خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8330"> شرح مقدمة الترمذي
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [45]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا, وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فما زلنا نتدارس تحصن الإنسان من الجان، فتقدم معنا أن لذلك طرقاً كثيرة متعددة، وهي على كثرتها يمكن أن نجمعها في أمرين اثنين: أولها من باب التخلية. وثانيها: من باب التحلية، فإذا اتصف الإنسان بهذين الأمرين فتخلى عن بعض الأمور, وتحلى ببعض الأمور، فإنه يحفظ من كيد الشيطان الغرور.
والأمور التي هي من باب التروك، ومن باب الاجتناب، ومن باب التخلية تقدم معنا أنها سبعة ينبغي للإنسان أن بيتعد عنها.
أولها: الخطرات، فإياكم من الخطرات الخبيثة، ويليها -كما تقدم معنا- اللحظات، ثم اللفظات, ثم الخطوات, ثم ينبغي أن يحفظ الأذن، ثم البطن ثم الفرج.
فهذه أمور ينبغي أن تصونها عن كل دنس وشائب, فإذا صنتها فقد حصنت نفسك، وتخليت عما ينبغي أن تتخلى عنه، ثم تتحلى بثمانية أمور، وقلت: هذه السبعة مع الثمانية هي بمجموع عدد أبواب النار وأبواب الجنة، فأبواب النار سبعة فتخلى عن سبع من أمهات القبائح، وجميع الرذائل بعد ذلك فروع لهذه الأمهات السبع، فهكذا الفضائل -كما تقدم معنا- ثمانية ينبغي أن تقوم بها.
أولها قلنا: أن نكثر الاستعاذة بالرحمن من الشيطان.
وثانيها: أن نداوم على قراءة القرآن.
وثالثها: أن نحصن أنفسنا بذكر الرحمن.
ورابعها: أن نكثر من الصلاة والسلام على نبينا خير الأنام، عليه الصلاة والسلام.
وخامسها: أن نحافظ عن الطهارة فهو سلاح المؤمنين.
وسادسها: أن نكون مع جماعة المؤمنين: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
وسابعها: أن نكثر من الصوم.
وثامنها: أن نحرص على دروس العلم.
فهذه الأمور الثمانية مع السبعة، من قام بها فقد حصن نفسه من الجن.
وأيضاً تدارسنا الأمر الثالث, ألا وهو حفظ اللفظات، فينبغي للإنسان أن يضبط ألفاظه: فـ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] , وقد ذكرت كثيراً من الألفاظ الثابتة عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام التي تأمرنا بضبط اللسان، وبينت أن الصمت كلام: (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمُت) ( أو ليصمِت ) بالضم والكسر كما تقدم معنا.
وسأختم الكلام عن هذا بحديث جامع, وأذكر ما يتعلق به إن شاء الله، وقلت: أن حديث معاذ رضي الله عنه وأرضاه، جامع لأمهات الأعمال والأقوال.
وفيه أيضاً: بيان خطر اللسان, وما يترتب عليه من وزر وآفة، وهذا حديث جميل جميل، ينبغي أن نحفظه، وأن نحفظه أهلنا وأولادنا.
تخريج روايات حديث معاذ: (كف عليك هذا)
ورواه الإمام الحاكم في المستدرك في عدة أماكن من المستدرك, رواه في الجزء الثاني صفحة ست وسبعين، وتسع وثمانين، ورواه بعد ذلك مطولاً كما سأذكر في صفحة 413 من الجزء الثاني في تفسير سورة السجدة من كتاب التفسير، ثم رواه في كتاب الأدب في الجزء الرابع صفحة 286 لحكمة استنبطها تتعلق بأدب رفيع ينبغي أن يحرص الإنسان عليه، وسأذكر هذه الحكمة وتنبيه الحاكم عليها عند سرد لفظ الحديث إن شاء الله.
والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود في الجزء الثامن صفحة تسع وعشرين وصفحة 64.
وقد روى بعضه الإمام ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت صفحة 38، كما رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان, وفي آخره زيادة ينبه عليها، وقد عزا الحديث إليهما الإمام السيوطي في جمع الجوامع في الجزء الأول صفحة 674.
ولفظ الحديث عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه) , وفي بعض روايات الحاكم في المستدرك يبين أن هذا السفر كان في غزوة تبوك، وأن الصحابة تفرقوا عن النبي عليه الصلاة والسلام من شدة الحر في الطريق، فأسرع معاذ رضي الله عنه, والتصق بحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام وسأله ما ستسمعون, ولذلك قال: فأصبحت يوماً قريباً منه، أي بعد أن تفرق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
روايات وفوائد من حديث معاذ
وفي بعض روايات الحديث كما في المستدرك أن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه وأرضاه عندما اقترب من حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام قال له: (يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتأذن لي أن أتقدم إليك على نفس طيبة؟) يعني: الآن الصحابة تفرقوا, وأنا الآن صرت قريباً منك، أريد أن أتقدم حتى تلاصق بشرتي بشرتك, ونفسك طيبة، يعني: لا تجد علي، قال له: تقدم.
هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام ليس معه الحراس, وليس معه من يقول: إليك إليك! ولا يطرد أحداً عليه الصلاة والسلام, لا في حجه ولا في ذهابه إلى السوق، ولا في غير ذلك بل كان إذا جاء الغريب لا يميزه من بين أصحابه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
قال: (أتأذن لي أن أتقدم إليك على نفس طيبة يا رسول الله؟ فأذن له نبينا عليه الصلاة والسلام. فقال له
قال الإمام الحاكم -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا-: الغرض من إخراج هذا الحديث في هذا الموضع إباحة دعاء المتعلم لعالمه الذي يقتبس منه أن يجعل الله منيته قبل عالمه، يعني: هذا أورده في كتاب الأدب، ونسأل الله أن نموت قبل أن تموت، وليس هذا من باب الاعتراض على قدر رب العباد، إنما -كما قلت- من باب: إظهار المحبة من شيخه، وأن ما قدِّر لا بد من وقوعه، وإنما كان يخبر عن مدى تعلقه، وأن الحياة بعده لا تصلح لشيء، هكذا معنى الأثر.
ولذلك قال الحاكم -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا-: الغرض من إخراجه في هذا الموضع إباحة دعاء المتعلم لعالمه الذي يقتبس منه أن يجعل الله منيته قبل عالمه, ثم قال: فإني قد قدمت قبل هذا أخباراً صحيحة في إباحة قول الناس بعضهم لبعض: جعلني الله فداك.
وهذه الأخبار قد قدمها الحاكم قبل هذا بأربع صفحات، كما في الجزء الرابع صفحة 286، وأما الأخبار في صفحة 280 من نفس الجزء في كتاب الأدب، فإنه يقول: في هذه الآثار لا بأس على قول بعضهم لبعض: نفسي ومالي لك فداء، أي: جعلت فداك، أي فديتك، كما يشهده بعد أن أورد آثاراً كثيرة، منها ما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه, عندما جلس نبينا عليه الصلاة والسلام على المنبر فقال: (إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله، فبكى سيدنا
وأنا لا أريد أن أسترسل الآن في سبب هذه الروايات، إنما هنا أورد كلام الإمام الحاكم عن هذا الحديث في كتاب الأدب؛ لأن فيه هذه الدلالة بين النصوص دون سائر الروايات، ولذلك هنا قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! نسأل الله أن يجعل يومنا قبل يومك, ثم سأله السؤال الذي تقدم: (أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت).
وهذه هي أمور الإسلام الخمسة وهي: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً بمعنى: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أن نعبد الله كما شرع، ولا نشرك به شيئاً وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، فهذا الذي يدخلك الجنة ويباعدك من النار.
ثم قال له نبينا المختار صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير؟) أي: أنت فتحت الآن الطريق، واقتربت مني، وأظهرت التعلق والمحبة، فأنا سأرشدك على خيرات فاحرص عليها: (ألا أدلك على أبواب الخير؟ فقال سيدنا
وفي بعض الروايات في المستدرك للإمام الحاكم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: (إن شئت أنبأتك بأبواب الجنة، ألا أدلك على أبواب الخير، قال: بلى، فقال له نبينا عليه الصلاة والسلام: الصوم جنة)، أي: وقاية وحصن حصين من الشيطان الرجيم، (الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل)، وفي بعض الروايات: ( وقيام الرجل في جوف الليل. ثم تلا نبينا عليه الصلاة والسلام قول الله جل وعلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17]).
وهذا تفضل آخر لنبينا عليه الصلاة والسلام عليه، لما رأى حرصه على الخير أراد أن يدله على الخيرات والبركات فقال: ( ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى أخبرني. فقال عليه الصلاة والسلام: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة, وذروة سنامه -وهو أعلاه- الجهاد في سبيل الله ).
خطر اللسان وفضيلة الصمت
وهنا قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا) هذا اللسان كفه عن الكلام إلا من خير، فالصمت نجاة، (كف عليك هذا).
فقال سيدنا معاذ رضي الله عنه وأرضاه: (يا رسول الله! عليه الصلاة والسلام وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟) يعني: بأي كلام نتكلم به، فكلامك انتبه له فلا تقع في غيبة ولا منكر، وهذا معلوم عند الصحابة قطعاً أنه حرام ولا يجوز الكلام فيه، لكن الثرثرة وكلام الرجل فيما لا يعنيه، فهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به، يعنينا أو لا يعنينا من كلام لا ينفع لكنه ضرر, فقال عليه الصلاة والسلام: (ثكلتك أمك يا
إنما كلمة اعتادت العرب أن تذكرها لتنديد الإنسان عندما يرتكب خطأ في الكلام، فسيدنا معاذ رضي الله عنه وأرضاه ظن أن الكلام إذا كان فيما لا يعني الإنسان فهو مما لا حرج فيه من الكلام الذي يتكلمه الإنسان.
فقال النبي: (ثكلتك أمك) ، بمعنى فقدتك، واستغرب كيف يخفى على معاذ هذا؟ وأنت يعني: من الصحابة الذين لهم شأن، يخفى عليك أن كلام الإنسان في غير فائدة مضرة عليه! قال: (ثكلتك أمك! وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- في النار إلا حصائد ألسنتهم؟).
وفي بعض روايات الحاكم في آخر الحديث، وهي الرواية التي في كتاب الأدب في الجزء الرابع صفحة 287 قال له النبي عليه الصلاة والسلام في نهاية الحديث: (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً وليسكت عن شر، قولوا خيراً تغنموا، واسكتوا عن شر تسلموا). وحقيقة رحم الله امرأً قال خيراً فغنم، أو سكت عن شر فسلم، وهذا اللفظ زيادة في مستدرك الإمام الحاكم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وفي رواية الطبراني وشعب الإيمان للإمام البيهقي زيادة أخرى: قال نبينا عليه الصلاة والسلام لـمعاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه: (إنك لن تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب لك أو عليك) ، فانتبه لهذا.
فالحديث حقيقة يشير إلى خطر اللسان، وأن أكثر ما يلقي بني آدم في نار جهنم حصائد ألسنتهم؛ لذلك قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم صفحة 260، ونقل ذلك عنه الإمام السفاريني في غذاء الألباب في الجزء الأول ص65 قال: هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه. وحقيقة إن أصعب شيء على الإنسان ملك اللسان، فمن له عزيمة ملك لسانه.
درجة حديث معاذ: (كف عليك هذا)
أما الشيخ الألباني فقد أصدر أحكاماً متعددة متناقضة:
الحكم الأول: حكم على هذا الحديث بأنه صحيح في صحيح الجامع في صفحة 913 من الجزء الثاني: (لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئاً) إلى آخر الحديث، ثم قال: (إلا حصائد ألسنتهم) يقول هنا: صحيح، ثم قال: ح م ع, ح الإمام أحمد , والترمذي والحاكم , وه ابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ ، زاد الطبراني والبيهقي الزيادة التي ذكرنا. ثم أشار إلى إحالتين:
الإحالة الأولى قال: الإيمان لـابن أبي شيبة ارجع إليه هناك ذكرت هذا الحديث، وتكلم عليه في تخريج كتاب الإيمان، وكتاب الإرواء أيضاً، فلما رجعت إلى الكتابين فإذا هو أصدر حكمين مختلفين.
أما حكمه في صحيح الجامع: صحيح ولا تعيير على حكمه فالحديث صحيح، وقد صححه أئمتنا وكفانا الله المؤنة، لكن -كما قلت- أحال عليه في كتاب الإيمان لـابن أبي شيبة هو أول حديث فيه.
يقول الشيخ الألباني في الحاشية: حديث صحيح للطريق التي بعده، فرجاله ثقات من رجال الشيخين، غير عروة بن النزال وثقه ابن حبان فقط، وأخرجه الترمذي من طريق أبي وائل عن معاذ وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وهذا كلام مقبول وهو حق، ولكن كما قلت: ليس التصحيح بناء على قول فلان وفلان من المتأخرين.
فقد نقل هذين الحكمين في كتابه إرواء الغليل انظر الحديث في الجزء الثاني من إرواء الغليل، صفحة 138، 413.
يقول: حديث (وذروة سنامه الجهاد) صفحة ست ومائة من كتاب منار السبيل في فقه السادة الحنابلة، وهم سادة كما أن الحنفية سادة رضي الله عنهم أجمعين.
يقول: صحيح وهو بضعة من حديث لـمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ثم أورد الحديث، ثم قال: الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قلت: إسناده حسن، لكن أعله الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين، فقال بعد أن حكى تصحيح الترمذي : وفيما قاله رحمه الله نظر من وجهين.
خلاصتهما أن أبا وائل روى الحديث عن معاذ ، وأبو وائل قالوا: لم يسمع من معاذ لكنه عاصره، ولكن لم يثبت سماعه ولقياه، وعند جماهير المحدثين كما هو معلوم أن المعاصرة كافية لقبول رواية الراوي، نعم البخاري رحمة الله ورضوانه، ومعه الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله لا يكتفيان بالمعاصرة وإمكان اللقاء بل لا بد من ثبوت اللقاء وتحقق السماع، وهذا أيضاً زيادة احتياط، لكن إذا روى راو عن شيخه وأمكن أن يلقاه سواء ثبت عندنا بعد ذلك سماع أو لم يثبت فيقال: هذه الرواية ثابتة، وهذا عند جماهير علماء الحديث رحمة الله عليهم جميعاً.
طريق ثانية لحديث معاذ عن شهر بن حوشب
ثم قال الشيخ الألباني : نقلها الإمام أحمد في المسند، وحقيقة هذه الرواية موجودة في المسند، ويتعلق غرضنا من رواية أحمد المطولة في الجزء الخامس صفحة 45 إلى صفحة 46، الرواية مقيدة بنحو الرواية التي ذكرتها في الحديث، من طريق شهر بن حوشب لا عن معاذ، إنما من طريق شهر بن حوشب قال: حدثنا ابن غنم، عن معاذ بن جبل عندي مختصرة، وعبد الرحمن مختلف في صحبته، وعبد الرحمن بن غنم ذكره الإمام العجلي في كبار الثقات من التابعين، وقد أخرج له البخاري في صحيحه تعليقاً عن السنن الأربع.
إذاً: شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل، فالطريق الآن متصلة، وليست من رواية شهر عن معاذ، بدون واسطة، وإنما من طريق عبد الرحمن بن غنم، وقد قيل فيه: إنه من كبار ثقات التابعين إن لم يكن شهر ، فروى عنه عن معاذ رضي الله عنه وأرضاه، لكن هذه الرواية التي لا تنزل عن درجة الحسن، الألباني ضعفها فقال: وشهر ضعيف لسوء حفظه.
وكأنه يتتبع دائماً ما قيل في الرواة فيأخذ أقل درجة، إلا أنه إذا لم يأخذ أحسن ما قيل في شهر فعليه أن يتوسط، يعني: خير الأمور الوسط، قال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:18]، فالقول الحسن وهو الوسط، أنك تأخذ أرجح ما قيل في الرجل.
والشاهد في ذلك: أن هذه الوصية لم نحكم عليها بهذا، ويقول الحافظ في تقريبه: صدوق كثير الإرسال والأوهام، صدوق كثير الإرسال يرسل كثيراً؛ والرواية الآن متصلة من طريق عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، قال: صدوق كثير الإرسال والأوهام روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في صحيحه متابعة، فلو أخذنا من كل المتأخرين لقلنا عنه: إنه ضعيف.
وقد وجد أئمتنا اختلافاً في شهر، ولكن انظروا لغربلة الأقوال كما فعل الحافظ فقال: أقل ما يمكن قوله في شهر: إنه صدوق.
قال الذهبي في الميزان: قال شعبة : لقيت شهراً فلم أعتد به، وقال النسائي: ليس بالقوي. أنقل ما قيل في الرجل، فليس من حقنا أن ننقل الذم فقط.
قال الذهبي: وقد وثقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: ليس شهر دون أبي الزبير، وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق إلا أنه يدلس في حديثه.
وأبو حاتم يقول: شهر ليس دون أبي الزبير، وقد توفي أبو الزبير سنة ست وعشرين ومائة.
وقال الذهبي: وقال الخزرجي في الخلاصة في الجزء الأول صفحة سبع وأربعمائة يقول: روى شهر عن مولاته أسماء بنت يزيد، وهي تابعية، كما روى عن أم سلمة ، وعائشة، وابن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين, وأدرك شهر بن حوشب عدداً من الصحابة، وروى عنه قتادة وثابت البناني وعاصم بن بهدلة بن أبي النجود.
ولا زال الكلام للخزرجي: وثقه أحمد وابن معين , وقال يعقوب بن سفيان شهر وإن قال ابن عون : تركوه فهو ثقة, وقال ابن معين: ثبت، وقال النسائي ليس بالقوي, وقال أبو زرعة : لا بأس به، هذا الذي في ترجمته في الخلاصة للخزرجي.
قال الذهبي في السير: في الجزء الرابع صفحة 378: قلت: الرجل غير مدفوع عن صدق وعلم، والاحتجاج به مترجح. هذا كلام من؟ الذهبي، عليه وعلى أئمتنا رحمة رب الأرض والسماء.
والحديث رواه أحمد في المسند، والإمام الترمذي في سننه؛ وقال: حسن صحيح، ورواه الإمام ابن ماجه، وقد عزاه إلى الإمام النسائي الإمام المنذري في الترغيب والترهيب, والإمام ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم، ولعله في السنن الكبرى وليس الصغرى, أما في السنن المطبوعة فالحديث لا يوجد فيها عندما عدنا إلى سنن النسائي فلعله في السنن الكبرى.
ورواه الإمام الحاكم في المستدرك في عدة أماكن من المستدرك, رواه في الجزء الثاني صفحة ست وسبعين، وتسع وثمانين، ورواه بعد ذلك مطولاً كما سأذكر في صفحة 413 من الجزء الثاني في تفسير سورة السجدة من كتاب التفسير، ثم رواه في كتاب الأدب في الجزء الرابع صفحة 286 لحكمة استنبطها تتعلق بأدب رفيع ينبغي أن يحرص الإنسان عليه، وسأذكر هذه الحكمة وتنبيه الحاكم عليها عند سرد لفظ الحديث إن شاء الله.
والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود في الجزء الثامن صفحة تسع وعشرين وصفحة 64.
وقد روى بعضه الإمام ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت صفحة 38، كما رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان, وفي آخره زيادة ينبه عليها، وقد عزا الحديث إليهما الإمام السيوطي في جمع الجوامع في الجزء الأول صفحة 674.
ولفظ الحديث عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه) , وفي بعض روايات الحاكم في المستدرك يبين أن هذا السفر كان في غزوة تبوك، وأن الصحابة تفرقوا عن النبي عليه الصلاة والسلام من شدة الحر في الطريق، فأسرع معاذ رضي الله عنه, والتصق بحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام وسأله ما ستسمعون, ولذلك قال: فأصبحت يوماً قريباً منه، أي بعد أن تفرق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه: (يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار), والإنسان إذا كانت همته تتعلق بالآخرة يسأل هذه الأسئلة: (ما العمل الذي يدخلني الجنة ويحفظني من نار جهنم؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه), وفي بعض روايات المسند قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( بخ! بخ! بخ! لقد سألت عن عظيم ) ، يعني: تعجب من هذا السؤال، ويثني نبينا عليه الصلاة والسلام عن السائل بهذه الألفاظ التي فيها استعظام هذا السؤال, وأنه في محله: (بخ! بخ! بخ! لقد سألت عن عظيم) .
وفي بعض روايات الحديث كما في المستدرك أن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه وأرضاه عندما اقترب من حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام قال له: (يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتأذن لي أن أتقدم إليك على نفس طيبة؟) يعني: الآن الصحابة تفرقوا, وأنا الآن صرت قريباً منك، أريد أن أتقدم حتى تلاصق بشرتي بشرتك, ونفسك طيبة، يعني: لا تجد علي، قال له: تقدم.
هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام ليس معه الحراس, وليس معه من يقول: إليك إليك! ولا يطرد أحداً عليه الصلاة والسلام, لا في حجه ولا في ذهابه إلى السوق، ولا في غير ذلك بل كان إذا جاء الغريب لا يميزه من بين أصحابه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
قال: (أتأذن لي أن أتقدم إليك على نفس طيبة يا رسول الله؟ فأذن له نبينا عليه الصلاة والسلام. فقال له
قال الإمام الحاكم -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا-: الغرض من إخراج هذا الحديث في هذا الموضع إباحة دعاء المتعلم لعالمه الذي يقتبس منه أن يجعل الله منيته قبل عالمه، يعني: هذا أورده في كتاب الأدب، ونسأل الله أن نموت قبل أن تموت، وليس هذا من باب الاعتراض على قدر رب العباد، إنما -كما قلت- من باب: إظهار المحبة من شيخه، وأن ما قدِّر لا بد من وقوعه، وإنما كان يخبر عن مدى تعلقه، وأن الحياة بعده لا تصلح لشيء، هكذا معنى الأثر.
ولذلك قال الحاكم -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا-: الغرض من إخراجه في هذا الموضع إباحة دعاء المتعلم لعالمه الذي يقتبس منه أن يجعل الله منيته قبل عالمه, ثم قال: فإني قد قدمت قبل هذا أخباراً صحيحة في إباحة قول الناس بعضهم لبعض: جعلني الله فداك.
وهذه الأخبار قد قدمها الحاكم قبل هذا بأربع صفحات، كما في الجزء الرابع صفحة 286، وأما الأخبار في صفحة 280 من نفس الجزء في كتاب الأدب، فإنه يقول: في هذه الآثار لا بأس على قول بعضهم لبعض: نفسي ومالي لك فداء، أي: جعلت فداك، أي فديتك، كما يشهده بعد أن أورد آثاراً كثيرة، منها ما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه, عندما جلس نبينا عليه الصلاة والسلام على المنبر فقال: (إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله، فبكى سيدنا
وأنا لا أريد أن أسترسل الآن في سبب هذه الروايات، إنما هنا أورد كلام الإمام الحاكم عن هذا الحديث في كتاب الأدب؛ لأن فيه هذه الدلالة بين النصوص دون سائر الروايات، ولذلك هنا قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! نسأل الله أن يجعل يومنا قبل يومك, ثم سأله السؤال الذي تقدم: (أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت).
وهذه هي أمور الإسلام الخمسة وهي: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً بمعنى: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أن نعبد الله كما شرع، ولا نشرك به شيئاً وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، فهذا الذي يدخلك الجنة ويباعدك من النار.
ثم قال له نبينا المختار صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير؟) أي: أنت فتحت الآن الطريق، واقتربت مني، وأظهرت التعلق والمحبة، فأنا سأرشدك على خيرات فاحرص عليها: (ألا أدلك على أبواب الخير؟ فقال سيدنا
وفي بعض الروايات في المستدرك للإمام الحاكم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: (إن شئت أنبأتك بأبواب الجنة، ألا أدلك على أبواب الخير، قال: بلى، فقال له نبينا عليه الصلاة والسلام: الصوم جنة)، أي: وقاية وحصن حصين من الشيطان الرجيم، (الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل)، وفي بعض الروايات: ( وقيام الرجل في جوف الليل. ثم تلا نبينا عليه الصلاة والسلام قول الله جل وعلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17]).
وهذا تفضل آخر لنبينا عليه الصلاة والسلام عليه، لما رأى حرصه على الخير أراد أن يدله على الخيرات والبركات فقال: ( ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى أخبرني. فقال عليه الصلاة والسلام: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة, وذروة سنامه -وهو أعلاه- الجهاد في سبيل الله ).