شرح العقيدة الواسطية [16]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [فصل: وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)، وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليّ في دنوه قريب في علوه ].

هذا الفصل فيه إخبار عن صفة عظيمة من صفات الله، وهي: قربه جل وعلا، وأتى بصفة القرب بعد ذكر المعية؛ لأن كثيراً من المتأخرين وبعض المتقدمين يفسرون القرب بالمعية، فـمقاتل بن حيان من السلف وكثير من الخلف يفسرون ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من القرب بأنه المعية، فيقولون: قرب العلم والقدرة، وهو قول لبعض السلف.

والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة: أن القرب وصف زائد على المعية، فهو ليس المعية التي أخبر بها سبحانه وتعالى عن نفسه، التي هي المعية العامة؛ لأن المعية العامة تثبت ولا يلزم منها قرب الشيء من الآخر، فتقول: القمر معنا وليس بقريب منك.

فالمعية ليس من لازمها القرب، بل قد يكون الشيء مع الشيء وبينهما من البعد بون شاسع، والقرب الذي يثبته أهل السنة والجماعة للرب سبحانه وتعالى صفة فعلية اختيارية، فهو يقرب ممن يشاء سبحانه وتعالى، كيف يشاء، وهذا الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة.

أحوال قرب الله سبحانه من خلقه

ولفظ القرب في كتاب الله عز وجل وفي السنة ورد على حالين:

ورد بصيغة الإفراد ، وورد بصيغة الجمع، فمن صيغة الإفراد قول الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، فأضاف القرب إلى نفسه بصيغة الإفراد سبحانه وتعالى، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) ، وورد أيضاً وصف القرب بصيغة الجمع وذلك في قوله سبحانه وتعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، وقوله تبارك وتعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، فهل كل هذا القرب مضاف إلى الله سبحانه وتعالى؟

بعض العلماء قال: نعم، القرب بصيغة الإفراد والجمع كله مضاف إليه سبحانه وتعالى، وعليه فسروا القرب في هذه المواضع كلها بقرب العلم والقدرة.

والصحيح: أن الرب سبحانه وتعالى في كتابه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته لم يصف الله سبحانه وتعالى بالقرب على وجه العموم، فلم يرد أنه من كل شيء قريب كما ورد في نصوص المعية، إنما ورد ذلك خاصاً، فقول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، هذا قرب من الداعي، فهو قرب خاص، وليس قرباً من كل أحد.

وقول عنه الصحابة: (يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟) ما الذي سألوا عنه؟ هل سألوا عن قرب العلم والقدرة؟ هل كانوا يشكون في أنه قريب منهم قدرة وعلماً؟

لا. إنما سألوا عن القرب الخاص، وهو قربهم من الداعي؛ ولذلك قالوا: أقريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟! فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وهذا مما يبطل قول من قال: القرب معناه العلم؛ لأن الصحابة لم يشكوا في أن الله بهم عليم، ولا أنه جل وعلا عليهم قدير، فهم يؤمنون بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله على كل شيء قدير، إنما سألوا عن قربه من عبده في هذه الحالة.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، فهذا فيه إثبات القرب الخاص، وهو قربه من الساجد العابد.

كذلك دنوه سبحانه وتعالى من أهل الموقف يوم عرفة دنو خاص، وليس دنواً عاماً، وقرب خاص وليس قرباً عاماً، فهو دنو من أهل الموقف دون غيرهم، وكذلك نزوله في الثلث الأخير من الليل، وإن كانت الأمثلة السابقة أوضح وأجلى ولا مجال فيها للمناقشة؛ لأنها مقيدة.

معنى القرب العام من الخلق

والقرب العام الذي ذكر في قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، وقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، هو قرب الملائكة، قد يقول قائل: ما الذي جعلكم تصرفون اللفظ عن ظاهره؟

نقول: ليس ظاهره أن القرب مضاف إلى الله، بل ظاهره أن القرب للملائكة، أما في آية سورة ( ق ) فقد قال الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، ثم قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ [ق:16-17]، وقوله: إذ، ظرف متعلق بأقرب، فهذا القرب مقيد بهذه الحادثة، ولو كان القرب عاماً لما احتاج إلى تقييده في هذه الحالة، فالقرب هنا هو قرب الملائكة؛ ولذلك قال جل وعلا: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ [ق:16-17]، فما فائدة ذكر المتلقيين إذا كان القرب له سبحانه وتعالى؟!

فالآية سياقها وسباقها يدل على أي شيء؟

يدل على أن القرب للملائكة الكتبة الحفظة، الذين قال الله فيهم: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، والذي في قوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق:4]، حافظ يحفظ أعمالها وما كان منها، وقوله: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام:61].

المهم أن القرب هنا هو قرب الملائكة، أما الرب جل وعلا فإنه لم يصف نفسه بالقرب من كل أحد.

أما الآية الثانية التي في سورة الواقعة: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85] فهذه الآية أيضاً واردة في الملائكة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يرسل الملائكة تتوفى الأنفس، فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:83-85]، وقوله: وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، الذي نفي إبصاره هل هو الله جل وعلا؟

لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يرى في الدنيا: (واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو إبصار الملائكة؛ ولذلك كان قوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، يعني: أن الملائكة قريبون من الميت، ولكن لا تبصرونهم، أما الرب جل وعلا فإنه لم يصف نفسه بالقرب من كل أحد.

ثم لو كان القرب عاماً لما كان هناك تمايز بين قربه من الميت وقربه من الحاضرين، فلا وجه للتخصيص، إلا أن القرب هنا هو قرب الملائكة.

وبهذا يتبين أن القرب الذي وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه في كتابه هو القرب الخاص من العابد الداعي الساجد، أما القرب العام فلم يرد في الكتاب ولا في السنة مضافاً إليه سبحانه وتعالى.

ومن أهل العلم من فسر القرب بالمعية الخاصة، فقال: صفة قربه سبحانه وتعالى هي معيته الخاصة لأوليائه وعباده المتقين والصابرين والمحسنين والمتطهرين وما إلى ذلك، وهذا الذي نحى إليه ابن القيم رحمه الله، وظاهر كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن القرب صفة مستقلة عن المعية بالكلية، فليست هي المعية الخاصة ولا المعية العامة، وهذا هو الأليق بظواهر النصوص، وهو أن القرب صفة غير المعية.

قربه ومعيته سبحانه لا ينافي علوه وفوقيته

ثم قال رحمه الله: (وما ذكر في الكتاب والسنةمن قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته) وهذه مسألة مهمة للغاية، وهي وجوب اعتقاد ما أثبته الله لنفسه، وأنه لا تعارض بين ما أخبر به عن نفسه من العلو وما أخبر به عن نفسه من القرب والدنو والنزول والإتيان والمجيء والاستواء ، وغير ذلك من الصفات، ومن توهم التعارض فإنه لم يقدر النصوص حق قدرها.

فالواجب على المؤمن أن يؤمن بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وجميع ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعتقد أن ذلك حق على حقيقته، ولا يرد في ذلك أن اجتماع هذه الأوصاف ممتنع في حق المخلوق، فإن ذلك هو المناسب للمخلوق، أما الخالق جل وعلا فإنه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا فيما يجب له، ولا في أفعاله، ولا في أسمائه جل وعلا، فتنبه لهذا، فإذا ضاق عقلك وقلت: إنه إذا قلنا إنه ينزل يلزم من ذلك ألا يكون عالياً والعلو صفة ذاتية، فكيف تنفي هذه الشبهة وهذا الإيراد؟!

بأن تعلم أنه ليس كمثله شيء، وأنه سبحانه وتعالى ما وصف به نفسه ليس له نظير في المخلوقات، كما جاءت أدلة ذلك متواترة وكثيرة في الكتاب والسنة.

وبهذا يندفع الوهم الوارد عند بعض الناس في صفة القرب، قالوا: إذا كان يقرب من بعض عباده فكيف يكون عالياً على خلقه؟!

الجواب: أنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته؛ ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته)، يعني: في جميع ما وصف به نفسه، لا من جهة الاجتماع ولا من جهة الأفراد، من جهة الاجتماع كاجتماع العلو مع القرب، أو العلو مع المعية، أو العلو مع النزول، أو الظهور مع وصف الباطن سبحانه وتعالى، فهل يمكن أن يكون مخلوق من خلق الله ظاهراً وباطناً في نفس الوقت ويكون أول وآخر في نفس الوقت؟

لا يمكن، لكن امتناع هذا في المخلوق لعجزه وقصوره وضعفه، وأما الخالق فليس كمثله شيء سبحانه وتعالى، وهو الموصوف بصفات الكمال، فلا تعارض من ثبوت صفات الكمال لله؛ إذا كانت في المخلوق، وفيما ندركه منا، لا يمكن أن تجتمع، ولا يمكن أن تثبت لواحد.

فتنبه لهذا فإنه مهم، واجعل معك هذا السلاح الماضي، والسيف القاطع لكل من عارضك وحاول أن يشكل عليك: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فهو سبحانه وتعالى كما قال المؤلف: (وهو عليٌ في دنوه) يعني: في قربه من عباده سبحانه وتعالى، (قريب في علوه) ولا تعارض بين هذين الوصفين.

ولفظ القرب في كتاب الله عز وجل وفي السنة ورد على حالين:

ورد بصيغة الإفراد ، وورد بصيغة الجمع، فمن صيغة الإفراد قول الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، فأضاف القرب إلى نفسه بصيغة الإفراد سبحانه وتعالى، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) ، وورد أيضاً وصف القرب بصيغة الجمع وذلك في قوله سبحانه وتعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، وقوله تبارك وتعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، فهل كل هذا القرب مضاف إلى الله سبحانه وتعالى؟

بعض العلماء قال: نعم، القرب بصيغة الإفراد والجمع كله مضاف إليه سبحانه وتعالى، وعليه فسروا القرب في هذه المواضع كلها بقرب العلم والقدرة.

والصحيح: أن الرب سبحانه وتعالى في كتابه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته لم يصف الله سبحانه وتعالى بالقرب على وجه العموم، فلم يرد أنه من كل شيء قريب كما ورد في نصوص المعية، إنما ورد ذلك خاصاً، فقول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، هذا قرب من الداعي، فهو قرب خاص، وليس قرباً من كل أحد.

وقول عنه الصحابة: (يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟) ما الذي سألوا عنه؟ هل سألوا عن قرب العلم والقدرة؟ هل كانوا يشكون في أنه قريب منهم قدرة وعلماً؟

لا. إنما سألوا عن القرب الخاص، وهو قربهم من الداعي؛ ولذلك قالوا: أقريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟! فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وهذا مما يبطل قول من قال: القرب معناه العلم؛ لأن الصحابة لم يشكوا في أن الله بهم عليم، ولا أنه جل وعلا عليهم قدير، فهم يؤمنون بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله على كل شيء قدير، إنما سألوا عن قربه من عبده في هذه الحالة.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، فهذا فيه إثبات القرب الخاص، وهو قربه من الساجد العابد.

كذلك دنوه سبحانه وتعالى من أهل الموقف يوم عرفة دنو خاص، وليس دنواً عاماً، وقرب خاص وليس قرباً عاماً، فهو دنو من أهل الموقف دون غيرهم، وكذلك نزوله في الثلث الأخير من الليل، وإن كانت الأمثلة السابقة أوضح وأجلى ولا مجال فيها للمناقشة؛ لأنها مقيدة.

والقرب العام الذي ذكر في قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، وقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، هو قرب الملائكة، قد يقول قائل: ما الذي جعلكم تصرفون اللفظ عن ظاهره؟

نقول: ليس ظاهره أن القرب مضاف إلى الله، بل ظاهره أن القرب للملائكة، أما في آية سورة ( ق ) فقد قال الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، ثم قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ [ق:16-17]، وقوله: إذ، ظرف متعلق بأقرب، فهذا القرب مقيد بهذه الحادثة، ولو كان القرب عاماً لما احتاج إلى تقييده في هذه الحالة، فالقرب هنا هو قرب الملائكة؛ ولذلك قال جل وعلا: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ [ق:16-17]، فما فائدة ذكر المتلقيين إذا كان القرب له سبحانه وتعالى؟!

فالآية سياقها وسباقها يدل على أي شيء؟

يدل على أن القرب للملائكة الكتبة الحفظة، الذين قال الله فيهم: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، والذي في قوله: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق:4]، حافظ يحفظ أعمالها وما كان منها، وقوله: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام:61].

المهم أن القرب هنا هو قرب الملائكة، أما الرب جل وعلا فإنه لم يصف نفسه بالقرب من كل أحد.

أما الآية الثانية التي في سورة الواقعة: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85] فهذه الآية أيضاً واردة في الملائكة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يرسل الملائكة تتوفى الأنفس، فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:83-85]، وقوله: وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، الذي نفي إبصاره هل هو الله جل وعلا؟

لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يرى في الدنيا: (واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو إبصار الملائكة؛ ولذلك كان قوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، يعني: أن الملائكة قريبون من الميت، ولكن لا تبصرونهم، أما الرب جل وعلا فإنه لم يصف نفسه بالقرب من كل أحد.

ثم لو كان القرب عاماً لما كان هناك تمايز بين قربه من الميت وقربه من الحاضرين، فلا وجه للتخصيص، إلا أن القرب هنا هو قرب الملائكة.

وبهذا يتبين أن القرب الذي وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه في كتابه هو القرب الخاص من العابد الداعي الساجد، أما القرب العام فلم يرد في الكتاب ولا في السنة مضافاً إليه سبحانه وتعالى.

ومن أهل العلم من فسر القرب بالمعية الخاصة، فقال: صفة قربه سبحانه وتعالى هي معيته الخاصة لأوليائه وعباده المتقين والصابرين والمحسنين والمتطهرين وما إلى ذلك، وهذا الذي نحى إليه ابن القيم رحمه الله، وظاهر كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن القرب صفة مستقلة عن المعية بالكلية، فليست هي المعية الخاصة ولا المعية العامة، وهذا هو الأليق بظواهر النصوص، وهو أن القرب صفة غير المعية.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الواسطية [3] 2196 استماع
شرح العقيدة الواسطية [21] 2139 استماع
شرح العقيدة الواسطية [6] 1990 استماع
شرح العقيدة الواسطية [25] 1912 استماع
شرح العقيدة الواسطية [2] 1902 استماع
شرح العقيدة الواسطية [18] 1865 استماع
شرح العقيدة الواسطية [12] 1848 استماع
شرح العقيدة الواسطية [24] 1823 استماع
شرح العقيدة الواسطية [19] 1743 استماع
شرح العقيدة الواسطية [15] 1738 استماع