شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [58]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! تقدم معنا أنه يجوز للزوجة وللسرية فقط لهذين الصنفين: أن ينظرا إلى عورة الزوج مطلقاً بشهوة وبغير شهوة، إلى الفخذين وإلى السوأتين، هذا يجوز مطلقاً، لا حرج فيه، فيجوز لهما النظر واللمس، وما شاكل هذا، وتقدم معنا أنه إن تعفف وأنهما لو تعففتا عن النظر إلى السوأتين لكان أولى، لكن لو فعلا لا يقال: إنهما ارتكبا إثماً ولا عصيا ربهما، على أن بعض أئمتنا يقول: إنه يباح له أن ينظر عند المباشرة من أجل تقوية الشهوة، لكن بعد ذلك لا داعي للنظر، وأنه فضول لا داعي له، من أجل ذلك يعد منظره سوأة؛ لأن الإنسان يستاء إذا رؤي، لكن إذا كانت بعض النفوس تميل إلى ذلك فلا حرج.

تزوج بعض إخواننا الكرام في هذه البلدة من فترة، ولا أريد أن أحددهم من أهلها أو من غيرها، دعوه في ستر الله، جاء يسأل وهو متحرج وخائف، وهو من أهل الخير، وكأنه يريد أن يضع عن عاتقه حملاً، يقول: إن زوجته تأنس إلى اللعب بعضوه باستمرار، حتى لو جلس يقرأ تريد أن تلعب بعضوه، فهل عليه حرج أو عليها حرج؟ حتى أنه قال: إنها وهي تأتي بوردها أو وهو يأتي بورده يقرأ القرآن وهي تلعب، فقلت: يا عبد الله من ناحية الجواز جائز ولا حرج، كونك تقرأ وهي تقضي شهوتها فلا بأس بهذا الأمر ولا حرج أحل الله ذلك، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، لكن أنا أرى أن تجعل الجد جداً، والمعاشرة معاشرة، واللعب لعباً، وتعطي كل ذي حق حقه، فمثلاً: تريد أن تقوم بوردك وأنت جالس تذكر الله جل وعلا، وهي تتلذذ وتقوم بهذه الشهوة المباحة، أخشى -وهذا قد يحصل في الغالب- أن تطغى بعد ذلك الشهوة على حلاوة الذكر والعبادة بحيث تصبح العبادة حركة مثالية، لا تتلذذ ولا تستحضر عظمة الله، فمن ناحية الجواز لا حرج، لكن لو تعففت عن هذا لكان أحسن، فقال: إنها تتلذذ وما تصبر، أكلمها أريد أن أقرأ تجلس بجواري وتمد يدها، قلت: لا حرج، اتركها، اتركها لا سيما في أول زواجها، والأمر إن شاء الله فيه سعة، وقد قال لي: إن الأمر أشكل علي وأنا متحرج، وحتى عندما يقول السؤال تنظر إلى وجهه صار كأنه أربعون لوناً من حيائه، فقلت: لا حرج يا أخي الكريم، لا حرج، من ناحية الجواز لا حرج إن شاء الله.

سئل الإمام أبو حنيفة كما في رد المحتار على الدر المختار عن رجل تمسك زوجته بعضوه ليقوم عليها، فقال: هذا أعظم لأجرها، يعني: لا حرج عليها، لكونها مسكت ذلك العضو وحركته لا حرج في ذلك، وهو ضمن دائرة الإباحة والحلال.

الحمد الله الذي شرع لنا ما نعف به أنفسنا، ونستغني به عما حرم علينا ربنا سبحانه وتعالى، فلا يفعل أولئك شيئاً إلا يفعله الإنسان لكن عن طريق الحلال بلا علانية ومجاهرة، وهذه فيها ستر، أما أنها تقضى تلك الشهوة كحالة البهائم في الأندية، وفي المقاهي، وفي الشوارع، هذا هو الامتهان والانحطاط، أما بين الإنسان وزوجه، هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، وقلت: ليس بعد هذه الدلالة دلالة، ولا يمنع الإنسان إلا من أمرين كما أشار إلى ذلك نبينا سيد الكونين عليه الصلاة والسلام: (اتق الحيضة والدبر)، وما عدا هذا ما يرتاح إليه الإنسان فهو حلال.

إذاً فخلاصة الأمر: يجوز للزوجة ويجوز للسرية أن تنظر إلى ذلك المكان من السرة إلى الركبة، ويجوز أن تمد اليد مطلقاً بشهوة وبغير شهوة كما تقدم معنا، أما غيرهما فلا يجوز له أن ينظر إلى ذلك المكان إلا لحاجة من غير شهوة، فإذا اضطر الإنسان إلى كشف الفخذ لعلاج جرح فيه، ولنفرض أن إنساناً احترقت ثيابه، وسقط مغمياً عليه، وجئت بعد ذلك تلبسه وتستره، فوقع نظرك على سوأته المغلظة على فخذيه، فلا حرج في ذلك، لكن إياك أن تشتهي في نفسك ما حرم الله عليك نحو هذا الإنسان، فهذا لا بد من وعيه، الزوجة والسرية يباح لهما النظر والاستعمال مطلقاً بشهوة وبغير شهوة، ما عداهما لا يباح له النظر إلا عند الحاجة بالشرط الأول من غير شهوة، والضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، وإذا ضاق الأمر اتسع ورحمة الله واسعة، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، هذا فيما يتعلق بعورة الرجل، وهو أحد القسمين عندنا.

المعتمد عند المذاهب الأربعة في حد عورة المرأة

القسم الثاني: عورة المرأة جميع بدنها عورة عند أئمتنا الأربعة، إلا الوجه والكفين، وحد الكفين إلى الكوعين، والمعتمد عندهم أنه يدخل في الكفين ظاهرهما وباطنهما، هذا هو المقرر عند المذاهب الأربعة وهي في الكتب الأربعة المتقدمة في المذاهب الأربعة التي ذكرتها في نفس المكان عند عورة الرجل، ويضاف إليها المغني الجزء الأول والجزء السابع صفحة ستين وأربعمائة، عند ذكر النظر إلى المرأة حال الخطبة وبين عورة المرأة، وما الذي يعد منها عورة وليس بعورة، وفي فتح القدير للـكمال بن الهمام في الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ومائتين، وتفسير الإمام القرطبي في الجزء السابع صفحة اثنتين وثمانين ومائة.

إذاً: كل المرأة عورة إلا الوجه والكفين، ولنمشي خطوة خطوة في مراحل البحث، فلا علاقة على الإطلاق بين كون الوجه ليس بعورة، وبين كونها يجوز لها أن تكشفه، أو يجوز لنا أن ننظر إليها، هذه ثلاث مسائل:

الأولى: هل هو عورة؟

الثانية: هل يجوز أن تكشفه؟

الثالثة: إن لم يكن الوجه عورة هل يجوز النظر إليه إذا كشف؟ هذه ثلاث مسائل، يأتينا الكلام عليها إن شاء الله.

إذاً المعتمد عند المذاهب الأربعة أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين، وحد الكفين إلى الكوعين، والمعتمد ظاهر الكفين وبطنهما.

قول آخر في حد عورة المرأة وأدلته

وذهب بعض أصحاب الإمام أحمد كما في المغني إلى أن جميع بدن المرأة عورة، والوجه والكفان كما هو الحال في بقية أجزاء جسمها، وبقية الأجزاء متفق عليها.

قال الإمام ابن قدامة في المغني: قال أبو بكر بن الحارث بن هشام : المرأة عورة كلها حتى ظفرها عورة، واستدل على ذلك بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة)، والحديث صحيح ثابت ثبوت الشمس في رابعة النهار، رواه الإمام الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو في جامع الأصول في الجزء السادس صفحة خمس وستين وستمائة، ورواه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان في الجزء السابع صفحة ست وأربعين وأربعمائة، وبوب عليه فقال: باب ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها؛ لأن ذلك خيرٌ لها عند ربها جل وعلا.

ورواه البزار ، وابن خزيمة في صحيحه في الجزء الثالث صفحة ثلاث وتسعين، والطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين بسند رجاله موثقون، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط كما في المجمع في الجزء الرابع صفحة أربعة عشر وثلاثمائة، ورجاله رجال الصحيح، والحديث حسنه الترمذي ، وهذا هو الموجود في نسخة الترمذي هذا حديث حسن غريب، لكن نقل المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني صفحة سبع وعشرين ومائتين عن نسخة عنده لسنن الترمذي، أن الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، فعندنا زيادة صحيح.

وكذلك قال صاحب كتاب العناية في شرح الهداية للمرغيناني في الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ومائتين نقل عن الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب، وكذلك فعل الإمام الزيلعي في نصب الراية في الجزء الأول صفحة ثمان وتسعين ومائتين: هذا حديث حسن صحيح غريب، والحديث في الدراية في الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين ومائة، والحديث سواء كان حسناً أو صحيحاً فهو ثابت حجة، ولفظه عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، عن نبينا المحبوب عليه الصلاة والسلام أنه قال: (المرأة عورة)، ولم يستثن شيئاً منها، (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)، إلى هنا رواية الترمذي .

الروايات الأخرى فيها زيادة وهي: (وإنها)، ولذلك ترجم الإمام ابن حبان فيما تقدم لهذه الزيادة، (وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها)، فقال: ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها؛ لأن ذلك خيراً لها عند ربها جل وعلا.

فقوله: (المرأة عورة، وإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها)، (استشرفها الشيطان) يعني: تطلع لها، ابتهج بها، احتفل، فإذا خرجت يتطلع إليها الشيطان من أجل أن يفتنها، وأن يفتن الناس بها، هذا هو معنى: (استشرفها الشيطان)؛ لأنها مصيدة من مصايده المحكمة، وهي شبكة من شباكه المبطلة، وهي سهمه الذي يضرب به فلا يخطئ، وما آيس الشيطان من أحد إلا أتاه من قبل النساء.

والحديث كما روي مرفوعاً عن نبينا عليه الصلاة والسلام روي أيضاً موقوفاً من كلام سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بسند صحيح وله حكم الرفع في معجم الطبراني الكبير كما في المجمع في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين بسند رجاله ثقات، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس، فيستشرفها الشيطان، فيقول: لا، إنك لا تمرين برجل إلا أعجبتيه، انتبهي الآن لك شأن.

وأخبرني بعض الإخوة في بعض البلاد: أن المرأة إذا خرجت من بيتها وعادت وما أحد تعرض لها، أو أسمعها كلاماً تتأثر وتقول عن نفسها إنها قبيحة، خرجت وعادت وما أحد قال لها: يا كذا، فهي تتضايق إذا ما أحد تعرض لها بسوء، اصطادها الشيطان وسيصيد بها، وفي البلاد العربية الغوية التي حصل فيها التهتك يرى الإنسان أحياناً ما لا يراه في حظيرة الدواب، من ميوعة وسقاطة وقلة حياء في الشوارع العامة، وهكذا أندية العراة، وهكذا مدن العراة، بعض المدن والأماكن في بعض البلاد لا يدخلها الإنسان إلا إذا كان عارياً كما ولد ليس عليه ما يستر العورة المغلظة، فيدخلوا جميعاً وكلهم عراة، الحمير لها ذنب يستر سوأتها، وهل شكل السوأتين محمود؟ كيف وصل الانحطاط البشري إلى هذا الحد، ونحن مقبلون على فصل الصيف الذي هو فصل جهنم نسأل الله العافية، الأرض تضج إلى الله في هذا الفصل من عتاة الأغنياء من المسلمين، يذهبون لبلاد أوروبا وبلاد الغرب يعبثون بالأعراض المحرمة من الذكور والإناث، نسأل الله اللطف والعافية بفضله ورحمته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إذاً سيستشرفها الشيطان فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال لها: أين تريدين؟ من القائل؟ إما الملائكة، والمعنى: أين ستذهبين يا أمة الله؟ بيتك خير لك وأفضل، وإما أن القائل بعض الإنس من أهلها من أصحابها ممن هو في البيت، فالمعنى: أين ستذهبين من البيت؟ وأين ستخرجين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازةً، أو أصلي في مسجد، أريد أن أذهب إلى مواطن الطاعة والبر، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها.

والحديث كما قلت في معجم الطبراني الكبير، ورواه الإمام ابن خزيمة في أوائل كتابه التوحيد في صفحة ثمان عشرة بنحو هذا اللفظ المتقدم موقوفاً على سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم.

قول ثابت في حد عورة المرأة

بعض العلماء ممن ينتمي إلى المذاهب الأربعة ذكر تفريقاً في عورة المرأة خلاصته: أن الوجه والكفان ليسا بعورة للمرأة في صلاتها، فإذا صلت فلها أن تكشف هذين العضوين، وهما عورة في حق نظر الرجال إليها، فينبغي أن تسترهما، إلى هذا ذهب الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وسيأتي قوله، وذهب إليه الصنعاني في كتابه سبل السلام في الجزء الأول صفحة ست وسبعين ومائة، قال: كلها عورة بالنظر إلى الأجنبي، ووجهها وكفاها ليسا بعورة بالنسبة إلى الصلاة.

والإمام ابن القيم يقرر هذا في كتابه إعلام الموقعين -بكسر الهمزة ويقال له: أعلام الموقعين بفتحها- كما تقدم معنا في الجزء الثاني صفحة واحدة وستين، يقول: العورة عورتان أي للمرأة: عورة في النظر، وعورة في الصلاة، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، هذا في إعلام الموقعين.

وقال في بدائع الفوائد في الجزء الثالث صفحة اثنتين وأربعين بعد المائة في موضوع ستر المرأة لوجهها وكفيها في الحج حالة الإحرام بغير البرقع والقفازين: وهذا مطلوب وواجب إذا كشفتهما فهي آثمة عاصية لله عز وجل بحضرة الرجال الأجانب، يقول عليه رحمة الله في تقرير هذا -وقد أفاض وأتى بما يشرح الصدر ويريح البال في هذه المسألة بقرابة صفحة ونصف في هذه المسألة-: أي نص اقتضى كشف وجه المرأة أو كفيها في حال الإحرام، أو أي مفهوم أو عموم أو قياس، أو أي مصلحة اقتضت ذلك؟ بل وجه المرأة في حال الإحرام كبدن الرجل، ستره بالمفصل بغير المخيط ممنوع محرم كالبرقع والقفازين، كما هو الحال للرجل، أنت عندما تحرم تغطي بدنك لكن بغير المفصل بغير المخيط الذي يحيط بالبدن، فلو جاز أن يلبس إزاراً مخيطاً وهو لا يجوز، لجاز له أن يلبس قميصاً مخيطاً وهو لا يجوز.

إذاً: وجه المرأة كبدن الرجل، لا تلبس اللباس الذي يفصل للوجه ويفصل لليدين كالقفازين والبرقع، وما عدا هذا فوجهها كبدن الرجل، كما أن الرجل لا يجوز له لبس المخيط، لكن يجب عليه ستر بدنه بغير المخيط المفصل على قدره، فهي كذلك تستر وجهها ويجب عليها ستره عن طريق السدل كما سيأتينا في الروايات ضمن بحثنا بعون الله وتوفيقه إن شاء الله.

إذاً عندنا الآن المعتمد أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما.

هناك قول ثان لبعض الحنابلة: كلها عورة، وهناك قول ثالث في المسألة لمن ينتمي إلى المذاهب الأربعة، قال: عورة المرأة عورتان: الأولى: عورة الصلاة وهي كلها عورة إلا الوجه والكفين، الثانية: عورة النظر، أي: في نظر الرجال الأجانب، كل هذا لا يجوز أن تكشف منه شيئاً، وذهب إلى هذا كما قلت ابن القيم ، والإمام الصنعاني عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.

القسم الثاني: عورة المرأة جميع بدنها عورة عند أئمتنا الأربعة، إلا الوجه والكفين، وحد الكفين إلى الكوعين، والمعتمد عندهم أنه يدخل في الكفين ظاهرهما وباطنهما، هذا هو المقرر عند المذاهب الأربعة وهي في الكتب الأربعة المتقدمة في المذاهب الأربعة التي ذكرتها في نفس المكان عند عورة الرجل، ويضاف إليها المغني الجزء الأول والجزء السابع صفحة ستين وأربعمائة، عند ذكر النظر إلى المرأة حال الخطبة وبين عورة المرأة، وما الذي يعد منها عورة وليس بعورة، وفي فتح القدير للـكمال بن الهمام في الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ومائتين، وتفسير الإمام القرطبي في الجزء السابع صفحة اثنتين وثمانين ومائة.

إذاً: كل المرأة عورة إلا الوجه والكفين، ولنمشي خطوة خطوة في مراحل البحث، فلا علاقة على الإطلاق بين كون الوجه ليس بعورة، وبين كونها يجوز لها أن تكشفه، أو يجوز لنا أن ننظر إليها، هذه ثلاث مسائل:

الأولى: هل هو عورة؟

الثانية: هل يجوز أن تكشفه؟

الثالثة: إن لم يكن الوجه عورة هل يجوز النظر إليه إذا كشف؟ هذه ثلاث مسائل، يأتينا الكلام عليها إن شاء الله.

إذاً المعتمد عند المذاهب الأربعة أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين، وحد الكفين إلى الكوعين، والمعتمد ظاهر الكفين وبطنهما.

وذهب بعض أصحاب الإمام أحمد كما في المغني إلى أن جميع بدن المرأة عورة، والوجه والكفان كما هو الحال في بقية أجزاء جسمها، وبقية الأجزاء متفق عليها.

قال الإمام ابن قدامة في المغني: قال أبو بكر بن الحارث بن هشام : المرأة عورة كلها حتى ظفرها عورة، واستدل على ذلك بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة)، والحديث صحيح ثابت ثبوت الشمس في رابعة النهار، رواه الإمام الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو في جامع الأصول في الجزء السادس صفحة خمس وستين وستمائة، ورواه ابن حبان في صحيحه كما في الإحسان في الجزء السابع صفحة ست وأربعين وأربعمائة، وبوب عليه فقال: باب ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها؛ لأن ذلك خيرٌ لها عند ربها جل وعلا.

ورواه البزار ، وابن خزيمة في صحيحه في الجزء الثالث صفحة ثلاث وتسعين، والطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين بسند رجاله موثقون، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط كما في المجمع في الجزء الرابع صفحة أربعة عشر وثلاثمائة، ورجاله رجال الصحيح، والحديث حسنه الترمذي ، وهذا هو الموجود في نسخة الترمذي هذا حديث حسن غريب، لكن نقل المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثاني صفحة سبع وعشرين ومائتين عن نسخة عنده لسنن الترمذي، أن الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، فعندنا زيادة صحيح.

وكذلك قال صاحب كتاب العناية في شرح الهداية للمرغيناني في الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ومائتين نقل عن الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب، وكذلك فعل الإمام الزيلعي في نصب الراية في الجزء الأول صفحة ثمان وتسعين ومائتين: هذا حديث حسن صحيح غريب، والحديث في الدراية في الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين ومائة، والحديث سواء كان حسناً أو صحيحاً فهو ثابت حجة، ولفظه عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، عن نبينا المحبوب عليه الصلاة والسلام أنه قال: (المرأة عورة)، ولم يستثن شيئاً منها، (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)، إلى هنا رواية الترمذي .

الروايات الأخرى فيها زيادة وهي: (وإنها)، ولذلك ترجم الإمام ابن حبان فيما تقدم لهذه الزيادة، (وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها)، فقال: ذكر الأمر للمرأة بلزوم قعر بيتها؛ لأن ذلك خيراً لها عند ربها جل وعلا.

فقوله: (المرأة عورة، وإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها)، (استشرفها الشيطان) يعني: تطلع لها، ابتهج بها، احتفل، فإذا خرجت يتطلع إليها الشيطان من أجل أن يفتنها، وأن يفتن الناس بها، هذا هو معنى: (استشرفها الشيطان)؛ لأنها مصيدة من مصايده المحكمة، وهي شبكة من شباكه المبطلة، وهي سهمه الذي يضرب به فلا يخطئ، وما آيس الشيطان من أحد إلا أتاه من قبل النساء.

والحديث كما روي مرفوعاً عن نبينا عليه الصلاة والسلام روي أيضاً موقوفاً من كلام سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بسند صحيح وله حكم الرفع في معجم الطبراني الكبير كما في المجمع في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين بسند رجاله ثقات، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس، فيستشرفها الشيطان، فيقول: لا، إنك لا تمرين برجل إلا أعجبتيه، انتبهي الآن لك شأن.

وأخبرني بعض الإخوة في بعض البلاد: أن المرأة إذا خرجت من بيتها وعادت وما أحد تعرض لها، أو أسمعها كلاماً تتأثر وتقول عن نفسها إنها قبيحة، خرجت وعادت وما أحد قال لها: يا كذا، فهي تتضايق إذا ما أحد تعرض لها بسوء، اصطادها الشيطان وسيصيد بها، وفي البلاد العربية الغوية التي حصل فيها التهتك يرى الإنسان أحياناً ما لا يراه في حظيرة الدواب، من ميوعة وسقاطة وقلة حياء في الشوارع العامة، وهكذا أندية العراة، وهكذا مدن العراة، بعض المدن والأماكن في بعض البلاد لا يدخلها الإنسان إلا إذا كان عارياً كما ولد ليس عليه ما يستر العورة المغلظة، فيدخلوا جميعاً وكلهم عراة، الحمير لها ذنب يستر سوأتها، وهل شكل السوأتين محمود؟ كيف وصل الانحطاط البشري إلى هذا الحد، ونحن مقبلون على فصل الصيف الذي هو فصل جهنم نسأل الله العافية، الأرض تضج إلى الله في هذا الفصل من عتاة الأغنياء من المسلمين، يذهبون لبلاد أوروبا وبلاد الغرب يعبثون بالأعراض المحرمة من الذكور والإناث، نسأل الله اللطف والعافية بفضله ورحمته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إذاً سيستشرفها الشيطان فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال لها: أين تريدين؟ من القائل؟ إما الملائكة، والمعنى: أين ستذهبين يا أمة الله؟ بيتك خير لك وأفضل، وإما أن القائل بعض الإنس من أهلها من أصحابها ممن هو في البيت، فالمعنى: أين ستذهبين من البيت؟ وأين ستخرجين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازةً، أو أصلي في مسجد، أريد أن أذهب إلى مواطن الطاعة والبر، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها.

والحديث كما قلت في معجم الطبراني الكبير، ورواه الإمام ابن خزيمة في أوائل كتابه التوحيد في صفحة ثمان عشرة بنحو هذا اللفظ المتقدم موقوفاً على سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم.