا ينبغي أن يعرف السامع ويعرف السائل أن من كفر بشيء من الأشياء فإنه لا يسلم بمجرد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يصحح ما كفر به، فمثلاً: إذا قدر أنه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو ينكر فرضية الزكاة أو الصيام أو الحج، فإنه لا يكون مسلماً بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يقر بفرضية ما أنكر فرضيته من هذه الأصول.
والمهم أن القاعدة في الكافر المرتد: أنه إذا ارتد بشيء معين من الكفر فإنه لا يغنيه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يصحح ما حكمنا بكفره من أجله.
وعلى هذا نقول: تارك الصلاة كافر ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يكون مسلماً إلا إذا صلى لأننا كفرناه بسبب فلا بد أن يزول هذا السبب الذي من أجله كفرناه، فإذا زال السبب الذي من أجله كفرناه حكمنا بأنه مسلم، وعلى هذا فيفرق بين الكافر الأصلي الذي يدخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبين المرتد بشيء من أنواع الردة، فإنه لا يحكم بإسلامه حتى ينتفي عنه ذلك الشيء الذي كفرناه به، هذا هو سر المسألة.
فالذي نرى في هذه المناظرة أولاً: أنه يبعد صحتها بين الإمامين الجليلين بما علم من التعظيم بينهما، وهذه العبارات الجافة لا توجه من الشافعي للإمام أحمد حسب ما نعلمه من تعظيم أحدهما للآخر.
الشيء الثاني: أن مجرد وجودها في طبقات الشافعية لا يعني أنها صحيحة، بل كل قول ينسب إلى شخص يجب أن يحقق في سنده الموصل إليه، لأنه قد يكون من الأقوال التي لا إسناد لها، وقد يكون إسناد القول ضعيفاً لا يعتد به، فلابد من هذا.
الشيء الثالث: أن هذه المناظرة تخالف ما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: بأن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يسلم إلا بفعلها، ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
السؤال: ما حكم تارك الصلاة عند الشافعي ؟
الجواب: المعروف عن مذهب الشافعية أنهم لا يرون كفر تارك الصلاة، ولكن الأدلة تدل على كفره، والواجب على المؤمن اتباع ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن هذا هو فرضه كما قال الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
فاختلاف العلماء بحر لا ساحل له، ولكن الميزان الذي توزن به هذه الاختلافات هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق لنا في غير حلقة بيان الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة، وأن كفره كفر مخرج عن الملة، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المقدم: وسيأتي إن شاء الله تعالى الحديث عن الصلاة في حلقات قادمة.
السؤال: من عمل عملاً لا يرضي وجه الله ثم تاب، ثم عاد لهذا العمل مراراً وتكراراً، فهل له من توبة أم لا؟
الجواب: نعم، له توبة؛ لعموم قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
فهذا الرجل إذا تاب من هذا الذنب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ثم إن دعته نفسه فيما بعد ذلك إلى مقارفة هذا الذنب ففعله ثم تاب منه توبة نصوحاً مخلصاً فإن الله يتوب عليه، وهكذا كلما فعل ذنباً ثم تاب منه توبة نصوحاً صادقة ثم غلبته نفسه فيما بعد على فعله، ثم أعاد التوبة، فإنه يكون على آخر أحواله: إن كان آخر أحواله التوبة النصوح فإنه كمن لا ذنب له، وإن كان آخر أحواله أنه مصر على هذا الذنب فإن له حكم المصرين عليه.
السؤال: من حج وعليه دين فهل حجه مقبول؟ ومن حج لزوجته بعد موتها فهل حجه مقبول لها؟
الجواب: نعم من حج وعليه دين فحجه مقبول؛ لأنه ليس من شروط صحة الحج خلو الذمة من الدين، ولكننا نقول: من عليه دين حال فليوفه قبل أن يحج لسبق وجوب قضاء الدين على وجوب الحج، وإن كان مؤجلاً وله وفاء واستأذن من صاحبه فله أن يحج أيضاً ولا حرج عليه، لأنه قادر على وفائه في المستقبل.
أما حجه عن زوجته: فهو أيضاً مقبول إذا حج لها ويقول عند إحرامه: لبيك عن زوجتي فلانة، وإذا لم يعينها باسمها كفته النية.
السؤال: من قبّل زوجته وداعبها شهر رمضان خلال النهار، فهل ارتكب إثماً حتى ولو لم يتم الجماع؟
الجواب: لم يرتكب إثماً إذا قبل زوجته وهو صائم في نهار رمضان، وكذلك لو مازحها أو داعبها، ولكنه يجب عليه أن يلاحظ أنه إذا فعل ذلك وهو يظن الإنزال أو يتيقنه لعلمه بحال نفسه فإن ذلك يحرم عليه، وأما إذا كان يعرف من نفسه أنه لا ينزل بمثل هذه المداعبة وبمثل هذا التقبيل فإنه لا حرج عليه في ذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس خشية لله وهو أعظمهم تقوى كان صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |