منهج الإصلاح في القرآن والسنة


الحلقة مفرغة

الحمد لله خلق الخلق، ووهب الرزق، وقدر الأقدار، وكتب الآجال، أحمده سبحانه وتعالى جعل القرآن هداية وعصمة، والسنة سلامة وحكمة، وجعل الاستمساك بهما نجاة من كل فتنة، له الحمد سبحانه وتعالى كما يحب ويرضى، على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد على كل حال وفي كل آن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، علم الهدى ومنار التقى، معلم البشرية وهادي الإنسانية، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجعلنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، بصرنا من العمى، وأرشدنا من الغواية، وكثرنا الله من بعد قلة، وأعزنا الله به من بعد ذلة، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن منهج الإصلاح في القرآن والسنة موضوع يهمنا جميعاً، ونفتقر إليه كثيراً، فيه النور الذي يبدد الظلمات، والعصمة التي تمنع من الفتنة، والحكمة التي تمنع من الطيش، ولا شك أننا -معاشر المؤمنين- نوقن بأن الخير كله والهدى كله والصلاح كله مستودع في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيهما جمع كل متفرق، وتأليف كل مختلف، وفيهما بيان كل حق، ودحض كل باطل، ومن هنا فإن المؤمن الحق والمسلم الصادق ينبغي عليه أن يحقق واقعاً لا قولاً، وأن يجتهد فهماً وتطبيقاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإننا في عصر اضطربت فيه الآراء، واختلطت فيه الأهواء، وتكاثر فيه الأعداء، ولا شك أن ذلك كله موجب ودافع إلى العود إلى المنبع الصافي الذي لا تشوبه شائبة، وإلى المنهج الكامل الذي لا يعتريه نقص، وإلى المسلك المستقيم الذي ليس فيه اعوجاج، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الإصلاح من الذي يؤهل له؟ ومن الذي ينبعث إليه ويندب إليه؟

أول الإصلاح ومبدؤه هو الإيمان بالله عز وجل، والاستسلام لحكمه وشرعه، فنحن نوقن أنه لا صلاح ولا إصلاح لأحوال الخلق أجمعين ولأحوال المسلمين بخاصة إلا من منطلق الإيمان وحكم الإسلام، وغير ذلك لا بد أن يكون فيه قصور ونقص واضطراب واختلاف؛ لأن الله جل وعلا هو خالق الخلق، وهو العالم بما يصلح شئونهم أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، ومنطلق الإيمان هو أول هذه المنطلقات وأساسها: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48]، ولو مضيت وتأملت آيات القرآن لوجدتها تربط بين الإيمان والإصلاح، وتجعل الإيمان مقدمة له، وتجعله سابقاً عليه؛ لأنه لا يمكن أن يكون هناك إصلاح بغير المنطلق الإيماني والمنهج الإسلامي يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأعراف:35] لا ينبعث إلى الإصلاح إلا من اتقى الله وعمر قلبه بخشيته وتقواه؛ لأن ذلك عاصم له بإذن الله من أن يخوض فيما لا ينبغي الخوض فيه، وأن يقترف ما يحرم وما يحول بينه وبين التحقق بتقوى الله جل وعلا، ثم إننا كذلك نلمح الأمر في كلتا الآيتين بذكر الرسل والأنبياء قبل ذكر الإصلاح، وذلك فيه إشارة إلى منطلق مهم، وهو أن المنطلق للإصلاح مع الإيمان والتقوى هو اتباع الرسل والأنبياء صفوة الله من خلقه صلوات الله وسلامه عليهم، فنحن هنا نقرأ قوله جل وعلا: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165]، ثم يأتينا من بعد فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ [الأنعام:48]، ويأتينا كذلك يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ [الأعراف:35]، وأظهر من ذلك -أيضاً- ما كان بين موسى وهارون عليهما السلام عندما عهد موسى إلى أخيه قائلاً: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:142].

إن السير على آثار النبوة واقتفاء منهج السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عصمة من كل فتنة، وأمان من كل خوف، وحق لا يداخله -بإذن الله عز وجل- شيء من الباطل، ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويبصرنا فيقول: (العلماء ورثة الأنبياء) والوارث إنما يأخذ إرثه ممن ورثه، فلا حظ ولا نصيب ولا شيء عند أهل العلم إلا ميراث النبوة، مما جاء به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في كتاب الله وفي سنته وفي سيرته وفي هديه الذي تمثل في سائر جوانب الحياة، سلم وحرب، حل وسفر، مع الأصدقاء ومع الأعداء، في كل جانب من جوانب الحياة لنا من سنته هدي، ولنا في سيرته بصيرة صلى الله عليه وسلم، انظر إلى تأكيده وبيانه لهذا الأمر، فعندما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: (بم تحكم؟ فقال معاذ : بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو -أي: في ضوء كتاب الله وسنته-. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله) إنه المنهج الذي لا بد منه لكل آخذ بسياسة الناس، أو عامل في مجال إصلاحهم، أو ساع في تبصيرهم ودعوتهم، ثم هاهو صلى الله عليه وسلم -أيضاً- في وصيته لـمعاذ يبصره ويبين له المنهج، ويعطيه المفاتيح التي يصل بها إلى الغاية ويحقق النجاح، يقول له عليه الصلاة والسلام: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) وهكذا نجد هذا المنهج في منطلقات الإصلاح بيناً واضحاً، أساسه الإيمان، وحكمه وضابطه الإسلام، وحاديه تقوى الله سبحانه وتعالى، وإمامه اتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمن أراد إصلاحاً فهذا هو المنطلق.

إن علينا أن ندرك حقيقة الإصلاح من كتاب الله عز وجل ومن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ما هو هذا الإصلاح؟ ما هو الذي يقع به ما نؤمله ونرجوه من هذا الإصلاح؟ قال عز وجل: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182].

إذاً هذا الإصلاح هو منع للظلم والإثم، وإن كانت الآية في شأن الوصية والموصي، لكن المقصد أنه إذا وجد الجنف والظلم والاعتداء ولو من غير قصد، أو إثم ومعصية وهي التي يكون فيها العلم والقصد فإن الإصلاح هو الذي يرد ذلك، وإن حقيقته أن يحول بين الناس وبين هذا الظلم أو ذلك الإثم.

وحقيقة أخرى في الإصلاح فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39]، والآية قد جاءت بعد ذكر حكم السرقة: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ [المائدة:38]، ثم جاءت هذه الآية: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ [المائدة:39] لتدلنا على أن الإصلاح يمنع الظلم والإثم ويدعو إلى الخير والإحسان.

ثم هو كذلك مانع لأعظم سبب من أسباب الفساد التي تقع في الأرض فتزهق بها الأرواح وتذهب بها عصمة النفوس، ويختل بها نظام الأمن، ويقع فيها من الشرور والمفاسد ما لا ينضبط ولا يحصر أولاً ولا آخراً، كما قال جل وعلا: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، وذلك مؤذن بأن حقيقة الإصلاح منع للقتل والاقتتال ولإزهاق الأرواح، ولما يترتب على ذلك من اختلال الأمن، ومما يترتب عليه من شيوع الفوضى -نسأل الله عز وجل السلامة-، فمنع هذا أمر مهم.

ويلحق به كذلك أن من حقيقة الإصلاح بقدر الطاقة والاستطاعة منع الاختلاف والتنازع، فالله جل وعلا يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، وجاء في قصة الأنفال واختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في شأنها في بدر في أول غزوة تكون لهم فيها تلك الغنائم عندما قالت كل طائفة قولاً، فجاء قوله سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] فجعل ذلك الإصلاح مانعاً للاختلاف، وذلك بالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك أمره بين واضح.

ننتقل إلى مثل قرآني لعله يجمع صورة عملية لهذه المنطلقات وتطبيقاتها في شأن الإصلاح، في قصة نبي من أنبياء الله عز وجل، وهو شعيب عليه السلام في خطابه لقومه: قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88] هذه صورة متكاملة ومنهج واضح وتطبيق عملي في خطاب يعلن المبادئ ويبين المسالك، ويظهر الاعتماد والقاعدة التي يكون منها الانطلاق (إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي).

فلا انطلاق قبل وضوح الرؤية، وقبل بيان الحكم، وقبل معرفة الحق من الباطل، وقبل إزالة الالتباس والاشتباه، كما بين هنا (إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا).

ثم التزام الإصلاح قبل الدعوة إليه من أعظم أسباب نجاحه، ومن أعظم الأسباب الدالة على صدق الداعي إليه (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) أي: كيف أزعم الإصلاح وحقيقة القول الذي أقوله يترتب عليها الفساد، وحقيقة الفعل الذي أفعله يقع منه ما يعارض هذا الإصلاح؟! فإن مثل ذلك لا شك أنه ينقض هذه الدعوى ويبطلها ويعريها عن حقيقتها، وإن كان لصاحبها نية فعلم نيته عند ربه.

ثم نلحظ كذلك قوله: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود:88]، وهنا أمر مهم ومقصد عظيم، وهو الإخلاص في الإصلاح، إنه إصلاح لا يريد تحصيل مصالح شخصية، إنه إصلاح لا ينطلق من نوازع نفسية، ولا من صراع شخصي، ولا من أهواء في نفوس من يزعمون ذلك الإصلاح، ولا يكون ردود أفعال عاطفية ولا حماسة طائشة، إن معاشر المسلمين لا ينطلقون إلى أمر ولا يتقدمون إلى فعل إلا وقد تحروا أمرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً:

الأمر الأول: البينة الواضحة في الحكم الشرعي بأدلته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثاني: الاجتهاد الخالص المخلص فيما يظن أنه يترتب على الفعل من المصالح والمفاسد والموازنة بينهما، فما رجح من المصالح على المفاسد كان الأولى فعله، وما رجحت مفاسده على مصالحه فالأولى تركه وإن كان مباحاً أو جائزاً، بل ربما يكون مندوباً أو في بعض الأحوال واجباً، لكنه في حال يترتب عليه مفاسد كبرى قد يكون فعله مع تصور ذلك محرماً، مع كونه في الأصل واجباً.

وهذا فقه بثه العلماء وساقه قبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ترك أموراً لئلا تترتب عليها مفاسد، كما روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن قومك حديثو عهد بإسلام لنقضت الكعبة وأعدت بناءها وجعلت لها بابين) وبين البخاري ذلك في ترجمته، وبينه ابن حجر في شرحه، وبين أن من الفوائد أنه يمكن أن تترك المصلحة إذا خشي أن تكون هناك مفسدة أعظم، وذلك مبثوث في كثير من المواقف التي كانت في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولعل من أجلاها وأظهرها أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في عمرته الشهيرة بعمرة القضاء في العام السابع من الهجرة والكعبة حولها الأصنام، وعلى الصفا والمروة إساف ونائلة، فهو عليه الصلاة والسلام لم يهدم من تلك الأصنام صنماً، ولم يبصق عليها ولم يسفّهّا، لكننا نوقن جميعاً أنه كان يبغضها، وكان يتمنى لو أزالها، لكنه كان عليه الصلاة والسلام يعلم أن لكل حادث وقته، ولكل عمل ما ينبغي أن يتدرج فيه وأن تتوافر أسبابه، وقد كان صلى الله عليه وسلم في عهد وصلح مع كفار قريش، فالتزم عهده وأوفى بذمته، ومن بعد عام تيسرت الأمور وجرت الأقدار، فجاء فاتحاً يطعن هذه الأصنام وتتهاوى وتتكسر، ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]).

لدينا كثير من الأبواب والمسالك التي هي من طرق الإصلاح في كل أمر من الأمور، ولها معالم كثيرة، ومن أولها وأبزرها التعليم والإرشاد، فإن الناس قد عمهم -إلا من رحم الله- جهل كبير بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبمعرفة أحكام الإسلام ومقاصده الكبرى وقواعده العظمى، وموازينه وضوابطه التي يعرف بها الترجيح بين الأدلة عند تعارضها واختلافها، والترجيح بين المصالح والمفاسد، وغير ذلك من الأمور المهمة التي ينبغي أن يشيع علمها في عموم الأمة، وأن تكون موضع اهتمام ورعاية وتعمق وتخصص عند علمائها ودعاتها والمتصدرين فيها لأي أمر من أمور الخير والإصلاح والدعوة والإرشاد.

المعلم الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغوا عني ولو آية) فما بالنا نترك هدي النبي صلى الله عليه وسلم وحثه وحضه وبيانه وتفصيله لهذه الشعيرة وأهميتها وطرق ممارستها في كل الجوانب، وفي كل الجهات المختلفة؟ كما نعلم من كثير من أحاديث المصطفى التي يضيق المقام عن ذكرها، كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الحديث المشهور: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وبيانه صلى الله عليه وسلم لصور كثيرة مختلفة في هذا الشأن، فأين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! وأين الدعوة بأساليبها الحكيمة ومواعظها الحسنة ومجادلاتها اللطيفة؟! أين ذلك في واقع الأمة؟ هل استنفدت أغراضها؟ هل تعلم الجاهلون؟ هل تذكر الغافلون؟ هل حذر الذين يسرفون على أنفسهم بالمعاصي؟ إلى غير ذلك من أمور كثيرة.

المعلم الثالث: التدرج وحسن سياسة الناس؛ فإن الأمور لا تأتي طفرة، وإن الإصلاح لا يأتي دفعة، وإن هذا الذي يمكن أن يظن أنه يصلح في كثير من الأحوال عندما لا يأخذ بالهدي النبوي والنهج القرآني يفسد ولا يصلح.

هذا عمر بن عبد العزيز -وكلنا يعلم من هو خيراً وصلاحاً وتقىً وعدلاً وإنصافاً وزهداً- يدخل عليه ابنه فيقول له: ما لك لا تنفذ الأمور فتصلح الفاسد وتقوم المعوج وتلزم الناس الحق، فوالله لا أبالي إن غلت بي وبك القدور؟! فيقول عمر -ولا نستطيع أن ننافسه رحمه الله في إيمانه وتقواه، ولا في غيرته وحميته، ولا في علمه وبصيرته، ولا في حنكته وحكمته- يقول رحمه الله في هذا الشأن: يا بني! إن الله ذم الخمر في آيتين وحرمها في الثالثة، وإني أخشى أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه جملة، ويكون من ذا فتنة.

لم يمنعه من ذلك أنه لا يعرف أن هذه أمور مطلوبة أو مرغوبة أو مستحبة، لم يمنعه من ذلك أنه لم يكن غيوراً على دين الله حريصاً على نشر الخير، لكن البصر والبصيرة، لكن الحكمة في سياسة الأمة، لكن الحنكة في إنفاذ الإصلاح دعت عمر -وهو حاكم وخليفة وسلطان- أن يتأنى وأن يحسن السياسة والإصلاح، فما بال من يكون ليس في علمه ولا في سلطانه ولا في مقام تقواه وإيمانه؟ نسأل الله عز وجل السلامة.

ثم انظر إلى ما وراء ذلك من أمور كثيرة، وأحوال عظيمة، وأصول شرعية مانعة جامعة، ومن أبرزها أن الإصلاح في ديار الإسلام لا ينطلق من منطلق الفرقة وضياع العصمة، والبدء بخلع السمع والطاعة والإمرة والإمارة، فإن ذلك لا يُتحدث عنه سياسة، ولا ينبغي أن يُتحدث عنه نفاقاً ومداهنة، بل هو مما جاءت به الآيات ونصت عليه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل جاء في تفصيل الأحاديث النبوية ما قد يعجب له بعض الناس، من ذلك التشديد والتأكيد على مجتمع المسلمين على السمع والطاعة، والحرص على الجماعة، فإن ذلك من أعظم الأمور وآكدها، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة. قالوا: يا رسول الله! هل ننابذهم؟ قال: لا. ما أقاموا فيكم الصلاة) وسأله السائل فيما جاء في حديث حذيفة الطويل في الفتنة: (فماذا أفعل إن أتي بي إلى الصف؟ قال: خذ سيفك ودقه بحجر) أي: لئلا يكون لك مشاركة في أمر يكون به إزهاق أرواح المسلمين، وفي الفتنة التي تعم مجتمعاتهم. (فقال: يا رسول الله! أرأيت إن أتي بي بين الصفين؟ قال: إذاً يبوء بإثمه وإثمك).

وهناك كثير من الأحاديث تبين لنا أمراً مهماً، وهو أن الخلل والنقص ووجود بعض الانحراف القليل مع وجود عصمة جامعة للأمة وإمرة ضابطة لأمورها، فإن الهدي النبوي في معالجة الأمر لا ينزع -قطعاً- إلى خروج عن هذه الطاعة؛ لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة التي ذكرها العلماء، ومن ذلك ما ذكره ابن بطال فيما نقله ابن حجر في حكمة هذه النصوص النبوية التي تمنع من سفك الدماء والخروج على الطاعة، قال: فيه حقن الدماء، وتسكين الدهماء. وذلك يمنع الفوضى التي رأينا مثيلاً لها في البلاد المسلمة التي انفرط عقدها، والتي عظمت فيها الفتنة والرزية، والتي تجاوزت فيها بعض هذه البلاد أكثر من عقد من الزمان والأمن فيها مختل، والحال فيها سيئ، والتعليم فيها منقطع أو مضطرب، وحياة الناس في كرب، وأمر الإسلام وإقامته وشرائعه لم تتحقق على ما كان يظن أو يتوهم أو يقول أولئك القوم في تلك البلاد أو غيرها.

وهذا من الأمور المهمة، نسأل الله عز وجل أن يبصرنا بحقائق ديننا في كتاب ربنا، وأن يبصرنا ببينة أمرنا في سنة نبينا، وأن يجعلنا أبعد ما نكون عن الفتنة والمحنة، وعما يترتب عليه الفساد والإفساد، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه.

إن من أعظم التقوى الحرص على مصالح المؤمنين وإصلاح مجتمعاتهم، والبعد عن كل ما يشيع فيهم الفساد، أو يذهب عنهم عصمة الدماء والأموال وغير ذلك، ولعلنا عندما نريد أن نؤكد مثل هذا النهج نراه في سير الأصحاب رضوان الله عليهم، وفي سير الأسلاف من التابعين ومن جاء بعدهم من مشاهير الأئمة والعلماء الذين نجزم أنهم أعظم إيماناً وأغزر علماً وأقوى حجة وأشد غيرة لدين الله عز وجل مما قد يكون عندنا، ولذلك أذكر بعض المواقف وغيرها كثير وكثير.

فهذا الصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنه، الذي كان ممن ذهب مع كثير من الصحابة إلى الامتناع عن القتال في الفتنة، ولقد استمع إلى خطبة لـمعاوية رضي الله عنه وأرضاه في اجتهاده بعد تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه له بالخلافة فكان يقول: من كان عنده كلام فليتكلم به، فإنا أعلم بذلك منه ومن أبيه. قال ابن عمر رضي الله عنهما: فكنت أريد أن أقول: (أحق منك بهذا من قاتلك وأباك على الإسلام. ولكن خشيت أن أقول كلمة تفرق جمع المسلمين ويسفك بها الدم).

ذلك هو منطلق الإيمان، وتلك هي عصمة التقوى، وتلك هي بصيرة العالم بترجيح المصالح والمفاسد، وذلك ما فعله سعيد بن المسيب رحمه الله، كان من أئمة التابعين الكبار الذين كانت لهم مواقف مشهورة مذكورة في قول الحق وفي الصدع به، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن دون أن يكون ذلك مؤذناً بفتنة أو مفضياً إلى سفك دم، أو مؤدياً إلى اضطراب وخلل في أمن الناس ومعاشهم، ولذلك كان يقول رحمه الله: الشيطان مع الشاذ والخارج عن الجماعة، وهو من الاثنين والجماعة أبعد.

أما الحسن البصري فكان من أئمة التابعين إيماناً وزهداً وعبادة، فقد جاور الحجاج مع ما هو معروف عنه من ظلمه وبطشه، وقالوا للحسن : ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام وأكل المال الحرام وترك الصلاة جماعة، وما كان عليه من مخالفة السنة؟ فقال: أرى أن لا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبته، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.

وكان ينهى عن الخروج على الحجاج، ويأمر بالكف ويقول: لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل السلطان صبروا ما لبثوا أن يفرج عنهم، ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه، فوالله ما جاءوا بيوم خير قط.

هكذا نجد المواقف الكثيرة التي استنبطت مثل هذا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا ومن غيره مما أسلفناه من القول يتبين لنا حرمة ما يفعل من مثل هذه الجرائم التي لا تحقق مصلحة، بل قد تزهق أرواح ليست مقصودة، حتى لأولئك الذين اعتدوا، ويصبح بذلك نوع من اضطراب وخلل في الأمن وإشاعة للفساد، ويلحق بذلك كذلك ما يتضمنه مثل هذا الفعل من رجحان تكفير أولئك لقتل هؤلاء، واستباحة أولئك لقتل هؤلاء، ونظرهم في جواز أو في وجوب الخروج عن السمع والطاعة وشق عصا الجماعة، وكل ذلك من الأمور التي دلت النصوص الشرعية على حرمتها والمنع منها.

وليس من الإصلاح كذلك الدعوة إلى الاضطراب وإلى إشاعة الخلل في المجتمع، وذلك بصور مختلفة كثيرة، فإن ما في الأمة اليوم عموماً، وما يوجه إلى البلاد التي تضم الحرمين الشريفين خصوصاً فيه من الفتنة والبلبلة ما يعتبر مثل هذا زيادة فيه وتكريساً له وإشاعة لأمور تعظم بها الفتنة ويكثر بها الفساد ولا يقع بها الإصلاح، ونحن نعلم جميعاً أن بلاد الحرمين هي خير بلاد الإسلام والمسلمين، ولا يظنن ظان ولا يقولن أحد من مسئول ولا من دونه: إنها معصومة من الخطأ، وإنها كاملة لا نقص فيها، وإنه لا يوجد خلل أو لا يوجد تجاوز أو استعمال لبعض السلطات والمسئوليات في غير موضعها، لكن علاج ذلك بالمنهج النبوي والقرآني من المناصحة والصبر والتدرج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن ندعو إلى زيادة التعليم الديني والإسلامي، وإلى زيادة أنشطة الدعوة وتبصير الناس بها، وإلى زيادة بيان الحق للناس في أمور ومجامع كثيرة؛ لأن غياب مثل هذه الدعوة وعدم معرفة هذه المسائل، وتقليص التعليم الديني أو الهجوم عليه -كما يفعل بعض الكتاب جهلاً أو قصداً- إنما يؤدي إلى اتساع الخرق على الراقع، ويمنع من وقوع أسباب الإصلاح، ولذلك فإنه لا بد لنا أن نؤكد على الأمر المهم، وهو أننا إذا أردنا انطلاقاً إلى الإصلاح فانطلاقنا إيماني إسلامي نبوي، وأننا ينبغي أن نعرف حقيقة الإصلاح، وأنه منع للظلم والإثم والاختلاف والنزاع وسفك الدماء واختلال الأمن، فكيف يكون الإصلاح بإيقاع مثل هذه الأمور؟!

فإن الذين يدعون إلى الخروج عن الطاعة، أو الذين يدعون إلى أن يكون هناك أعمال يراد بها إثارة البلبلة والقلاقل إنما يؤدي فعلهم إلى عكس حقيقة الإصلاح القرآني، وقد رأينا كذلك أمراً مهماً، وهو أن نبحث عن المنطلقات في الشخصية المصلحة بأن تكون مخلصة لله متجردة عن الهوى، ليست منطلقة من ردود الأفعال ولا من التشكي ولا من التحدي ولا من غير ذلك، فإن أمر الأمة وسياستها أعظم من أن يكون خاصاً بهذا الشخص أو ذاك، أو بهذه الفئة أو تلك، فالمصلحة الإيمانية الإسلامية أعظم وأولى أن يراعيها الجميع حكاماً ومحكومين، علماء ودعاة، عامة ومتعلمين، تأتلف عليها قلوبهم، وتجتمع لتحقيقها جهودهم، ويتنازلون لأجلها عن بعض آرائهم أو عن بعض مصالحهم، حتى يجمع الله عز وجل القلوب، وندرك كذلك أخيراً أن كل أمر يقع به اضطراب أو تقع به فتنة أو يحل به شيء مما يؤدي إلى اختلاف الآراء أنه يصب في خانة الأعداء ومصالحهم، ويبرر ويوفر أسباباً لمزيد من العدوان على الإسلام وأهله، وعلى بلاد الحرمين الشريفين على وجه الخصوص، ولذلك ينبغي لنا أن نبصر هذه الأمور وأن نبصر بها، وأن لا يكون لنا غير ذلك؛ لأن هذا هو الذي نفهمه فهماً صحيحاً مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومما تواتر وتسلسل في عدد كبير من أسلافنا رضوان الله عليهم، ومما نطق به علماؤنا وأئمتنا ومشايخنا في عصرنا الحاضر، بل وأجمعت عليه كثير من المجامع الفقهية، فبعد هذا كله كيف نترك ذلك ونميل إلى رأي أو إلى قول لا يتطابق مع هذه المنطلقات، ولا ينطلق من هذه الاستنباطات، ويكون لنا من وراء ذلك ظن بأننا نصلح وأننا نحسن؟!

نسأل الله عز وجل أن يعصمنا من الفتنة والزلل، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يسخرنا لنصرة دينه وعون عباده، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم متبعين، ولآثار السلف الصالح مقتفين.

اللهم! إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى.

اللهم! تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

اللهم! إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم! إنا نسألك لهذه البلاد ولبلاد المسلمين، أن توفر أمنها، وأن تعظم وحدتها، وأن تزيد رزقها، وأن تردنا وترد المسلمين جميعاً إلى دينك رداً جميلاً، وأن تأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد والرشد والصواب، وأن تجعل في بلاد المسلمين تحكيماً لكتابك ولسنة نبيك كاملاً غير منقوص، وأن تجمع القلوب على ذلك، وأن توحد الجهود على إقراره وإمراره يا رب العالمين.

اللهم! إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.

اللهم! إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن ترفع بفضلك كلمة الحق والدين، وأن تنكس راية الكفرة والملحدين.

اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم! فرق كلمتهم، واستأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، اللهم! إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك -اللهم- من شرورهم، اللهم! خالف كلمتهم، اللهم! اجعل بأسهم بينهم، اللهم! إنا نسألك أن ترينا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم! لا ترفع لهم راية، ولا تبلغهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأرنا فيهم عجائب قدرتك عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.

اللهم! أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين.

اللهم! رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وآمن روعتهم، وفرج كربتهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.

واجعل -اللهم- لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.

اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.

اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.