خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/911"> الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/911?sub=63093"> شرح العقيدة الواسطية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح العقيدة الواسطية [11]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
يقول المصنف رحمه الله: [ وقوله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] ، وقوله: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] ، وقوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الفتح:15] ، وقوله: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الكهف:27] ، وقوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76] ، وقوله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ [الأنعام:92] ، وقوله: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21] ، وقوله: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:101-103] ].
هذه الآيات كلها في إثبات أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وقد نوع الشيخ رحمه الله الأدلة الدالة على أن القرآن كلام الله، وهذا الذي عليه سلف الأمة وجمهورهم، فإن عقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، دل على ذلك فيما ذكره المؤلف إضافة الكلام إليه سبحانه وتعالى، وما يضاف إليه إما أن يكون عيناً مستقلة، فهذه تكون إما إضافة خلق أو إضافة تشريف، من ذلك قوله تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ [العنكبوت:56]، الأرض عين مستقلة قائمة بذاتها، فإضافتها إليه سبحانه وتعالى إضافة خلق أو إضافة تشريف؟! يعني: أرضي التي تقام فيها العبادة، فتكون الإضافة تشريفاً، ومنه أيضاً (ناقة الله) فإن إضافة الناقة إلى الله عز وجل إضافة تشريف، وكذلك قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، فالإضافة هنا إضافة تشريف، فهذه إضافة الأعيان القائمة بذاتها.
أما إضافة الأوصاف، أي: المعاني التي لا تقوم بذاتها، بل لا تقوم إلا بغيرها، فإن أضيفت إلى الله عز وجل فهي إضافة أوصاف، ومن ذلك الكلام، فإن الكلام لا يقوم بذاته، ولابد أن يقوم بشيء، فلما أضافه إليه سبحانه وتعالى دل على أنه صفته، وسيأتي تقرير هذا إن شاء الله تعالى في كلام الشيخ.
والمهم في ذلك أن الشيخ رحمه الله استدل على أن الكلام صفة من صفات الله عز وجل بإضافة الله عز وجل الكلام إليه في قوله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وكذلك: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ [البقرة:75]، وكذلك: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15]، وكذلك: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الكهف:27]، كل هذا يدل على أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى.
وكذلك استدل على أنه كلامه بأنه قرآنه، والقرآن هو المقروء، والمقروء لا يكون إلا بلفظ، ولا يكون إلا كلاماً: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76]، فالقراءة لا تكون إلا بكلام.
وكذلك استدل على أن القرآن كلامه سبحانه وتعالى بإنزاله، فكل آية أخبر الله سبحانه وتعالى فيها أنه أنزل الكتاب أو أنزل القرآن فإنه يدل على أنه كلامه سبحانه وتعالى من عنده، كقوله : وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ [الأنعام:92]، وقوله: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [الحشر:21]، وقوله: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:101-102] ، كل هذا يدل على أنه كلام رب العالمين سبحانه وتعالى.
وسيأتي تفصيل عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن وبيان بطلان عقائد المنحرفين في ذلك في كلام الشيخ رحمه الله في الفصول القادمة.
قال: [ وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] ، وقوله: عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين:23] ، وقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] ].
هذه الآيات فيها إثبات رؤية الله عز وجل، ورؤية الله سبحانه وتعالى يثبتها أهل السنة والجماعة بما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة، وسيأتي في كلام الشيخ رحمه الله تفصيل الرؤية، ونرجئ الكلام على هذه الصفة عند مجيئها في كلامه رحمه الله.
ثم قال في آخر ما ساقه من الآيات: [ وهذا الباب في كتاب الله كثير، من تدبر القرآن طالباً للهدى منه تبين له طريق الحق ].
المشار إليه في قوله: (وهذا الباب) ، هو باب أسماء الله وصفاته، وأنه سبحانه وتعالى جمع فيما سمى بما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات كثيراً، بل لا تكاد سورة أو آية من كلام الله عز وجل إلا وتدل على شيء من صفاته؛ لأن القرآن إنما جاء لله معرفاً، وإليه داعياً، فلم تخل سورة من صفاته الدالة عليه سبحانه وتعالى، وإنما ساق المؤلف رحمه الله نماذج لما في كتاب الله عز وجل من الصفات.
قال: (من تدبر القرآن) التدبر هو النظر بتأمل وتفكر، من تدبر القرآن، أي: نظر فيه نظر تأمل وتفكر، لكن انظر إلى القيد الذي ذكره: (طالباً للهدى منه) يعني: تفكر وتأمل للاهتداء به لا للتشغيب، ولا لإبطال الحق، ولا للتشبيه والتشكيك، ولا لطلب الاستدلال للأقوال الضعيفة التي اعتقدها قبل أن يرد كتاب الله عز وجل وينظر فيه.
والهدى: هو العلم النافع والعمل الصالح.
(تبين له طريق الحق) فجعل المؤلف رحمه الله النتيجة هي تبين طريق الحق، وهي مرتبة على أمرين:
الأول: النظر إلى كتاب الله عز وجل بتدبر.
الثاني: أن يكون نظره طلباً للحق لا انتصاراً للنفس، ولا غير ذلك من المقاصد التي قد يقصدها الناظرون في كتاب الله، لابد من هذين القصدين ليتحقق المطلوب، أن يكون مقصوده بالتدبر التوصل إلى الهدى والحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم التدبر لكتابه طلباً للهدى والحق، وأن يجعلنا من أهل الحق العاملين به الداعين إليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وبهذا نكون قد انتهينا من القسم الذي ذكر فيه آيات الصفات.
قال رحمه الله: [ فصل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسنة تفسر القرآن، وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه، وما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك ].
فهذا هو الفصل الذي اختصه المؤلف رحمه الله بذكر الأحاديث التي فيها إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى، وقد تقدم في أول هذه الرسالة أن أهل السنة والجماعة يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله، وما أثبته لنفسه هو ما تضمنه كتابه المجيد، وما أثبته له رسوله هو ما تضمنته السنة من الأحاديث الكثيرة، التي بينت وفصلت ووضحت صفات الله جل وعلا، فالسنة تفسر القرآن، وتفسيرها للقرآن بتوضيح معانيه، وكشف المراد منه، فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب المبين على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل بيان ما تضمنه الكتاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فبيان القرآن في الأحكام والأخبار راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، والذكر: هو الذكر الحكيم وكتاب الله المبين، فأنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله ليبينه للناس.
والذكر الحكيم والكتاب المبين اشتمل على الأحكام والأخبار، وبيان النبي صلى الله عليه وسلم كان للأمرين الأحكام والأخبار.
فالسنة تفسر القرآن، وتكشف معانيه وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه، فهذا ما أجمع عليه سلف الأمة، وهذا ما تميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق والطوائف، فإن الفرق افترقت في دلالة السنة على ما وصف الله به نفسه، فمنهم من لم يقبل من السنة شيئاً، واقتصر على إثبات ما دل عليه الكتاب.
ومنهم من قبل شيئاً، ورد شيئاً كالصفات الواردة في أحاديث الآحاد.
ومنهم من تسلط بالتحريف والتأويل الباطل المذموم على الكتاب والسنة.
وأهل السنة والجماعة جروا في الكتاب وفي السنة على سنة واضحة، وطريقة ثابتة، وهي: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قال رحمه الله: (وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك) ولا إشكال في أنه يجب الإيمان بما صح مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل؛ لأنه خبر صدق، وخبر من لا ينطق عن الهوى، فوجب الإيمان به والتسليم له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فأوتي النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ومثله وهو السنة، وهي الحكمة التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن مما تفترق به السنة عن القرآن أنه لابد في السنة من النظر إلى طريق الثبوت؛ ولذلك قال رحمه الله: (وما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول).
فلابد فيما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن ينظر في سند ذلك، فإن صح السند فإنها مقبولة، وإن كان السند مردوداً لضعف أو نحوه فإنه لا يثبت به حكم ولا خبر، والخبر حكم في الحقيقة؛ لأنك تحكم بأن الله سبحانه وتعالى متصف بكذا، أو لم يتصف بكذا، فالباب واحد.
فلابد من النظر في سند ما ورد، فإن صح السند قبل، وإن لم يصح السند فهو مردود.
إثبات النزول الإلهي إلى سماء الدنيا
هذا الحديث فيه إثبات صفة نزول الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا، والنزول صفة فعلية يثبتها أهل السنة والجماعة لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به، ولا يلزم من إثبات ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله اللوازم الباطلة التي يذكرها المبطلون المحرفون للكلم عن مواضعه، فإنه يجب الإقرار بأن الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من فعله أو فعل غيره، مما يتعلق به أو مما يتعلق بغيره كما تقدم ذلك في صفة القدرة، فمن أنكر الصفات الفعلية وقال: إن إثباتها يقتضي قيام الحوادث، فإنه رد ما أجمعت عليه الأمة، واتفق عليه سلفها الصالح من إثبات أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وهو ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإثبات النزول لله سبحانه وتعالى لا يلزم عليه اللوازم الباطلة التي أوردها المتكلمون، فقالوا: إن أثبتنا النزول اقتضى التنقل والحركة، واقتضى أنه ينتقل من مكان إلى مكان، ويتحول من محل إلى محل، كل هذه لوازم باطلة يجب على المؤمن أن يعرض عنها، وأن يضرب عنها صفحاً، وألا يهتم بها، وألا ترد له على بال، بل يجب أن يثبت ما أثبته الله لنفسه، ثم ليعلم أنه لا يلزم على خبر الله أو خبر رسوله نقص بوجه من الوجوه، فكل لوازم الحق حق يجب إثباته.
فهذا الحديث أخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الرب جل وعلا أنه ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، فهذا نزول ثابت كل ليلة. (حين يبقى ثلث الليل الآخر) وهذا بيان لوقت النزول الإلهي.
فيقول: (من يدعوني؟ ) ومن القائل؟
الله سبحانه وتعالى الذي أضيف إليه النزول، فالقول مضاف إليه. (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) جوداً وكرماً، براً وإحساناً، ولطفاً منه جل وعلا بعباده، ينزل يعرض رحمته وبره وإحسانه على عباده، ولا تقل: كيف ينزل؟
فالجواب: الكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وهذا جار في كل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله لا نحيط بالكيفيات علماً كما قال جل وعلا: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، وذلك المنفي عن غير الله من العلم هو علم الكيفيات.
فلا تسأل عن (كيف)، ولا تقل: إن الليل يتنقل، فيلزم منه أن يكون الله نازلاً إلى السماء الدنيا كل الوقت؛ لأن ثلث الليل يتنقل، هذا كلام فارغ، هذا كلام من لم يقدر الله حق قدره، نحن لم نعلم كيفية الصفات حتى نثبت هذه اللوازم.
نثبت ما أثبته الله لنفسه، ولا نتعرض بعقول كليلة لا تصل إلى منتهى ما وصف الله سبحانه وتعالى به من الكمال في الكيفيات والهيئات والصور، فإن ذلك محجوب عنا لا ندركه، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110]، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255]، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103]، كل هذا ينبغي أن تستحضره، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
فإذا كان المؤمن قد شحن قلبه وملأه بهذه النصوص التي تثمر تعظيم الله وقدره حق قدره انجلت عنه هذه الشبهات، وزالت عنه هذه الوساوس، ولم يبق إلا في دائرة إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله على وجه الكمال، وأنه لا نقص فيه بوجه من الوجوه.
وعلى هذا فالبحث الذي يذكره بعض أهل العلم، هل يخلو العرش من الرب إذا نزل أو لا؟
نقول: هل سأل عن هذا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لم يسألوا؛ ولذلك نسكت عما سكتوا عنه، ولا نخوض في هذه المسائل؛ ولذلك لما قال السري السقطي لـحماد بن زيد أحد أئمة السلف: لا أؤمن بإله يتحول من مكان إلى مكان، قال مجيباً عنه إجابة العالم الراسخ: أؤمن برب يفعل ما يشاء. وهذا من كمال تعظيم الله عز وجل.
فالإنسان يثبت ما أثبته الله عز وجل لنفسه دون أن يلج في هذه المضايق التي إنما جاءت من المشبهين المبطلين الذين يريدون إبطال ما دلت عليه النصوص، وتصوير الرب سبحانه وتعالى بما يعرف للمخلوق، وأن كيفية فعله ككيفية فعل المخلوق، ثم يضطر الإنسان إذا كان كذلك أن يقول: أعطل النزول، والنزول هنا معناه نزول الملك، أو نزول الأمر، وما أشبه ذلك.
فهم أولوا النزول هنا بأنه نزول ملك إلى السماء الدنيا أو نزول أمره سبحانه وتعالى أما هو فلا.
ونحن نقول: ما أضافه الله لنفسه من الأفعال فإنه له سبحانه وتعالى، لا نضيفه إلى غيره، ولا يمكن أن يقال: إن الملك أو الأمر ينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟
هذا لا يكون إلا من رب العالمين، ولا يجوز أن يسأل الملك حتى يقال: إن النازل هو ملك من الملائكة، كل هذه تحريفات وتأويلات باطلة، يكفي في ردها وإبطالها تصورها، فإن الإنسان إذا تصور القول على حقيقته تبين له بطلانه؛ لأن كل ما خالف الحق فإنه لا يقوى على الثبات، كما قال الله جل وعلا: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18]، وقال: إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].
هذه أوصاف ثابتة للباطل، وكلما خالف الكتاب والسنة فهو باطل.
إذاً: هذا الحديث فيه إثبات هذه الصفة الفعلية الاختيارية لرب العالمين وهي: النزول إلى السماء الدنيا، والنزول ليس لكل أحد، إنما هو نزول لمن يدعو ويستغفر ويسأل رب العالمين، وهذا مما استدل به أهل العلم على أن قرب الله سبحانه وتعالى ليس عاماً لكل أحد، إنما هو قرب من الداعي العابد المصلي، وليس قرباً لكل أحد.
فنثبت هذا النزول لله سبحانه وتعالى صفة لائقة به جل وعلا، بلا تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
إثبات أن الله يفرح ويضحك ويعجب
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة) متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب)حديث حسن ].
هذه الأحاديث الثلاثة فيها إثبات صفة الفرح والضحك والعجب لله سبحانه وتعالى، وكلها صفات فعلية اختيارية، أما الضحك فإنه قد جاء من طرق كثيرة بلغت حد التواتر، فثبوته مستفيض في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صفة كمال؛ لأن الضحك في موضعه صفة كمال، وكل كمال اتصف به المخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالخالق أولى به، وهذا الدليل يسميه أهل العلم قياس الأولى.
فإذا كنا نقر بأن الضحك كمال في موضعه، يعني: عند وجوب موجب الضحك فإننا نثبته لله سبحانه وتعالى عقلاً كما أنه ثابت بالنص، فالنص قد أثبته في أحاديث كثيرة متواترة كما تقدم، وهذا منها.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدها الآخر كلاهما يدخل الجنة) فهذا فيه إثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى، ولا يلزم عليها أي نقص في حقه سبحانه وتعالى.
والمؤولون المعطلون المحرفون للكلم عن مواضعه قالوا: إن الضحك خفة في الروح ناتجة عن حصول ما ينفع أو اندفاع ما يضر، هذا معنى الضحك عندهم، وإذا كان كذلك فإنه منتفٍ عن الرب، فالرب لا يضحك، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يضحك الله إلى رجلين) وهؤلاء يقولون: الله جل وعلا لا يضحك؛ لأن الضحك خفة، والله منزه عنها!
نقول: أنتم عرفتم الضحك بالنسبة للمخلوق، أما الخالق: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، يجب إثبات ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وإلا فإننا لم نسلم له صلى الله عليه وسلم القياس، ولم نؤمن به حق الإيمان؛ لأن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله تصديقه فيما أخبر، وهو يخبرنا بأن الله يضحك، وهؤلاء المحرفون يقولون: لا يضحك، هل يستقيم هذا في العقل؟ وهل يكون هذا ممن عظم الله حق تعظيمه؟ وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟
المهم أن هؤلاء أنكروا الضحك، فلما ورد الضحك في السنة النبوية في مواضع كثيرة فإنه يحتاج عندهم إلى التحريف والتأويل، فقالوا: الضحك هو إبانة الفضل، والضحك: هو إرادة الثواب والإحسان، والضحك: الإخبار بالرضا عن الفعل، كل هذا فراراً من إثبات ما أثبته الله لنفسه، وكل هذه المعاني تفسير للضحك بلازمه، ونحن لا ننكر اللازم، فهو معنىً صحيح ثابت، لكن هل تثبتون لله هذا الوصف؟
يقولون: لا.
نقول: إذاً: لم تؤمنوا بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نثبت هذا الوصف لله، ونقول: إن الله يضحك وهو موصوف بالضحك جل وعلا، لكن لا يلزم من ذلك مماثلة المخلوقين.
ثم إن من لازم ضحكه جل وعلا رضاه وإثابته، وما إلى ذلك من المعاني الأخرى التي تثبت بثبوت هذه الصفة.
أول ما بدأ به المؤلف رحمه الله من الصفات صفة الفرح، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم براحلته)، وهذا فيه إثبات صفة الفرح لله سبحانه وتعالى، وفرحه بتوبة العبد من كمال جوده وإحسانه وبره ورحمته بعبده، حيث يفرح بالتوبة وهو الذي وفقه إليها.
والمنتفع من التوبة من؟
العبد نفسه! فإنه قد قال سبحانه وتعالى: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) كما في الحديث الإلهي حديث أبي ذر .
فالمنتفع العبد لكن الله جل وعلا جوداً منه وكرماً وبراً وإحساناً ولطفاً يفرح بتوبة عبده، فالفرح صفة فعلية اختيارية للرب جل وعلا، ثبت وصف الله بها في أحاديث متعددة، وتلقاها أهل السنة بالقبول، وأثبتوها للرب سبحانه وتعالى.
المحرفون المبطلون قالوا: الله لا يفرح ولا يوصف بالفرح؛ لأن الفرح لذة تقع في القلب بإرادة المحبوب ونيل المشتهى، هكذا زعموا.
قيل لهم: إذا كان هذا في حق المخلوق فالخالق ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهم لهم عدة شبه، ونحن عندما نذكر بعض شبههم في إبطالهم ما أثبته الله لنفسه، ليس ما نذكره حصراً لشبههم في إبطال ما وردت به النصوص من إثبات الصفات الفعلية للرب سبحانه وتعالى.
والجواب على هذه الشبهة الباطلة أن يقال: نثبت الفرح من غير أي لازم باطل، كما أثبته سبحانه وتعالى لنفسه، ونجري فيه كما جرينا في غيرها من الصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
ثالث ما ذكره المؤلف رحمه الله: الحديث الذي فيه إثبات العجب لله سبحانه وتعالى: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيره -يعني: وقرب تغييره سبحانه وتعالى مثل تغييره القحط إلى الخصب، ومنع القطر إلى إدراره- ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك، يعلم أن فرجكم قريب) فأثبت هنا وصفين: وصف العجب، ووصف الضحك.
أما الضحك فقد ذكرنا أنه ثابت بأحاديث متواترة.
أما العجب فقد جاء في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12] في قراءة حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والباقون قرءوا ( بل عجبتَ ويسخرون ) ويكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أما بالضم فهو مضاف إلى الله سبحانه وتعالى، فالتاء في (عجبت) ضمير الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى.
والعجب وصف كمال له سبحانه وتعالى، نثبته كما أثبته الله لنفسه في كتابه على هذه القراءة، وكما أثبتته السنة في أحاديث متعددة.
قال رحمه الله: [ فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم : (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)، متفق عليه ].
هذا الحديث فيه إثبات صفة نزول الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا، والنزول صفة فعلية يثبتها أهل السنة والجماعة لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به، ولا يلزم من إثبات ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله اللوازم الباطلة التي يذكرها المبطلون المحرفون للكلم عن مواضعه، فإنه يجب الإقرار بأن الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من فعله أو فعل غيره، مما يتعلق به أو مما يتعلق بغيره كما تقدم ذلك في صفة القدرة، فمن أنكر الصفات الفعلية وقال: إن إثباتها يقتضي قيام الحوادث، فإنه رد ما أجمعت عليه الأمة، واتفق عليه سلفها الصالح من إثبات أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وهو ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإثبات النزول لله سبحانه وتعالى لا يلزم عليه اللوازم الباطلة التي أوردها المتكلمون، فقالوا: إن أثبتنا النزول اقتضى التنقل والحركة، واقتضى أنه ينتقل من مكان إلى مكان، ويتحول من محل إلى محل، كل هذه لوازم باطلة يجب على المؤمن أن يعرض عنها، وأن يضرب عنها صفحاً، وألا يهتم بها، وألا ترد له على بال، بل يجب أن يثبت ما أثبته الله لنفسه، ثم ليعلم أنه لا يلزم على خبر الله أو خبر رسوله نقص بوجه من الوجوه، فكل لوازم الحق حق يجب إثباته.
فهذا الحديث أخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الرب جل وعلا أنه ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، فهذا نزول ثابت كل ليلة. (حين يبقى ثلث الليل الآخر) وهذا بيان لوقت النزول الإلهي.
فيقول: (من يدعوني؟ ) ومن القائل؟
الله سبحانه وتعالى الذي أضيف إليه النزول، فالقول مضاف إليه. (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) جوداً وكرماً، براً وإحساناً، ولطفاً منه جل وعلا بعباده، ينزل يعرض رحمته وبره وإحسانه على عباده، ولا تقل: كيف ينزل؟
فالجواب: الكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وهذا جار في كل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله لا نحيط بالكيفيات علماً كما قال جل وعلا: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7]، وذلك المنفي عن غير الله من العلم هو علم الكيفيات.
فلا تسأل عن (كيف)، ولا تقل: إن الليل يتنقل، فيلزم منه أن يكون الله نازلاً إلى السماء الدنيا كل الوقت؛ لأن ثلث الليل يتنقل، هذا كلام فارغ، هذا كلام من لم يقدر الله حق قدره، نحن لم نعلم كيفية الصفات حتى نثبت هذه اللوازم.
نثبت ما أثبته الله لنفسه، ولا نتعرض بعقول كليلة لا تصل إلى منتهى ما وصف الله سبحانه وتعالى به من الكمال في الكيفيات والهيئات والصور، فإن ذلك محجوب عنا لا ندركه، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110]، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255]، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103]، كل هذا ينبغي أن تستحضره، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
فإذا كان المؤمن قد شحن قلبه وملأه بهذه النصوص التي تثمر تعظيم الله وقدره حق قدره انجلت عنه هذه الشبهات، وزالت عنه هذه الوساوس، ولم يبق إلا في دائرة إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله على وجه الكمال، وأنه لا نقص فيه بوجه من الوجوه.
وعلى هذا فالبحث الذي يذكره بعض أهل العلم، هل يخلو العرش من الرب إذا نزل أو لا؟
نقول: هل سأل عن هذا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لم يسألوا؛ ولذلك نسكت عما سكتوا عنه، ولا نخوض في هذه المسائل؛ ولذلك لما قال السري السقطي لـحماد بن زيد أحد أئمة السلف: لا أؤمن بإله يتحول من مكان إلى مكان، قال مجيباً عنه إجابة العالم الراسخ: أؤمن برب يفعل ما يشاء. وهذا من كمال تعظيم الله عز وجل.
فالإنسان يثبت ما أثبته الله عز وجل لنفسه دون أن يلج في هذه المضايق التي إنما جاءت من المشبهين المبطلين الذين يريدون إبطال ما دلت عليه النصوص، وتصوير الرب سبحانه وتعالى بما يعرف للمخلوق، وأن كيفية فعله ككيفية فعل المخلوق، ثم يضطر الإنسان إذا كان كذلك أن يقول: أعطل النزول، والنزول هنا معناه نزول الملك، أو نزول الأمر، وما أشبه ذلك.
فهم أولوا النزول هنا بأنه نزول ملك إلى السماء الدنيا أو نزول أمره سبحانه وتعالى أما هو فلا.
ونحن نقول: ما أضافه الله لنفسه من الأفعال فإنه له سبحانه وتعالى، لا نضيفه إلى غيره، ولا يمكن أن يقال: إن الملك أو الأمر ينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟
هذا لا يكون إلا من رب العالمين، ولا يجوز أن يسأل الملك حتى يقال: إن النازل هو ملك من الملائكة، كل هذه تحريفات وتأويلات باطلة، يكفي في ردها وإبطالها تصورها، فإن الإنسان إذا تصور القول على حقيقته تبين له بطلانه؛ لأن كل ما خالف الحق فإنه لا يقوى على الثبات، كما قال الله جل وعلا: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18]، وقال: إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].
هذه أوصاف ثابتة للباطل، وكلما خالف الكتاب والسنة فهو باطل.
إذاً: هذا الحديث فيه إثبات هذه الصفة الفعلية الاختيارية لرب العالمين وهي: النزول إلى السماء الدنيا، والنزول ليس لكل أحد، إنما هو نزول لمن يدعو ويستغفر ويسأل رب العالمين، وهذا مما استدل به أهل العلم على أن قرب الله سبحانه وتعالى ليس عاماً لكل أحد، إنما هو قرب من الداعي العابد المصلي، وليس قرباً لكل أحد.
فنثبت هذا النزول لله سبحانه وتعالى صفة لائقة به جل وعلا، بلا تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.