خطب ومحاضرات
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - مقدمة
الحلقة مفرغة
الصلاة في اللغة: هي الدعاء، كما قال الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، أي: ادع لهم.
وقد جاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا جاءوه بزكواتهم وصدقاتهم دعا لهم، فجاءه
قال الأعشى عن الخمر:
وصهباء طاف يهوديها وأبرزها وعليها ختم
وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم
أي: دعا لها، دعا للخمر هذا اليهودي لما أصلحها، دعا لها ألا تفسد وألا يصيبها الضرر.
وكذلك يقول الأعشى :
تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليكِ مثل الذي صليتِ فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
قوله: (عليك مثل الذي صليت) يعني: لكِ من الدعوات مثل الذي دعوت به لي.
فالصلاة في اللغة: الدعاء.
أما في الشرع: فهي عبادة ذات أقوال وأعمال، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
المسألة الثانية: قال المصنف: [ روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ) ].
هذا الحديث رواه: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في كتاب الصلاة، وقال النووي رحمه الله: رواه الأربعة بأسانيد صحيحة. وإسناد الحديث صحيح كما ذكر الإمام النووي، فهو حديث محتج به، وهو دليل لما ذكره المصنف فيما بعد.
وأما عبادة بن الصامت : فهو الصحابي الجليل أحد النقباء الاثني عشر الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة .
المسألة الثالثة: قال المصنف: [ فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ، إلا الحائض والنفساء ].
أما وجوب الصلوات الخمس فهو إجماع، فقد أجمع العلماء وأجمعت الأمة كلها على وجوب الصلوات الخمس؛ وذلك لأن أدلة الوجوب قطعية لاشك فيها، فقد جاء ذلك في القرآن الكريم في عشرات المواضع: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43].
وجاء ذلك أيضاً في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها على سبيل المثال: حديث ابن عمر المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ).
وأجمع العلماء على أن الصلاة هي أحد أركان الإسلام، ووجوب الصلاة من الأمور القطعية التي تعلم بالضرورة من دين الإسلام بلا شك ولا خلاف.
[ واجبة على كل مسلم ].
فأما الكافر فهو يحاسب على تركها ولكنها لا تصح منه حتى يعترف بالإسلام، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن -كما في حديث ابن عباس المتفق عليه- قال: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ).
إذاً: الصلاة لا تصح من الكافر حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإلا فهو معاقب على تركها، قال الله تعالى: إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:39-43]، فعوقبوا بالنار على ترك الصلاة.
إذاً: الكافر لا تصح منه الصلاة ولكنه يعاقب على تركها؛ ولهذا قال: [ واجبة على كل مسلم ] هذا هو الشرط الأول.
[ عاقل ]، فأما المجنون لا تجب عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال -كما في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره وسنده صحيح-: ( رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق )، إذاً: العقل شرط لإيجاب سائر الأحكام.
الشرط الثالث: البلوغ، فإن غير البالغ يعد صبياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: ( والصبي حتى يبلغ )، أو: ( والصغير حتى يبلغ )، والبلوغ يعرف بعلامات:
أولها: إنبات الشعر في العانة.
الثاني: أن يبلغ خمسة عشر عاماً، كما عده عمر بن عبد العزيز وغيره من الفقهاء، اعتباراً بأن النبي صلى الله عليه وسلم رد عبد الله بن عمر عام أحد وقبله عام الأحزاب.
العلامة الثالثة: الاحتلام، أو إنزال المني، سواءً كان ذلك بيقظة أو بمنام.
الرابعة: الحيض.
إذاً: العلامات الأصلية أربع التي يعرف بها البلوغ.
أما غير البالغ فإنه يؤمر بالصلاة، ويحث عليها، ويؤدب عليها لكنها لا تجب عليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن بسند صحيح: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع )، فيؤمرون لسبع سنين، ويضربون عليها ضرباً غير مبرح لعشر سنين، لكن لا تجب إلا بالبلوغ، وقولنا: لا تجب إلا بالبلوغ فائدته: فيما لو أن إنساناً دخل في الصلاة وبلغ في أثنائها مثلاً، فهل تجزئه صلاته تلك أم يجب عليه إعادتها؟ طيب. إذا قلنا: إنه بلغ في أثناء الصلاة فمعنى ذلك: أن أول صلاته يعد نافلة؛ لأنها لم تجب عليه إلا بالبلوغ، فيجب عليه على هذا القول أن يستأنف الصلاة، فإذا قلنا: إن هذا الإنسان صلى كما أُمر، أوقع الصلاة بوقتها، بشروطها، وأركانها، وواجباتها، فيتجه حينئذ أن يقال: لا يجب عليه أن يستأنف الصلاة، ولا أن يعيدها، وإن كان أولها نافلة وآخرها فريضة؛ لأنه صلى كما أمر فلا إعادة عليه، وهذا هو المتجه.
قال: [ إلا الحائض والنفساء ].
أي: فلا تجب عليها الصلاة، ولا تصح منها كما سبق، وليس على الحائض والنفساء قضاء الصلاة بالإجماع.
المسألة الرابعة: قال المصنف: [ فمن جحد وجوبها لجهله عُرِّف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر ].
من جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، أي: إن كان ممن يجهل مثله، كما إذا نشأ في بادية بعيدة، أو كان في زمن الجهل والغفلة أو في مناطق بعيدة، أو كان حديث عهد بالإسلام، فمثل هذا يتوقع منه الجهل بوجوب الصلاة، ولهذا لا يتعجل بتكفيره حتى يُعرَّف ذلك، ويبين له أن الصلاة واجبة، وتساق له الأدلة، ويبين له إجماع المسلمين على وجوبها، وعلى كفر من لا يقر بالوجوب، فإذا عاند بعد ذلك وأصر على جحدها؛ فإنه يكفر كفراً اعتقادياً بالإجماع.
إذاً: من جحد وجوب الصلاة فإنه يعرف بالوجوب إذا كان مثله يجهله، فإذا أصر كفر، وهذا بإجماع أهل العلم حتى ولو صلى فإنه يكفر، فلو أن إنساناً يصلي الصلوات الخمس، لكنه يقول: أنا أصليها مع اعتقادي بعدم وجوبها؛ فإنه يكون كافراً كفراً اعتقادياً بإجماع المسلمين؛ لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، وعاند القرآن الكريم الذي أوجب الصلوات وتوعد تاركيها، وعاند السنة المتواترة القطعية قولاً وفعلاً التي تدل على وجوب الصلاة، وأنها من أركان الدين، وأن تاركها كافر، هذا فيما يتعلق بجحد الوجوب.
المسألة الخامسة: قال المصنف: [ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها إلا لناو جمعها أو مشتغل بشرطها].
أي: أن الصلاة إذا وجبت لا يحل لإنسان تأخيرها عن وقت الوجوب، يعني: عن وقتها.
[ إلا لناو جمعها ] يعني: من جاز له أن يجمع الصلاة مع الصلاة الأخرى، فإذا نوى أن يجمع الظهر مع العصر -مثلاً- جمع تأخير لسفر أو مرض أو عذر يبيح له الجمع؛ فإنه حينئذ يجوز له أن يؤخر الظهر إلى العصر، وكذلك المغرب مع العشاء، فمن نوى جمع صلاة المغرب مع العشاء جاز له أن يؤخر صلاة المغرب إلى العشاء بهذه النية إذا كان ممن يجوز له الجمع، هذا قوله: [إلا لناو جمعها].
[ أو مشتغل بشرطها ]، يعني: بشرط الصلاة، مثلما لو كان مشتغلاً بالوضوء أو بالغسل للصلاة، فحينئذ لا بأس ليس عليه إثم لو خرج الوقت وهو على هذه الحال، فلو فرضنا أن إنساناً لم يستيقظ إلا قبل طلوع الشمس بعشر دقائق، وعليه غسل ثم جلس يغتسل هذه المدة فلم ينته إلا بعدما طلعت الشمس، ولم يكن منه تفريط، فهل عليه إثم بذلك؟ هل عليه إثم؟ لا إثم عليه بهذا؛ لأن اشتغاله حينئذ كان بشرط الصلاة، فإن الطهارة -كما هو معلوم- هي أحد شروط الصلاة، فلا حرج عليه في هذا، أو لمشتغل بشرطها.
وقول المصنف: [ لا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها ] وقت الوجوب: هو وقت الصلاة، لكن مما ينبغي أن يعلم أن الوقت وقتان: وقت اختيار، ووقت اضطرار، هناك أوقات لها اختيار واضطرار، فمثلاً: صلاة الظهر ليس لها إلا وقت واحد وهو الاختيار، صلاة العصر لها وقتان: الأول: من دخول الوقت إلى اصفرار الشمس، هذا يسمى وقت اختيار، أي: أنه يجوز لكل إنسان أن يصلي في هذا الوقت من غير إثم. الثاني: يسمى وقت اضطرار يبدأ من اصفرار الشمس إلى غروبها، وهذا الوقت لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إليه إلا لضرورة، ومثله أيضاً: وقت صلاة العشاء، فإن من أهل العلم من يقول: العشاء ليس لها إلا وقت واحد ينتهي بانتصاف الليل، ومنهم من يقول: إلى نصف الليل هذا وقت الاختيار، أما ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر فهذا وقت الاضطرار، وهذا هو مذهب الجمهور، وهو الراجح، والأصح دليلاً إن شاء الله تعالى على ما سوف يأتي في باب المواقيت.
إذاً: قول المصنف: [ ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها ]، هل يقصد وقت الاختيار أو وقت الاضطرار؟
وقت الاختيار؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إلا لضرورة أو حاجة شديدة.
إذاً: هذا مما ينبغي أن يضاف إلى هذه المسألة، يعني: يجوز للإنسان أن يخرج الصلاة عن وقتها إذا نوى جمعها مع الأخرى، كجمع الظهر مع العصر أو جمع المغرب مع العشاء، ويجوز له أن يؤخرها من وقت الاختيار إلى وقت الاضطرار، هذا للضرورة كما بينا وهو يكون في صلوات قد لا تجمع، فقد يؤخر العصر إلى ما قبل غروب الشمس، مع أنه من المعروف أن العصر تجمع مع الظهر لكنها لا تجمع مع ما بعدها، وكذلك يؤخر العشاء إلى ما بعد نصف الليل، مع أنه من المعلوم أن العشاء تجمع مع ما قبلها، تجمع مع المغرب، لا تجمع مع ما بعدها وهي الفجر.
والدليل على أنه لا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها:
أولاً: قوله الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، قال كثير من المفسرين: إنهم لم يتركوها ولكنهم كانوا يؤخرونها عن وقتها، وجاء هذا عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما.
ومثله أيضاً من السنة: حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ( لما ناموا عن صلاة الفجر -وهو في صحيح
المسألة السادسة: قال: [ فإن تركها تهاونا بها استتيب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل ].
هذا في حكم من ترك الصلاة تهاوناً، وهل يقتل أو لا يقتل، ذكر المصنف رحمه الله: أنه يستتاب ثلاث أيام، فإن تاب فالحمد لله، وإلا قتل لترك الصلاة، وهذا هو أحد الأقوال في المسألة، وهو مذهب جمهور أهل العلم: أن تارك الصلاة يقتل، واستدلوا لقتله بأدلة كثيرة، منها قول الله عز وجل: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة:5] إلى قوله: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ [التوبة:5]، قال: فأمر بقتلهم إلى غاية وهي التوبة وإقام الصلاة.
وأما من السنة فقد استدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي سعيد - في قصة الرجل الذي قال: ( اعدل يا محمد! فاستأذن بعض الصحابة في قتله، فقال النبي صلى الله عليه آله وسلم: لعله أن يكون يصلي )، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في أئمة الجور لما قال بعض الصحابة: ( أفلا ننابذهم؟ أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا )، يعني: ما داموا يصلون فإنهم لا يقاتلون ولا يقتلون، وهو في الصحيح أيضاً، ومثله أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني نهيت عن قتل المصلين ).
فهذه الأدلة وغيرها استدل بها من قال بأن تارك الصلاة يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهو مذهب الإمام أحمد والشافعي وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أهل العلم.
وهناك قول لـأبي حنيفة : أنه لا يقتل، بل يحبس حتى يموت أو يصلي، القول الثاني: أنه لا يقتل بل يحبس حتى يموت أو يصلي، واستدل هؤلاء بالحديث الآخر، وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث خصال: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة )، فقالوا: إنه صرح بأنه لا يجوز قتل الإنسان إلا بأحد ثلاثة أمور، إما الردة عن الإسلام، أو القصاص، أو الزاني المحصن فإنه يقام عليه الحد، وما سوى ذلك فإن الأصل عصمة دم المسلم وماله، فقالوا: لا يقتل ولكن يحبس حتى يموت.
والقول الأول أقوى دليلاً لما سبق، ويمكن أن يلحق تارك الصلاة بالكلية الذي أصر على تركها مع الحبس والاستتابة والتهديد والبيان، يمكن أن يلحق بالتارك لدينه وهو الثالث في الحديث: ( التارك لدينه المفارق للجماعة )، هذه مسألة.
المسألة السابعة والأخيرة لم يذكرها المصنف، وهي مسألة مهمة: هل يكفر تارك الصلاة أو لا يكفر؟
وفي المسألة أقوال:
الأول: مذهب الجمهور من الخلف والسلف: أن تارك الصلاة لا يكفر، ولكنه يرتكب جرماً عظيماً وإثماً وحوباً بذلك، ولا يحكم بردته وخروجه من الإسلام، واستدل هؤلاء بأدلة كثيرة، منها الأحاديث الواردة في فضل الشهادتين، وأن من نطق بهما معتقداً فإنه يحقن بذلك دمه وماله، كما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة ).
ومثله: ( من شهد أن لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حقن دمه وماله )، إلى غير ذلك من النصوص التي جعلت الشهادتين عاصمة لدم الإنسان وماله ومدخلة له في الدين، فقال هؤلاء: كل هذه الأشياء تدل على أنه لا يكفر بترك الصلاة.
ومن ذلك أيضاً حديث عبادة بن الصامت الذي ذكره المصنف ورواه أهل السنن، وصححه النووي وغيره، فإن فيه: ( خمس صلوات في اليوم والليلة كتبهن الله على العباد، من حافظ عليهن كان له عهد عند الله، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له )، فقالوا: جعله تحت المشيئة، ولولا أنه لا يكفر لم يكن كذلك.
ومن أدلتهم ما رواه ابن ماجه بسند صحيح كما قال البوصيري وغيره، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يأتي على الناس زمان لا يدري أحدهم ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك، يقولون: لا إله إلا الله، فقال رجل لـ
القول الثاني: أن تارك الصلاة بالكلية كافر، واستدل هؤلاء بأدلة، منها أدلة من القرآن كما سلف: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة:5] إلى قوله: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، وفي الآية الأخرى قال: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، ومنها قولهم -كما قال الله تعالى-: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43].
أما من السنة فمن الأدلة قول النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم -: ( بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ).
و عند أصحاب السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، وإسناده صحيح .
ونقل هؤلاء إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة، كما روى الترمذي عن شقيق بن عبد الله رحمه الله أنه قال: [ لم يكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ]، فقالوا: هذا دليل على إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة.
القول الراجح في الحكم بكفر تارك الصلاة
أما من كان تاركاً للصلاة بالكلية لا يصلي مطلقاً في رمضان ولا في غيره ولا جمعة ولا جماعة ولا في مناسبات ولا في غيرها؛ فهذا لاشك في كفره، كونه مقاطعاً للصلاة، يعيش بين مسلمين مثلاً، وتأتي مناسبات وتأتي أحوال فلا يصلي، فإن مثل هذا الأقرب أنه كافر.
وهذا القول هو اختيار الإمام ابن تيمية رحمه الله كما نص عليه في مواضع كثيرة من الفتاوى، وهو الذي يتجه حمل كلام كثير من أهل العلم في تكفير تارك الصلاة عليه، وبعضهم قال: يكفر بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها، وبعضهم قالوا: يكفر بترك الصلاة وما يجمع إليها، فإذا مر وقت صلاة الظهر والعصر دون أن يصلي كفر، وإذا مر وقت صلاة المغرب والعشاء دون أن يصلي كفر، وإذا خرج وقت صلاة الفجر وطلعت الشمس دون أن يصلي كفر، وبعضهم قالوا: لابد من ثلاث صلوات، وبعضهم قالوا: أربع صلوات، وبعضهم قالوا: صلاة يوم وليلة، يعني خمس صلوات، وهذا كله ليس عليه دليل محدد، بل الأقرب هو ما ذكرته، وهو الذي عليه العمل من قبل المسلمين منذ فجر التاريخ إلى اليوم.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية | 3985 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 | 3924 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة | 3852 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض | 3844 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين | 3670 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 | 3623 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض | 3611 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع | 3549 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج | 3513 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها | 3442 استماع |