شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [39]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

آخر المباحث عندنا في مبحث الطاعون، ولعلنا ننتهي بعون الحي القيوم من هذا المبحث لنشرع في الموعظة الآتية في تحصن الإنس من الجن.

إخوتي الكرام! هذا المبحث الرابع في الطاعون حول أدب نبوي أشار إليه نبينا العربي عليه الصلاة والسلام, ينبغي أن نلتزم به نحو البلدة التي ينتشر فيها الطاعون، فإذا كنا فيها لا نخرج منها، ولا نفر من قدر الله بل نصبر, فالآن المعركة بيننا وبين الجن, فكما أننا نصبر في المعركة فلنصبر في هذه البلدة التي حصل فيها تسليط من الله للجن على الإنس، وذلك الفار من بلد انتشر فيه الطاعون كالفار من الزحف كما سيأتينا. وإذا كنا خارجين عنها فلا ندخلها، ونبتعد عنها، فنحصن أنفسنا, فلا ندخل إليها، هكذا أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم. فهذا الأدب ينبغي أن نأخذ به، والأحاديث في ذلك إخوتي الكرام كثيرة وفيرة، أذكر لكم بعضها، ثم أبين ما يتعلق بها من شرح بعون الله وتوفيقه.

رجوع عمر من الطريق عندما سمع بطاعون عمواس عملاً بحديث النبي

ثبت في الصحيحين والحديث رواه مالك في الموطأ، وأبو داود في سننه، وهو في السنن الكبرى للإمام البيهقي أيضاً، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار في الجزء الرابع صفحة (303)، وهو في جامع الأصول في الجزء السابع صفحة (217) وجامع الأصول كتاب عظيم في الحقيقة، وقد جمع الكتب الستة: الصحيحين وسنن الثلاثة ومعهم موطأ الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين، فأوصيكم بشراء هذا الكتاب من أجل سهولة المراجعة فيه للأحاديث، وأنا لا أقول: إنه يستغنى به عن تلك الكتب، فلا بد من أن تقتني الصحيحين والسنن والموطأ، لكن هذا من أجل سهولة المراجعة يبين لك أن الحديث في هذه الكتب، ثم بعد ذلك في التعليق عندما تقول: رواه البخاري في الكتاب كذا، باب كذا، ترجع إليه، لكن فيه الضبط والسهولة. ولفظ الحديث: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين خرج إلى الشام، وكان خروجه في العام الثاني عشر من هجرة نبينا خير البشر عليه الصلاة والسلام أيام خلافته في ربيع الآخر في سنة ثمان عشرة للهجرة، وقد وقع الطاعون في بلاد الشام -طاعون عمواس- في شهر الله المحرم من العام الثاني عشر وفي صفر، ثم ارتفع، أي: في شهر ربيع الأول، فكتبوا إلى سيدنا عمر رضي الله عنه أن الطاعون قد ارتفع؛ ليقدم إلى هذه البلاد المباركة؛ لتتبرك به رضي الله عنه وأرضاه كما تبركت بالصحابة الكرام رضوان الله أجمعين. فلما وصل إلى أسوار بلاد الشام بلغه أن الطاعون قد عاد إليها أشد مما كان، وهو قد خرج من المدينة ووصل إلى بلاد الشام، ويحتاج المسافة من بلاد الشام إلى المدينة المنورة مدة أسبوع أو عشرة أيام على الإبل والخيل، فلما بلغه أن الطاعون فيها أشد مما كان توقف، وبدأ يستشير الصحابة الكرام، هذا ما قاله الشيخ في الفتوح.

وقال خليفة : إن خروج عمر رضي الله عنه وأرضاه كان سنة (17) للهجرة، قال الحافظ ابن حجر : فالله أعلم، كما قال خليفة في تاريخه: العلم عند الله جل وعلا. انظروا فتح الباري في الجزء العاشر صفحة (184).

إذاً: عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرْغ -بالغين- ويقال: مَسرَغ، بسكون الراء وفتحها، وهي بلدة في بلاد الشام افتتحها سيدنا أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه هي واليرموك والجابية، وبينها وبين المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه ثلاث عشرة مرحلة، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد الذين كانوا يقودون المعارك في بلاد الشام، وهم السادة الكرام: خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، هؤلاء الخمسة، وكان أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين قد جعل أمر الجهاد إلى خالد ، يعني: هؤلاء أمراء الأجناد كلهم تحت إمرة خالد فيما يتعلق بالجهاد، وكل واحد أمير على قومه، فلما آل الأمر إلى عمر جعل أبا عبيدة هو المسئول عن أمر الجهاد رضي الله عنهم أجمعين. والأجناد كانت في بلاد الشام مقسمة إلى خمسة أقسام: الأردن قسم وعليها جند وعليها أمير، ودمشق وفلسطين وحمص وقنسرين، وهي الآن حلب, ولا زال إلى الآن باب قنسرين، هذه أجناد خمسة على كل واحد منها أمير، وكلهم كانوا بالنسبة للحرب تحت إمرة خالد في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فلما آل الأمر إلى عمر جعل أبا عبيدة هو المسئول عن الأجناد جميعاً، وهو الإمام المقدم عليهم, يرجعون إليه في أمر الجهاد.

إذاً: لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فأخبروه أن الوباء قد وقع في الشام، وقد تقدم معنا أن كل طاعون وباء وليس كل وباء طاعوناً؛ لأن الوباء: مرض عام ينتشر في الناس بلا استثناء، فيقال له: وباء، فالطاعون فيه هذه الصفة, فهو وباء وطاعون، ولما ينتشر مثلاً مرض الكوليرا أو غيره فهو وباء وليس بطاعون. فلقيه أمراء الأجناد فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقال عمر : ادع لي المهاجرين الأولين, على الترتيب مهاجرين وأنصار ومن جاء بعدهم من مسلمة الفتح، كما قال الله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10]. والله قدم المهاجرين على الأنصار في كتابه، فقال: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]. ثم قال الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، ونسأل الله أن يجعلنا أن يجعلنا من الصنف الثالث، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

إذاً: مهاجرون، وأنصار، ومن تبعهم بإحسان، وقد خرج الشيعة اللئام من هذه الأقسام، فليسوا من المهاجرين قطعاً وجزماً، وليسوا من الأنصار قطعاً وجزماً، وليسوا من التابعين الأبرار؛ لأن الله يقول: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]، وهم يتعبدون الشيطان بلعن الصحابة الكرام. وهكذا يقول تعالى في سورة التوبة: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، وقد تقدم الكلام في (مِن) في قوله: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ هل هي تبعيضية أو لبيان الجنس؟ فهل يدخل فيها جميع المهاجرين وجميع الأنصار، أم السابقون منهم فقط من الصنفين؟ وعلى قراءة يعقوب فيما يظهر أنها للجنس والعلم عند الله، فالأنصار كلهم والمهاجرون كلهم، ثم من تبعهم على هذا الوصف الكريم.

استشارة عمر للمهاجرين والأنصار ومهاجرة الفتح في عدم دخول عمواس

الشاهد هنا: أنه دعا المهاجرين في أول الأمر إجلالاً لهم، قال: ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبر أن الوباء قد وقع بالشام, يعني: أخبرهم، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، نريد أن ندخل بلاد الشام لمصلحة المسلمين، كيف نرجع عن عزمنا وقصدنا؟ وقال بعضهم: معك بقية الناس، وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فلما اختلفوا قال: ارتفعوا عني. سنستشير بقية المسلمين، ثم قال سيدنا عمر لــعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا على رأيين، رأي يقول: قدمت لأمر لا نرى لك أن ترجع عنه، ورأي يقول: معك بقية أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام, وهم وجوه الناس, فلا تقدمهم على هذا البلد الذي فيه ما فيه من مهلكة.

إذاً: فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، ممن هاجروا عند فتح مكة، ومن هم من أهل مكة بعد الفتح يقال لهم: مهاجرون، وإن لم يهاجروا قبل فتح مكة، ولا هجرة بعد فتح مكة، باعتبار حكمهم الأصلي؛ لأن أهل مكة يطلق عليهم مهاجرون، وأهل المدينة يطلق عليهم أنصار، فمن هاجر من أهل مكة ولو بعد فتح مكة، يقال له: مهاجري؛ لأن عداده من أهل مكة، قال: فدعوتهم. لكن هنا ما اختلفوا بل اتفقوا، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، هؤلاء الذين يريدون السلامة في الدنيا، نرى أن ترجع بالناس، وأما أولئك فعندهم عزيمة قوية وتوكل على الله, وما عندهم علم بحديث النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع، لكن الذي عنده عزيمة قوية يقول: نذهب وندخل، ولا يمنعنا قدر الله جل وعلا من الدخول، ونفوض أمرنا إلى الله، وكيف نفر من قدر الله؟ وفريق آخر من باب الرأفة يقول: معك بقية أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، إن قدموا لعلهم يصابون فيموتون وتخلو الأرض من الصحابة, فنرجع رفقاً بهم، أما هؤلاء فما اختلف رجلان منهم، قالوا: ارجع يا أمير المؤمنين! وإياك إياك أن تقترب من الشام أو تتقدم شبراً! نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء.

اعتراض أبي عبيدة على رجوع عمر من الطريق ورده عليه

فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر. أي: في الصباح سوف أركب ظهري وأمشي، فأصبحوا عليه، نبيت هذه الليلة وفي اليوم الثاني نعود من حيث جئنا. الآن أمراء الأجناد معه، وعلى رأسهم أبو عبيدة ، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين: أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! وفي رواية: قال أبو عبيدة لسيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين: أترجع فراراً؟ وفي رواية: وقالت طائفة منهم أبو عبيدة : أمن الموت نفر؟ إنما نحن بقدر، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، لم نرجع؟ فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! لأن عمر رضي الله عنه كان شديد الاحتياط من مخالفة أبي عبيدة له، يخشى غاية الخشية أن يخالفه أبو عبيدة ، ولذلك لو كان أبو عبيدة حياً كما قال عمر رضي الله عنه عند استشهاده لعهد إليه بالخلافة من غير مشورة.

وهنا قال: لو غيرك قالها، يرى أنه هو المقدم على الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وقوله: (لو غيرك) الجواب: لعاقبته، لكن أنت أمير الأجناد، فلو غيرك قالها لما سلم من عقابي في هذه الساعة. وقيل: الجواب: لم أتعجب منه؛ لأنه ليس في التحقيق والرزانة والوعي كهيئتك وعلى شاكلتك، ولو قال يكون طيشاً من طيشانه، قال قولاً من غير تأمل، أما أنت فكيف تقول هذا الكلام؟ لو غيرك قال لكان أولى بذلك منك، وأنت تقول هذا، وقيل: إنها للتمني, فلا تحتاج إلى جواب، لو غيرك قالها، أتمنى أن يقول هذا غيرك، ولا أريد أن يصدر هذا منك رضي الله عنه وأرضاه.

ثم قال عمر رضي الله عنه: نعم, نفر من قدر الله إلى قدر الله، نحن في جميع الأحوال بين قدر ذي العزة والجلال، وإذا لم ندخل الشام فقد هربنا من قدر الله، وسوف ندخل تحت قدره، وإذا دخلنا تحت قدره فعلام تقول: نفر من قدر الله؟ نحن تحت قدر الله أينما كنا، نفر من قدر الله إلى قدر الله، وهل عدم دخوله إلى الشام فراراً من القدر؟ لا ثم لا. إذاً: كيف أطلق عليه أنه فرار؟ لأن الصورة في الظاهر أنه فرار، من حيث الظاهر هو فرار، لكن في الواقع ليس هذا من باب الفرار من قدر الله جل وعلا، إنما نحن ندفع القدر بالقدر، وهنا إن كان هذا المكان فيه ضر علينا فلنجتنبه إلى غيره، ولا حرج ولا منقصة في ذلك، ولو قدر علينا سيصيبنا ولو كنا في بروج مشيدة، فنحن في قدر الله أينما كنا.

ثم قال لسيدنا أبي عبيدة : يا أبا عبيدة ! أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عُدوتان، بضم العين وكسرها، والعدوة: هي المكان المرتفع من الوادي، جانبه، شاطئه، يعني: له جانبان، جانب فيه عشب، وجانب لا عشب فيه ولا خير ولا زرع. له عدوتان, إحداهما خصبة، وفي رواية: خصيبة، فيها زروع وفيها مروج وخير، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ وفي رواية كما في صحيح مسلم : قال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه: أرأيت لو أنه رعى الجدبة، يعني: من نزل في واد له عدوتان، إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة، أرأيت لو أنه رعى الجدبة وترك الخصبة أكنت معجِّزه؟ أي: ناسبه إلى العجز والحماقة وقلة الرأي؟ نزل بواد له عدوتان، هنا عشب وهنا أرض قاحلة لا عشب فيها، ثم جاء يرعى في الأرض القاحلة، ألا تنسبه إلى العجز والحماقة، وهذه إن رعاها بقدر الله، وهذه إن رعاها بقدر الله.

قال: أكنت معجزه؟ قال: نعم، قال: فسر إذن. فسار حتى أتى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه.

قطع عبد الرحمن بن عوف ما وقع من خلاف بين الصحابة بإخبارهم بحديث رسول الله فيما يفعل عند وقوع الطاعون بأرض ما

قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين، وكان متغيباً في بعض حاجاته، يعني: هذه المشورة ما حضرها عبد الرحمن بن عوف ، كان متغيباً في بعض الحاجات، فلما جاء قال: إن عندي من هذا لعلماً، أنا عندي علم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهنا يرتفع الكلام والخصام, ما في داعي بعد ذلك لكلام متكلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ), أي: لا تدخلوا هذه الأرض التي فيها الطاعون، ( وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ). قال: فحمد الله عمر بن الخطاب ثم انصرف. على أنه وفق للسفر.

وفي حديث معمر قال: وقال له أيضاً: أرأيت لو أنه رعى الجدبة وترك الخصبة أكنت معجزه؟ قال: نعم، قال: فسر إذاً، قال: فسار حتى أتى المدينة، فقال: هذا المنزل إن شاء الله.

ذكر روايات حديث نهي النبي عن دخول أرض فيها طاعون أو الخروج منها عن عدة من الصحابة

هذا الحديث الأول، وهو من رواية سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع هذا الكلام من النبي عليه الصلاة والسلام، ويرويه عنه ابن عباس أيضاً، فهو من رواية عبد الرحمن بن عوف : ( إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع في بلد وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فراراً منه ). وهذا الحديث روي عن غير عبد الرحمن بن عوف أيضاً، روي عن سيدنا حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حبه أسامة بن زيد رضي الله عنهما أجمعين، وحديثه في المسند والصحيحين وموطأ الإمام مالك وسنن الترمذي , وهو في السنن الكبرى للإمام البيهقي أيضاً، وغالب ظني أن حديث أسامة كنت ذكرته عند أول مبحث الطاعون في تحقيق كلام الإمام ابن القيم في أنه بقية رجز وعذاب أرسل على من قبلنا. وقلت: يصلح أن يكون في مسند ثلاثة من الصحابة الكرام؛ لأنه اشترك فيه أسامة وسعد بن أبي وقاص وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، فيصلح أن يكون من مسانيد هؤلاء الثلاثة، رضي الله عنهم أجمعين.

ولفظ الحديث: عن إبراهيم بن سعد وهو ابن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين، قال: سمعت أسامة يحدث سعداً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ). وفي حديث حبيب بن أبي ثابت قال: كنا بالمدينة فبلغني أن الطاعون قد وقع في الكوفة، فقال عطاء بن يسار وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كنت بأرض فوقع بها فلا تخرج منها، وإذا بلغك أنه بأرض فلا تدخلها ). قال: قلت: عمن؟ حبيب بن أبي ثابت يسأل عطاء الذي يروي هذا الحديث: عمن ترويه؟ قال: عن عامر بن سعد يحدث به, قال: فأتيته، فقالوا: غائب، فلقيت إبراهيم بن سعد وهو أخ لـعامر ، فسألته، فقال: شهدت أسامة يحدث سعداً ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن هذا الوجع رجز أو عذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم, فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها. قال حبيب : فقلت لـإبراهيم : أنت سمعت أسامة يحدث سعداً وهو لا ينكر؟ قال: نعم ). فكأن سعداً يقر هذا.

وفي رواية عامر بن سعد أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعداً : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الوجع - أي: وجع الطاعون ومرضه- فقال: رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم، ثم بقي منه بقية، فيذهب المرة ويأتي الأخرى، فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه، ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فراراً منه ). وفي رواية محمد بن المنكدر : أن أسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ). وكما قلت: الحديث في الصحيحين وغيرهما، وهذه رواية البخاري ومسلم.

وفي رواية لـمسلم عن حبيب عن إبراهيم بن سعد عن سعد بن مالك وخزيمة بن ثابت وأسامة بن زيد -هؤلاء الثلاثة الآن رووه كلهم- قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الحديث المتقدم معنا. ولذلك يصلح أن يكون في مسانيد هؤلاء الثلاثة الكرام من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين: أسامة وخزيمة وسعد رضي الله عنهم أجمعين.

وحديث سعد ورد أيضاً على انفراده في غير هذا الحديث، رواه الإمام مسلم في صحيحه عن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أسامة في الطاعون أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إن هذا الوجع رجز أو عذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها ). وهذا الحديث هنا كما هو في صحيح مسلم رواه الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار، في الجزء الرابع صفحة (35).

هذه هي الروايات إخوتي الكرام! رواية عبد الرحمن بن عوف ، وقد شهدها ابن عباس رضي الله عنهما ونقلها، وذكرها أمام عمر وأمام أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، بل أمام الصحابة أجمعين، ونقلها ابن عباس ، ولم ينكرها منكر رضي الله عنهم أجمعين. ورويت من طريق أسامة بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص ، وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين. والمعنى واحد في أحاديث هؤلاء الأربعة, أن الطاعون إذا وقع في بلد لا يجوز أن ندخلها، وإذا كنا فيها لا ينبغي أن نخرج فراراً منه.

امتناع عمر عن دخول عمواس والرجوع إلى المدينة وحجته في ذلك

هذا الأمر حوله بعض المباحث على رواية هذه الأحاديث:

أولها: كما تقدم معنا وذكرت: أن خروج عمر رضي الله عنه وأرضاه كان في العام الثامن عشر أو السابع عشر، ففي رواية سيف بن عمر في العام الثامن عشر، وفي رواية خليفة بن خياط في العام السابع عشر, والعلم عند الله جل وعلا.

الأمر الثاني: بعد أن استشار سيدنا عمر رضي الله عنه الصحابة الكرام قرر الرجوع، ولا يعتبر هذا من باب الهرب من القدر، فــعمر رضي الله عنه فر من أمر خاف على نفسه منه، فلم يهجم على أمر مخوف, ابتعد عنه، ثم فر إلى أمر لا يخاف على نفسه منه، إلى ما لا بد من وقوعه، سواء كان ظاعناً أو مقيماً, فحالته كحالة رجل أراد أن يدخل داراً، والمقدر أن هذه الدار داره وبيته، فرأى أن النار تضطرم فيها وتشتعل، فهرب عنها وما دخلها، فهل هذا فر من قدر الله؟ لا ثم لا، بل هو أمر مخوف ابتعد عنه، إلى أمر لا يخاف منه على نفسه، إلى ما لا بد منه، وهو قدر الله، إذا قدر عليه أن يحترق ولو هرب من هذا البيت فستطير شرارة من هذا البيت وتحرقه أينما ذهب، لكن هناك من ناحية الظاهر لا خوف، وأما قدر الله فنحن ما هربنا منه، قدر الله سيصيبنا سواء كنا ظاعنين أو مقيمين في هذه البلدة التي فيها الطاعون أو في غيرها.

هذا حال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه، كمن أراد أن يدخل بيتاً فرأى ناراً تشتعل فترك، وقال: لا داعي أن أدخل هذا البيت، ولا يجوز أن يدخل، وهنا كذلك، فلا يقال هربت من قدر الله، بل قدر الله أوقن أنه سيصيبني أينما كنت، لكن هنا أمر أخاف منه على نفسي فابتعدت عنه، وهناك أمر لا أخاف فيه على نفسي فلجأت إليه، وما قدر علي سيصيبني أينما كنت، هذا حال سيدنا عمر , وهو المحدث الملهم رضي الله عنه وأرضاه.

إخوتي الكرام! وأبو عبيدة من عجيب أمره رضي الله عنه وأرضاه أنه أول من أشار على سيدنا عمر رضي الله عنه بالرجوع، ثم بعد ذلك لما عزم سيدنا عمر على الرجوع كأنه رأى أن هذا ينافي التوكل، فرجع عن رأيه، وقال: كيف تفر من قدر الله؟ وقد ثبت هذا في شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي في الجزء الرابع صفحة (303)، وإسناد الأثر صحيح كما قال الحافظ في فتح الباري، والأثر من رواية أنس بن مالك ، وذكره الحافظ في الفتح في الجزء العاشر صفحة (184), وقال: إسناده صحيح: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقبل إلى الشام فاستقبله أبو طلحة وأبو عبيدة بن الجراح ، فقالا: يا أمير المؤمنين! إن معك وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيارهم، وإنا تركنا من بعدنا مثل حريق النار، فارجع العام. هذا كلام أبي عبيدة وأبي طلحة ، فرجع عمر ، فلما كان العام المقبل جاء ودخل بلاد الشام، فـأبو عبيدة رضي الله عنه هو أول من أشار على عمر رضي الله عنه بالرجوع، ثم رجع, وظن أن هذا ينافي التوكل.

وسبب رجوعه: أنه لما رأى جنوح وميل أكثر المهاجرين والأنصار إلى قوله الثاني ألا وهو عدم الرجوع، وأن أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن معه جاءوا لأمر فما ينبغي أن ينصرفوا عنه، كان هذا رأي الغالبية من المهاجرين والأنصار، فـأبو عبيدة رضي الله عنه اطمئن إلى هذا، ثم غلب جانب التوكل، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فقال: فلندخل. فإذا كانت الإصابة مقدرة علينا ستلاقينا أينما كنا، وإذا لم تكن مقدرة علينا فلن نصاب بضر ولا أذى ولا مكروه، فلماذا إذاً لا تدخل يا أمير المؤمنين أنت ومن معك؟! فرجع عن رأيه الأول رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.

فـعمر رضي الله عنه ناظره واستظهر عليه قبل بلوغهم الحجة من النبي عليه الصلاة والسلام، وقبل سماعهم بها، ناظره على حسب الأدلة الشرعية، أنت ترى أنه ينبغي أن ندخل تغليباً لجانب التوكل، لكن أنا أقول لك: أنت لو نزلت في وادٍ له عدوتان: إحداهما: خصبة، والأخرى: جدبة، إذا رعيت الخصبة فبقدر الله، وإن رعيت الجدبة فبقدر الله.

إذاً: نحن نتبع القدر بالقدر، وقدر الله لن نفلت عنه أينما كنا، لكن نصون أنفسنا عن مظاهر هلاك وعطب وتلف، فاستظهر عليه بالحجة، فسلم أبو عبيدة ، ثم بلغ عمر رضي الله عنه الخبر اليقين الذي يثلج صدور المؤمنين، وهو حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، فاطمأن لرأيه غاية الاطمئنان، ولعله -والعلم عند الله- فيما يظهر لي أن سيدنا عمر رضي الله عنه بعد أن حصل منه ما حصل من استشارة، وقرر الرجوع، قال: إني مصبح على ظهر، فما انقلب مباشرة، هذا فيما يبدو لي، ولا أقول: إنه ثابت أو قطعي، أو هذا هو الذي حصل في قلب سيدنا عمر ، العلم عند ربنا جل وعلا، لكن فيما يبدو أن عمر رضي الله عنه قدر رأي أبي عبيدة وقال: في هذه الليلة عندنا مجال للاستشارة أكثر، وأنظر ماذا يلقى في قلبي، وكأنه قال: لا أريد الرجوع مباشرة، فلننتظر إلى الصباح فقد يحصل عندي اطمئنان أم لا، ففاجأهم عبد الرحمن بن عوف بقدومه فاطمأن الخليفة الراشد المحدث الملهم غاية الاطمئنان، وكر راجعاً.

لكن الذي يبدو لي أنه أخر الانصراف لأنهم لا مصلحة لهم في الرجوع تلك اللحظة، قال: إني مصبح على ظهر، فحضروا أنفسكم في الصباح على أن نعود إلى المدينة المنورة، والآن نبيت بسرغ كما تقدم معنا، هذا المكان نمكث فيه، لكن بعد أن قال

ثبت في الصحيحين والحديث رواه مالك في الموطأ، وأبو داود في سننه، وهو في السنن الكبرى للإمام البيهقي أيضاً، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار في الجزء الرابع صفحة (303)، وهو في جامع الأصول في الجزء السابع صفحة (217) وجامع الأصول كتاب عظيم في الحقيقة، وقد جمع الكتب الستة: الصحيحين وسنن الثلاثة ومعهم موطأ الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين، فأوصيكم بشراء هذا الكتاب من أجل سهولة المراجعة فيه للأحاديث، وأنا لا أقول: إنه يستغنى به عن تلك الكتب، فلا بد من أن تقتني الصحيحين والسنن والموطأ، لكن هذا من أجل سهولة المراجعة يبين لك أن الحديث في هذه الكتب، ثم بعد ذلك في التعليق عندما تقول: رواه البخاري في الكتاب كذا، باب كذا، ترجع إليه، لكن فيه الضبط والسهولة. ولفظ الحديث: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين خرج إلى الشام، وكان خروجه في العام الثاني عشر من هجرة نبينا خير البشر عليه الصلاة والسلام أيام خلافته في ربيع الآخر في سنة ثمان عشرة للهجرة، وقد وقع الطاعون في بلاد الشام -طاعون عمواس- في شهر الله المحرم من العام الثاني عشر وفي صفر، ثم ارتفع، أي: في شهر ربيع الأول، فكتبوا إلى سيدنا عمر رضي الله عنه أن الطاعون قد ارتفع؛ ليقدم إلى هذه البلاد المباركة؛ لتتبرك به رضي الله عنه وأرضاه كما تبركت بالصحابة الكرام رضوان الله أجمعين. فلما وصل إلى أسوار بلاد الشام بلغه أن الطاعون قد عاد إليها أشد مما كان، وهو قد خرج من المدينة ووصل إلى بلاد الشام، ويحتاج المسافة من بلاد الشام إلى المدينة المنورة مدة أسبوع أو عشرة أيام على الإبل والخيل، فلما بلغه أن الطاعون فيها أشد مما كان توقف، وبدأ يستشير الصحابة الكرام، هذا ما قاله الشيخ في الفتوح.

وقال خليفة : إن خروج عمر رضي الله عنه وأرضاه كان سنة (17) للهجرة، قال الحافظ ابن حجر : فالله أعلم، كما قال خليفة في تاريخه: العلم عند الله جل وعلا. انظروا فتح الباري في الجزء العاشر صفحة (184).

إذاً: عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرْغ -بالغين- ويقال: مَسرَغ، بسكون الراء وفتحها، وهي بلدة في بلاد الشام افتتحها سيدنا أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه هي واليرموك والجابية، وبينها وبين المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه ثلاث عشرة مرحلة، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد الذين كانوا يقودون المعارك في بلاد الشام، وهم السادة الكرام: خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، هؤلاء الخمسة، وكان أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين قد جعل أمر الجهاد إلى خالد ، يعني: هؤلاء أمراء الأجناد كلهم تحت إمرة خالد فيما يتعلق بالجهاد، وكل واحد أمير على قومه، فلما آل الأمر إلى عمر جعل أبا عبيدة هو المسئول عن أمر الجهاد رضي الله عنهم أجمعين. والأجناد كانت في بلاد الشام مقسمة إلى خمسة أقسام: الأردن قسم وعليها جند وعليها أمير، ودمشق وفلسطين وحمص وقنسرين، وهي الآن حلب, ولا زال إلى الآن باب قنسرين، هذه أجناد خمسة على كل واحد منها أمير، وكلهم كانوا بالنسبة للحرب تحت إمرة خالد في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فلما آل الأمر إلى عمر جعل أبا عبيدة هو المسئول عن الأجناد جميعاً، وهو الإمام المقدم عليهم, يرجعون إليه في أمر الجهاد.

إذاً: لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فأخبروه أن الوباء قد وقع في الشام، وقد تقدم معنا أن كل طاعون وباء وليس كل وباء طاعوناً؛ لأن الوباء: مرض عام ينتشر في الناس بلا استثناء، فيقال له: وباء، فالطاعون فيه هذه الصفة, فهو وباء وطاعون، ولما ينتشر مثلاً مرض الكوليرا أو غيره فهو وباء وليس بطاعون. فلقيه أمراء الأجناد فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقال عمر : ادع لي المهاجرين الأولين, على الترتيب مهاجرين وأنصار ومن جاء بعدهم من مسلمة الفتح، كما قال الله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد:10]. والله قدم المهاجرين على الأنصار في كتابه، فقال: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]. ثم قال الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، ونسأل الله أن يجعلنا أن يجعلنا من الصنف الثالث، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

إذاً: مهاجرون، وأنصار، ومن تبعهم بإحسان، وقد خرج الشيعة اللئام من هذه الأقسام، فليسوا من المهاجرين قطعاً وجزماً، وليسوا من الأنصار قطعاً وجزماً، وليسوا من التابعين الأبرار؛ لأن الله يقول: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]، وهم يتعبدون الشيطان بلعن الصحابة الكرام. وهكذا يقول تعالى في سورة التوبة: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، وقد تقدم الكلام في (مِن) في قوله: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ هل هي تبعيضية أو لبيان الجنس؟ فهل يدخل فيها جميع المهاجرين وجميع الأنصار، أم السابقون منهم فقط من الصنفين؟ وعلى قراءة يعقوب فيما يظهر أنها للجنس والعلم عند الله، فالأنصار كلهم والمهاجرون كلهم، ثم من تبعهم على هذا الوصف الكريم.

الشاهد هنا: أنه دعا المهاجرين في أول الأمر إجلالاً لهم، قال: ادع لي المهاجرين الأولين فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبر أن الوباء قد وقع بالشام, يعني: أخبرهم، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، نريد أن ندخل بلاد الشام لمصلحة المسلمين، كيف نرجع عن عزمنا وقصدنا؟ وقال بعضهم: معك بقية الناس، وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فلما اختلفوا قال: ارتفعوا عني. سنستشير بقية المسلمين، ثم قال سيدنا عمر لــعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا على رأيين، رأي يقول: قدمت لأمر لا نرى لك أن ترجع عنه، ورأي يقول: معك بقية أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام, وهم وجوه الناس, فلا تقدمهم على هذا البلد الذي فيه ما فيه من مهلكة.

إذاً: فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، ممن هاجروا عند فتح مكة، ومن هم من أهل مكة بعد الفتح يقال لهم: مهاجرون، وإن لم يهاجروا قبل فتح مكة، ولا هجرة بعد فتح مكة، باعتبار حكمهم الأصلي؛ لأن أهل مكة يطلق عليهم مهاجرون، وأهل المدينة يطلق عليهم أنصار، فمن هاجر من أهل مكة ولو بعد فتح مكة، يقال له: مهاجري؛ لأن عداده من أهل مكة، قال: فدعوتهم. لكن هنا ما اختلفوا بل اتفقوا، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، هؤلاء الذين يريدون السلامة في الدنيا، نرى أن ترجع بالناس، وأما أولئك فعندهم عزيمة قوية وتوكل على الله, وما عندهم علم بحديث النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع، لكن الذي عنده عزيمة قوية يقول: نذهب وندخل، ولا يمنعنا قدر الله جل وعلا من الدخول، ونفوض أمرنا إلى الله، وكيف نفر من قدر الله؟ وفريق آخر من باب الرأفة يقول: معك بقية أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، إن قدموا لعلهم يصابون فيموتون وتخلو الأرض من الصحابة, فنرجع رفقاً بهم، أما هؤلاء فما اختلف رجلان منهم، قالوا: ارجع يا أمير المؤمنين! وإياك إياك أن تقترب من الشام أو تتقدم شبراً! نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء.

فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر. أي: في الصباح سوف أركب ظهري وأمشي، فأصبحوا عليه، نبيت هذه الليلة وفي اليوم الثاني نعود من حيث جئنا. الآن أمراء الأجناد معه، وعلى رأسهم أبو عبيدة ، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين: أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! وفي رواية: قال أبو عبيدة لسيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين: أترجع فراراً؟ وفي رواية: وقالت طائفة منهم أبو عبيدة : أمن الموت نفر؟ إنما نحن بقدر، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، لم نرجع؟ فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! لأن عمر رضي الله عنه كان شديد الاحتياط من مخالفة أبي عبيدة له، يخشى غاية الخشية أن يخالفه أبو عبيدة ، ولذلك لو كان أبو عبيدة حياً كما قال عمر رضي الله عنه عند استشهاده لعهد إليه بالخلافة من غير مشورة.

وهنا قال: لو غيرك قالها، يرى أنه هو المقدم على الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وقوله: (لو غيرك) الجواب: لعاقبته، لكن أنت أمير الأجناد، فلو غيرك قالها لما سلم من عقابي في هذه الساعة. وقيل: الجواب: لم أتعجب منه؛ لأنه ليس في التحقيق والرزانة والوعي كهيئتك وعلى شاكلتك، ولو قال يكون طيشاً من طيشانه، قال قولاً من غير تأمل، أما أنت فكيف تقول هذا الكلام؟ لو غيرك قال لكان أولى بذلك منك، وأنت تقول هذا، وقيل: إنها للتمني, فلا تحتاج إلى جواب، لو غيرك قالها، أتمنى أن يقول هذا غيرك، ولا أريد أن يصدر هذا منك رضي الله عنه وأرضاه.

ثم قال عمر رضي الله عنه: نعم, نفر من قدر الله إلى قدر الله، نحن في جميع الأحوال بين قدر ذي العزة والجلال، وإذا لم ندخل الشام فقد هربنا من قدر الله، وسوف ندخل تحت قدره، وإذا دخلنا تحت قدره فعلام تقول: نفر من قدر الله؟ نحن تحت قدر الله أينما كنا، نفر من قدر الله إلى قدر الله، وهل عدم دخوله إلى الشام فراراً من القدر؟ لا ثم لا. إذاً: كيف أطلق عليه أنه فرار؟ لأن الصورة في الظاهر أنه فرار، من حيث الظاهر هو فرار، لكن في الواقع ليس هذا من باب الفرار من قدر الله جل وعلا، إنما نحن ندفع القدر بالقدر، وهنا إن كان هذا المكان فيه ضر علينا فلنجتنبه إلى غيره، ولا حرج ولا منقصة في ذلك، ولو قدر علينا سيصيبنا ولو كنا في بروج مشيدة، فنحن في قدر الله أينما كنا.

ثم قال لسيدنا أبي عبيدة : يا أبا عبيدة ! أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عُدوتان، بضم العين وكسرها، والعدوة: هي المكان المرتفع من الوادي، جانبه، شاطئه، يعني: له جانبان، جانب فيه عشب، وجانب لا عشب فيه ولا خير ولا زرع. له عدوتان, إحداهما خصبة، وفي رواية: خصيبة، فيها زروع وفيها مروج وخير، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ وفي رواية كما في صحيح مسلم : قال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه: أرأيت لو أنه رعى الجدبة، يعني: من نزل في واد له عدوتان، إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة، أرأيت لو أنه رعى الجدبة وترك الخصبة أكنت معجِّزه؟ أي: ناسبه إلى العجز والحماقة وقلة الرأي؟ نزل بواد له عدوتان، هنا عشب وهنا أرض قاحلة لا عشب فيها، ثم جاء يرعى في الأرض القاحلة، ألا تنسبه إلى العجز والحماقة، وهذه إن رعاها بقدر الله، وهذه إن رعاها بقدر الله.

قال: أكنت معجزه؟ قال: نعم، قال: فسر إذن. فسار حتى أتى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه.

قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين، وكان متغيباً في بعض حاجاته، يعني: هذه المشورة ما حضرها عبد الرحمن بن عوف ، كان متغيباً في بعض الحاجات، فلما جاء قال: إن عندي من هذا لعلماً، أنا عندي علم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهنا يرتفع الكلام والخصام, ما في داعي بعد ذلك لكلام متكلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ), أي: لا تدخلوا هذه الأرض التي فيها الطاعون، ( وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ). قال: فحمد الله عمر بن الخطاب ثم انصرف. على أنه وفق للسفر.

وفي حديث معمر قال: وقال له أيضاً: أرأيت لو أنه رعى الجدبة وترك الخصبة أكنت معجزه؟ قال: نعم، قال: فسر إذاً، قال: فسار حتى أتى المدينة، فقال: هذا المنزل إن شاء الله.

هذا الحديث الأول، وهو من رواية سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع هذا الكلام من النبي عليه الصلاة والسلام، ويرويه عنه ابن عباس أيضاً، فهو من رواية عبد الرحمن بن عوف : ( إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع في بلد وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فراراً منه ). وهذا الحديث روي عن غير عبد الرحمن بن عوف أيضاً، روي عن سيدنا حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حبه أسامة بن زيد رضي الله عنهما أجمعين، وحديثه في المسند والصحيحين وموطأ الإمام مالك وسنن الترمذي , وهو في السنن الكبرى للإمام البيهقي أيضاً، وغالب ظني أن حديث أسامة كنت ذكرته عند أول مبحث الطاعون في تحقيق كلام الإمام ابن القيم في أنه بقية رجز وعذاب أرسل على من قبلنا. وقلت: يصلح أن يكون في مسند ثلاثة من الصحابة الكرام؛ لأنه اشترك فيه أسامة وسعد بن أبي وقاص وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، فيصلح أن يكون من مسانيد هؤلاء الثلاثة، رضي الله عنهم أجمعين.

ولفظ الحديث: عن إبراهيم بن سعد وهو ابن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين، قال: سمعت أسامة يحدث سعداً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ). وفي حديث حبيب بن أبي ثابت قال: كنا بالمدينة فبلغني أن الطاعون قد وقع في الكوفة، فقال عطاء بن يسار وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كنت بأرض فوقع بها فلا تخرج منها، وإذا بلغك أنه بأرض فلا تدخلها ). قال: قلت: عمن؟ حبيب بن أبي ثابت يسأل عطاء الذي يروي هذا الحديث: عمن ترويه؟ قال: عن عامر بن سعد يحدث به, قال: فأتيته، فقالوا: غائب، فلقيت إبراهيم بن سعد وهو أخ لـعامر ، فسألته، فقال: شهدت أسامة يحدث سعداً ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن هذا الوجع رجز أو عذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم, فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها. قال حبيب : فقلت لـإبراهيم : أنت سمعت أسامة يحدث سعداً وهو لا ينكر؟ قال: نعم ). فكأن سعداً يقر هذا.

وفي رواية عامر بن سعد أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعداً : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الوجع - أي: وجع الطاعون ومرضه- فقال: رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم، ثم بقي منه بقية، فيذهب المرة ويأتي الأخرى، فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه، ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فراراً منه ). وفي رواية محمد بن المنكدر : أن أسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ). وكما قلت: الحديث في الصحيحين وغيرهما، وهذه رواية البخاري ومسلم.

وفي رواية لـمسلم عن حبيب عن إبراهيم بن سعد عن سعد بن مالك وخزيمة بن ثابت وأسامة بن زيد -هؤلاء الثلاثة الآن رووه كلهم- قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الحديث المتقدم معنا. ولذلك يصلح أن يكون في مسانيد هؤلاء الثلاثة الكرام من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين: أسامة وخزيمة وسعد رضي الله عنهم أجمعين.

وحديث سعد ورد أيضاً على انفراده في غير هذا الحديث، رواه الإمام مسلم في صحيحه عن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أسامة في الطاعون أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إن هذا الوجع رجز أو عذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها ). وهذا الحديث هنا كما هو في صحيح مسلم رواه الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار، في الجزء الرابع صفحة (35).

هذه هي الروايات إخوتي الكرام! رواية عبد الرحمن بن عوف ، وقد شهدها ابن عباس رضي الله عنهما ونقلها، وذكرها أمام عمر وأمام أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، بل أمام الصحابة أجمعين، ونقلها ابن عباس ، ولم ينكرها منكر رضي الله عنهم أجمعين. ورويت من طريق أسامة بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص ، وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين. والمعنى واحد في أحاديث هؤلاء الأربعة, أن الطاعون إذا وقع في بلد لا يجوز أن ندخلها، وإذا كنا فيها لا ينبغي أن نخرج فراراً منه.