كتاب منهج السالكين - كتاب الأيمان والنذور


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

فإننا قد توقفنا في شرحنا لمنهج السالكين على بابي الأيمان والنذور.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب الأيمان والنذور: لا تنعقد اليمين إلا بالله أو اسم من أسمائه أو صفة من صفاته، والحلف بغير الله شرك لا تنعقد به اليمين، ولا بد أن تكون اليمين الموجبة للكفارة على أمر مستقبل، فإن كانت على ماض وهو كاذب عالماً فهي اليمين الغموس، وإن كان يظن صدق نفسه فهي من لغو اليمين، كقوله: لا ولله، وبلى ولله في عرض حديثه، وإذا حنث في يمينه؛ بأن فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله وجبت عليه الكفارة: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير )، متفق عليه.

وفي الحديث: ( من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه )، رواه الخمسة.

ويرجع في الأيمان إلى نية الحالف، ثم إلى السبب الذي هيج اليمين، ثم إلى اللفظ الدال على النية والإرادة إلا في الدعاوى، ففي الحديث: ( اليمين على نية المستحلف )، رواه مسلم ].

المراد باليمين وما تنعقد به والفرق بينها وبين النذر

قال المؤلف رحمه الله: (باب الأيمان والنذور).

اليمين هو: أن يعقد اليمين بلفظ الجلالة أو أي صفة من صفاته سبحانه، أو ما كان في حكم ذلك، كأن يقول: علي عهد الله وأمانته، فهذا في حكم اليمين، والمؤلف رحمه الله ذكر الأيمان والنذور، والفرق بينهما هو أن اليمين لحض أو حث نفسه على أمر.

أما النذر فهو: إلزام العبد نفسه على أمر، فاليمين يقصد بها لكي يفعل، أو لكي يمتنع عن هذا الشيء، أما النذور فإنه: يلزم العبد نفسه مطلقاً؛ مثل: لله علي نذر أن أفعل كذا، أو معلقاً على شرط مثل: إن قدم المسافر فلله علي نذر أن أفعل كذا، أو إن شفي مريضي، أو إن نجحت في الامتحان وغير ذلك، وبقية الأشياء قريبة بعضها من بعض.

قوله: (لا تنعقد اليمين إلا بالله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته)، يعني: أن يذكر لفظ الجلالة، مع أداة القسم، أو اسم من أسمائه: الرحمن، الرحيم، السميع، البصير، أو صفة من صفاته مثل: أقسم بآيات الله، فهذه صفة من صفاته.

وهل يلزم ذكرها إن كان قد نواها؟ مثل: أن يقول: حلفت لأفعلن كذا، ويقصد الحلف بآيات الله، أو أقسمت لأفعلن كذا، هل تلفظ بلفظ الجلالة أو بأسمائه؟ لا، ولا بصفاته، فنقول: إن قال: أقسمت لأفعلن كذا، أو حلفت لتفعلن كذا أو لأفعلن كذا، إن كان نوى الحلف بالله فإنه يكون يميناً، وإلا لم يكن شيئاً، وهذا القول هو مذهب الإمام أحمد ، خلافاً لـمالك و الشافعي اللذين قالا: ليس بيمين، و أبو حنيفة يقول: يمين مطلقاً، و أحمد قال: على ما نواه، وهذا الأظهر، وعلى هذا الذين يقولون: حلفت أن تجلس، حلفت أن تذهب، حلفت أن تفعل، فنقول: إن كان يقصد عند قوله: حلفت كما يقول: أحلف بالله العظيم صار يميناً، وإن كانت إنما هي لفظة دارجة في لسانه فإنه ليس لها حكم اليمين، والله أعلم.

الحلف بغير الله ومدى ثبوت كفارة اليمين فيه

ثم قال المؤلف: (والحلف بغير الله شرك)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تحلفوا بآبائكم، فإنه من حلف بشيء غير الله فقد أشرك )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ).

يقول المؤلف: (لا تنعقد به اليمين) فلو قال: واللات والعزى، أو والنبي فإنه ليس بيمين، وهو آثم، وعليه التوبة، وهل يكفر عن يمينه؟ لا يكفر عن يمينه؛ لأنها لم تنعقد أصلاً، والله أعلم.

اليمين الموجبة للكفارة

ثم قال المؤلف: (ولا بد أن تكون اليمين الموجبة للكفارة على أمر مستقبل)، فلو أنه قال: أمس الذي درسنا الدكتور فلان، فقال شخص: لا، الذي درسنا الدكتور الآخر، قال: والله العظيم الذي درسنا فلان. فهو الآن حلف على أمر ماض، فليس فيها كفارة.

أو مثلاً يقول: والله العظيم الذي قال هذا القول ابن تيمية، قال آخر: والله الذي قال هذا القول الشافعي، فهنا هل يلزمهم كفارة؟

لا، لأنهما حلفا على أمر ماض، والكفارة لا بد فيها أن يكون اليمين على أمر مستقبل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( وإني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ).

المراد باليمين الغموس ويمين اللغو والفرق بينهما

ثم قال المؤلف: (فإن كانت على ماض وهو كاذب عالماً فهي اليمين الغموس)، مثل أن يقول: والله إني اشتريتها بمائة ريال، وقد اشتراها بخمسين، فهذا يمين الغموس، أو والله العظيم إن فلان قال فيك كذا، وهو كاذب فهي يمين غموس.

أما إن كان يظن صدق نفسه، مثل أن يخيل إليه أن ابن تيمية قال في الكتاب الفلاني مسألة ولم يقلها، فهذا يقول المؤلف: (وإن كان يظن صدق نفسه فهي من لغو اليمين)، فليس فيها كفارة، لكنه لا ينبغي له أن يستكثر من الأيمان؛ لقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، وعلى هذا قال المؤلف: (كقوله: لا والله، وبلى والله في عرض حديثه)، إذا قال الإنسان: لا والله عساك تعبان، لا والله ستذهب معنا، لا والله لن أذهب، أريد أن تدرس اليوم، لا والله لن أدرس، هذا ما حكمه؟

قالوا: من لغو اليمين، كما قال الله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225]، قالت عائشة : هو قول الرجل لا والله، بلى والله.

أما إن قال رجل: والله إنك ستجلس، وعقد اليمين، وجعله في حكم اليمين، فهذا في حكم اليمين؛ لأنه عقد به قلبه، والله أعلم.

كفارة اليمين

ثم قال المؤلف: (وإذا حنث في يمينه، بأن فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، وجبت عليه الكفارة)، فإذا وجبت عليه الكفارة فقد حنث في يمينه. مثلاً قال: والله ما أشرب الماء العصر، فشرب الماء، فحينئذ نقول: حنث في يمينه، أو مثلاً: والله لأشربن الماء العصر، ثم لم يشرب الماء العصر، فإنه يكون قد حنث في يمينه، فيلزمه الكفارة، وما هي الكفارة؟ قال تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89]، أنت بالخيار بين أن تطعم عشرة مساكين، ولا بد أن يكونوا عشرة، وليس قيمة عشرة، فلو أعطيت ألف ريال كل واحد ما أجزأ، فلا بد أن تطعمهم إطعاماً، ولو أعطيت مقدار إطعام عشرة لواحد ما أجزأ حتى تطعم عشرة، فلا بد من الإطعام، والإطعام يكون مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89]، فلو أعطيت كل واحد ربع دجاجة مع الأرز كفاك، ولو أعطيت كل واحد شاورما ثريد مع مشروب كفاك؛ لأن هذا من أوسط ما نطعم، وقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم في زواجه بإحدى زوجاته بثريد، أطعمهم خبزاً ولحماً حتى شبعوا، ويسمى الخبز واللحم شاورما، فهذا من أوسط ما نطعم، إذاً: فلا حرج في ذلك.

ثم قال المؤلف: (فإن لم يجد صام ثلاثة أيام)، وبعض الناس يخطئ فيصوم ثلاثة أيام ابتداءً، مع أنه قادر على تملك ستين ريالاً؛ لأن الإنسان إذا ملك ستين ريالاً يستطيع أن يطعم عشرة مساكين، فإذا كان يملك ستين ريالاً فلا يجوز له أن يصوم، فلو صام لم يجزئه؛ لأنه انتقل إلى الجزء الثاني مع قدرته على الجزء الأول، والله أعلم.

واعلم أنه إذا حلف الإنسان على أمر مستقبل، ثم بدا له أن يفعل هذا الأمر، فلا يلزمه أن يحنث في يمينه فيكفر، فلو كفر ثم حنث جاز ذلك، لما جاء في حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وإني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني )، وفي حديث عبد الرحمن : ( فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير )، وكلا الحديثين متفق عليهما. ثم ذكر المؤلف حديث عبد الرحمن بن سمرة ، وهذا أصل، وكذلك حديث أبي موسى الذي مر معنا.

الاستثناء في اليمين

ثم قال المؤلف: (ومن حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه)، لأنه علقه تحت مشيئة الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه، فإذا قال: والله العظيم ما أذهب إلى فلان، قال صاحبه: قل: إن شاء الله، قال: والله العظيم لا أذهب إلى فلان، فقال صاحبه: قل: إن شاء الله، قال: إن شاء الله، فهل يجزئ؟ نقول: الصحيح أنه يجزئ، ولو تأخر، لما جاء في الصحيحين أن سليمان عليه السلام قال: ( لأطوفن الليلة على سبعين امرأة -وفي رواية: مائة امرأة- كلهن تحمل فارساً يقاتل في سبيل الله، قال له صاحبه قل: إن شاء الله، فلم يقل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولو قال لكان ذلك حنثاً في يمينه )، والله أعلم، يعني: لو قال: إن شاء الله، لأدرك وكان ذلك حنثاً في يمينه أو كما قال صلى الله عليه وسلم، يعني: لو قال: إن شاء الله لأدرك، يعني: يمكن أن تحمل نساؤه، والله أعلم.

ما يرجع إليه في اليمين

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويرجع في الأيمان إلى نية الحالف)، يعني: لو قال: والله لا أشرب شيئاً، وفي نيته أنه لا يشرب الشاي والماء، لكنه لو قدم له عصير شرب؛ لأن نيته الشاي، فهذا يرجع فيه إلى النية، ولو كان اللفظ لا يحتمله فالنية تقيده، فلو قال: والله لا آكل شيئاً، وقصده من الوليمة الذي دعاه إليها شخص، فهذا النية تقيد يمينه.

الثاني: (إلى السبب الذي هيجه) أي: هيج اليمين، وهو الدخول عند فلان، أو زيارة فلان، أو حضور وليمة فلان، هذا هو الذي هيجه.

الثالث: (إلى اللفظ الدال على النية والإرادة) يعني: اللفظ يحتمل أو لا يحتمل.

هذه ثلاثة أشياء: النية، السبب الذي هيجه، الثالث: اللفظ.

يقول المؤلف: (إلا في الدعاوى)؛ لأنه في الدعاوى يجب أن تحلف على نية المستحلف الذي طلب منك، فلو كان عليه مائة ألف لشخص ولم يستطع المدعي أن يثبت، قال: يا شيخ! أريد من المدعى عليه أن يحلف، جاء المدعى عليه ويظن أنه ذكي فقال: والله الذي لا إله غيره إن فلاناً لا يطلبني، وفي نيته لا يطلبني دماً، يعني: قصاصاً، يظن أنه سيفر من المشكلة، فهل يجوز له ذلك؟ لا؛ لأن اليمين على نية المستحلف، والمستحلف هنا نيته المال، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (باب الأيمان والنذور).

اليمين هو: أن يعقد اليمين بلفظ الجلالة أو أي صفة من صفاته سبحانه، أو ما كان في حكم ذلك، كأن يقول: علي عهد الله وأمانته، فهذا في حكم اليمين، والمؤلف رحمه الله ذكر الأيمان والنذور، والفرق بينهما هو أن اليمين لحض أو حث نفسه على أمر.

أما النذر فهو: إلزام العبد نفسه على أمر، فاليمين يقصد بها لكي يفعل، أو لكي يمتنع عن هذا الشيء، أما النذور فإنه: يلزم العبد نفسه مطلقاً؛ مثل: لله علي نذر أن أفعل كذا، أو معلقاً على شرط مثل: إن قدم المسافر فلله علي نذر أن أفعل كذا، أو إن شفي مريضي، أو إن نجحت في الامتحان وغير ذلك، وبقية الأشياء قريبة بعضها من بعض.

قوله: (لا تنعقد اليمين إلا بالله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته)، يعني: أن يذكر لفظ الجلالة، مع أداة القسم، أو اسم من أسمائه: الرحمن، الرحيم، السميع، البصير، أو صفة من صفاته مثل: أقسم بآيات الله، فهذه صفة من صفاته.

وهل يلزم ذكرها إن كان قد نواها؟ مثل: أن يقول: حلفت لأفعلن كذا، ويقصد الحلف بآيات الله، أو أقسمت لأفعلن كذا، هل تلفظ بلفظ الجلالة أو بأسمائه؟ لا، ولا بصفاته، فنقول: إن قال: أقسمت لأفعلن كذا، أو حلفت لتفعلن كذا أو لأفعلن كذا، إن كان نوى الحلف بالله فإنه يكون يميناً، وإلا لم يكن شيئاً، وهذا القول هو مذهب الإمام أحمد ، خلافاً لـمالك و الشافعي اللذين قالا: ليس بيمين، و أبو حنيفة يقول: يمين مطلقاً، و أحمد قال: على ما نواه، وهذا الأظهر، وعلى هذا الذين يقولون: حلفت أن تجلس، حلفت أن تذهب، حلفت أن تفعل، فنقول: إن كان يقصد عند قوله: حلفت كما يقول: أحلف بالله العظيم صار يميناً، وإن كانت إنما هي لفظة دارجة في لسانه فإنه ليس لها حكم اليمين، والله أعلم.