فتاوى نور على الدرب [160]


الحلقة مفرغة

السؤال: لو قدمت من سفر بعيد, وقبل وصولي إلى بلدي المقيم فيه بعشرة كيلو متراً تقريباً وجبت صلاة الظهر مثلاً، فهل أقصر الصلاة أم أتمها, وهل لو جمعت العصر معها يكون ذلك جائزاً أم لا؟

الجواب: هذا السؤال الذي سألت عنه, وهو أنك مسافر أقبلت على بلدك وبقي بينك وبينه عشرة كيلو, وقد وجبت صلاة الظهر, فهل يجوز لك القصر والجمع, جوابه: أن القصر يجوز لك؛ لأن الصلاة وجبت عليك وأنت في سفر, وصلاة المسافر مقصورة, وأما الجمع فلا ينبغي لك أن تجمع؛ لأن الجمع للحاجة, وهنا لا حاجة لك إلى الجمع ما دمت ستصل إلى بلدك قبل أن يأتي وقت العصر, وعلى هذا فصل الظهر ركعتين, وإذا قدمت إلى بلدك ووجبت صلاة العصر فصلها أربعاً.

السؤال: يوجد في الأسواق نوع من ساعات تحمل إشارة صليب, فهل استعمالها مباح أم لا؟

الجواب: ينبغي أن يعرف أن الصليب كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكسره ويزيله عليه الصلاة والسلام, فإذا كان الصليب مجسماً وجب كسره, وإذا كان بالتلوين كما يوجد في بعض الساعات فإنه يطمس, بأن يوضع عليه لون يزيل صورته حتى لا يبقى في الساعة شيء منه, ولا ينبغي للإنسان أن يحمل في يده ما فيه شعار النصارى, فإن هذا فيه من تعظيمهم ما هو ظاهر, وفيه أيضاً من التشبه بهم.

وقد يقول قائل: إن هذا الصليب لا يقصد به التعظيم في وضعه في مثل الساعة, وبعض الآلات, وإنما هو شعار الشركة, فنقول: إن ظاهر الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا فرق بين أن يوضع الصليب من أجل تعظيمه والإشارة إلى كونه من شعائر النصارى, وبين أن يكون لمجرد الدلالة على هذه الشركة أو هذا المصنع, والمسلم يجب عليه أن يبتعد كثيراً عما يكون من شعائر غير المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من تشبه بقوم فهو منهم ). أما ما يظهر منه أنه لا يراد به الصليب لا تعظيماً ولا لكونه شعاراً, مثل: بعض العلامات الحسابية أو بعض ما يظهر في الساعات الإلكترونية من علامة زائد, فإن هذا لا بأس به, ولا يعد من الصلبان في شيء.

السؤال: ما حكم من تحضره الصلاة وهو يرتدي ملابس قد أصابتها بعض النجاسة ولا يجد ماءً لإزالتها وهو بعيد عن منطقة إقامته إذ لا يستطيع أن يغير هذه الملابس, ووقت الصلاة قد أشرف على الانتهاء, كأن يكون في سفر والمنطقة المقصودة بعيدة أيضاً؟

الجواب: إذا كانت النجاسة في سؤال السائل الذي يقول: إنه أتى عليه وقت الصلاة وهو في سفر, وثيابه نجسة ولا يمكنه أن يطهرها ويخشى من خروج وقت الصلاة, فإننا نقول له: خفف عليك ما أمكن من هذه النجاسة, فإذا كانت في ثوب وعليك ثوبان, فاخلع هذا الثوب النجس وصل في الطاهر, وإذا كان عليك ثوبان كلاهما نجس أو ثلاثة وكل منها نجس, فخفف ما أمكن من النجاسة, وما لم يمكن إزالته أو تخفيفه من النجاسة, فإنه لا حرج عليك فيه, لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. فتصلي في الثوب ولو كان نجساً, ولا إعادة عليك على القول الراجح. فإن هذا من تقوى الله تعالى ما استطعت, والإنسان إذا اتقى الله ما استطاع, فقد أتى بما أوجبه الله عليه, ومن أتى بما أوجبه الله عليه فقد أبرأ ذمته.

مداخلة: في مثل هذه الحالة ألا يجوز استعمال التراب لمحاولة التنظيف؟

الشيخ: يجب عليه أن يحاول التخفيف ما أمكن بالتراب أو بغيره, المهم إذا أمكن تخفيف النجاسة أو إزالتها فهو الواجب, حتى لو كان بخلع بعض الثياب التي فيها نجاسة, أما إذا لم يمكن فإنه يصلي فيها ولا إعادة عليه.

مداخلة: إنما الخلع لابد أن يراعي فيه شرط ستر العورة؟

الشيخ: إي نعم, لابد أن يبقي عليه ما يستر به عورته.

السؤال: يقول: لقد صليت العصر والمغرب والعشاء في ملابس بها بعض النجاسة, ولم أذكر ذلك إلا بعد فراغي من صلاة العشاء, فهل يلزمني القضاء في هذه الحالة, أم ما العمل؟

الجواب: نقول أيضاً: إذا صليت في ثياب نجسة, وقد نسيت أن تغسلها قبل أن تصلي, ولم تذكر إلا بعد فراغك من صلاتك, فإن صلاتك صحيحة وليس عليك إعادة لهذه الصلاة, لأنك ارتكبت هذا المحظور ناسياً, وقد قال الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]. فقال الله تعالى قد فعلت. ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم في نعليه وكان فيهما أذىً, لما كان في أثناء الصلاة أخبره جبريل بذلك, فخلعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي, ولم يستأنف الصلاة, فدل هذا على أن من علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإنه يزيلها ولو في أثناء الصلاة, ويستمر في صلاته, إذا كان يمكنه أن يبقى مستور العورة بعد إزالتها, وكذلك من نسي وذكر في أثناء الصلاة, فإنه يزيل هذا الثوب النجس, إذا كان يبقى عليه ما يستر به عورته, وأما إذا فرغ من صلاته ثم ذكر بعد أن فرغ أو علم بعد أن فرغ من صلاته, فإنه لا إعادة عليه وصلاته صحيحة, بخلاف الرجل الذي يصلي وهو ناسٍ أن يتوضأ, مثل أن يكون قد أحدث, ونسي أن يتوضأ ثم صلى, وذكر بعد فراغه من الصلاة أنه لم يتوضأ, فإنه يجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة, وكذلك لو كان عليه جنابة ولم يعلم بها, مثل: أن يكون قد احتلم في الليل وصلى الصبح بدون غسل جهلاً منه, ولما كان في النهار رأى في ثوبه منياً من نومه, فإنه يجب عليه أن يغتسل وأن يعيد ما صلى, والفرق بين هذا وبين المسألة الأولى, أعني: مسألة النجاسة, أن النجاسة من باب ترك المحظور, وأما الوضوء والغسل فهو من باب فعل المأمور, وفعل المأمور أمر إيجابي لابد أن يقوم به الإنسان ولا تتم العبادة إلا بوجوده, أما إزالة النجاسة فهي أمر عدمي, لا تتم الصلاة إلا بعدمه, فإذا وجد في حال الصلاة نسياناً أو جهلاً, فإنه لا يضر؛ لأنه لم يفوت شيئاً يطلب حصوله في صلاته.

السؤال: أنا أعلم أن للأب والأم دوراً كبيراً في بناء الأسرة السعيدة, وعليهما يقع تهذيب وتأديب الأبناء وتعليمهم الأخلاق الفاضلة والحميدة, ولكني لا أجد ذلك في مجتمعي, فأولياء الأمور لا يفقهون أولادهم في أمور الدين, وما يجب فعله للدنيا والآخرة, وإنما يتركونهم على أهوائهم, وتلك خطيئة عظمى عظوني زادكم الله موعظة؟

الجواب: إننا لا نجد موعظة أعظم من موعظة القرآن، كما قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57]، وقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، فموعظة القرآن أعظم موعظة يتعظ بها المؤمن, والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن في هذه المسألة التي سألت عنها, وهي مسؤولية الوالدين عن أولادهما، يقول سبحانه وتعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. فوجه الله الخطاب إلى المؤمنين باسم الإيمان, مما يدل على أن مقتضى إيمانهم أن يقوموا بهذه المسئولية العظيمة, وأن عدم قيامهم بها نقص في إيمانهم, فتوجيه الخطاب بوصف الإيمان, يقتضي مع ذلك الحث والإغراء على القيام بما وجه إليه المرء, ولهذا يذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه, أنه قال: إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك, فإما خير تؤمر به, وإما شر تنه عنه, ثم يبين الله تعالى أن هذا الخطاب الموجه إلى المؤمنين يتضمن مسئولية كبيرة, وهي أن يقوا أنفسهم وأهليهم ناراً, ومعنى ذلك أن مسئولية الأهل كمسئولية النفس في هذا الأمر, وهذه النار بين الله عظمها في قوله: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. فأنت كما أن عليك مسئولية لنفسك فعليك مسئولية لأولادك, عليك أن تقوم بها, وسوف تسأل عنها يوم القيامة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته ). ثم إن ضرر إهمال الأولاد لا يقتصر على هذا البيت الذي أهمله أهله, بل هو يسري سريان السم في الأجساد إلى جميع المجتمع؛ لأن أولادك سوف يتصلون بأولاد غيرك, فإذا كانوا على درجة من سوء الأخلاق, فإنهم يعدون بذلك غيرهم, ويحدث فساد المجتمع رويداً رويداً وحتى يسلم الآباء إلى التاريخ في المستقبل أجيالاً فاسدة.

فموعظتي لك أيها السائل ولغيرك ممن يستمعون إلى هذا, أن يتقي المرء ربه في نفسه وفي أهله, حتى يخلّف من بعده ذرية صالحة تنفعه بعد موته, كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به من بعده, أو ولد صالح يدعو له ).

السؤال: هل يجوز الحلف بغير الله سبحانه وتعالى, فإني أرى بعض الناس يحلفون بالكعبة وبالقرآن وبمحمد, وإذا ناقشتهم في ذلك, قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]. أو يقولون: إنه قال: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل:1-2]. فما حكم هذا؟

الجواب: الحلف بغير الله أو صفة من صفاته محرم, وهو نوع من الشرك, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تحلفوا بآبائكم, من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ). وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ). وثبت عنه أنه قال: ( من قال: واللات والعزى, فليقل: لا إله إلا الله ). وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله.

وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يحلف بغير الله سبحانه وتعالى, لا بالكعبة, ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم, ولا بجبريل, ولا بميكائيل, ولا بولي من أولياء الله, ولا بخليفة من خلفاء المسلمين, ولا بالشرف, ولا بالقومية, ولا بالوطنية, كل حلف بغير الله محرم, وهو نوع من الشرك والكفر والعياذ بالله, وأما الحلف بالقرآن الذي هو كلام الله, فإنه لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى, تكلم الله به حقيقة في لفظه مريداً لمعناه, وهو سبحانه وتعالى موصوف بالكلام, فعليه يكون الحلف بالقرآن حلفاً بصفة من صفات الله سبحانه وتعالى, وهو جائز، وأما معارضة من تنصحه عن ذلك بقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]. وما أشبهها, فإن هذا من أعمال أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من وحي الله سبحانه وتعالى, فيعارضون به المحكم, فهذا الحلف ربنا سبحانه وتعالى هو الذي حلف به, ولله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته وقدرته, وهو سبحانه وتعالى قد نهانا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نحلف بغيره, فعلينا أن نمتثل الأمر، وليس علينا أن نعارض أمر الله بما تكلم الله به فإن الله يفعل ما يشاء.

السؤال: يقول: سورة الإخلاص يقال: إنها تعدل ثلث القرآن, فهل صحيح هذا وأن من يقرأها ثلاث مرات كأنه قرأ القرآن كله؟

الجواب: صحيح أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن, ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره, ولكن ليس معنى المعادلة أنها تجزي عن القرآن, فإن المعادلة قد لا تكون مجزئة, وانظر إلى ما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات, يعدل عِتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل, ومع ذلك لو قال: الإنسان هذا الذكر مائة مرة أو أكثر, لم يجزئه عن عتق الرقبة في الكفارة, فمعادلة الشيء بالشيء لا تقتضي إجزاء الشيء عن الشيء, فنحن نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن). لكننا نقول: إن قراءتها لا تجزئ عن قراءة القرآن, بل لابد من هذا وهذا, ولذلك لو أن الإنسان قرأها في صلاته ثلاث مرات, ولم يقرأ الفاتحة ما صحت صلاته, ولو كانت تجزئ عن القرآن لقلنا: إنك إذا قرأتها ثلاث مرات في الصلاة أجزأتك عن الفاتحة ولا قائل بذلك من أهل العلم.