لقاء الباب المفتوح [211]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

فهذا هو اللقاء الحادي عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر ربيع الأول عام (1420هـ).

نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبدأ به وهو التفسير, على ما ييسره الله عز وجل, لأن علم التفسير أشرف العلوم؛ لأنه يتعلق بأعظم كتاب وهو القرآن الكريم, والعلم يشرف بشرف المعلوم, وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل, قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً, فينبغي لطالب العلم أن يعتني بالتفسير, ويفهم كتاب الله عز وجل ليعمل به, لأنه لا يمكن العمل إلا بعد معرفة المانع, والعمل بالقرآن واجب, فيجب علينا أن نعرف معناه, فوصيتي لطلاب العلم أن يعتنوا بتفسير كتاب الله عز وجل عناية تامة, وإذا أمكن أن يحفظوه فهو أكمل وأفضل.

تفسير قوله تعالى: (له ملك السماوات والأرض)

آخر آية قرأناها هي قول الله تبارك تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الحديد:5] (له) أي: لله تعالى وحده, (مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خلقاً وتدبيراً, فلا يملك السماوات والأرض أحد إلا الله عز وجل, لا استقلالاً ولا مشاركة, قال الله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22] فنفى الاستقلال ونفى المشاركة: وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22] أي: ما لله منهم، (من ظهير) أي: من مساعد ساعده على خلق السماوات والأرض, فله ملك السماوات والأرض, نعلم أن عددها سبع، قال تعالى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [المؤمنون:86] الأرضين عددها سبع, كما جاء ذلك ظاهراً في القرآن وصريحاً في السنة, قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12] أي: في العدد, وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين).

قال تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [الحديد:5] كل الأمور، أي: الشئون العامة والخاصة, الدينية والدنيوية والأخروية, كلها ترجع إلى الله عز وجل, يتصرف بما شاء ويحكم بما شاء, ولا معقب لحكمه عز وجل, هل أمور الإنسان الخاصة ترجع إلى الله؟ الجواب: نعم. ترجع إلى الله, ولذلك يجب عليك إذا ألمت بك ملمة أن ترجع إلى الله عز وجل, لأن المشركين -وهم المشركون- إذا ألمت بهم الملمات التي يعجزون عنها يلجئون إلى الله عز وجل, إذا عصفت بهم الرياح في البحار وهم على السفن لمن يلجئون؟ إلى الله عز وجل, يسألونه أن ينجيهم وهم مشركون, فكيف بك أنت أيها المسلم؟! الجأ إلى الله في كل شيء, صغير أو كبير, ديني أو دنيوي, خاصة بك أو بأهلك, لا تلجأ إلى غير الله, فمن أنزل حاجته بالله قضيت, ومن أنزل حاجته بغير الله وكل إليه.

إذاً: نقول: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [الحديد:5] أَيّ أمور؟ كل الأمور, الأمور العامة, الأمور الدينية والدنيوية والأخروية, والخاصة والعامة, وإذا آمنت بهذا ويجب أن تؤمن به صرت لا تلجأ إلا إلى الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)

قال تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحديد:6] (يولج): أي يدخل الليل في النهار, و(يولج النهار) أي: يدخله في الليل, وهذا يعني اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر, أحياناً يبدأ الليل في الزيادة -كما في أوقاتنا الآن؛ فيدخل على النهار، هذا يولج الليل في النهار, أحياناً يبدأ الليل ينقص ويزيد النهار, فيدخل النهار على الليل, لا أحد يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى, لو اجتمع الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، البشر والملائكة، ما استطاعوا أن يولجوا دقيقة واحدة من الليل في النهار أو من النهار في الليل, والله عز وجل يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.

ثم هذا الإيلاج ليس يأتي دفعة واحدة, فلا يمكن أن تقول: أقصر ليلة في أطول ليلة في يومين! لا يمكن, ولكنه يأتي تدريجياً شيئاً فشيئاً, أول ما يبدأ بزيادة تجده يأخذ قليلاً, في اليومين أو الثلاثة دقيقة واحدة, ثم يزداد يزداد حتى يكون عند تساوي الليل والنهار يأخذ حوالي دقيقتين في اليوم تدريجياً, أرأيتم لو جاء دفعة واحدة, كنا مثلاً في أطول يوم في السنة وإذا بنا في اليوم الثاني إلى أقصر يوم في السنة, ماذا يترتب عليه؟ مفاسد عظيمة, لأن الناس سينقلبون من حر مزعج إلى برد مؤلم في خلال أربع وعشرين ساعة, وهذا لا شك مضر للأبدان والنبات والجو, لكنه عز وجل يولجه على تنظيم, موافق للحكمة تماماً, ولا أحد -والله- يستطيع أن يفعل هذا أبداً, ومهما بلغ من القوة.

وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الحديد:6] (ذات الصدور) هي: القلوب, (ذات الصدور) أي: صاحبة الصدور وهي: القلوب, والدليل أنها القلوب: قول الله تبارك وتعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46] إذاً: هو عليم بما في القلب, هل تصدق بذلك؟ نعم. تصدق, لأن الخبر خبر الله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122] إذا كنت تصدق بذلك، فهل يمكن أن تضمر في قلبك ما لا يرضاه الله؟ إن كنت مؤمناً لا يمكن, طهّر قلبك من الرياء والنفاق والغل على المسلمين, والحقد, والبغضاء, طهره لأن قلبك معلوم عند الله عز وجل -اللهم طهر قلوبنا- طهر قلبك من هذا, املأه محبة لله وتعظيماً, ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيماً كما يليق به, ومحبة للمؤمنين, ومحبة لشريعة الله وإن كرهتها, قال الله عز وجل للصحابة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].

لا تضمر في هذا القلب المضغة شيئاً يكرهه الله, إن فعلت فإن الله عليم به لا يخفى عليه, فطهر قلبك حتى يكون نقياً سليماً, لأنه لا ينفع يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم, كما قال عز وجل: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

وتغيرات القلب تغيرات سريعة وعجيبة, ربما ينتقل من كفر إلى إيمان أو من إيمان إلى كفر في لحظة -نسأل الله الثبات- تغير القلب يكون على حسب ما يحيط بالإنسان, وأكثر ما يوجب تغير القلب إلى فساد حب الدنيا, حب الدنيا هذه آفة, والعجب أننا متعلقون بها, ونحن نعلم أنها متاع الغرور, وأن الإنسان إذا سر يوماً وسيء يوماً آخر, كما قال الشاعر:

فيوم لنا ويوم علينا     ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ

كل لذة في الدنيا فهي محوطة بمنغص، لذلك احرص على تطهير القلب من التعلق بالقلب, إلا ما ينفعك في الآخرة كأن تتعلق بالدنيا لتصبح غنياً تنفق مالك في سبيل الله, وفيما يرضي الله عز وجل فهذا شيء آخر, طلب المال للأعمال الصالحة خير, لكن طلب المال لمزاحمة أهل الدنيا في دنياهم هذا شر.

آخر آية قرأناها هي قول الله تبارك تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الحديد:5] (له) أي: لله تعالى وحده, (مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خلقاً وتدبيراً, فلا يملك السماوات والأرض أحد إلا الله عز وجل, لا استقلالاً ولا مشاركة, قال الله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22] فنفى الاستقلال ونفى المشاركة: وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22] أي: ما لله منهم، (من ظهير) أي: من مساعد ساعده على خلق السماوات والأرض, فله ملك السماوات والأرض, نعلم أن عددها سبع، قال تعالى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [المؤمنون:86] الأرضين عددها سبع, كما جاء ذلك ظاهراً في القرآن وصريحاً في السنة, قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12] أي: في العدد, وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين).

قال تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [الحديد:5] كل الأمور، أي: الشئون العامة والخاصة, الدينية والدنيوية والأخروية, كلها ترجع إلى الله عز وجل, يتصرف بما شاء ويحكم بما شاء, ولا معقب لحكمه عز وجل, هل أمور الإنسان الخاصة ترجع إلى الله؟ الجواب: نعم. ترجع إلى الله, ولذلك يجب عليك إذا ألمت بك ملمة أن ترجع إلى الله عز وجل, لأن المشركين -وهم المشركون- إذا ألمت بهم الملمات التي يعجزون عنها يلجئون إلى الله عز وجل, إذا عصفت بهم الرياح في البحار وهم على السفن لمن يلجئون؟ إلى الله عز وجل, يسألونه أن ينجيهم وهم مشركون, فكيف بك أنت أيها المسلم؟! الجأ إلى الله في كل شيء, صغير أو كبير, ديني أو دنيوي, خاصة بك أو بأهلك, لا تلجأ إلى غير الله, فمن أنزل حاجته بالله قضيت, ومن أنزل حاجته بغير الله وكل إليه.

إذاً: نقول: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [الحديد:5] أَيّ أمور؟ كل الأمور, الأمور العامة, الأمور الدينية والدنيوية والأخروية, والخاصة والعامة, وإذا آمنت بهذا ويجب أن تؤمن به صرت لا تلجأ إلا إلى الله عز وجل.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3391 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3347 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3271 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3087 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3034 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3029 استماع