شرح العقيدة الواسطية [12]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجله -وفي رواية: عليها قدمه- فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط)متفق عليه ].

هذا الحديث فيه إثبات صفة القدم والرجل لله سبحانه وتعالى، وهذه الأحاديث صواعق على رءوس المبطلين؛ لأنهم إما أن يردوها، وإما أن يجتهدوا في إبطال معناها، إما أن يردوها لفظاً ومعنىً، وإما أن يجتهدوا في إبطال معانيها بالتحريف والتأويل المذموم.

أما أهل السنة والجماعة فهذه نصوص تزداد قلوبهم إيماناً بسماعها، ويقيناً بعظمة الرب، وتسبيحاً وتحميداً له سبحانه وتعالى.

(لا تزال جهنم) (جهنم) هي: الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، وهي النار، فجهنم اسم جنس للنار التي أعدها الله عز وجل للكافرين والعصاة المخالفين لأمره.

(لا تزال جهنم يلقى فيها) أي: يرمى، و( لا تزال ) المراد بذلك: أنها موصوفة بهذا الوصف، وهي لا تنقطع ولا تفارق هذا الوصف.

(يلقى فيها وهي تقول)، يعني: وحالها؛ لأن الواو هنا حالية، ( وهي تقول: هل من مزيد؟ ) أي: تطلب الزيادة، وهذا الاستفهام استفهام طلبي، يعني: زدني زدني، وقال بعض أهل العلم: إن قول النار: هل من مزيد؟ استفهام استنكاري، أي: لا مزيد فيّ، لا مزيد فيّ، ولكن هذا ليس بصحيح، ولا يدل عليه اللفظ، بل الذي دل عليه اللفظ أنه استفهام طلبي؛ لطلب الزيادة من رب العالمين، ويدل على ذلك ما بعده حيث قال: (حتى يضع رب العزة فيها رجله)يضع رب العزة، وفي رواية: (حتى يضع رب العالمين -الله جل وعلا- فيها رجله)والرجل في كلام العرب تنصرف إلى الجارحة المعروفة بالنسبة لنا، أما بالنسبة للخالق جل وعلا فنثبت هذا المعنى له، لكن لا نملك أن نعرف كيفية ذلك، ولم نكلف بمعرفة كيفية ذلك، بل نثبت ما أثبته الله لنفسه من الصفات من دون تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

وفي الرواية الثانية: (عليها قدمه) أي: يضع عليها قدمه سبحانه وتعالى، ولا تقل: كيف؟ فإن الكيف أمره مؤصد مغلق، والكيف مجهول، وهذه القاعدة اجعلها معك في كل خبر عن الغيب، الكيف مجهول فيما يتعلق بالله عز وجل أو فيما يتعلق بما أخبر به مما يكون يوم القيامة، وبذلك تريح نفسك، وتسلم من كل وساوس الشياطين، ومن كل ما يلقيه شياطين الإنس من زخرف القول الذي يريدون به إبطال ما دلت عليه النصوص.

وقوله: وفي رواية: (عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض)يعني: ينظم ويجتمع بعضها إلى بعض، فتقول: (قط قط)أي: كفاني كفاني، أو حسبي حسبي، وعند ذلك تكتفي من طلب الزيادة.

وفي لفظ: (قط قط)، جاءت رواية بالتسكين (قطْ قطْ)، ورواية: بالكسر (قطِ قطِ)، ورواية بالكسر مع الياء (قطي قطي)، ورواية بالتنوين (قطٍ قطٍ)، ورواية خامسة: (قطني قطني)، كل هذا مما جاء في هذا اللفظ، والمعنى في الجميع واحد، وهو حسبي حسبي أو كفاني كفاني.

موقف أهل التحريف والتعطيل من إثبات صفة الرجل والقدم، والرد عليهم

أما أهل التحريف وأهل التعطيل فقالوا: إن معنى الرجل هنا هو الجماعة من الناس، ومن أين أتوا بهذا المعنى؟

قالوا: إن الرجل يطلق على الجماعة من الجراد، كما أنك تقول لجماعة الطير: سرب، فتقول لجماعة الجراد: رجل، فيكون معنى: (حتى يضع رب العزة فيها رجله) أي: جماعة من الناس يتهافتون في النار كتهافت الجراد على النار.

فنقول: هذا المعنى -أيها المحرفون- من سبقكم إليه من سلف الأمة؟ أعطونا واحداً من الصحابة أو من التابعين أو من تابعيهم من أئمة السلف قال بهذا القول، قالوا: اللغة دلت على هذا، فنقول: لا بأس، هذا المعنى قد يكون موجوداً في اللغة، لكن نحن نتلقى السنة لفظاً ومعنىً عن الصحابة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنزل عليه القرآن وأنزل عليه الذكر ليبينه للناس، فهو قد بلغ لفظه ومعناه، والله سبحانه وتعالى حفظ للأمة الألفاظ والمعاني فقال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، والحفظ ليس فقط حفظ اللفظ إنما حفظ اللفظ والمعنى؛ ولذلك ما تلقته الأمة بالقبول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من المعاني الظاهرة لا يجوز الانصراف عنه إلى مثل هذه الإرادات الواهية.

فنقول: الرجل معلومة عند العرب، وما ذكرتموه استعارة وتشبيه، والأصل في الكلام هو الحقيقة لا المجاز.

وقوله: (حتى يضع رب العزة عليها قدمه)، قالوا: القدم هو: اسم لمن قدمهم الله عز وجل في النار، فيكون واقعاً على الجماعة، وقالوا أيضاً: القدم: هم اسم لمن تقدم في علم الله أنهم من أهل النار.

كل هذا -يا إخوة- تحريف وفرار مما دلت عليه النصوص وسلم له صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقته الأمة بالقبول، ولو أنهم اكتفوا بالنصوص، وعدلوا عن هذا الانحراف وعن هذه الشبه لسلموا ولسلكوا طريق أهل السنة والجماعة.

أما أهل التحريف وأهل التعطيل فقالوا: إن معنى الرجل هنا هو الجماعة من الناس، ومن أين أتوا بهذا المعنى؟

قالوا: إن الرجل يطلق على الجماعة من الجراد، كما أنك تقول لجماعة الطير: سرب، فتقول لجماعة الجراد: رجل، فيكون معنى: (حتى يضع رب العزة فيها رجله) أي: جماعة من الناس يتهافتون في النار كتهافت الجراد على النار.

فنقول: هذا المعنى -أيها المحرفون- من سبقكم إليه من سلف الأمة؟ أعطونا واحداً من الصحابة أو من التابعين أو من تابعيهم من أئمة السلف قال بهذا القول، قالوا: اللغة دلت على هذا، فنقول: لا بأس، هذا المعنى قد يكون موجوداً في اللغة، لكن نحن نتلقى السنة لفظاً ومعنىً عن الصحابة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنزل عليه القرآن وأنزل عليه الذكر ليبينه للناس، فهو قد بلغ لفظه ومعناه، والله سبحانه وتعالى حفظ للأمة الألفاظ والمعاني فقال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، والحفظ ليس فقط حفظ اللفظ إنما حفظ اللفظ والمعنى؛ ولذلك ما تلقته الأمة بالقبول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من المعاني الظاهرة لا يجوز الانصراف عنه إلى مثل هذه الإرادات الواهية.

فنقول: الرجل معلومة عند العرب، وما ذكرتموه استعارة وتشبيه، والأصل في الكلام هو الحقيقة لا المجاز.

وقوله: (حتى يضع رب العزة عليها قدمه)، قالوا: القدم هو: اسم لمن قدمهم الله عز وجل في النار، فيكون واقعاً على الجماعة، وقالوا أيضاً: القدم: هم اسم لمن تقدم في علم الله أنهم من أهل النار.

كل هذا -يا إخوة- تحريف وفرار مما دلت عليه النصوص وسلم له صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقته الأمة بالقبول، ولو أنهم اكتفوا بالنصوص، وعدلوا عن هذا الانحراف وعن هذه الشبه لسلموا ولسلكوا طريق أهل السنة والجماعة.

قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله صلى الله عليه وسلم: (يقول تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان) ].

هذان الحديثان من جملة ما مثل به المؤلف رحمه الله لأحاديث الصفات الواردة في سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهما يفيدان إثبات صفة الكلام للرب جل وعلا، وصفة الكلام صفة ذاتية فعلية كما تقدم، وهي: صفة يثبتها أهل السنة والجماعة بالكتاب والسنة والإجماع والعقل، وهي: صفة ثابتة لله عز وجل في جميع الشرائع؛ ولذلك التحريف فيها وإنكارها مما يقدح في الإيمان بالرسل؛ لأن جميع الأنبياء أخبروا بذلك، وهم مجمعون على أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بحرف وصوت، كما سيأتي بيانه.

والحديث الأول: فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى) والقول يدل على اتصافه سبحانه وتعالى بالكلام، وهذا النوع من الأحاديث يسمى بـ(الحديث القدسي)، وهذا التعبير هو المشهور، وهو الاصطلاح المعروف عند كثير من أهل العلم، فالأحاديث المصدرة بقوله: قال الله تعالى، أو التي فيها: قال الله تعالى هي أحاديث قدسية، وشيخ الإسلام رحمه الله يسميها (الأحاديث الإلهية)، والفرق بين الحديث الإلهي والحديث النبوي أن الحديث الإلهي فيه خبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربه، فهو خبر عن الله.

وقد قال جمهور المحدثين: إن الحديث الإلهي -الحديث القدسي- لفظه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعناه من الله، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الحديث الإلهي لفظه ومعناه من الله، وهذا القول قوي، وهو الذي يستفاد من ظواهر الأحاديث، فإن نسبة القول إلى الله هي نسبة لفظ ومعنى، ولكن يفارق الحديث الإلهي -الحديث القدسي- القرآن أن لفظه ليس بمعجز، وأنه لا يتعبد بقراءته، فليس كل حرف فيه بعشر حسنات كما ورد ذلك في القرآن، وأنه لا يشترط في مسه الطهارة لا الصغرى ولا الكبرى، فلو أن كتاباً تضمن الأحاديث الإلهية -الأحاديث القدسية- فلا يشترط للمسه ومطالعته أن يكون الإنسان على طهارة، هذا هو الصحيح، وبهذا يتميز الحديث الإلهي -الحديث القدسي- عن القرآن فيقال: إن لفظه ومعناه من الله جل وعلا هذا الأصل، وأن ما يثبت للمصحف من أحكام فهو غير ثابت للحديث الإلهي.

فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى) هذا فيه إثبات أن الله جل وعلا يتكلم؛ لأن القول الأصل فيه لا يكون إلا على ما ظهر وتبين من اللفظ، وأما ما يدور في الخاطر فإنه قد يصح أن يقال: إنه قول، لكن لابد من تقييده. فلا يرد القول مطلقاً ويراد به حديث النفس، وإنما إذا أريد بالقول ما يدور في الخاطر وما يجول في الضمير والقلب فلابد من تقييده، فيقال: قول القلب أو قول النفس أو قالت نفسي، أما إذا ورد القول مطلقاً فإنه لا ينصرف إلا على القول الذي يتبين ويظهر بحرف وصوت.

قوله: (يقول الله تعالى: يا آدم!) هذا فيه خطاب لأبي البشر آدم عليه السلام، وآدم إنما يعقل كلاماً بحرف وصوت، وليس المراد كلاماً معنوياً كما تقول الأشاعرة ومثبتة الصفات.

(فيقول -أي: آدم عليه السلام-: لبيك وسعديك). (لبيك وسعديك) هذان مصدران لا مفرد لهما من لفظيهما، ومعنى (لبيك) أي: أقمت على طاعتك وإجابتك، إقامة بعد إقامة، وإجابة بعد إجابة، والتثنية للتكثيف، كقوله تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك:4]، فإن التثنية في كلام العرب ترد ويراد بها مطلق التكثيف لا العدد نفسه.

وكذلك (سعديك) معناها: إسعاد بعد إسعاد، يعني: إعانة بعد إعانة، فهو يطلب من الله عز وجل العون والإسعاد على ما هو بصدده.

(فينادي -والمنادي هو الله جل وعلا- بصوت)، وهذا لفظ نبوي فيه إثبات النداء بصوت، وقوله: (بصوت) هذا تأكيد للنداء، وإلا فإن أهل اللغة مجمعون على أنه لا يكون نداء إلا بصوت رفيع؛ ولذلك لا حاجة إلى أن نقول: الذي يدل على إثبات الصوت هو قوله: (بصوت) ولا شك أنه إثبات ومستند، ولكن نقول: لو لم يرد إلا النداء مستقلاً لأفاد إثبات الصوت لكلامه سبحانه وتعالى، وقد ورد النداء في القرآن في أكثر من عشرين موضعاً كما تقدم في الآيات.

(فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) قد يقول قائل: إن المنادي هنا غير الله بقرينة قوله: ( إن الله يأمرك ) ولكن هذا مصروف ومردود بأن يقال: إن ذكر لفظ الجلالة وذكر اسم الله سبحانه وتعالى في الأمر يكون لتأكيد الأمر ولزومه وإثباته.

(فينادي -الفعل مضاف إلى الله عز وجل لأنه لم يذكر غيره في السياق- بصوت: إن الله يأمرك) تأكيداً للأمر، فذكر لفظ الجلالة -اسم الله سبحانه وتعالى- في ثنايا الأمر تأكيداً له وإلزاماً به.

(إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) -نعوذ بالله منها- وهذا يثبت هذه الصفة لله عز وجل في موضعين:

الأول: في قوله: (يقول الله تعالى).

والثاني: في قوله: (فينادي بصوت).

قال: (وقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه) ). (ما) نافية تفيد العموم، والكاف في قوله: (منكم) كاف الخطاب، فمن المخاطب؟

قيل: المخاطب هم أهل الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الصحابة.

وقيل: إن المخاطب هو جنس الإنسان، فكلٌ سيكلمه الله سبحانه وتعالى من كافر ومسلم: (ما منكم من أحد) وأكد العموم بـ (من ) التي هي نص في العموم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه)، والكلام إنما يفهم ويعرف باللفظ، فليس الكلام هنا كلاماً معنوياً كما تقول الأشاعرة، إنما هو كلام بحرف وصوت، وهذا الكلام قد وقِّت بظرف وهو يوم البعث، فدل ذلك على أنه كلام متعلق بمشيئته وإرادته.

وهذا يدل على أن صفة الكلام صفة ذاتية فعلية، فهي ذاتية باعتبار أصل اتصاف الله عز وجل بهذه الصفة، فإنه لم يزل ولا يزال متصفاً بهذه الصفة، وفعلية باعتبار أفراد ما يتكلم به جل وعلا، فتكليمه للعباد يوم البعث متعلق بمشيئته، وهذا دليل على أن الكلام صفة فعلية، كما أنه صفة ذاتية له سبحانه وتعالى.

قوله: (سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) الترجمان هو: المفسر، أي: ليس بينه وبين الله عز وجل مفسر يبين الكلام ويوضحه، وهذا النفي فائدته تحقق التكليف، وأنه من الله مباشرة، ليس هناك بينه وبينه وسيط، هذا فائدة التأكيد في قوله: (ليس بينه وبينه ترجمان)، وهذا فيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وسيأتي مزيد بحث في هذه الصفة في كلام المصنف رحمه الله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الواسطية [16] 2359 استماع
شرح العقيدة الواسطية [3] 2196 استماع
شرح العقيدة الواسطية [21] 2139 استماع
شرح العقيدة الواسطية [6] 1990 استماع
شرح العقيدة الواسطية [25] 1912 استماع
شرح العقيدة الواسطية [2] 1901 استماع
شرح العقيدة الواسطية [18] 1865 استماع
شرح العقيدة الواسطية [24] 1823 استماع
شرح العقيدة الواسطية [19] 1743 استماع
شرح العقيدة الواسطية [15] 1738 استماع