فتاوى نور على الدرب [64]


الحلقة مفرغة

السؤال: مر شخص بحديقة فوجد فيها شخصاً مع عشر من النساء، فقال له: ألم تستحِ على ذلك، فأجابه الرجل: سامحك الله يا أخ! إن هؤلاء جميعهن محرمات علي، فقال له: كيف؟ فأجاب الرجل: ثلاث منهن خالاتي، وثلاث منهن أخواتي، وثلاث منهن بناتي والعاشرة هي أم الجميع وهي زوجتي، وذلك بطريقة شرعية، فنرجو الإجابة على هذا السؤال وبيان ذلك شرعاً وشكراً لكم؟

الجواب: أرجو أن يكون هذا آخر سؤال يوجه إلى هذا البرنامج، أرجو أن يتحقق ذلك وأن لا يعاد مثله إلى هذا البرنامج، لأن هذا البرنامج في الواقع إنما هو لإفادة السامعين بأمور واقعية ينتفعون بحلِّها، أو أمور كثيرة الوقوع ينتفعون حينما يهم أحد بالإقدام عليها، أما الألغاز فإنها صعب فهمها وتفهيمها، ولا يؤتى بها إلا للطلبة لشحذ أذهانهم، ولكن مع هذا ما دمت أوردت علينا هذا السؤال فإننا نستعين الله تعالى على الإجابة عليه، ونود أن ينتبه السامعون إلى صورة المسألة، وإن كانت الفائدة منها قليلة، صورتها: أننا نفرض أن امرأة تسمى فاطمة لها بنتان، تزوج إحدى البنتين أبو رجل يقال له: -أي: يقال لهذا الرجل- محمد، تزوج أبوه إحدى ابنتي فاطمة، وتزوج جده من قبل أمه إحدى البنتين -أي: بنتي فاطمة -أبوه أتاه من امرأته ثلاث بنات، فصرن أخواتٍ لمحمد، وجده من قبل أمه أتاه من زوجته أيضاً ثلاث بنات صرن خالات لمحمد، ثم إن محمداً تزوج فاطمة فأتت منه بثلاث بنات صرن بنات لمحمد، إذن ثلاث نساء خالات له، وثلاث نساء أخوات له، وثلاث نساء بنات له، فاطمة هذه أم مباشرة لبناته، وجدة لخالاته وأخواته، وعلى هذا فإنها تكون أماً مباشرة لثلاث من هذه النساء، وأم أمٍ لست من هؤلاء النساء، وهي أيضاً زوجة لمحمد، انتهى حل هذا اللغز.

ولو زاد السائل أيضاً أو الملغز ثلاثاً: ليكن عمات لمحمد، وذلك بأن يكون لفاطمة بنت ثالثة يتزوجها جده من قبل أبيه، فتأتي بثلاث بنات أيضاً، فيكون عنده ثلاث عشرة امرأة، يقول لثلاث منهن: بناتي، ولثلاث: خالاتي، ولثلاث: عماتي، ولثلاث: أخواتي، وللثالثة عشرة: زوجتي، وهي أم الجميع.

السؤال: ما حكم بيع الذهب ديناً؟

الجواب: بيع الذهب ديناً إن كان لشيء لا يحل النسأ فيه بينهما فهو حرام، مثل: أن يبيعه بدراهم، فإن ذلك حرام عليه ولا يجوز، وأما إذا كان بما يجوز أن يباع به نسيئة فلا حرج في ذلك، مثل: أن يبيع الحلي بشيء من الثياب أو من المعدات أو من السيارات ونحو هذا، فإنه لا بأس به.

السؤال: ما حكم بيع الذهب المستعمل إذا كان استعماله بسيطاً وبسعر الجديد؟

الجواب: بيع الذهب استعمالاً يسيراً بسعر جديد، إن كان غشاً من البائع فهو حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من غش فليس منا)، وإن كان بغير غش، مثل: أن يعلم البائع المشتري بأنه مستعمل، فيكون المشتري قد دخل على بصيرة، ويخبره أيضاً بأن الثمن الذي حده به هو ثمنه جديداً، فإن هذا لا بأس به إذا رضي المشتري بذلك، وكان ممن يجوز منه التبرع.

السؤال: ما حكم أخذ الفرق على الذهب بالبيع إذا باع ذهباً وأخذ الفرق، أو باع ذهباً بذهب وأخذ الفرق بينهما؟

الجواب: إذا باع ذهباً بذهب وأخذ الفرق بينهما، فإن كان هذا الفرق في مقابلة زيادة الذهب الثاني، فهذا مختلف فيه، فمن العلماء من أجازه، كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال: إنه يجوز أن تبيع حلياً زنته عشرين مثقالاً بحلي زنته خمسة وعشرين مثقالاً، وتجعل مع الناقص دراهم تقابل الخمسة المثاقيل الزائدة على العشرين، ويقول: إن هذا لا ينافي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الذهب بالذهب مثلاً بمثل)، لأننا هنا نجعل الدراهم في مقابلة الزائد الذي هو خمسة مثاقيل، ونجعل عشرين مثقالاً من الخمسة والعشرين يقابل عشرين مثقالاً التي معها الدراهم، ويتحقق بذلك ما أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم من كون الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والمشهور من مذهب الحنابلة أن ذلك لا يجوز، وقالوا: إن عموم الحديث مثلاً بمثل يشمل هذه الصورة، وهذه الصورة لا شك أن فيها زيادة في أحد الجانبين من غير الجنس، وزيادة من الجنس في الجانب الآخر، وقالوا: إن ذلك لا يجوز، والاحتياط أن لا يفعل، وأن يبيع صاحب الذهب القليل ذهبه خارجاً، يعني: على إنسان آخر، ثم يأخذ ثمنه ويضيف إليه الدراهم التي سيضيفها إليه من قبل، ويشتري الذهب الجديد، هذا أسلم وأحوط وأبرأ للذمة.

مداخلة: نعم. أو مثلاً يبيع على صاحب المحل ويقبض نقوده، وإن شاء اشترى منه أو من غيره، ويشتري إن أراد؟

الشيخ: هذا لا ينبغي إذا كان من نفس صاحب الذهب، لا سيما إذا كان هناك مواطأة من قبل، أو اتفاق على أنه يبيع عليه ويشتري منه، فإن هذا يكون حيلة، إنما لو أنه باعه على صاحب الدكان وأخذ الدراهم، وذهب يطلب من محل آخر فلم يستقم ولم يشتر شيئاً ثم رجع إلى الأول، فهذا لا بأس به كما قال ذلك الإمام أحمد رحمه الله.

السؤال: إن هناك عدة مذاهب في الدين الإسلامي، ومنها المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي والمذهب الحنفي والمذهب المالكي، ويقال: إن هناك مذاهب أخرى، هل تلك المذاهب كانت موجودة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: هذه المذاهب ليست موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المذاهب في الحقيقة ما هي إلا آراء اجتهادية من أئمتها رحمهم الله، وهم مع ذلك مجمعون قاطبة على أنه متى تبين الدليل فإن الواجب اتباعه وطرح آرائهم، خلافاً للمتعصبين لهم الذين يجعلون أقوال هؤلاء الأئمة بمنزلة النصوص الشرعية التي لا تجوز مخالفتها، والتي يعتبرون مخالفتها منكراً، وهذا حرام عليهم ولا يجوز لهم، فكل من تبين له الدليل واستبانت له السنة، فإنه يحرم عليه أن يقدم عليها قول أحد كائناً من كان، حتى ولو كان أبا بكر و عمر و عثمان و علياً رضي الله عنهم أجمعين، فإن الواجب بإجماع أهل العلم على من استبانت له السنة أن يتبعها على أي مذهب كان، وبهذا نعرف أنه ينبغي لأهل العلم أن يكون أكبر همهم الدأب على البحث في مصادر السنة، بل في مصادر الشريعة وهما الكتاب والسنة علماً وفهماً وتفهيماً وعملاً، حتى يرجع الناس إلى ما كان عليه السلف الصالح من الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى يحصل الاتفاق والائتلاف بينهم، لأنه لا يمكن أن يحصل تمام الاتفاق والائتلاف مع وجود التنازع في الآراء والاختلاف، حتى ولو كانت فقهية من الأمور التي يسمونها فرعية، فإنه لابد أن يحصل تباين وتباعد بين المسلمين إذا تعصب كل منهم لما كان عليه إمامه، مع أن الأئمة رحمهم الله وجزاهم خيراً والمحققون من أتباعهم والعلماء كلهم يرون أنه لا يجوز لأحد تستبين له السنة أن يخالفها لأقوالهم.

السؤال: في أي زمن ظهرت المذاهب الفقهية ولماذا ظهرت؟

الجواب: ظهرت هذه بعد انقراض العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم، في القرن الثاني من قرون هذه الأمة، أما لماذا ظهرت؟ فهذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه، لأن ظهورها لم تظهر لأجل أن تتبع، ولكن الذين قالوا بها من الأئمة هذا هو اجتهادهم، لكن صار لهم أتباع وطلاب أخذوا عنهم ثم نشروا هذه المذاهب، وما زالت تتسع باتساع الأمة الإسلامية حتى كثر أتباعها، وغالب المسلمين انحصروا في هذه المذاهب الأربعة، مع أن هناك مذاهب أخرى لها ما لهذه المذاهب، وعليها ما على هذه المذاهب من التصويب والتخطئة، لأن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: هل من الوجوب على المسلم أن يعتنق مذهباً معيناً من هذه المذاهب؟

الجواب: الصحيح أنه لا يلزم أي أحد من المسلمين أن يعتنق مذهباً من هذه المذاهب، وإنما يجب عليه أن يعتنق ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه إذا كان ليس أهلاً لذلك -أي: ليس أهلاً لأخذ الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- فإن عليه أن يسأل أهل العلم، سواء كانوا منتمين إلى هذه المذاهب أم غير منتمين، أن يسألهم ليعمل بما يقولون؛ لقول الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فهذا هو الواجب عليه، إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى معرفة الحق بنفسه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الواجب عليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم.