شرح العقيدة الواسطية [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه أعلم سبحانه بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه، ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182] فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب ].

نشرع بإذن الله في تفصيل ما ذكره الشيخ رحمه الله من جملة ما يعتقده أهل السنة والجماعة على وجه الإجمال في قوله: (وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره).

قال رحمه الله: (ومن الإيمان بالله -هذا تفصيل للإجمال السابق-: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم) هذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، فهم واقفون في هذا الباب على ما جاء عن الله عز وجل، وعلى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يزيدون في ذلك ولا ينقصون، بل هم مع النصوص دائرون، وحيث ما نزلت ينزلون، وحيث ما ارتحلت يرتحلون، فإمامهم وقدوتهم فيما يعتقدونه في الله جل وعلا -في هذا الباب وفي غيره من أبواب العقائد- ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وهذه والله السعادة والطمأنينة؛ لأن الإنسان يصدر في أهم أمر وأعظمه عن حجج واضحة وبينات ساطعة، بخلاف أولئك الذين يتخبطون، وفي كل واد يهيمون، لا يصيبون صواباً، ولا يحققون خيراً.

وخص المؤلف رحمه الله هذا النوع من التوحيد بالبيان في هذه الرسالة؛ لما شاع في عصره وكثر في زمنه من الانحراف في باب الأسماء والصفات، ولأن الذي طلب منه التأليف والكتابة شكا له حال الناس في جهته، وما هم فيه من اضطراب واختلاف، فبين الشيخ رحمه الله هذا الجانب بياناً واضحاً في هذه الرسالة المباركة . هذا من وجه.

ومن وجه آخر وهو أن سبب تخصيص المؤلف رحمه الله هذا النوع من التوحيد بالعناية: أن الرسل جميعاً جاءت داعية إلى الله عز وجل، مُعرَّفةً بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته، ولا يمكن أن يستقيم عقد الإيمان، ولا توحيد العبد إلا بكمال الإيمان بالأسماء والصفات؛ ولذلك فصل الشيخ رحمه الله في هذا، وبين بياناً شافياً واضحاً، وبدأ الشيخ رحمه الله في تقرير هذا الأمر ببيان المنهج العام الذي يسلكه أهل السنة والجماعة.. أهل الفرقة الناجية في هذا الباب من أبواب المعرفة بالله سبحانه وتعالى، فقال رحمه الله: (الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم)، فالمصدر لإثبات الأسماء والصفات ما جاء في الكتاب وما جاء في السنة.

ولما كان كل أحد ممن ينتسب إلى أهل الإسلام وهو من أهل القبلة يدعي أنه إنما يصدر عن الكتاب والسنة؛ أراد المؤلف تمييز منهج أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية) عن غيرهم من الفرق وعن غيرهم من الطوائف، وهذا تمييز دقيق ومعيار صحيح لتخليص طريق أهل السنة والجماعة عن غيرهم بهذه القيود التي ابتدأها بقوله: (من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل) وهذه القيود الأربعة يأمن بها الإنسان من نوعي البدع في باب الأسماء والصفات، فإن البدع في باب الأسماء والصفات على اختلاف الطوائف، وتنوع الطرق ترجع إلى طريقين كبيرين: طريق المعطلة، وطريق الممثلة، وبهذه الاحترازات المذكورة تحصل السلامة للمؤمن من هاتين البدعتين في باب الأسماء والصفات، فقوله: (من غير تحريف ولا تعطيل) هذا ضمان السلامة من بدعة المعطلة، وقوله: (ومن غير تكييف ولا تمثيل) هذا ضمان السلامة من بدعة التمثيل؛ ولذلك حري بنا أن نقف عند هذه القيود؛ لنتبين معانيها، ونعرف ماذا تتضمن، فليست هي من عطف المترادفات، وإنما كل قيد مراد.

قوله رحمه الله: (من غير تحريف).

التحريف في الأصل: هو الميل بالشيء إلى حرفه، أي: إلى جانبه، فالأصل في التحريف الميل، من حرفت الشيء إذا أملته، والمراد به هنا: إزالة اللفظ عن معناه، أو صرف اللفظ عن معناه الراجح المتبادر إلى المعنى المرجوح من غير دليل، وهذا التحريف يسميه أهله تأويلاً، فحيث ما رأيت في كلام المبتدعة من أهل الكلام التأويل فمرادهم به التحريف، وليس هذا معروفاً في اصطلاح المتقدمين، فإن التأويل في اصطلاح المتقدمين هو التفسير؛ ولذلك يكثر في كلامهم: القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا، ثم يفسر ويبين ويشرح الآية، فالتأويل في لسان القرون المفضلة وسلف هذه الأمة معناه التفسير.

ومما يراد به أيضاً: حقيقة ما يئول إليه الخطاب، وهذا كفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يسبح في ركوعه وسجوده، ويكثر من قول: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، يتأول بذلك قوله سبحانه وتعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3] فهو يتأول، أي: يعمل بما تضمنته هذه الآية، هذا هو معنى التأويل في كلام السلف وأهل القرون المفضلة، أما التأويل في كلام المتأخرين فهو التحريف الذي فسرناه: وهو إزالة اللفظ عن معناه، أو صرف اللفظ عن معناه الظاهر المتبادر إلى معنى مرجوح من غير دليل.

ثم قال رحمه الله في بيان القيد الثاني: (ولا تعطيل)، فثاني القيود نفي التعطيل، والتعطيل في اللغة: مأخوذ من عطَّل الشيء إذا أخلاه، والمراد به هنا نفي الصفات، إما كلياً أو جزئياً، فكل من نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فله نصيب من التعطيل، فمن نفى الصفات جميعاً فهو معطل للجميع، ومن نفى بعضها -كمثبتة الصفات- وأثبت البعض فهو معطل تعطيلاً جزئياً، المهم أن التعطيل هو نفي الصفات، فإما أن يكون كلياً يعني: يكون نفيه كلياً، وإما على جزء من الصفات فيكون نفيه جزئياً. والتحريف والتعطيل مقترنان، فكل من حرف فقد عطل، وكل من عطل فإنه لا يصل إلى تعطيله إلا بتحريف، وإنما قدم التحريف على التعطيل؛ لأنه سبيله والوسيلة إليه، فإنما يتوصل المعطل إلى تعطيله عن طريق التحريف.

واعلم أن التحريف قد يكون تحريفاً في المعنى، وقد يكون تحريفاً في اللفظ، وقد يكون تحريفاً في اللفظ والمعنى، وكل هذه الأنواع تفضي بصاحبها إلى التعطيل، فتحريف المعنى -وهو الغالب الكثير في أهل الكلام-: صرف اللفظ عن ظاهره، أي: عن المعنى الظاهر، وإزالة اللفظ عن معناه، مثال ذلك: تأويل وتحريف الاستواء بالاستيلاء، فقالوا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] أي: استولى، هل هذا تحريف لفظي أو معنوي؟ تحريف معنوي، هم ما غيروا ما في المصحف، إنما غيروا المعنى، ومن التحريف المعنوي: قولهم في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] قالوا: كلمه أي: جرحه بأظافير الحكمة، فحملوا الكلم هنا على معنىً غير المعنى المتبادر من اللفظ، وهو الكلام المعروف، وهذا من التحريف المعنوي.

ومن التحريف اللفظي: ما اقترحه ابن أبي دؤاد على المأمون من تغيير قوله تعالى وكان مكتوباً على ستار الكعبة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] قال: أزل: السميع البصير، وضع: العزيز الحكيم (ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم) فهذا تحريف لفظي، وما المراد منه؟!

المراد منه نفي اتصاف الله عز وجل بالسمع والبصر.

ومنه قول جهم: وددت أن أحك من المصحف: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، أحك يعني: أزيل، فهذا تحريف لفظي.

النوع الثالث من التحريف: التحريف اللفظي المعنوي، وهو مجتمع في تحريف بعضهم لقوله تعالى: (وكلم اللهَ موسى تكليماً) وجه ذلك: أنهم غيروا الحركة المتفق عليها بين القراء، وهي الضم في لفظ الجلالة، فالآية: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] فمن الفاعل للتكليم؟ الله جل وعلا، فقلبوا الأمر، وجعلوا الله مكلماً لا متكلماً فقالوا: (وكلم اللهَ موسى تكليماً) فجعلوا المتكلم موسى، وهذا تحريف لفظي ومعنوي، والرد عليهم من أسهل ما يكون، حيث قال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143]، فهذا لا يمكن تحريفها، فماذا يفعلون بالضمير: (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)؟! وهذا يدل على أن كل من أراد أن يبطل شيئاً في كتاب الله عز وجل فإنه ينقلب عليه ما استدل به، وهذه قاعدة مطردة: أن كل من استدل بشيء من الكتاب والسنة على باطله، كان فيما استدل به ما يبطل ما ادعاه من الباطل والزور، المهم أن التحريف الذي يتوصلون به إلى التعطيل قد يكون في اللفظ، وقد يكون في المعنى، وقد يكون في اللفظ والمعنى.

ثم قال رحمه الله: (ومن غير تكييف ولا تمثيل) التكييف مأخوذ من الكيف، والكيف هو طلب صورة الشيء، فالتكييف طلب صورة الصفات وحقيقتها، فكل من طلب هيئة الصفة وصورة الصفة وحقيقة الصفة، وحقيقة ما أخبر الله به عن نفسه فإنه مكيف، وأهل السنة والجماعة قد أوصدوا هذا الباب وأغلقوه، فلا سبيل إلى معرفة الكيفيات؛ لأن ما أخبر الله به عن نفسه أمر لا تدركه العقول على وجه الكمال، إنما ندرك منه المعنى، وأما الحقائق وما عليه الأمر فإنه من العلم الذي استأثر به الله سبحانه وتعالى، قال الله جل وعلا: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ [آل عمران:7] إذا وقفنا على لفظ الجلالة فالمقصود بالتأويل هنا: حقيقة ما يئول إليه ما أخبر به سبحانه وتعالى عن نفسه وعن أمور الغيب، فإنه لا يعلم ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.

فإذا قال قائل: كيف استوى على العرش؟ كيف وجهه؟ كيف يده؟ كيف كلامه؟ كل هذا لا سبيل إلى معرفته؛ لأنه مما استأثر الله بعلمه، والله سبحانه وتعالى قد نفى الإحاطة بصفة من صفاته، فكيف بصفاته؟ فكيف به سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255] فنفى الإحاطة بشيء من علم الله جل وعلا، فكيف بمن أراد أن يحيط بجميع صفاته وما أخبر به عن نفسه؟ وقال سبحانه وتعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [طه:110] حتى النظر الذي أخبر به سبحانه وتعالى في نعيم أهل الجنة ليس نظراً يدرك به الناظر الله جل وعلا، بل قد قال سبحانه وتعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103] فنفى إدراك الأبصار له؛ وذلك لكماله وبديع وجميل صفاته وذاته سبحانه وتعالى.

فإذا كان العبد لا يمكن أن يدرك ما وصف الله به نفسه إدراكاً تاماً، فكيف يستطيع أن يكيف ما وصف الله به نفسه؟ هذا باب موصد لا سبيل إلى تحصيله ولا إلى ولوجه، والمؤمن يقف عند ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويقول: يسعني ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وسلف الأمة، ومن تجاوز هذا الحد فإنه قد ولج باب بدعة.

رابع ما احترز به الشيخ رحمه الله لمنهج أهل السنة والجماعة قوله: (ولا تمثيل) فنفى عن أهل السنة والجماعة التمثيل، والتمثيل مأخوذ من المثل، والمثل هو النظير والمساوي، والمنفي من التمثيل هنا هو مساواة الله عز وجل بغيره فيما يجوز عليه، وفيما يجب له، وفيما يمتنع عنه، فكل من سوى بالله غيره فيما يجب أو فيما يجوز أو فيما يمتنع فإنه قد مثل، والنصوص واضحة وبينة ومتنوعة في نفي المثل، قال سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] فنفى عن نفسه المثل، وقال جل وعلا: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وقال سبحانه وتعالى: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74]، وقال سبحانه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65]، وقال جل وعلا: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] كل هذا لنفي المثل، فإذا كان لا مثل له ولا سمي ولا نظير، فإنه لا يمكن أن يماثل شيئاً مما يستحقه الله عز وجل أو يتصف به شيء من المخلوقات، والله سبحانه وتعالى لا مثيل له لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يجب له، بل ولا في شيء من أموره سبحانه وتعالى، وإذا وقر هذا في قلب العبد أورثه تعظيماً للرب، وعرف أن الرب الذي يعبده ويتقرب إليه بالطاعات لا يستحق أحد غيره ما يتعبد به، وما يتقرب إليه به، فيكون هذا التوحيد موصلاً إلى توحيد الإلهية، ومثمراً إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة.

قال رحمه الله: (من غير تكييف ولا تمثيل). ما الفرق بين التكييف والتمثل؟

التكييف طلب الصورة من غير مثل، أي: من غير تقييد بمماثل، وأما التمثيل فهو ذكر صورة الصفة مقيدة بمماثل، هذا الفرق بين التمثيل والتكييف؟

ولماذا بدأ بالتكييف؟

لأنه لا يحصل التمثيل إلا عن طريق التكييف، فهو سببه وطريقه ووسيلته، وبهذا يتبين أن هذه القيود قيود مانعة جامعة، مانعة: تمنع من دخول غير أهل السنة والجماعة في زمرتهم، وجامعة تجمع طريق أهل السنة والجماعة في هذا الباب.

ثم قال الشيخ رحمه الله: (بل يؤمنون بأن الله سبحانه..) بل: حرف إضراب، وكم أنواع الإضراب؟

نوعان: إبطالي، وانتقالي، والإضراب هنا ما نوعه؟

هل يريد أن يبطل ما تقدم أم يريد أن ينتقل؟! يريد أن ينتقل، فهو إضراب انتقالي، والغالب أن يأتي بعد (بل) جملة فعلية، وقد يأتي اسم فتكون (بل) عاطفة.

قال المؤلف رحمه الله: (بل يؤمنون بأن الله سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]) يؤمنون أي: يعتقدون أن ربهم جل وعلا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهذا دليل للقيود السابقة، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] يدل على صحة القيدين في قوله: من غير تكييف ولا تمثيل، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] دليل على صحة القيدين في قوله: من غير تحريف ولا تعطيل؛ لأن الله جل وعلا خاطب الناس بلسان عربي مبين، ولا يفهم العربي من السميع إلا إثبات صفة السمع، ولا من البصير إلا إثبات صفة البصر، فمن قال: إنه لا يوصف بالسمع ولا بالبصر فقد خالف ما دلت عليه النصوص، وخالف مقتضى اللسان العربي الذي خاطب الله به هذه الأمة، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، يبطل بدعة التمثيل، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] يبطل بدعة التعطيل.