فتاوى نور على الدرب [12]


الحلقة مفرغة

السؤال: حجيت وبعد انصرافي أنا ومن معي من مزدلفة ذهبنا إلى الحرم ولم نرم جمرة العقبة، ثم عدنا إلى منى ونحرنا وحلقنا واسترحنا إلى العصر، ثم ذهبنا للجمرة ورميناها، هل فعلنا هذا موافق للشريعة الإسلامية أو علينا شيء في ذلك؟

الجواب: فعل الإخوان هذا وهو أنهم عندما نزلوا من مزدلفة ذهبوا إلى المسجد الحرام فطافوا طواف الإفاضة ثم رجعوا إلى منى، ونحروا ثم حلقوا واستراحوا، وفي آخر النهار رموا جمرة العقبة, فعلهم هذا موافق للرخصة وليس موافقاً للأفضل, وذلك أن الأفضل في يوم العيد أن يفعل الإنسان كما يلي: إذا وصل إلى منى بعد طلوع الشمس بدأ برمي جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات، ثم ذبح هديه، ثم حلق رأسه أو قصره، والحلق أفضل، وبهذا يحل التحلل الأول، ثم ينزل إلى البيت ويطوف طواف الإفاضة ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى مع طواف القدوم، وبهذا يحل التحلل كله، ثم يرجع إلى منى، هذه أربعة أشياء يفعلها مرتبةً كالتالي: رمي جمرة العقبة، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف مع السعي, هذا هو الأفضل، ولكن إن قدم بعضها على بعض لا سيما عند الحاجة فلا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد في التقديم والتأخير، فما سئل عن شي قُدِّم ولا أُخر إلا قال: ( افعل ولا حرج ) ففعل الإخوان هذا موافق للرخصة وليس موافقاً للأفضل، ولا شيء عليهم، ولا دم عليهم.

السؤال: عند زيارتي لمقبرة أو مرقد لأحد الرجال الصالحين بعد السلام أقرأ سورة الإخلاص ثمانى مرات، وأدعو الله للأموات أو صاحب المرقد مبتدئاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أختم قراءتي ودعائي بقولي: وأهدي لهم مني ثواب سورة الفاتحة وأقرأها، فهل عملي هذا صحيح؟ وبم تنصحونني وهل يجوز عند زيارتي لقبر رجل صالح صلاة ركعتين لله تعالى بجوار القبر وقراءة القرآن والدعاء له، وهل يجب على من دخل مقبرة أن يقرأ سورة يس؟

الجواب: قراءة سورة الإخلاص ثماني مرات بعد السلام هذا لا أصل له من الشرع، وهو من البدع المستحدثة عند فاعليها، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة ) وكذلك إهداء سورة الفاتحة لهم هو أيضاً من الأمور التي لم يأت بها الشرع عند زيارة القبور, وإنما شرع النبي صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور أن يقول الزائر: ( السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ), فهذا السلام الجامع بين الدعاء لهم وبين السلام والتحية هو خير ما يقوله المرء؛ لما في ذلك من اتباع السنة التي أرشد إليها النبي صلي الله عليه وسلم، ولو كان ثمة أمرُ أفضل من ذلك لبينه النبي صلي الله عليه وسلم؛ لأنه أعلم الناس بما هو أنفع وأنصح للناس، فلا يمكن أن يدع الشيء الأفضل ثم يرشد أمته إلى ما دونه.

وبهذا ننصح أخانا هذا السائل أن لا يتجاوز ما جاءت به السنة عند زيارة القبور، وأما صلاة الركعتين التي أشار إليها في آخر السؤال عند القبر فهذا إذا كان في مقبرة فإنه لا يجوز؛ لأن الصلاة في المقبرة حرامُ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تصلوا إلى القبور ) فالصلاة إلى القبر -بمعنى أن يكون القبر بينك وبين القبلة- هذا حرام ولا يجوز، وكذلك أيضاً المقبرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) فالمقبرة ليست محلاً للصلاة، وإنما يستثنى من ذلك الصلاة على الجنازة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه خرج إلى جنازة رجل دفن أو امرأة كانت تقم المسجد فلما علم بها خرج إليها فصلى على القبر صلى الله عليه وسلم، فلا يستثنى شيء من الصلاة يصلى في المقبرة إلا صلاة الجنازة.

ولا يجب أن يقرأ سورة يس ولا يشرع أن يقرأ أيضاً، بل نقول له: لا تقرأ، وإنما تفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما ذكرناه في أول الجواب.

السؤال: في القرى التي نسكن بها عندما يموت أحدهم يتجمع أقرباء وأصدقاء ومعارف الميت لتشييعه ودفنه وتعزية أهله وتقديم المعونات المادية لهم بشكل يكفي ليقوم أهل الميت بتأجير طباخ لإعداد الطعام للمشيعين والمعزين والفترة تصل أحياناً من ثلاثة أيام إلى سبعة أيام، وفي اعتقادهم أن مثل هذا العمل يقوي الصلة بينهم ويوثق عرى المحبة، وفي اعتقادهم أن هذا الطعام صدقة مقبولة إلى روح الميت يأكل منه الغني والفقير والصغير والكبير والمرأة والمحتاج، وقد سبق أن الميت أو أخاه أو أباه أعطى هؤلاء الناس الذين يعطون أهله مثل أعطياتهم، فهل هذا العمل صحيح، وهل يصح للمسلم أن يأكل من مثل هذا الطعام ويحضر مثل هذا المجلس؟

الجواب: هذا العمل ليس بصحيح، ولكن إنما نقول هذا العمل والذي نعني به جمع التبرعات بالصدقات والمآتم المذكورة، فإنه ليس بصحيح، وأما اجتماع الأصدقاء والأقارب لتشييع الميت والخروج بجنازته فهذا لا بأس به وهو من السنة، فإن تشييع الميت لا شك أنه من السنة خصوصاً إذا كان له حق من قرابة أو صداقة أو تعليم أو غير ذلك، وأما هذه المآتم التي تصل إلى ثلاثة أيام أو سبعة أيام أو أربعين يوماً فإنها من البدع التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منها أمته، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما فعلها ولا فعلها أصحابه رضي الله عنهم ولا السلف الصالح وهم أحرص منا على الخير.

والذي ننصح به إخواننا في هذه البلاد التي تفعل مثل ما ذكره السائل أن يوفروا على أنفسهم التعب والعناء، وبذل المال، بل إتلاف المال في هذه المسائل التي ليست من الشرع في شيء، وإذا أراد أحد من أولياء الميت أن ينفعه فليتصدق عنه بصدقةٍ تكون خفيةً وليست على هذا الوجه الذي يعلنه هؤلاء. والله الموفق.

مداخلة: أيضاً بقية سؤاله يقول: وهل يصح للمسلم أن يأكل من مثل هذا الطعام ويحضر مثل هذا المجلس؟

الشيخ: لا، المسلم لا ينبغي له أن يحضر مثل هذه المآتم، بل يكره له ذلك أو يحرم عليه؛ لأن هذا تشجيع للبدع، ومن أعان على بدعة فهو كفاعلها، فنحذر إخواننا من حضور هذه المآتم ومن التشجيع عليها ومن إقرارها، بل يجب على المسلم إنكار هذه الأشياء.

السؤال: بعد أن رمينا جمرة العقبة وطفنا بالبيت عدنا إلى منى وذبحنا هدينا وطفنا في منى نبحث عن مكان ننزل فيه فلم نجد مكاناً حتى خرجنا إلى مزدلفة، ونزلنا وأقمنا خيمتنا خارج منى، وجلسنا ونمنا ليالينا هناك، وقد سمعنا أن الحاج لا يجوز له أن يبيت خارج منى، وإذا كان لابد فإن على الحاج أن يأتي إلى منى ويقف فيه ثم يعود إلى متاعه وخيمته ويجزئه هذا، نرجو إفادتنا، وبعضنا قد ذبح فداه في مكاننا خارج منى، فما حكم هذا الذبح؟

الجواب: إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى للنزول فيه بعد البحث التام والتنقيب في منى كلها فإنه حينئذٍ يسقط عنه المبيت فيها، ولكن يجب عليه أن يبيت في أطرف الناس، بمعنى أن تكون خيمته متصلة بخيام الحجاج حتى ولو كان ذلك خارج منى في مزدلفة أو فيما وراء مزدلفة أيضاً، المهم أن تكون الخيام متصلة، وليس معنى سقوط المبيت في منى أنه يجوز أن يبيت حتى في مكة وفي أي مكان شاء، لا، بل نقول: إنه لابد من أن يتصل الحجيج بعضهم ببعض، فإذا امتلأت منى فإنهم يقيمون وينزلون فيما وراء منى، ولكن لابد أن يتصل الحجاج بعضهم ببعضٍ، كما نقول فيما لو امتلأ المسجد بالمصلين فإنهم يصلون في صفوف متصلة ولو في الشوارع ولا حرج عليهم في ذلك.

وأما بالنسبة للذبح في مزدلفة فإن الذبح في مزدلفة وفي مكة وفي منى كله جائز، كل ما كان داخل الحرم فإن ذبح الهدي فيه جائز ولا حرج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل فجاج مكة طريق ومنحر ).

السؤال: هل يجوز ذبح الطلي المخصي أضحية أو لا يجوز؟

الجواب: نعم يجوز أن يذبح الخصي في الأضحية حتى إن بعض أهل العلم رجحه على الفحل، قال: لأن لحمه يكون أطيب، والصحيح أن الفحل من ناحية أفضل لكمال أعضائه وأجزائه، وهذا أفضل لطيب لحمه، وعلى كل حال فإنه يجوز أن يضحي الإنسان بالخصي، وقد جاء في الحديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحي بكبشين موجوءين ) أي: مخصيين.