فقه العبادات [24]


الحلقة مفرغة

المقدم: في لقائنا هذا نود أن نعرف ما هي شروط الصلاة؟ وماذا يترتب عليها؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

شروط الصلاة ما يتوقف عليه صحة الصلاة؛ لأن الشرط في اللغة العلامة، كما قال الله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] ، أي: علاماتها.

والشرط في اصطلاح أهل الأصول: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.

الوقت

وشروط الصلاة عدة، أهمها: الوقت، كما قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103] ، ولهذا يسقط كثير من الواجبات مراعاةً للوقت، ويجب على الإنسان أن يحافظ على أن تكون الصلاة في وقتها، وأوقات الصلاة ذكرها الله تعالى مجملةً في كتابه، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مفصلةً في سنته، أما في الكتاب العزيز، فقال الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] ، فقوله تعالى: (لدلوك الشمس) أي: لزوالها، وقوله: (إلى غسق الليل) أي: انتصاف الليل؛ لأن أقوى غسق في الليل نصفه، وهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل على أوقات أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهذه الأوقات كلها متتالية ليس بينها فاصل، فوقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء كطوله، ووقت العصر من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس الوقت الاختياري، وإلى غروب الشمس الوقت الاضطراري، ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق وهو الحمرة التي تكون في الأفق بعد غروب الشمس، ووقت العشاء من هذا الوقت إلى منتصف الليل، هذه هي الأوقات الأربعة المتصلة بعضها ببعض، وأما من نصف الليل إلى طلوع الفجر فليس وقتاً لصلاة الفريضة، ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ ولهذا فصله الله تعالى عما قبله، قال: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]،ثم قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] ، والسنة جاءت مبينة لهذا على ما وصفته آنفاً.

هذه الأوقات التي فرضها الله على عباده لا يجوز للإنسان أن يقدم الصلاة عن وقتها، ولا يجوز أن يؤخرها عن وقتها، فإن قدمها عن وقتها ولو بقدر تكبيرة الإحرام لم تصح؛ لأنه يجب أن تكون الصلاة في نفس الوقت؛ لأن الوقت ظرف فلا بد أن يكون المظروف داخلاً، ومن أخر الصلاة عن وقتها فإن كان لعذرٍ من نومٍ أو نسيان أو نحوه فإنه يصليها إذا زال ذلك العذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك )، ثم تلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] ، وإن لم يكن له عذر فإن صلاته لا تصح، ولو صلى ألف مرة، فإذا ترك الإنسان الصلاة فلم يصلها في وقتها فإنها لا تنفعه ولا تبرأ بها ذمته إذا كان تركه إياها لغير عذر، ولو صلاها آلاف المرات، ودليل ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، ومن ترك الصلاة حتى خرج وقتها لغير عذر فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله، فتكون مردودةً عليه.

لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن وسع لهم فيما إذا كان لهم عذرٌ يشق عليهم أن يصلوا الصلاة في وقتها رخص لهم في الجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، فإذا شقّ على الإنسان أن يصلي كل صلاةٍ في وقتها من الصلاتين المجموعتين فإنه يجوز أن يجمع بينهما: إما جمع تقديم وإما جمع تأخير على حسب ما يتيسر له؛ لقول الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا مطر) ، فسئل ابن عباس عن ذلك يعني: لم صنع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.

ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا لحقه مشقة في ترك الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء فإنه يجوز له أن يجمع بينهما.

هذا الوقت أهم الشروط؛ ولهذا كان الوقت شرطاً وسبباً.

ستر العورة

ومن الشروط أيضاً: ستر العورة؛ لقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـجابر بن عبد الله في الثواب: (إن كان ضيقاً فاتزر به، وإن كان واسعاً فالتحف به) ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة : (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) وهذا يدل على أنه يجب على الإنسان أن يكون مستتراً في حال الصلاة، وقد نقل ابن عبد البر رحمه الله إجماع العلماء على ذلك، وأن من صلى عرياناً مع قدرته على التستر فإن صلاته لا تصح.

وفي هذا المجال قسم العلماء رحمهم الله العورة إلى ثلاثة أقسام: مخففة، ومغلظة، ومتوسطة، فالمغلظة عورة المرأة الحرة البالغة، قالوا: إن جميع بدنها عورة في الصلاة إلا وجهها، واختلفوا في الكفين والقدمين.

والمخففة عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين، فإن عورته الفرجان: القبل والدبر، فلا يجب عليه أن يستر فخذه؛ لأنه صغير.

والمتوسطة: ما عدا ذلك، قالوا: فالواجب فيها ستر ما بين السرة والركبة، فيدخل في ذلك الرجل البالغ عشراً فما فوق، ويدخل في ذلك المرأة التي لم تبلغ، ويدخل في ذلك الأمة المملوكة، ومع هذا فإننا نقول: المشهور في حق كل إنسان أن يأخذ زينته عند كل صلاة، وأن يلبس اللباس الكامل، لكن لو فرض أنه كان هناك خرق في ثوبه على ما يكون داخلاً ضمن العورة فإنه حينئذٍ يناقش فيه: هل تصح صلاته أو لا تصح؟

ثم إن المرأة إذا كان حولها رجال غير محارم فإنه يجب عليها أن تستر وجهها ولو في الصلاة؛ لأن المرأة لا يجوز لها كشف وجهها عند غير محارمها.

هذان الشرطان من شروط الصلاة.

المقدم: قبل أن نخرج من الشرط الثاني إذا كان فيه خرق لأنك قلت: يناقش فيه؟

الشيخ: إذا كان فيه خرق فإنه يناقش فيه، إذ إنه يفرق بين اليسير والكثير، ويفرق بين ما كان على ابتداء العورة المغلظة كالفرجين وما كان متطرفاً كالذي يكون في طرف الفخذ وما أشبه ذلك، أو يكون في الظهر من فوق الإليتين، أو في البطن من دون السرة وفوق السوأة.

المهم أن كل مكان له حظه من تغليظ العورة، ولعلّ سؤالك هذا أيضاً يجرنا إلى التنبيه على مسألة يفعلها بعض الناس أيام الصيف، حيث يلبس سراويل قصيرة، ثم يلبس فوقها ثوباً شفافاً يصف البشرة ويصلي، فهذا لا تصح صلاته؛ لأن السراويل القصيرة التي لا تستر ما بين السرة والركبة إذا لبس فوقها ثوباً خفيفاً يصف البشرة، فإنه لم يكن ساتراً لعورته التي يجب عليه أن يسترها في الصلاة، ومعنى قولنا: يصف البشرة، أي: يبين من ورائه لون الجلد: هل هو أحمر أو أسود أو بين ذلك؟ وليس معنى أن يبين حجم الجلد، فإن هذا لا يضر، وإن كان كلما كان أثخن فهو أفضل لكنه لا يضر؛ لأنه ليس بشفاف يرى من ورائه البشرة.

المقدم: كيف يكون حجم الجلد؟

الشيخ: يعني: مثلاً يوجد ثياب إذا كانت تحتها سراويل تعرف الفرق بين حد السروال من بقية الجلد، لكنه لا يتبين لك لون الجلد، فهذا تصح الصلاة معه لكن كلما كان أثخن فهو أفضل.