شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الجنائز


الحلقة مفرغة

هذا يوم الأربعاء الذي يوافق الأول من شهر ربيع الأول من سنة: (1414هـ)، وهو آخر أيام هذه الدورة الصيفية المباركة، وبه نأتي على آخر كتاب في الصلاة، وهو كتاب الجنائز.

وسوف نمر سريعاً على الموضوع؛ نظراً لطوله وتشعب مباحثه.

المسألة الأولى: قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب: الجنائز ].

الجنائز: جمع جنازة بفتح الجيم أو بكسرها، يقال: جِنازة إذا كانت على الأرض، فإذا رفعت على النعش قيل لها: جَنازة.

والمقصود بهذا الباب ما يتعلق بالجنائز من الأحكام، سواء في ذلك غسلها، أو الصلاة عليها، أو دفنها أو ما يخص ذلك من الأحكام، وقد شرع الله تبارك وتعالى للمسلمين هذه الأحكام المتعلقة بالجنازة وفعلها المسلمون من زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وجرت عادة الفقهاء أنهم يسبقون الحديث عن الجنائز بمسائل نعرض لها عرضاً خاطفاً، منها:

المرض سنة الله تعالى الكونية القدرية في عباده، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي كما في قوله: ( تداووا، ولا تداووا بحرام ). فذهب بعض أهل العلم إلى وجوب التداوي، وذهب الأكثرون إلى أن ذلك غير واجب، وإنما اختلفوا: هل هو الأفضل أم الأفضل تركه؟

والذي يظهر أن هذا يختلف بحسب الأحوال والأشخاص والمقامات والله تعالى أعلم، ولكن مما ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز التداوي بحرام، كشرب الخمر مثلاً، أو شرب الدم، أو أكل الميتة، أو الخنزير.. أو ما أشبه ذلك، فإن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها.

ثم إن مما يتعلق بذلك أيضاً الوصية، والله تعالى أمر بها: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ [البقرة:180].. الآية.

ومنها أخذت جماعة من أهل العلم كـالطبري وأهل الظاهر وغيرهم القول بوجوب الوصية على كل إنسان، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في حديث ابن عمر وهو في الصحيح-: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي به، يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة )، وهو دليل على تأكد الوصية في حق من له شيء يريد أن يوصي به، فيوصي أهله وأولاده بطاعة الله تعالى وتقواه ومراقبته، ويوصي بما له وما عليه من الأشياء.

هذا يكون لكل إنسان، حتى ولو كان صحيحاً شحيحاً، فإن الموت قد يأتي بغتة.

ثم إذا حضره الموت ينبغي أن يلقن، يلقن عند موته، شهادة أن لا إله إلا الله، وهذه سنة جارية عند المسلمين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يلقن الميت لا إله إلا الله: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) والحديث في الصحيح، جاء في رواية: ( فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ).

والمسألة الثانية: قال: [ إذا تيقن موته غمضت عيناه ] إذا تيقن موت المريض أو المحتضر غمضت عيناه.

وقد جاء في هذا أحاديث منها: حديث أم سلمة، وهو في صحيح مسلم في موت أبي سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حضره، فلما رأى عينيه شاخصتين قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، ثم أغمض النبي صلى الله عليه وسلم عينيه ) فكان ذلك سنة، وقد جاء فيه حديث قولي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بذلك، كما في حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح )، ولأن ذلك أبعد عن قبح المنظر.

وقوله: [ وشد لحياه ]، أي: بخرقة أو خيط أو نحوها إلى رأسه أو عصابة؛ وذلك لئلا ينفتح فمه ويقبح منظره، ويدخل فيه الماء عند غسله، وهذا لم يرد فيه شيء بخصوصه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه أمر حسن لا يقال بأنه سنة، إنما هو عمل حسن.

[ وجعل على بطنه مرآة أو غيرها ]، يعني: شيء ثقيل؛ لئلا ينتفخ بطنه ويقبح منظره بذلك أيضاً، وهو الآخر ليس فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه من الأعمال الحسنة العادية التي لا يقال بأنها مشروعة أو مستحبة.

المسألة الثالثة: [ فإذا أخذ في غسله سترت عورته ] وذلك لأن ستر العورة واجب في الحياة وبعد الممات، وكل النصوص الواردة في وجوب ستر العورة وإخفائها، فإنها عامة للإنسان في حياته وبعد مماته؛ ولهذا لما مات النبي صلى الله عليه وسلم سجي ببرد حبرة، كما في الصحيحين.

قال: [ ثم يعصر بطنه ]، أي: أنه يعصر بطنه بيده عصراً رفيقاً خفيفاً حتى يخرج ما في بطنه من الأذى؛ لئلا يخرج بعد ذلك فيلوث الكفن ويؤثر فيه ويفسده.

قال: [ ثم يلف على يده الخرقة فينجيه بها ]، أي: أن الغاسل يضع على يده الخرقة فينجيه أي: يغسل موضع النجاسة بيده ويصب عليه الماء؛ وذلك لأنه لا ينبغي له أن يباشر ذلك بيده، ولا أن يمس عورته، ولا أن ينظر إليها، فإن ذلك الأصل أنه كله محرم في حال الموت، كما هو محرم في حال الحياة.

وقد جاء ما يدل على أن الحي والميت سواء، كما في حديث: ( كسر عظم المسلم ميتاً ككسره حياً )، والحديث عند أحمد وغيره، وسنده لا بأس به إن شاء الله تعالى.

الرابعة: قال: [ ثم يوضئه ]، أي: يوضئه كوضوئه للصلاة؛ ولذلك جاء في الحديث المتفق عليه عن أم عطية ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ولمن معها من النساء ومن يغسلن ابنته، قال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) والحديث متفق عليه.

فقوله: (ومواضع الوضوء منها)، هذا في مقام الوضوء لها، وكذلك نجد أن الحي إذا اغتسل فإنه يتوضأ قبل ذلك، على ما سبق تقريره في باب الغسل، فكذلك الميت ينبغي أن يوضأ قبل الغسل.

الخامسة: قال: [ ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر ] وذلك حتى تذهب الأدران والأوساخ عن الرأس واللحية؛ لأن العادة أن الشعر لا يخلو من شيء من ذلك، كما أن هذا أيضاً هو السنة في غسل الحي، فإنه يستحب له أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء ثلاثاً، كما سبق تقرير ذلك في باب الغسل.

السادسة: [ ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ].

البداءة بالأيمن ثم الأيسر فيها عموم حديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله ).

وأيضاً جاء في حديث أم عطية المتفق عليه في غسل ابنته رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ابدأن بميامنها ) جمع يمين، فيغسل اليمين ثم الشمال، اليدين وغيرهما، يبدأ بمواضع الوضوء كما سبق، ثم ينتقل إلى بقية البدن.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3985 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3924 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3852 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3844 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3670 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3623 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3611 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3549 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3513 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3442 استماع