شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [38]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين, وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد كنا نتدارس سبب ظهور الطاعون، وقلت: إن سببه انتشار المعاصي وظهور المخالفات، وفي مقدمتها انتشار الفواحش والمنكرات، مثل فاحشة الزنا, واللواط, والسحاق, نسأل الله العافية من سخطه.

وهذا الأمر حصل في الأمم الماضية, وأيضاً حصل في هذه الأمة عندما حصل فيها هذه الفاحشة وهذه المنكرات.

وقد أشارت أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذا الأمر، وكما قلت: سنقرأ ما وقع في الأمم السابقة ثم ننتقل إلى ما وقع لهذه الأمة، وإشارة النبي عليه الصلاة والسلام إلى ظهور الطاعون وحصوله عند انتشار الفواحش والمنكرات.

إخوتي الكرام! معنا أثر بلعام في تفسير الطبري رواه الإمام سليمان التيمي عن سيار الشامي ، والأثر حكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه مرسل جيد الإسناد, وله شواهد ستأتينا.

وخلاصة الأثر إخوتي الكرام! عندما ذهب جيش نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى فتح بيت المقدس، جاء الذين يسكنون في تلك البقعة إلى بلعام في ذلك الوقت، وطلبوا منه أن يدعو على جيش نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فرفض في أول الأمر فقالوا: استخر ربك وآمر ربك لعله يرضى.

ففي الليلة الأولى ينهاه الله ويقول له: لا تدع على جيش موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ويظهر له رؤيا تخبره بذلك في نومه، وهكذا في الليلة الثانية والثالثة، وفي الرابعة لم ير شيئاً، فقالوا له بعد أن قدموا له الهدايا: قد رضي الله منك أن تدعو على جيش نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فلما رفع يديه ودعا قلب الله لسانه فدعا على قومه ودعا لجيش موسى بالنصر والظفر.

فلما قيل له: إنك أهلكتنا، قال: هذا ما قدره الله ولو دعوت عليهم لما استجيب لي فيهم، لكن أخبركم على شيء تنتصرون به عليهم.

وخلاصته ما ذكرته: أن يرسلوا بناتهم ونساءهم إلى جيش موسى ليبعن الطعام وهن مزينات، فإذا طلب الجيش من النساء شيئاً من المحرمات وقعوا في بلاء، وقال لهم: إن الله يبغض الزنا، وإذا وقع الجيش في الزنا سقطوا من عين الله، فتنتشر فيهم الآفات والأمراض والأسقام, وتستريحون منهم ولا داعي بعد ذلك لقتالهم، فكان كذلك فأرسل النساء ووقع الجيش في الزنا -هذا الشاهد- فابتلاهم الله بمرض الطاعون.

يقول في الأثر: فوقع في بني إسرائيل الطاعون، فمات منهم سبعون ألفاً في يومٍ واحد يقول: وهذا مرسل جيد الإسناد، وسيار شامي موثق، وقد ذكر الطبري هذه القصة من طريق محمد بن إسحاق عن سلمة بن الفضل فذكر نحوه، وسمى المرأة: كشتا بفتح الكاف وسكون المعجمة بعدها مثناة، هذه التي كانت مع قائد الجيش، وسمى الرجل: زمري بكسر الزاي وسكون الميم وكسر الراء رأس سبط شمعون وسمى الذي طعنهما في الحملة الثانية: فنحاص بكسر الفاء وسكون الميم بعدها المهملة ثم مهملة ابن هارون.

وقال في آخره: فحسب من هلك من الطاعون سبعون ألفاً، هذا في يومٍ واحد، والمقلل يقول: عشرون ألفاً.

قال: وهذه الطريق تعضد الطريق الأولى التي رويت عن سيار .

يقول: وقد أشار إليها القاضي عياض فقال: كونه أرسل على بني إسرائيل.

قيل: مات منهم في ساعة واحدة عشرون ألفاً، هذا يقوله القاضي عياض كما يذكره الحافظ ابن حجر ، وقيل: سبعون ألفاً.

انتشار الطاعون في عهد داود عليه السلام

ثم قال الحافظ ابن حجر : وقد ذكر ابن إسحاق في كتاب المبتدأ، يعني: مبتدأ المخلوقات ومنتهاها أن الله أوحى إلى داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، أن بني إسرائيل كثر عصيانهم -فالمعصية بشكل عام سبب لظهور الطاعون، والفاحشة بوجه خاص سبب لظهور الطاعون من باب أولى؛ لأنها أشنع الفواحش- فخيرهم بين ثلاث، فالله أوحى إلى نبيه داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن بني إسرائيل قومك كثر عصيانهم فخيرهم بين ثلاث, أن يطهرهم الله في العاجل قبل الآجل: إما أن نبتليهم بالقحط، أو أن نسلط عليهم العدو شهرين، أو الطاعون ثلاثة أيام، فاختر واحدة من هذه الثلاثة: فأخبرهم نبي الله داود، فقالوا: اختر لنا، فاختار لهم الطاعون فمات منهم إلى أن زالت الشمس، يعني من طلوعها إلى زوالها يعني: الظهر، سبعون ألفاً, وقيل: مائة ألف، وهو ثلاثة أيام, فتضرع داود إلى ربه الرحمن فرفعه الله, فما مد الطاعون إلى ثلاثة أيام.

انتشار الطاعون في عهد موسى عليه السلام

وورد وقوع الطاعون في غير بني إسرائيل، يقول: فيحتمل أن يكون هو المراد بقوله: من كان قبلكم، يعني: بني إسرائيل أو غيرهم ممن أصيبوا بالطاعون.

فمن ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال: أما موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أمر بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشاً، ثم ليخضب كفه في دم الكبش، ثم يضرب به على بابه، ففعلوا، فسألهم القبط أتباع فرعون عن ذلك، فقالوا: إن الله سيبعث عليكم عذاباً، وإننا ننجو منه بهذه العلامة، فالجني لا يقرب البيت الذي فيه هذه العلامة بحفظ الله ورعايته، فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفاً.

وهذا الأثر له حكم الإرسال، وهذا مرسل جيد الإسناد أيضاً.

وأخرج عبد الرزاق في تفسيره والطبري من طريق الحسن في قول الله جل وعلا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243] فقال الحسن البصري : حذار من الطاعون فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] ليكملوا بقية آجالهم.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قصتهم مطولة، ثم قال الحافظ ابن حجر: فأقدم من وقفنا عليه في المنقول ممن وقع الطاعون به من بني إسرائيل في قصة بلعام ومن غيره في قصة فرعون، وتكرر بعد ذلك لغيرهم، والعلم عند الله جل وعلا.

وهذه كلها بسبب المعاصي والمخالفات؛ لذلك لما انتشر فيهم الفواحش سلط عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً، وقوم نبي الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لما حصل فيهم ما حصل وهم بعد قوم نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قال: خيرهم بين ثلاث: بين القحط شهرين، وبين أن يسلط عليهم العدو, أو أن يصابوا بالطاعون ثلاثة أيام، فاختاروا الطاعون فامتد إلى الزوال فقط بعد أن مات منهم مائة ألف أو سبعون ألفاً كما تقدم في الرواية.

هذا كله كما قلت إخوتي الكرام! وقع في الأمم قبلنا، إما في بني إسرائيل أو من غيرهم من قوم فرعون، ونستفيد من قصة بلعام أن نسأل الله الثبات، لأن الإنسان لا يأمن على نفسه، وقد حدث لأشخاص آخرين مثلما حصل لـبلعام ، وهذا من خذلان الله له نسأل الله العافية والسلامة، فالآن إبليس الذي يقال له: عابد الجن, عبد الله سبحانه وتعالى، وكان في الملأ الأعلى وله شأن، لكن خذله الله نسأل الله العافية والسلامة، والذين رأوا النبي عليه الصلاة والسلام حالهم أعلى من بلعام بكثير، يعني: عبد الله بن أبي رئيس المنافقين.

فهذا من العجب أن يروا نبي الله عليه الصلاة والسلام يمشي على الأرض بين الناس ولا تؤمنوا به إيماناً حقاً إلا في الظاهر فهذا أمر عظيم، لكن: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41].

نسأل الله العافية، وأن يثبت الإيمان في قلوبنا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ومحبتك، يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا عليه حتى نلقاك به.

إخوتي الكرام! إن من آثر عرض الدنيا على الآخرة خسر، وليعلم أن هذه الشهوة ما هي إلا دقائق معدودة، ثم له العار والبهذلة وعذاب الآخرة، ويحكى أن امرأة راودت رجلاً على فاحشة الزنا، فلما ألحت قال: استحي من الله اتقي الله، إن رجلاً يبيع جنة عرضها السماوات والأرض بالوقوع بين رجليك، أنترك جنةً واسعة لأجل هذه البقعة الضيقة؟! لكن لا بد من عقل، فإذا كان الإنسان لا يملك عقلاً يزن به الأمور يصبح ألعوبة للشيطان.

ثم قال الحافظ ابن حجر : وقد ذكر ابن إسحاق في كتاب المبتدأ، يعني: مبتدأ المخلوقات ومنتهاها أن الله أوحى إلى داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، أن بني إسرائيل كثر عصيانهم -فالمعصية بشكل عام سبب لظهور الطاعون، والفاحشة بوجه خاص سبب لظهور الطاعون من باب أولى؛ لأنها أشنع الفواحش- فخيرهم بين ثلاث، فالله أوحى إلى نبيه داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن بني إسرائيل قومك كثر عصيانهم فخيرهم بين ثلاث, أن يطهرهم الله في العاجل قبل الآجل: إما أن نبتليهم بالقحط، أو أن نسلط عليهم العدو شهرين، أو الطاعون ثلاثة أيام، فاختر واحدة من هذه الثلاثة: فأخبرهم نبي الله داود، فقالوا: اختر لنا، فاختار لهم الطاعون فمات منهم إلى أن زالت الشمس، يعني من طلوعها إلى زوالها يعني: الظهر، سبعون ألفاً, وقيل: مائة ألف، وهو ثلاثة أيام, فتضرع داود إلى ربه الرحمن فرفعه الله, فما مد الطاعون إلى ثلاثة أيام.

وورد وقوع الطاعون في غير بني إسرائيل، يقول: فيحتمل أن يكون هو المراد بقوله: من كان قبلكم، يعني: بني إسرائيل أو غيرهم ممن أصيبوا بالطاعون.

فمن ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير قال: أما موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أمر بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشاً، ثم ليخضب كفه في دم الكبش، ثم يضرب به على بابه، ففعلوا، فسألهم القبط أتباع فرعون عن ذلك، فقالوا: إن الله سيبعث عليكم عذاباً، وإننا ننجو منه بهذه العلامة، فالجني لا يقرب البيت الذي فيه هذه العلامة بحفظ الله ورعايته، فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفاً.

وهذا الأثر له حكم الإرسال، وهذا مرسل جيد الإسناد أيضاً.

وأخرج عبد الرزاق في تفسيره والطبري من طريق الحسن في قول الله جل وعلا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243] فقال الحسن البصري : حذار من الطاعون فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] ليكملوا بقية آجالهم.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قصتهم مطولة، ثم قال الحافظ ابن حجر: فأقدم من وقفنا عليه في المنقول ممن وقع الطاعون به من بني إسرائيل في قصة بلعام ومن غيره في قصة فرعون، وتكرر بعد ذلك لغيرهم، والعلم عند الله جل وعلا.

وهذه كلها بسبب المعاصي والمخالفات؛ لذلك لما انتشر فيهم الفواحش سلط عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً، وقوم نبي الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، لما حصل فيهم ما حصل وهم بعد قوم نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قال: خيرهم بين ثلاث: بين القحط شهرين، وبين أن يسلط عليهم العدو, أو أن يصابوا بالطاعون ثلاثة أيام، فاختاروا الطاعون فامتد إلى الزوال فقط بعد أن مات منهم مائة ألف أو سبعون ألفاً كما تقدم في الرواية.

هذا كله كما قلت إخوتي الكرام! وقع في الأمم قبلنا، إما في بني إسرائيل أو من غيرهم من قوم فرعون، ونستفيد من قصة بلعام أن نسأل الله الثبات، لأن الإنسان لا يأمن على نفسه، وقد حدث لأشخاص آخرين مثلما حصل لـبلعام ، وهذا من خذلان الله له نسأل الله العافية والسلامة، فالآن إبليس الذي يقال له: عابد الجن, عبد الله سبحانه وتعالى، وكان في الملأ الأعلى وله شأن، لكن خذله الله نسأل الله العافية والسلامة، والذين رأوا النبي عليه الصلاة والسلام حالهم أعلى من بلعام بكثير، يعني: عبد الله بن أبي رئيس المنافقين.

فهذا من العجب أن يروا نبي الله عليه الصلاة والسلام يمشي على الأرض بين الناس ولا تؤمنوا به إيماناً حقاً إلا في الظاهر فهذا أمر عظيم، لكن: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41].

نسأل الله العافية، وأن يثبت الإيمان في قلوبنا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ومحبتك، يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا عليه حتى نلقاك به.

إخوتي الكرام! إن من آثر عرض الدنيا على الآخرة خسر، وليعلم أن هذه الشهوة ما هي إلا دقائق معدودة، ثم له العار والبهذلة وعذاب الآخرة، ويحكى أن امرأة راودت رجلاً على فاحشة الزنا، فلما ألحت قال: استحي من الله اتقي الله، إن رجلاً يبيع جنة عرضها السماوات والأرض بالوقوع بين رجليك، أنترك جنةً واسعة لأجل هذه البقعة الضيقة؟! لكن لا بد من عقل، فإذا كان الإنسان لا يملك عقلاً يزن به الأمور يصبح ألعوبة للشيطان.

وأما في هذه الأمة قال الحافظ ابن حجر بعد هذا بصفحات في صفحة (10/192) أيضاً، وهذا الكلام قلنا في صفحة (183) يعني: بعد عشر صفحات تقريباً، يقول: وقد وقع في حديث ابن عمر ما يدل على أن الطاعون ينشأ عن وقوع وظهور الفاحشة، إذا ظهرت الفاحشة حصل الطاعون، ويورد لحديث ابن عمر ما سأذكره، وغالب ظني أنه تقدم له ذكر ضمن مباحث سنن الترمذي في هذا المبحث الذي هو مبحث أيضاً الجن بطوله، تقدم معنا ذكر لبعض رواياته وأضيف إليه ما تيسر.

رواية ابن عمر في وقوع الطاعون

أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقد رواه الإمام ابن ماجه في سننه والبيهقي في السنن الكبرى في الجزء (9/132) ورواه الحاكم في المستدرك في الجزء (4/540), ورواه البزار , ورواه أبو نعيم في الحلية في الجزء (8/333), ورواية البزار إن شئتم أن تنظروها في الترغيب والترهيب في الجزء (1/543)، وفي الجزء (3/170 ، 286) والحديث صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي وإسناده صحيح، من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر المهاجرين! خصال إذا ابتليتم بهن ونزلن بكم، أعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان -والثالثة- ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا -والرابعة- ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله -عليه الصلاة والسلام- إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم -وآخر الخصال الخمسة- وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) نسأل الله العافية والسلامة. فهذا الحديث يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة وانتشارها وفشوها.

رواية بريدة في وقوع الطاعون

وورد ما يشهد لهذا الحديث من رواية بريدة رضي الله عنه وأرضاه في مستدرك الحاكم في الجزء (2/126) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم وأقره عليه الذهبي ، والحديث في السنن الكبرى للإمام البيهقي في الجزء (3/346) وفي المكان الأول في الجزء (9/231)، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط بسندٍ رجاله ثقات، كما في الترغيب والترهيب في الجزء (1/543)، ورواه البزار كما في المجمع بسندٍ رجاله رجال الصحيح, انظروا الجزء (7/269).

قال الإمام الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح غير رجاء بن محمد وهو ثقة، ورجاء بن محمد هو: رجاء بن محمد العذري السقطي ، توفي سنة 240 وهو من رجال الإمام الترمذي فقط، ولكن في حديث بريدة رضي الله عنه، عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما نقض قوم العهد إلا جعل الله القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا فشا فيهم الموت ) والمراد هنا موت بسبب الطاعون كما بين هنا: ( إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ). إذاً: طاعون تسبب عنه الموت ( وما منع قوم زكاة أموالهم إلا حبسوا القطر من السماء ) .

رواية ابن عباس في وقوع الطاعون

وورد ما يشهد أيضاً لهذين الحديثين من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير.

قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في المكان المتقدم في الجزء (1/544): وسنده قريب من الحسن وله شواهد، ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى في المكانين المتقدمين في الجزء الثالث والتاسع، لكن رواه البيهقي موقوفاً عن عبد الله بن عباس وله حكم الرفع، ورواية الطبراني مرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

قال الحافظ في الفتح عند ذكر هذا الحديث في الجزء (10/193): في سنده مقال، وهذا ما أشار إليه الإمام المنذري قال: قريب من الحسن وله شواهد كما تقدم معنا.

ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( خمس بخمس ) إذا صدرت منكم خمسة أمور فلها خمس عقوبات ( خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا حكموا بغير كتاب الله إلا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر، ولا خففوا المكيال والميزان إلا حبس عنهم النبات وأخذوا بالسنين، وما جار قوم في حكم إلا ظهر البأس بينهم ) وهو القتل والاقتتال فيما بينهم.

الشاهد هنا إذاً: إذا لم يحكموا بكتاب الله فشا فيهم الموت، والموت هو بسبب الطاعون، فإذا لم يحكموا بكتاب الله ظهرت المعاصي والمنكرات وكما تقدم معنا: ( لم تظهر الفاحشة في قومٍ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ) فهنا ما حكموا بكتاب الله، فصارت الشوارع كما ترونها في كل مكان فيهن من النساء الكاسيات العاريات الكثير، وأئمتنا كانوا يقولون: إذا خرجت المرأة من بيتها بحجابها وجلبابها فتح باب من الزنا؛ لأنها تعرضت لمن قد يفتن بمجرد خروجها وهي متحجبة وعليها الجلباب، فكيف إذا كانت من الكاسيات العاريات؟! وبلدة ينتشر فيها السفور ولا ينتشر فيها العهر والفجور قول باطل وزور! ولا يكون أبداً، فالمرأة إذا خرجت سافرة قارن مع سفورها على أقل تقدير عملية الزنا، فنسأل الله أن يسترنا في الدنيا والآخرة، فالزنا الآن انتشر بكثرة، وهذا حال الشباب الهابط فقد يزني بعض الناس -وقد يقع بكثرة في هذه العصور التي نعيش فيها- بأخته، وهذا وقع بكثرة؛ لأنه رأى وما استطاع أن يصل إلى ما رأى فإذا وجد أخته بجواره اغتصبها، وهذا يقع بكثرة.

ومما يساعد في انتشار الفاحشة جهاز الإفساد الذي يسمى: بالتلفاز، وأشنع منه ما وجد اليوم من شغالات في البيوت في هذه الأوقات، وأشنع من الشغالات السواق، فنسأل الله تعالى العافية.

أثر يحيى بن سعيد في وقوع الطاعون

إخوتي الكرام! ورواية رابعة ورد في الموطأ من رواية يحيى بن سعيد وهو من أئمة التابعين: أنه بلغه, وعليه فهو مقطوع الأثر.

قال الحافظ : فيه انقطاع ولا شك، وقال ابن عبد البر : رويناه متصلاً عنه، ومثله لا يقال من قبيل الرأي فله حكم الرفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

ولفظ الأثر كما قلت عن يحيى بن سعيد أنه قال: (ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب) والغلول هي الخيانة في غنائم الحرب، وأعم من ذلك الخيانة من الأموال العامة.

قال: (وإذا فشا فيهم الزنا كثر فيهم الموت، وإذا نقصوا المكيال قطع الله عنهم الرزق)، المراد خزائن السماء فلا تمطر، (وإذا حكموا بغير الحق فشا فيهم الدم) ، أي: القتل، (وإذا ختر قوم العهد) ، أي: نقضوه، (سلط الله عليهم العدو). إذاً: تتبع الروايات المتقدمة.

رواية أم المؤمنين ميمونة في وقوع الطاعون

ورواية خامسة عن أمنا ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، مروية في مسند الإمام أحمد في الجزء (6/333)، وانظروها في مجمع الزوائد ونسبها أيضاً إلى مسند أبي يعلى ومعجم الطبراني وعليه فهي في المسند, وهي في المجمع في الجزء (6/257)؛ لأن مسند النساء كله في الجزء السادس في آخر المسند، يعني: لا يوجد روايات النساء قبل الجزء السادس أبداً، من روايات أمنا عائشة فمن بعدها رضي الله عنهن أجمعين، كلها في آخر المسند، وهنا من رواية أمنا ميمونة ، ولفظ الحديث عن أمنا ميمونة رضي الله عنها وأرضاها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ) وفي روايةٍ: ( لا تزال أمتي بخيرٍ متماسك أمرها ما لم يظهر فيهم ولد الزنا ).

وولد الزنا إخوتي الكرام لا يراد منه الزنا عن طريق السفاح والحرام المعروف فقط، فمفهوم الزنا عندنا أوسع من هذا بكثير، أكثر بيوت المسلمين في هذه الأيام على الزنا إلا ما رحم ربك الرحمن، فمثلاً: يطلق زوجته ثلاثاً ثم يعاشرها، فهذا زنا وما أكثره الآن.

ولذلك من أشراط الساعة: يكثر أولاد الزنا وينتشر الزنا؛ ولذلك: ( لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا ) و( لا تزال أمتي بخير متماسك أمرها ما لم يظهر فيهم ولد الزنا, فإذا ظهر فيهم ولد الزنا عمهم الله بعقاب من عنده ).

والحديث إخوتي الكرام! في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة ، قال الإمام الهيثمي في المجمع: وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين , وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالسماع؛ لأنه يدلس ويصرح. قال الإمام الهيثمي : فالحديث صحيح أو حسن؛ لأن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة موثق، فالإسناد متصل لتصريح ابن إسحاق بالسماع، فالحديث صحيح أو حسن.

وقال الحافظ في الفتح في الجزء (10/193): إسناد الحديث حسن. لكن هل الوهم منه أو من الطباعة؟ لا أعلم، فقد نسبه إلى أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وليس هو في مسندها، إنما هو في مسند أمنا ميمونة كما قلت: في الجزء (6/333) من المسند.

وأما هنا كما قلت في فتح الباري، في صفحة (10/193) يقول: ولـأحمد من حديث عائشة مرفوعاً: ( لا تزال أمتي بخيرٍ ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) وسنده حسن، نعم أقصد هذه رواية أمنا ميمونة كما في المسند والمجمع، وليست رواية أمنا عائشة رضي الله عنهن أجمعين، فانتبهوا لهذا.

على كل حال: إسناد الحديث حسن، مع أن الحافظ حكم على محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة في التقريب قال: ويقال ابن أبي لبيبة : ضعيف كثير الإرسال، وهنا حكم على حديثه أنه حسن، وهناك حكم عليه بأنه ضعيف مع أنه وثق كما تقدم معنا، وهو من رجال أبي داود والنسائي وحيثما كان الأمر، فالحديث له شواهد يرتقي بها والعلم عند الله جل وعلا.

أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقد رواه الإمام ابن ماجه في سننه والبيهقي في السنن الكبرى في الجزء (9/132) ورواه الحاكم في المستدرك في الجزء (4/540), ورواه البزار , ورواه أبو نعيم في الحلية في الجزء (8/333), ورواية البزار إن شئتم أن تنظروها في الترغيب والترهيب في الجزء (1/543)، وفي الجزء (3/170 ، 286) والحديث صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي وإسناده صحيح، من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر المهاجرين! خصال إذا ابتليتم بهن ونزلن بكم، أعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان -والثالثة- ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا -والرابعة- ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله -عليه الصلاة والسلام- إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم -وآخر الخصال الخمسة- وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) نسأل الله العافية والسلامة. فهذا الحديث يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة وانتشارها وفشوها.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4042 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3976 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3904 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3785 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3784 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3769 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3565 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3481 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3462 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [59] 3413 استماع