فتاوى نور على الدرب [3]


الحلقة مفرغة

السؤال: في مدينة عمران باليمن امرأة تدعي السندية لها عشرون عاماً تسلب أموال الناس، ويقصدها الكثير من الجهال يسألونها عن المغتربين ما بهم ومتى يأتون، ويقصدها المرضى للشفاء، وإذا حضروا عندها جاءت بغطاء ووضعته على نفسها، ثم تقول بصوت متغير: فلان يأتي بعد كذا يوم أو شهر، أو لا يأتي، والمريض فلان يشفى وهذا حرز له، وفلان لا يفيد معه الحرز، وتخبر النساء عن ما يكنه لهن الأزواج، حتى إن زوجتي ذهبت لها وقالت لها: زوجك يفكر في الزواج، فأرسلت لي زوجتي تطلب ورقة طلاقها، فأرسلتها لها وفيها الخلوع بالثلاث، هل هذا الطلاق صحيح أم باطل، علماً أن له ستة شهور ولا أعلم ما السبب، وهذه المرأة تدعي أن معها الأشراف يخبرونها، وكثيراً ما تقول للرجال: إن لزوجاتكم رجالاً غيركم لتوقع بين الزوجات وأزواجهن، فهل في الجن أشراف يعلمون الغيب؟

الجواب: هذه المرأة من الكهان؛ لأنها تدعي أنها تعلم عن المستقبل، وكل من يدعي أنه يعلم المستقبل فإنه كاهن كاذب لا يجوز الإتيان إليه ولا يجوز تصديقه، بل إن تصديقه تكذيب للقرآن، فإن الله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، والغيب: ما غاب عن الإنسان من الأمور المستقبلة، فلا يعلمه إلا الله عز وجل، وهذه المرأة التي تدعيه هي أيضاً مكذبة للقرآن، فيجب على ولاة الأمور أن يمنعوا مثل هذه الأمور في بلادهم حتى لا يوقعوا الناس فيما يخالف عقيدتهم، وفيما يكذب كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما ما تدعيه هذه المرأة من علم الغيب فإنه لا يجوز تصديقه أبداً، وإذا قدر أن ما تخبر به يقع منه شيء فإنما ذلك عن مصادفة أو عن أمر استمع من السماع وتضيف هي إليه عدة كذبات لتموه على باطلها، وأما بالنسبة لما تدعيه من مكالمة الأشراف من الجن لها فهذه أيضاً دعوى كاذبة؛ لأن الكاهن بجميع ما يقول وجميع ما يذكر من مؤثرات لكهانته يجب تكذيبه، والجن لا يعلمون الغيب بنص القرآن، يقول الله عز وجل: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ [سبأ:14] يعني: سليمان صلى الله عليه وسلم مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ يعني: عصاه، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14]، فلا أحد يعلم الغيب لا من الجن ولا من الملائكة ولا من الإنس قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وقال سبحانه وتعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [الجن:26-27].

وأما بالنسبة لقوله: إنه خالع زوجته ثلاثاً فهذه مسألة طلاق ثلاث، وإذا كان يريد الرجوع إلى زوجته فإنه موضع خلاف بين أهل العلم هل له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه المرأة أو ليس له أن يراجعها؟

والراجح: أنه يجوز له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه الطلقة، فإن في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كان طلاق الثلاث واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر ، فقال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم).

وهذا نص صريح بأن إمضاء الثلاث على البينونة أمر اجتهادي من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وكما أن هذا مقتضى النص فهو أيضاً مقتضى النظر، فإن الطلاق الثلاث أمره إلى الشرع لا إلى الإنسان، والإنسان لو قال: أستغفر الله ثلاثاً، سبحان الله ثلاثاً، لو قال دبر الصلاة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم قال بعده: ثلاثاً وثلاثين ما كتب له ثلاثمائة وثلاثون، فإذا كان هذا لا يحصل في الأمور المرغوبة المحبوبة إلى الله عز وجل وهو الإثابة على ذكره وطاعته، فكيف يكون في الأمور التي غاية ما هي أنها من الأمور المباحة كالطلاق، فإن النظر والقياس الصحيح يقتضي أن طلاق الثلاث واحدة، فيكون مؤيداً بالنص وبالنظر، كما أن الله سبحانه وتعالى قال لنبيه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ [الطلاق:1] والطلاق للعدة لا يكون إلا والمرأة عند زوجها، أي: غير مطلقة؛ لأنها إذا طلقت بعد أن طلقت في نفس العدة لم تكن مطلقة للعدة، ولهذا يقول العلماء رحمهم الله: لو أن الرجل طلق امرأته اليوم، وبعد أن حاضت مرتين أردفها بطلقةٍ ثانية فإنها لا تستأنف العدة بهذه الطلقة الثانية، دل ذلك على أنها طلقة لغير العدة، وإذا كانت طلقة لغير العدة صارت غير مأمور بها؛ لأن الله يقول: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ [الطلاق:1]، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق الثلاث ولو بكلماتٍ متفرقة لا يقع إلا واحدة فقط، إلا إذا تخلله رجعة أو عقد نكاح جديد.

مداخلة: والأخ كأنه متأسف على هذا الطلاق الذي وقع منه، وهو كتب أنها الخلوع بالثلاث، فهذا على ما تفضلتم به قد يعد طلقة واحدة؟

الشيخ: نعم.. نعم.

السؤال: في الواقع أنا عندي قضية محتار فيها، وهي: في ذات يوم أنه قام قبل صلاة الفجر وقد احتلم، وكان هذا اليوم شديد البرد، فذهب إلى المدرسة بعد أن تعفر وصلى الفجر، وبعد أن خرج من المدرسة أو وهو في الطريق إلى المدرسة أراد أن يعود لكي يغتسل ولكنه ما فعل، وذهب إلى المدرسة، ولما رجع الظهر أيضاً لم يغتسل؟

الجواب: أمره في هذا الموقف: أما بالنسبة لما مضى فإن عليه إعادة الصلاتين اللتين صلاهما بدون غسل من الجنابة؛ لأنه في البلد ويستطيع أن يسخن الماء ويغتسل به، وأما بالنسبة للمسألة من حيث هي فإن الرجل إذا استيقظ وعليه جنابة وخاف من البرد وليس عنده ما يسخن به فإنه يتيمم، ولكنه إذا دفي أو وجد ما يسخن به وجب عليه الغسل، فلو فرض أنه في سفر.. في بر والماء عنده لكنه بارد وليس عنده ما يسخن به فإنه في هذه الحال يجوز أن يتيمم عن هذه الجنابة، وإذا قدر على استعمال ماء لا يضره وجب عليه أن يغتسل.

السؤال: عندنا مدرس يقول: إن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، قلنا له: ولماذا؟ قال: إنه على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمعوا عند واحد منهم فأكلوا الإبل فطلع من أحدهم رائحة كريهة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي لا يحرج صاحبه الذي أطلع الرائحة: من أكل لحم الإبل فليتوضأ، فتوضأ الصحابة لكي لا يحرجوا صاحبهم أيضاً، يقول: فصارت عادة من أكل لحم الإبل فليتوضأ، ويقول: ونحن الطلاب نقول: إننا درسنا في الابتدائي: من أكل لحم الإبل فليتوضأ ولم يقل الأستاذ هذه القصة؟

الجواب: هذه القصة لا أصل لها إطلاقاً، كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يقول: من أحدث فليتوضأ في تلك الساعة ولا يلزم الناس جميعاً أن يتوضئوا من أجل جهالة الذي وقع منه هذا الصوت، أو أن يلزم الأمة عامة أيضاً، وعلى كل حال هذه القصة باطلة، والصواب من أقوال أهل العلم: وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل سواء أكله نيئاً أو مطبوخاً، قليلاً كان أم كثيراً من جميع أجزاء البدن؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( توضئوا من لحوم الإبل )، وسأله رجل فقال: ( يا رسول الله! أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم )، فلما وكل الوضوء من لحم الغنم إلى مشيئته دل ذلك على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئته، وهذا هو معنى وجوب الوضوء من لحم الإبل.

مداخلة: إذاً يلزم المسلم أن يتوضأ من لحم الإبل، والقصة المنسوجة حول هذا الذي توضأ لأنه أكل لحم إبل أو ليست صحيحة؟

الشيخ: نعم.

السؤال: مريض وعمل له عملية جراحية وفاته عدة فروض، هل يصليها جميعاً بعدما يشفى أم يصلي كل فرض في وقته كالعصر مع العصر والظهر مع الظهر وهكذا؟

الجواب: يصليها جميعاً في آن واحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر في غزوة الخندق قضاها قبل المغرب، وهكذا يجب على كل إنسان فاتته صلوات أن يصليها جميعاً ولا يؤخرها.

مداخلة: نعم، وهذه في الحقيقة كثير من الناس يسأل عنها ويستشكلون فيها؛ لأنه يتراءى لهم أن الصلاة لا تكون إلا في وقتها، فيؤخر الظهر للظهر، ويستمر أياماً طويلة وهو يصلي.

الشيخ: لا، هذا خطأ؛ لأن الفوائت وقتها إذا ذكرت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ).