شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [60]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الصادقين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! المسألة الثامنة من مسائل بحثنا في العورات ما يتعلق بنظر غير أولي الإربة من الرجال إلى النساء، وفي الحديث أن مخنثاً كان يدخل على بيوت نبينا عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ويخالط أمهات المؤمنين حتى استبان أنه ليس بمخنث، وأنه يعلم ما عند النساء، ففصل وطرد، إذن كان يدخل.

والحديث ثابت في المسند والصحيحين وفي موطأ الإمام مالك وسنن أبي داود وابن ماجه من رواية أمنا الطيبة المباركة سيدتنا أم سلمة، وروي الحديث أيضاً في المسند وصحيح مسلم وسنن أبي داود والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية أمنا الصديقة المباركة عائشة ، وأمنا أم سلمة رضي الله عنهن أجمعين، قالت: كان مخنث يدخل على بيوت أزواج النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ويخالط النساء، قالت: كانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال، وهذا حكمه حكم المحارم يخالطهن؛ لأنه لا يعلم ما عند النساء ولا يشتهيهن ولا يكترث بهن، وهن لا يبالين به، حتى قال يوماً لـعبد الله بن أبي أمية، وهو أخ لأمنا أم سلمة، وهذا ثابت في الصحيح وفي مرسل محمد بن المنكدر، قال لـعبد الرحمن أخي أمنا عائشة، ولعله تكرر ذلك منه، قال لـعبد الله بن أبي أمية أخي أمنا أم سلمة في بيت أمنا أم سلمة، ثم في بيت أمنا عائشة قال هذا لـعبد الرحمن ، قال له: إن فتح الله عليكم الطائف فعليك بـابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان.

إذاً هذا يعرف وصف النساء، تقبل بأربع، أي: عكل بطنها من سمنها وكثرة الشحم عليها، وهذا من الصفات المرغوبة في المرأة، إلا الآن حين مسخت أذواقهم يريدونها نحيفة ضعيفة جلداً على عظم، لكن من الصفات المرغوبة في المرأة أن يكون بها الشحم، ولذلك لما ذهب تلميذٌ للإمام أحمد رضي الله عنه ليشتري له جارية قال: ليكن عليها لحم! فعندما تقول: تقبل بأربع وتدبر بثمان، يعني عكل بطنها وظهرها متعددة، وهذا لا يقوله إلا من يشتهي النساء ويعرف ما عندهن.

وورد في رواية الكلبي زيادة عما في الصحيح قال: لها ثغر كالأقحوان، يعني كالورد المعروف المشهور، وما بين رجليها مثل الإناء المكفوت، ثم قال له أيضاً: أعلاها قضيب، وأسفلها كثيب، يعني كأنها كومة رمل من سمنها وضخامة عجزتها، إن قعدت تثنت، وإن تكلمت تغنت، فقال له نبينا عليه الصلاة والسلام: (يا عدو الله! أراك تعرف ما ها هنا)، ثم أمر بنفيه من المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه.

الشاهد أنه كان يدخل على النساء، وهو من التابعين غير أولي الإربة من الرجال، كانوا يعدونه كذلك، ثم استبان أنه ليس بمخنث، وأن عنده تصنع بأخلاق النساء والتشبه بهن، لكنه في واقع الأمر يدرك ما عند النساء، ويتطلع إليهن، ويصف أمور الفتنة فيهن، فنفي بعد ذلك وطرد من البيوت، واحتاط النساء منه.

وفيما تبديه المرأة أمام هذا الصنف قولان: القول الأول أحوط، وهو أنها لا تبدي إلا الوجه والكفين، نعم تتخفف أمامهم فليس حالهم كحال الرجل الفحل، فهؤلاء يتبعون النساء دائماً للمساعدة، فلو أدخل الإنسان إلى بيته مغفلاً لا يختلط بالنساء، وبعضهم يأتي بكثرة بمثل هؤلاء لإطعام ومساعدة، فلو أن المرأة دخلت ووضعت الطعام متحجبة، لا جلباب عليها ولا عباءة، لكنها ساترة لابسة الطويل والشعر مستور، والوجه مكشوف واليدان كذلك، ووضعت الطعام، فهذا ما ينتبه للمرأة، ولا يفكر فيها، مع وجود الزوج أو الأخ أو الولد، أما أن تتوسع أكثر فيطلع على زينة خفية فلا، وما قرره أئمتنا لا نعترض على شيء منه، وإجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، والأثر يدل على ذلك، لكن لا يدل على سبيل الوجوب، فلا يجب على المرأة أن تكشف أمام غير أولي الإربة من الرجال كما تكشف أمام المحارم، بل هذا يدل على الترخيص، والأخذ بالاحتياط أحسن، والعلم عند الله جل وعلا.

والقصة كما ذكرنا رواها الكلبي والكلبي متروك، لكن الرواية ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء التاسع صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وانظر أصل الحديث في جامع الأصول في الجزء السادس صفحة ستين وستمائة، وهي رواية ضعيفة، ورواية الصحيحين فقط قال: ( تقبل بأربع وتدبر بثمان ) والزيادة لا محذور فيها على الإطلاق، فالذي يعرف الأربع ويعرف الثمان يعرف أن ثغرها أيضاً كالأقحوان، ويعرف غير ذلك، والأثر ضعيف؛ لأنه من طريق الكلبي، والكلبي معروف حاله، لكن يشهد له خبر الصحيحين، والخبر الأول كاف في الدلالة على أنه ليس من غير أولي الإربة من الرجال، والعلم عند الله جل وعلا.

المراد بالطفل

المسألة التاسعة: نظر الطفل، والطفل معناه في اللغة الولد ما دام ناعماً ولم يغلظ صوته، ولم تخرج له لحية وشارب، ويقع على المفرد والجمع كما قال الإمام الجوهري في صحاح اللغة، وقيل: أنه مفرد محلى بـ(ال) الجنسية فيعم كالدينار والدرهم، أهلك الناس الدينار الصفر، والدرهم البيض، والمراد من الدينار الدنانير، وقيل: إنه مفرد وضع موضع الجمع، فإما أن هذا اللفظ يقع على المفرد والجمع أصالة، أو أنه مفرد دخلت عليه (ال) الجنسية فأفاد العموم، أو أنه مفرد، لكن يوضع موضع الجمع، واستدل بقول الله جل وعلا: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [الحج:5] ، لكن الإمام سيبويه من علماء اللغة رد هذا وقال: ثم يخرج كل واحد منكم طفلاً، فليس مفرداً وضع موضع الجمع والعلم عند الله جل وعلا.

على كل حال ما الذي تحجبه وتستره المرأة من جسمها أمام الطفل؟ وما الذي يرخص لها أن تبديه؟

أحكام الطفل في النظر والعورات

الطفل له عدة أحوال:

أولها: ألا يبلغ إلى حد يحكي ما يراه ويستحضره ويذكره لغيره، أي: قبل سن التمييز، وقبل سن التمييز الإنسان لا يحكي ما يرى، وبعد أن يميز يحكي ما يرى، فيقول: والدي أحضر كذا، وعمل كذا، وذهب كذا، وأعطى لأخي ما أعطاني، أما قبل سن التمييز فلا يميز، ولا يحكي ما يرى، ولا يستحضر هذا ولا يذكره للناس ولا ينتبه له، ما يقع بحضرته لا يبالي به، فهذا غيبته كحضوره، فالمرأة لا تتحجب أمامه مطلقاً، وجوده وعدمه سواء، وسن التمييز في الغالب يبدأ من سن الرابعة، وهذا هو النوع الأول من الأطفال.

النوع الثاني: إذا بلغ السن التي يحكي فيها ما يرى، لكن ليس فيه ثوران الشهوة، وتشوف للنساء، هو يحكي ما يرى، لكن ليس عنده تمييز، فيعلم أن هذه تشتهى، وأن هذه جعلها الله لاتصال الرجل بها، ويعلم شهوتها، لا يعلم هذا على الإطلاق، إنما يحكي ما يرى، فيقول: فلان طويل وفلان قصير دون أن يذكر الأمور التي تغري الرجل، فهذا حكمه حكم المحارم عند أئمتنا، بلغ سن التمييز ولم يراهق، والمراهقة تبدأ في سن التاسعة والعاشرة، إذاً قبل التاسعة وبعد الثالثة بعد الرابعة، هذا في سن التمييز دون مراهقة، يحكي ما يرى، لكن لا يفهم أماكن الشهوة ومفاتن المرأة، فقط يعلم أن هذه امرأة لا رجل، هذه كبيرة عجوزة، هذه صغيرة، لكن الصفات الدقيقة لا يحكيها لغيره فلا يصفها لرجل فيقول: هذه شكلها كبير، وهذه تقبل بأربع وتدبر بثمان، هذه فيها علامات فارقة مغرية.

وحقيقة يختلف حال الناس في هذه المرحلة على حسب تفتحهم ومعايشتهم، فالجيل السابق الذي عشنا فيه الإنسان لو بلغ عشر سنين لا يعلم ما عند المرأة، وكنا ندرس في أولى متوسط.. أولى إعدادي ما يتعلق بأمر الحيض وبأمر النساء، ولا نتعلم يعلم الله إلا لنحفظ، لكن ما معنى الحيض؟ ما معنى النفاس؟ نشرحه فنقول: هو الدم الذي يخرج من فرج المرأة، كلام نحفظه فقط، ونأتي بعد ذلك في موضوع الكفارة في فقه السادة الحنفية، ومن جامع أو جومع في نهار رمضان عامداً فعليه القضاء والكفارة مثل المظاهر، أي: كفارة الظهار.

أذكر أن شيخنا الشيخ بدر رجب رحمه الله ورضي عنه، قرأها لنا ونحن في أولى إعدادي في عمر ثلاثة عشر أو أربعة عشر، بعد أن قرأها نظر إلينا وأستحضر يعلم الله حركاته واحدة واحدة، لكن ما وراءها ما أعلم، يقول: كيف سأشرح هذه العبارة أمام الطلاب، من جامع أو جومع، فعل أو فعل به عامداً في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة مثل المظاهر، ظل ساعة يشرحها وما أحد منا حقيقة يخطر بباله معنى جامع أو معنى جومع.

الإمام النووي عليه رحمة الله حفظ كتاب المهذب لـأبي إسحاق الشيرازي ، ومن نواقض الوضوء خروج ريح، يقول عن نفسه: فكنت أظن أن المراد من خروج الريح القرقرة التي في البطن، فكان باستمرار يتوضأ، ويشق عليه، ما يعلم ما المراد من هذا حتى وضح له الأمر، فهذا حال سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين.

على كل حال لا بد من هذا الضابط، وهو أنه يحكي ما يرى، لكن ليس عنده وعي بأمر النساء، فمتى ما وعى هذا فليس من الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، هذا طفل يظهر، فحكمه حكم الكبار.

إذاً عندنا طفل لم يظهر ولم يميز، فوجوده وعدمه سواء، حضوره كغيبته، وطفل يميز ولا يعلم ما عند المرأة، فهو كالمحارم.

وعليه فعلى المعتمد أن المرأة تستر ما بين السرة والركبة أمامه، ويجوز أن تبدي ما عدا هذا.

النوع الثالث: إذا راهق ودبت فيه الشهوة، ميز وبدأ يعلم ما عند المرأة مما يرغب فيه الرجال، فحكمه حكم الرجل البالغ تماماً من حيث نظره إلى المرأة، وما الذي ينبغي أن تستره المرأة أمامه.

حكم النظر إلى عورة الطفل

أما من حيث النظر إلى عورة الولد فلذلك تفصيل، فإذا كان صغيراً جداً أيضاً قبل سن التمييز فليس له عورة على الإطلاق، يعني لو بدت منه السوأتان لا حرج في ذلك وهو قبل سن التمييز، ثلاث سنين، أربع سنين، سنتين سنة.

الحالة الثانية: إذا ميز لكن لم يشته، ما وصل إلى حالة مراهقة وما يقاربها، فعورته دبر وقبل، يعني عمره ست سنين أو سبع سنين، يستر السوأتين، فإذا بدا بعد ذلك فخذه فلا يقال فخذه مثل الرجل، قال أئمتنا: ثم تغلظ، يعني كلما زاد بعد سن التمييز تغلظ السوأتان وما قاربهما إلى أن يصل إلى الحد الذي يشتهى فيه كابن التسع أو ابن عشر، فتصير عورته كعورة البالغ ينبغي أن يستر هذا المكان من السرة إلى الركبة، وإذا كانت جارية فتتحجب كما تتحجب المرأة، إذا بلغت تسع سنين أو عشر سنين وجب عليها الحجاب، لا يقال هذه لا تميز ما عند النساء، هذه لو تزوجت تنجب، فلا بد من ضبط هذا، وهكذا الرجل إذا بلغ عشر سنين صار يشتهي ويشتهى، يشتهى من قبل النساء ويشتهي هو النساء، فحكمه حكم الرجال يستر عورته.

مرة كنت في أبها وكان موضوع حديثنا حول الحجاب، فقال بعض جيراني الكرام لأحد أولاد القرية وكان تلك الأيام في ثالث ثانوي، عمره أقل شيء سبع عشرة سنة: هذا نعتبره بدراً يدخل على النساء، فليس في وجهه شعرة، قلت: هذا لو زوجته من قبل سنتين لكان عنده ولدان، هذا تستتر المرأة منه، ويستر هو أيضاً عورته.

إخوتي الكرام! هذا مقرر عند المذاهب، انظروا رد المحتار في الجزء السادس صفحة أربع وستين وثلاثمائة، وروضة الطالبين في الجزء الثاني صفحة اثنتين وعشرين، والمغني للإمام ابن قدامة في الجزء السابع صفحة اثنتين وستين وأربعمائة.

تقدم معنا أن الطفل إذا دبت فيه الشهوة وبدأ يعرف ما عند النساء أن المرأة تستتر أمامه، وأن حكمه حكم المحارم، وأما قبل التمييز فوجوده وعدمه سواء كأنه بهيمة في البيت، لا تحتجب أمامه، ولا حرج عليها أن تكون بأي شكل كان، وأما بالنسبة لعورته هو، فقبل سن التمييز لا عورة له، وإذا ميز فعورته قبل ودبر، ثم تغلظ العورة إلى أن يبلغ إلى سن المراهقة تسع أو عشر سنين، فيصير حكمه حكم الكبار يؤمر وليه بأن يلزمه بتغطية فخذيه؛ لأنه الآن لا يوجه إليه الخطاب، لكن الولي مأمور بأن يراقبه إذا كشف عن فخذه. وهكذا الجارية وليها المسئول عنها يحجبها في هذا الوقت، أما من ناحية جريان قلم التكليف، فإنه لا يجري عليه ولا يوجه إليه الخطاب إلا بعد بلوغه، فإذا كشف فلا إثم عليه، لكن وليه هو المطالب، ينبغي أن يراقبه وأن يلاحظه، وهكذا يلاحظ الجارية ويحجبها في هذا الوقت.

المسألة التاسعة: نظر الطفل، والطفل معناه في اللغة الولد ما دام ناعماً ولم يغلظ صوته، ولم تخرج له لحية وشارب، ويقع على المفرد والجمع كما قال الإمام الجوهري في صحاح اللغة، وقيل: أنه مفرد محلى بـ(ال) الجنسية فيعم كالدينار والدرهم، أهلك الناس الدينار الصفر، والدرهم البيض، والمراد من الدينار الدنانير، وقيل: إنه مفرد وضع موضع الجمع، فإما أن هذا اللفظ يقع على المفرد والجمع أصالة، أو أنه مفرد دخلت عليه (ال) الجنسية فأفاد العموم، أو أنه مفرد، لكن يوضع موضع الجمع، واستدل بقول الله جل وعلا: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [الحج:5] ، لكن الإمام سيبويه من علماء اللغة رد هذا وقال: ثم يخرج كل واحد منكم طفلاً، فليس مفرداً وضع موضع الجمع والعلم عند الله جل وعلا.

على كل حال ما الذي تحجبه وتستره المرأة من جسمها أمام الطفل؟ وما الذي يرخص لها أن تبديه؟