أزمة التطبيق
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
الحمد لله ذي الملك والجلال، المتصف بصفات العظمة والكمال، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وهو شديد المحال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ذو الخلق الحسن وجميل الفعال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، أما بعد:فاتقوا الله أيها المسلمون وقولوا قولًا سديدًا،واعملوا صالحًا إنه بما تعملون بصير.
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ ...} [الأحقاف:من الآية 29].
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ ...} [ الجن :من الآية 1].
{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ ...} [المائدة:من الآية 83].
إنها الإيجابية الحقة والتفاعل المثمر والتي تمثلها الجن وهم يستمعون الموعظة والذكرى.
حينما سمعوا كلمات النصح والتوجيه أبدوا رأيهم وأعلنوا حكمهم {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن:1]، ولكنهم لم يكتفوا بمجرد إصدار الأحكام على الكلام بل أتبعوا ذلك بالتطبيق والعمل {فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف:29]، {فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن:2].
وهكذا كانت الأجيال الفاضلة حينما كانوا لايتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا مافيها من أحكام ويعملوا بها، وحينما كان أحدهم يسلم ويتعلم أصول دينه ثم ينطلق إلى قومه داعيًا ومنذرًا.
حينما كانت الأمة بهذه الصورة كان للتذكير أثره وللموعظة وقعها فكانت قلوبهم توجل وعيونهم تذرف وجوارحهم تخشع فكانوا بحق قرآنًا يمشي على الأرض.
أما واقعنا فمؤلم، فكم من آيات تتلى علينا وأحاديث تقرأ بين يدينا وفتاوى تقرع مسامعنا، فهل غيّرنا من واقعنا شيئا وهل أتبعنا العلم بالعمل وتلقينا الأوامر بالقبول والنواهي بالكف والامتثال؟
كم شهد رمضان من كلمات ومواعظ وأحاديث تهز الجبال وتحرك المشاعر لو كانت حيّة، فماذا بقي من اثرها بعد رمضان؟
بعد كل جمعة وبعد كل موعظة أو محاضرة، نتفرغ للنقد والتحليل والتصنيف والتقييم، فهذا كلامه مؤثر، وذاك خطبته باردة، وذلك موعظته مملة، وهذا أطال وذاك قصر وهذا أجدا وذلك قصر أما نصيبنا من التطبيق والعمل فذاك في عالم آخر!!
يتحدث الواعظ عن صلاة الفجر مبينًا أثرها وخطورة التساهل فيها وإنها الفاصلة بين الإيمان والنفاق، ويبدئ ويعيد حتى يظن أنه قد نصح فأبلغ، فينتظر فجر الغد ليكتشف أنه كان ينفخ في رماد ويصرخ في واد إلا من رحم الله.
يتحدث الناصحون عن القنوات السافلة والاستخدامات الخاطئة للتقنية من جوالات وشبكات، مبينين خطورتها على المجتمعات والأفراد والأسر مدعمين كلامهم بقصص واقعية وأدلة منطقية ثم لاتجد لهذا الكلام أثرًا.
تصدر الفتاوى وتطبع الرسائل عن خطر التساهل بلباس المرأة وحشمتها وخطورة الخطوات الشيطانية للتبرج بحجاب نسائنا، حتى أصبح حجاب اليوم فتنة، وأن على الرجال مسؤولية وقوامة، ثم تخرج إلى السوق لتجد رجالًا خلف نسائهم بلباسهن غير المحتشم ومشيتهن المتكسرة وقول خاضع وكأن المقصود بالتوجيه غيرهم.
اليوم أن تجد في الأمة متكلمين كثيرين ممن يحسنون تنميق الكلام ويتشدقون به، لكنك ستجد مشقة وعناء في الحصول على من يعمل بعلمه ويطبق مايسمع، فهؤلاء وجودهم عزيز وهم في الأمة قليل.
ربما وجدت من يحمل المؤهلات العلمية العالية وإذا تكلم أخذ بمجامع القلوب ، لكنه لايحسن صلاته ولا يضبط صِلاته وله في خوارم المروءة والدين نصيب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2].
إن الإيمان ليس مجرد كلمات يديرها الإنسان على لسانه، ويتحلى بها أمام الناس، ويتشدق بها في المناسبات، دون أن يكون لها أثر في سلوكه وواقعه ودون أن تترجم إلى واقع حي يراه الناس.
إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ماوقر في القلب وصدقته الأعمال، ومن قال حسنًا وعمل غير صالح ردّه الله على قوله، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا رفعه العمل وذلك بأن الله تعالى يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10].
إن الإنسان الجاد ليس من أولئك النفر الذين ورثوا الدّين كلامًا ولا حظ لهم من العمل إلا قليلًا، ولذا فقد ترجم رسولنا صلى الله عليه وسلم الكثير من المعاني التي يريد إيصالها إلى الناس من خلال سيرته فيهم ومعاشرته لهم بالمعروف والخلق الحسن.
قال أحد السلف: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد بعبده شرًا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل".
إن أهل الجدّيّة يشغلون أنفسهم بالعمل فإذا تكلموا أحكموا زمام ألسنتهم من أن تهذي بما ليس من طبعها أو بما لاتستطيع الوفاء به.
قال أنس: غاب عمي، أنس بن النضر، عن قتال بدر فقال: "يارسول الله: غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ماأصنع"، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- وابرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين-" ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال له: "إلى أين ياأنس؟" فال: "ياسعد: الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد" ثم قاتل حتى قتل، قال أنس: "فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، وكنا نرى أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه" {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23].
وبعد هذا يامسلمون يبقى السؤال: لماذا لانطبق مانسمع، ولا نستغيد مما يقال، ولا تؤثر فينا المواعظ والخطب والأحاديث ولا تغير من واقعنا؟
إننا لانطبق ماتعلمناه لأن جذوة الإيمان في قلوبنا قد خمدت، فقليل منا من يقدّر الله حق قدره ويحبه حقّ محبته ويخشاه حقّ خشيته..
وقليل منا من يعظّم الله ويعظّم أوامره ونواهيه وشعائره فكلمة (حرام) وكلمة (واجب) ليس لها وقع في نفوس الكثير، والإيمان بالله وخوفه ورجاؤه ومحبته وتعظيمه هي وقود العمل الصالح.
الإيمان هو مصدر الطاقات المتجددة بل هو الحارس والحامي لصاحبه من أن يهمل أو يقصر أو يصر على الأخطاء «لايزني الزاني ولا يسرق السارق أو يشرب الخمر وهو مؤمن»، وعليه فإن المسلم إذا ترك هذا الإيمان بدون تجديد وتعاهد فإن جذوته ستخبو أو تضعف في النفس وتكون العاقبة تركًا للتطبيق وتهاونًا بالعمل.
إننا يامسلمون لانطبق ماتعلمناه لأننا نقدم على الخطب والمحاضرات والدروس من باب إبراء الذمة في العبادة أو تقليدًا وعادة أو بحثًا عن الإثارة ومعرفة الجديد.
نحن لانأتي مجالس الذكر والوعظ بنفسية التلقي للتنفيذ وإنما نأتي محملين بالشعور بالكمال والاستغناء.
نأتي ونحن لم نعقد العزم على التنفيذ والاستجابة وتغيير الحال ..
نستمع إلى الخطب والمواعظ وكأنها لاتعنينا، ونتلقاها وكأن المقصود بها غيرنا، ولهذا فإننا نستكثر من حجج الله علينا.
كان سلفنا الصالح يتعلمون ويسألون وغايتهم التطبيق الفوري والتنفيذ العاجل.
هذا أبو جري رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: "إني رجل من أهل البادية وفي جفاؤهم فأوصني"، فقال: «لاتسبن أحدًا»، قال: "فما سببت بعده أحدًا ولا شاة ولا بعيرًا".
ولما قال صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبدالله، لو كان يقوم من الليل، ماترك عبدالله بن عمر قيام الليل بعدها».
ولما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عليًا وفاطمة بالتسبيح والتحميد والتهليل عند النوم ماترك علي صلى الله عليه وسلم ذلك حتى ليلة صفين.
لقد ترسخ عندهم مفهوم العلم للعمل، والتلقي للتنفيذ، لأن التنفيذ يزيد المسلم رسوخًا وثباتًا {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [ النساء :66].
إننا لانطبق ماتعلمناه لأننا نرى فئة من القدوات من طلاب العلم والدعاة يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ..
ألا تراهم يتحدثون عن المسارعة في الخيرات وهم آخر من يأتي يوم الجمعة ، ويتحدئون عن الحجاب والحشمة والحياء ونساؤهم يظهر منهن التساهل، والكلام المجرد من الأفعال لاقيمة له ولا أثر فيا أيها القدوات كونوا في الناس خير أسوة.
إننا لانطبق ماتعلمناه لأننا لانستشعر الأجر والثواب على كل خير ندعى إليه، فإن الاستمساك بالشيء والعض عليه بالنواجذ مرتبط بالتصور الصحيح له وللمنافع والفوائد المرتبطة به، ومن لم يكتمل عنده التصور لحقيقة هذا الأجر فإنه يستلذ النوم والراحة ويضن بالتعب والمجاهدة في سبيل الله وبالتالي يتساهل بالتطبيق والتنفيذ ومن لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف.
تأمل كيف امتلأت نفس عمير بن الحمام حماسة واجتهادًا في طلب الشهادة عندما تذكر أجر الجهاد وأيقن بحسن الجزاء، وعندما قال عليه السلام: «أنت من أهل الجنة» فاستطال الحياة وألقى بتمراته وقاتل حتى قتل .
حينما نتكاسل عن تنفيذ عمل صالح فلنتذكر آثاره وأجره، فإن ذلك من أكبر الدوافع على الاندفاع والحماس للعمل.
إننا لانطبق ماتعلمناه لأننا نعيش في وسط ضعيف الهم ّة لايهتم بمعالي الأمور، وكلما هممت بالنهوض جذبوك إلى الدنيا وغروك قائلين: "ساعة وساعة، وعليك ليل طويل فارقد".
فإن ردّت همّة في العمل الصالح فاحذر من مجالسة المثبطين من أهل التبطل والتعطل واللهو والعبث، فإن طبعك يسرق منهم وأنت لاتدري، وليس إعداء الجليس لجليسه بمقاله وفعاله فحسب بل حتى بالنظر إليه.
ولا تجلس إلى أهل الدنايا *** فإن خلائق السفهاء تعدي
إن من كان في بيئة مثبطة تدعو إلى الكسل، ويريد المسارعة إلى الخيرات فعليه أن يهجر تلك البيئة إلى حيث تعلو همّته إلى أهل الهمم العالية، وإن العبد ليستمد من لحظ الصالحين قبل لفظهم والطيور على أشباهها تقع.
إننا لانطبق ماتعلمناه لأن البعض لم يراع الواقعية في التطبيق فالطبيعة البشرية بفطرتها أقرب إلى القصد ولديها قابلية للرقي والصعود، والقصد أقرب إلى الطاقة والاحتمال وفي الحديث: «فعليكم بما تطيقون فوالله لايمل الله حتى تملوا»، والقصد أدعى إلى الدوام على العمل والاستمرار فيه والثبات عليه «والقصد القصد تبلغوا»، والإنسان إذا كلّف نفسه ما لاتطيق توقف عن التطبيق، وإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، وليس المقصود بالقصد التقصير فقد كان صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها، وحثّ ابن عمر على صيام يوم وإفطار يوم ولم يأمره بترك الصيام ، وما أجمل الاعتدال والواقعية وما أروع الوسطية الحقيقية .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإننا يامسلمون نتهاون بالتطبيق لأننا نتعلق بأحاديث الرجاء متناسين أحاديث الخوف والوعيد، نردد بأن الله يغفر الذنوب جميعا ونغفل عن قوله {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء:123].
لقد تقاعس الكثيرون عن تطبيق الأوامر وتنفيذها استنادًا إلى عفو الله ومغفرته، متناسين أن مغفرة الله لايستحقها إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى، وأن رحمته سيكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياته يؤمنون.
إننا لانطبق ماتعلمناه لأن البعض منا جعل الاستقامة كلًا لايتجزأ، فإما استقامة كاملة وإما إخلال كامل بأوامر الله وارتكاب فاحش لنواهيه.
من منا لايقصر!! فافعل يا أخي ماتستطيع من الطاعات، وطبق ماتقدر عليه ولو كنت متلبسًا بذنوب أخرى، مع المجاهدة على تركها ولئن تلقى الله وقد خلطت عملًا صالحا وآخر سيئًا، خير من أن تلقاه وقد أحاطت بك خطيئتك بصحيفة سوداء قد سطرت بعظائم الأمور وكبائر الذنوب.
إننا نتهاون بتطبيق ماتعلمناه لأننا نخشى الناس ولا نخشى الله..
نخشى لمز الناس وسخريتهم وهمزهم ..
نخاف من اتهامنا بالوسوسة والتطرف والتزمت حينما يروننا على جانب قوي من تطبيق العبادات، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس فراقب الله ولا يستخفنك الذين لايوقنون وما يقال لك إلا ماقد قيل للصالحين من قبلك {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف:82].
لقد ضعف جانب التطبيق عندنا لأننا تعودنا على التسويف، ومن اعتاد التسويف تراكمت عليه الواجبات والأعباء، ولذا أمرنا بالمبادرة والمسارعة والمسابقة {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ} [آل عمران:133] بادروا بالأعمال فتنا ..
إن تأخير تنفيذ الطاعات والتسويف في فعل الخيرات يجعل النفس تألف تركها، والعادة إذا رسخت أصبحت طبيعة يصعب الإقلاع عنها، فضع في أعماقك قوله صلى الله عليه وسلم التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة، واعلم أن أنسب للوقت للعمل هو اللحظة التي سمعت فيها النداء، وإلا فمن لك باللحظات التي بعدها، ووساوس الشيطان تنمو مع التأجيل فتعثر الهمة وتضعف العزيمة.
ألا وإن من عوائق التطبيق الغفلة عن كيد الشيطان وخطواته.
قال صلى الله عليه وسلم: «خصلتان أو خلتان لايحافظ عليهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير ومن يعمل بهما قليل: تسبح الله عشرًا، وتحمد الله عشرًا، وتكبر الله عشرًا دبر كل صلاة، فذلك مائة وخمسون في اللسان وألف وخمسمائة في الميزان، وتسبح ثلاثًا وثلاثين وتحمد ثلاثًا وثلاثين وتكبر اربعًا وثلاثين إذا أخذت مضجعك فذلك مائة في اللسان وألف في الميزان، فأيّكم يعمل في اليوم ألفين وخمسمائة سيئةيأتي أحدكم الشيطان إذا فرغ من صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فيقوم ولا يقولها، فإذا اضطجع يأتيه الشيطان فينومه قبل أن يقولها» .
فإذا تسلح الإنسان بالإرادة والعزيمة والتوكل على الله، لم يكن للشيطان عليه سبيل فإن كيد الشيطان كان ضعيفًا.
أيها المسلمون:
وتبقى عوامل أخرى فطول الأمل والتساهل بصغائر الذنوب والتوسع في المباحات، وتتبع الرخص والغفلة عن الموت وما بعده من أهوال وشدائد واتباع الهوى ..
كل هذه عوامل لها أثرها في ضعف التطبيق وعدم العلم بالعمل.
أخي المسلم:
لكي تندفع نحو العمل وتتبع الموعظة تطبيقًا وتنفيذًا فتذكر:
تذكر أن سلعة الله غالية وسلعته هي الجنة وهي مطلوب كل مسلم ومفتاحها العمل لامجرد الاستماع والقول {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]
وتذكر أن النار التي يرهبها كل مسلم لانجاة منها إلا بالعمل {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا} [ مريم :72] وتذكر أن من عمل صالحًا فلنفسه وأن الله غني عن عباده، وتذكر أنك مسؤول أمام الله عما علمت فماذا أنت قائل، فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن علمه ماذا عمل به.
وتذكر أن العمل الصالح هو السبيل إلى عون الله وتأييده وهو السبب في سكينة النفس وطمأنينة القلب {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ} [النحل:97].
حاول التوفيق بين القيام بالطاعات وأداء ماعليك من الواجبات، فإن لربك عليك حقًا ولنفسك عليك حقًا ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه، واعمل فإن لم تستطع فأعن غيرك فإن لم تستطع فكف شر نفسك.
والأهم ثم المهم هو ترتيب الأولويات، فإن الله لايقبل نافلة حتى تؤدى فريضة، والواجب الضيق مقدم على الواجب الموسع.
وأخيرًا:
إن كنت عازمًا على التطبيق فاستعن على ذلك بالدعاء، فالتوفيق للعمل فضل من الله يؤتيه من يشاء.
فاسأل الله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته وقد كان من دعائه عليه السلام: «اللهم إني أسالك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين»، ومن وصاياه: «لاتدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
اللهم إنا نعوذ بك أن نقول زورًا أو نغشى فجورًا أو أن نقول ما لانفعل
اللهم صلّ وسلم
أحمد بن عبدالعزيز الشاوي