أرشيف المقالات

ليتك تصحو والأهل نيام

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
ليتك تصحو والأهل نيام

دع عنك دفء النوم في سرير الغفلة، اهجر قليلاً راحة الجسد لراحة التبصر، هي رحلة في محاسبة نفسك إن كنت فعلاً إنسانًا بإنسانية التناسي، لست أخشى عليك لا الأولى، ولا الثانية، ولا الثالثة.
 
ولكني في رفض قاطع للرابعة التي هي الغفلة، سأصحح تراتيب الجملة؛ لتصبح مثالاً منك في قمة المبدأ، هنا أصبحت أفهم الإطار الذي أنت فيه بضوابط الكلم، وبتراجم المفاهيم.
 
افتح نافذتك؛ لترحب بنسمات الريح الطيبة صباحًا بل فجرًا، أريد منك أن تستمتع بخلوة مع الله لا يرقبك فيها أحد إلا نفسك، ستستحضر الكثير من المواقف، ربما لقطة القبر وأنت في مقر سكنك الأبدي، ربما لحظة عجز وأنت في آخر محطة سِنِّكَ: الهَرَمِ، ربما في لحظة انكسار وأنت قابع في انكسار المرض، لن أكلفك ما لا تطيق، ولكن اقتنِعْ أنها مواقف قد تحدث لك حقيقة، أو أن بعضًا منها سيحدث لك عاجلاً أو آجلاً، منها لحظة فراق الدنيا.
 
وأنا أنقش لك أَحْرُف التذكير، أعتذر لو طال مني اللوم، ولكنْ عتابًا وتقصيرًا وتفريطًا بالقرب من الله حقيقة لا مفر منها، ليتك تسكن بالقرب من مساكن المرضى والفقراء، لن تشعر بتقصير في مرتبتك وسط خِلانك، وإنما سَتُحِس أنك في غاية البساطة، وأنت تنظر إلى من هم دونك، هم لن يعكسوا لك صورة الإعجاب بالنفس فيك؛ لأن التعفف يَلُفُّهُم دون السؤال حتى في لقمة عيش، هم تَرَبَّوْا وكبِروا على عدم التصريح بما يوجع البطن، أو ينقص الجيب، تخيَّل لو أن الزمان انقلب عليك، لستُ أتوقع السؤال لك، ولكن الاحتمال وارد في انقلاب الحال من حال لمآل قد نصطدم في تحويل وجهة الغنى لدينا إلى ما نملكه في لحظة ابتلاء، ومن يدري في لحظة بلاء، وعليك أن تُفَرق بين الاثنين إن كنت تفقه التفريق بينهما، لا إعجاب بعد اليوم بما تملكه في حقيقة وجودك في الدنيا، فأنت كلك مِلْك للواحد الأحد، مُودِع فيك أمانته، وموجدها، وآخذها، فلمَ السؤال عن نقصان عضو في الجسد، أو تعطل في حاسة من الحواس؟ كن للأرض رجلاً مسافرًا، أو عابر سبيل، وللدنيا ضيفًا خفيف الظل لا تدري إلى أين المبيت، وإن كان الصبح من نصيب يومك الجديد.
 
كم تبدو السخافة ساكنة في تلهف منا لرسم خريطة مشروع الحياة دون توقع لفشل المشروع! ليس يأسًا أو إحباطًا، بل التوكل على الله يقلل فينا التعلق بملذات الدنيا وكمالياتها؛ حتى نقدر على إسكات الجوع فينا بلقمة حلال شهية الذوق، فحتى البهارات فيها بسيطة بساطة المأكل.
 
زِنْ بقاموس الحكمة نصيبك من الحظ، ولا تركب أشكالاً هندسية لا المائل فيها ثابت، والملتوي فيها منكسر، فالكل على شاكلته في قوس قُزَح من الخطايا، ونحن لا ندري.
 
لكن، لَوِّن يومك بالزهد القليل؛ حتى لا تنتكس من أول صدمة فجأة، والفجأة للحوادث وقعة ندم من غير سكن للروح، لكن اهدأ وتدرب على الصدمة الأولى؛ لأنها الصبر كله.
 
سل أناسًا عاشوا عقودًا هل لهم سلوى بعيدًا عن كتاب الله؟ وسل أناسًا جمعوا أموالاً من كسب حرام هل كان لهم جَنْي دائم لثمار لم تكن بعَرَق جبين؟ ثم سل من جَرَوا وراء الدنيا، هي تفر بهم إلى حيث المهلك، هل كان لهم توفيق في سير الغفلة برًّا وأمانًا؟ لن أخشى على سؤالك، ولا بحثك في ألغاز الدنيا؛ لأن بصرك نَيِّر بترك الدنيا وحالها لأهلها من أرادوا فيها خلودًا، سأتركك تنام في وقت نومك على أن تصحو، ويا ليتك تصحو والناس نيام؛ لأن الدموع قد تنزل، وأنت تكره أن يراك واحد فيهم، ومن يعقل أنك في لحظة ندم، أو فرح، أو جنون، فكثيرة هي صحوةُ الليل من غير ذكر أو تهجد، تترك في القلوب حَيرة إن كان لك عقل يعي لماذا استيقظت؟ ومتى تعود للنوم؟ فإن وافق استيقاظك فجرًا، فأنت في أمان من العَتَه في السؤال، وإن لم يوافق ذلك، فالكل لك سائل لمَ تركت عز النوم لصحوةٍ غير مبررة المقاصد؟ فنصيحتي لك أن تصحو والناس نيام عندما تريد محاسبة نفسك، أما أنك صحوت للصلاة، فالمستحب أن توقظ الأهل في خيرك؛ ليتضاعف أجرك إلى أجرين، وفي الختام دعائي لك أن يجعلك الله من أهل الخير في النوم، ومن أهل العطاء في الاستيقاظ، دمت بخير، وعلى خير، ورزقك الله خاتمةً في خير.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١