ديوان الإفتاء [752]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بما نقول ونسمع، وما بقي على دخول شهر الله المحرم سوى ليلة واحدة، أسأل الله أن يهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحب ويرضى.

وأذكر في بداية هذه الحلقة بقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( أحب الصيام إلى الله بعد رمضان صيام شهر الله المحرم، وأحب الصلاة إلى الله بعد الفريضة قيام الليل ).

قال أهل العلم: إنما كان صيام المحرم محبوباً إلى الله؛ لأنه الشهر الذي يأتي في افتتاح العام قبل رمضان، فمن افتتح عامه بالصيام كان الصوم له ضياءً فيما بقي من عامه؛ ولذلك أحث إخواني وأخواتي على اغتنام هذا الشهر المبارك في الإكثار من الصيام، خاصة وأنه يصادف فصل الشتاء؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( الصوم في الشتاء غنيمة باردة ).

وأذكر أيضاً ببعض المعاني التي نستفيدها من هجرة نبينا المختار عليه الصلاة والسلام:

الانتصار للدين لا يتوقف على أرض ولا قوم

أولاها: أن الانتصار لدين الله عز وجل لا يتوقف على أرض ولا قوم، وإنما ينصر الله عز وجل دينه بمن شاء من عباده، حيث شاء من أرضه؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نشأ في مكة وترعرع بين جبالها وشعابها، وكانت أحب البلاد إليه، ثم بعد ذلك لما تعثر أهلها وما خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وصدوا عن سبيل الله، أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخرج منها.

خرج عليه الصلاة والسلام لا رغبة عنها وإنما رغبة في الانتصار لهذا الدين العظيم؛ ولذلك لما خرج منها عليه الصلاة والسلام حزيناً نظر إليها وقال: ( والله إنك لأحب البلاد إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت )؛ فأنزل الله عليه قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85].

كل مسلم له دور في الحياة لنصرة دينه

ثانيها: أن لكل منا دوره في الانتصار لهذا الدين، هجرة نبينا المختار عليه الصلاة والسلام قد شارك فيها الرجال والنساء والشيوخ والشباب والصبيان؛ فهذا الصديق أبو بكر رضي الله عنه كان له القدح المعلى في حماية النبي صلى الله عليه وسلم والذود عنه؛ فكان تارة يسير من أمامه، وتارة يسير من ورائه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله، ثم لما وصلوا إلى الغار قال أبو بكر : على رسلك يا رسول الله! ودخل رضي الله عنه يتحسس الغار؛ فإذا وجد فتحة قطع من ردائه ثم لقمها تلك الفتحة حتى أمن الغار تماماً، وطلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدخل.

وكذلك أسماء رضي الله عنها كانت تصنع الطعام ثم تدفع به إلى عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، وقد تصنت الأخبار فيأتي للنبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر بما يقوله الناس.

وكذلك عامر بن فهيرة كان يرعى الأغنام ليعفي الآثار؛ لئلا تبقى آثار الأقدام حول الغار، هذا كله مما كان في تلك الرحلة المباركة.

نصرة الله لمن نصره

ثالثها: أن الله عز وجل ينصر من نصره، وأنه سبحانه لا يتخلى عن رسله وأوليائه، كما قال سبحانه: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52]، كان النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ومعه أبو بكر والدنيا كلها تتآمر عليهم، لكنه عليه الصلاة والسلام ثابت القلب، رابط الجأش، مطمئن إلى نصر الله، حتى إن الصديق رضي الله عنه لما أدركه بعض الخوف على النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، قال له عليه الصلاة والسلام: ( يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا )، قال الله عز وجل: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

عناية الله بالعبد لا يضر معها شيء

رابعها: عناية الله عز وجل إذا أحاطت بالعبد فإنه لا يضره شيء، كانت قريش ترصد الأموال الكثيرة لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حيين أو ميتين، يخرج سراقة بن مالك الجشعمي من أجل أن يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وما إن يدنو منهما حتى تسيخ أقدام فرسه في الأرض، ثم يحاول ثانية وثالثة إلى أن قال رضي الله عنه: (فأدركت أنه ممنوع ) يعني: لن يصل إليه أحد بسوء.

ضرورة الأخذ بالأسباب

خامسها: الأخذ بالأسباب، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ما قال: أنا رسول الله، والله عز وجل ناصري ومؤيدي، وإنما أخذ بالأسباب التي جعلها الله عز وجل سنناً تتحقق بها المسببات؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر أبا بكر بأن يشتري راحلتين وأن يعلفهما، وذلك قبل الهجرة بزمان طويل؛ فكان أبو بكر رضي الله عنه يعلفهما أوراق الثمر حتى بدنتا، ثم إنه صلى الله عليه وسلم استأجر رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً يقال له: عبد الله بن أريقط وواعده عند غار ثور بعد ثلاث، ثم إنه عليه الصلاة والسلام خرج من غير الطريق الذي يعهده الناس، ثم أمر عليـاً أن يبيت في فراشه ليعمي الأخبار على قريش، ثم اختبأ عليه الصلاة والسلام هو وصاحبه في الغار، وقبل هذا كله استوثق النبي عليه الصلاة والسلام لأمره بأن ضمن له في المدينة أنصاراً وأصحاباً يحوطونه ويدفعون عنه، ويمنعونه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم.

هكذا المسلم ينبغي أن يأخذ بالأسباب، وهذه هي حقيقة التوكل على الله عز وجل.

إكرام الله لرسوله بالمعجزات

سادسها: ما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من المعجزات، يقول الله عز وجل: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا [التوبة:40]، أنزل جنوداً هذه الجنود الله أعلم بها، هل كانت ملائكة أحاطت بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! هل كما روت كتب السير بأن عنكبوتاً قد نسج وحماماً قد باض؟! هل هذه الجنود ما كان من سراقة بن مالك حين بدأ يعمي الأخبار ويصرف الناس عن تتبع النبي عليه الصلاة والسلام، بعدما أيقن أنه رسول الله حقاً؟! هل أولئك الجنود أم معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية التي جرى على يد النبي صلى الله عليه وسلم في خيمتها تلك المعجزة حين مسح على ضرع تلك الشاة فحلب في الإناء ثجاً حتى علته الرغوة؟! الله جل جلاله أيد نبيه صلى الله عليه وسلم بما شاء.

أولاها: أن الانتصار لدين الله عز وجل لا يتوقف على أرض ولا قوم، وإنما ينصر الله عز وجل دينه بمن شاء من عباده، حيث شاء من أرضه؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نشأ في مكة وترعرع بين جبالها وشعابها، وكانت أحب البلاد إليه، ثم بعد ذلك لما تعثر أهلها وما خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وصدوا عن سبيل الله، أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخرج منها.

خرج عليه الصلاة والسلام لا رغبة عنها وإنما رغبة في الانتصار لهذا الدين العظيم؛ ولذلك لما خرج منها عليه الصلاة والسلام حزيناً نظر إليها وقال: ( والله إنك لأحب البلاد إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت )؛ فأنزل الله عليه قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85].

ثانيها: أن لكل منا دوره في الانتصار لهذا الدين، هجرة نبينا المختار عليه الصلاة والسلام قد شارك فيها الرجال والنساء والشيوخ والشباب والصبيان؛ فهذا الصديق أبو بكر رضي الله عنه كان له القدح المعلى في حماية النبي صلى الله عليه وسلم والذود عنه؛ فكان تارة يسير من أمامه، وتارة يسير من ورائه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله، ثم لما وصلوا إلى الغار قال أبو بكر : على رسلك يا رسول الله! ودخل رضي الله عنه يتحسس الغار؛ فإذا وجد فتحة قطع من ردائه ثم لقمها تلك الفتحة حتى أمن الغار تماماً، وطلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدخل.

وكذلك أسماء رضي الله عنها كانت تصنع الطعام ثم تدفع به إلى عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، وقد تصنت الأخبار فيأتي للنبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر بما يقوله الناس.

وكذلك عامر بن فهيرة كان يرعى الأغنام ليعفي الآثار؛ لئلا تبقى آثار الأقدام حول الغار، هذا كله مما كان في تلك الرحلة المباركة.