خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8330"> شرح مقدمة الترمذي
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [14]
الحلقة مفرغة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته الكرام، وعلى تابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد كنا نتكلم عن قوة عمر وهيبته، ومن لطيف ما يُذكر ما رواه الإمام الخطيب البغدادي وابن الجوزي : أن بعض الشيعة الضالين كان عنده بغلتان، فسمى واحدةً بأبي بكر والأخرى بـعمر من باب امتهان الصحابة، فدخل مرةً الإسطبل فضربته إحدى البغلتين فقتلته، وكان هذا في زمن أبي حنيفة رضي الله عنه، فحكي هذا لـأبي حنيفة فقال: انظروا إلى البغلة التي هي عمر فهي التي ضربته وقتلته! فلما نظروا وتحققوا كان الأمر كذلك!
إن لـعمر منزلة ومزية وخصيصة مع الجن، فـعمر ما لقيه الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فج عمر ، والفج هو الطريق، إذا سلك عمر في طريق لا يمكن للجني أن يمشي في هذا الطريق حتى يجوز عمر رضي الله عنه، ثبت هذا في الصحيحين من رواية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمر : ( يا
والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، من رواية أبي هريرة بمثل اللفظ المتقدم: ( ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً، إلا سلك فجاً غير فجك ).
إذاً: فالحديث جاء من رواية سعد في الصحيحين، ومن رواية أبي هريرة في صحيح مسلم رضي الله عنهم أجمعين.
وقد بوب أئمتنا أبواباً تدل على منزلة عمر رضي الله عنه في هذا الأمر، ومن جملة تراجم الإمام الهيثمي في المجمع في كتاب المناقب في فضائل عمر ، قال: باب خوف الشيطان من عمر ، ثم ذكر الحديث وهو في معجم الطبراني الكبير والأوسط من رواية سديسة مولاة أمنا حفصة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الشيطان لم يلق
قال الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء (9/70): رواه الإمام الطبراني من رواية الأوزاعي عنها، قال: ولا نعلم أن الأوزاعي سمع أحداً من الصحابة الكرام، وعليه فالرواية منقطعة، وقال: رواها الطبراني في الأوسط من رواية الأوزاعي ، عن سالم بن عبد الله ، عن سديسة موالاة حفصة رضي الله عنها وهو الصواب، قال الإمام الهيثمي : والإسناد حسن إلا أن عبد الرحمن بن الفضل بن موفق لم نعرفه، وبقية رجاله وثقوا.
وثبت في مسند الإمام أحمد ، وسنن الترمذي ، وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب، رواه ابن حبان من رواية بريدة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الشيطان ليفرق منك يا
وهذا قاله نبينا عليه الصلاة والسلام بعد واقعة نفيسة جرت لـعمر رضي الله عنه مع بعض الأحياء في زمنه بحضور نبينا صلى الله عليه وسلم.
عن بريدة قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جويرية سوداء، فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى )، فضرب المرأة بالدف مباح، وتغنيها بما ليس فيه فسوق مباح، وهنا أرادت أن تفعل هذا بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام إذا عاد منتصراً ظافراً مظفراً عليه صلوات الله وسلامه، فكأنها لما منعت من الجهاد أرادت أن تشاركه فرحته بالنصر، فنذرت إن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب بين يديه بالدف وتغني.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا )، يعني: إذا جرى منك هذا فأوف، وإلا فلا داعي أن تفعلي هذا، لأن صورته تشبه اللعب، فقالت: نذرت، وجعلت تضرب بالدف وتغني بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام.
زاد رزين في روايته وليس في سنن الترمذي ، ولا في المسند، أنها كانت تقول:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وهل هذا غناء أو ثناء على الله جل وعلا وفرح برسول الله عليه الصلاة والسلام؟!
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر ..
أي: وجب الشكر لله جل وعلا، فنشكره على هذه النعمة العظيمة.
قالت: فدخل أبو بكر وهي تضرب وتغني بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها وقعدت عليه، أي: جعلته خلفها، وجلست عليه بعد ذلك على مقعدتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان ليخاف منك يا
وكما قلت سيرة عمر فيها شيء من القوة والشدة، ولهذا كانت هيبة عمر ولا يقال: ليس لنبينا عليه الصلاة والسلام، ولا لمن هو أفضل من عمر وهو أبو بكر ليس لهما هذه الهيبة، لا، لكن كما أنه يغلب عليه الهيبة، فالذي يغلب على حال نبينا عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الرأفة والرحمة.
وأنت عندما تنظر إلى نبي الله عيسى -نبي من أولي العزم- غلب عليه جانب الرأفة والرحمة، ولم يغضب، وما دعا على قومه مع ما فعلوه به، بل قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، أنا لا دخل لي بهذه المسألة.
أما نبي الله موسى وهو من أولي العزم فقال الله عز وجل عنه: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88]، فهذا نبي الله موسى دعا على فرعون مع مناشدته له، ودعا على قارون يا أرض خذيه، فقال الناس: أراد موسى أن يأخذ داره، فقال: خذيه وداره، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ [القصص:81].
وحال عمر رضي الله عنه كحال نبي الله موسى ونبي الله نوح، وحال أبي بكر كحال نبي الله إبراهيم ونبي الله عيسى، وكحال نبينا عليه الصلاة والسلام.
وتقدم معنا أن المراتب ثلاث: جلال، وجمال، وكمال، فنبينا عليه الصلاة والسلام جمع الجلال والجمال، وهذا هو الكمال، وبعضهم يغلب عليه الجمال مع وجود الجلال فيه، وبعضهم يغلب عليه الجلال مع وجود الجمال فيه، فهذه جارية تريد أن تفرح في أمر شرعي، وهو أعظم فرحة أن يعود النبي عليه الصلاة والسلام منتصراً، فلا يعدل هذه الفرحة فرحة، فالنبي عليه الصلاة والسلام صدره يتسع لذلك، فقال: إن كنت نذرت فاضربي على الدف، وإلا فلا؛ لأن فيه صورة لعب فتركه أولى.
فـأبو بكر رضي الله عنه تحمل هذا، وعثمان أخذه الحياء وتحمل هذا، أما عمر رضي الله عنه فله هيبة، فلما سمعت بعمر ألقت الدف وجلست عليه، رضي الله عنهم أجمعين، والحديث صحيح.
ونحو هذه القصة رواها الإمام أحمد في المسند، والترمذي في السنن، وقال: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ غريب من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فسمعنا لغطاً وصوت صبيان، فقام النبي عليه الصلاة والسلام فإذا حبشية تزفن -والزفن: هو الغناء- والصبيان حولها )، وهذا الغناء غناء لا فحش فيه، ولا خنا، ولا قلة حياء، لكن يقال له غناء؛ لأنه يقال بشيء من لهجة وصيغة الغناء، فلا حرج في ذلك إذا لم يشتمل على فحش وخنا، مثل الذي يطرب ويُحسن صوته بالشعر.
وأما الغناء الذي أجمعت الشرائع على تحريمه، فهو الكلام الموزون المقفي الذي يقال بتكسر وتخنث، ويشتمل على الفحش والخنا، ولذلك يستحسن من المرأة أكثر من الرجل، فلا بد من التفريق بين الغناء المحرم، وبين ما يقال عنه غناء لوجود تحسين الصوت فيه والتطريب من أجل اللذات، فلا حرج في ذلك.
وكنت أوضحت هذا في جواب الحنفاء عن حكم الغناء، وبينت أحكام الشعر الخمسة، والنوع المحرم منها وهو الغناء، والذي أبيح لنا في العرف كلامٌ فيه تطريب، لكن ليس فيه فحش ولا ذكر خمر، ولا بعد ذلك إغراء بفاحشة كقولهم مثلاً:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم
ولولا الذهب الأصفر ما حلت بواديكم
ومثل هذا الكلام يقال بشيء من تحسين الصوت والتطريب لأجل الفرحة التي هم فيها فلا حرج إن شاء الله.
فقال: ( يا
فهذه منزلة عمر رضي الله عنه وأرضاه.
وقد ورد عن بعض الصحابة الكرام أنه حصل له ما يشبه هذه المنقبة التي حصلت لـعمر ، ألا وهي قتال الجن، واندحار الجني أمامه، وهذا العبد الصالح هو عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه، والحديث رواه الإمام البيهقي في دلائل النبوة، في الجزء (7/124) وإسناده صحيح كالشمس، لكن فيه انقطاع بين الحسن البصري ، وعمار ، فـالحسن البصري لم يسمع من عمار ، ولم يسمع من ثوبان -رضي الله عن جميع الصحابة الأبرار، والتابعين الأخيار- كما في تهذيب التهذيب (2/264)، قال الحافظ ابن حجر : روى الحسن ، عن ثوبان ، وعن عمار ، وعدَّ عدداً من الصحابة ثم قال: لم يسمع منهم.
ومراسيل الحسن كما يقرر أئمتنا: تشبه الريح، يعني: أنها ضعيفة؛ لأنه كان لا يبالي عمن روى رضي الله عنه وأرضاه، لكن الإسناد إلى الحسن صحيح ثابت، ولفظ الأثر بوب عليه الإمام البيهقي ، قال: باب ما جاء في قتال عمار بن ياسر مع الجن وإخبار النبي عليه الصلاة والسلام عنه، وبإسناده إلى الحسن البصري ، قال: ( كان
وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لأهل العراق: أليس فيكم عمار بن ياسر الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام؟ إذاً مثل هذا وقع أيضاً لـعمار بن ياسر .
إن الشيطان الجان يتصور بصورة الإنسان، وسأختم الكلام على هذا بحديث كنت ذكرته ضمن مباحث النبوة، سأذكره الآن فهذا موطنه أيضاً، ثم أنتقل إلى تمثل الجان بالحيات.
والحديث الذي فيه أن الشيطان يتصور بصورة الإنسان رواه الإمام أحمد في المسند، وأبو يعلى في مسنده، والبزار في مسنده، والبيهقي في دلائل النبوة، وهو في مجمع الزوائد الجزء (2/104)، ودلائل النبوة في الجزء (7/112) وقال الإمام الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح.
ولفظ الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من خيبر -وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين- فتبعه رجلان، وآخر يتلوهما -رجلان وراء الصحابي، وآخر وراء الرجلين- يقول: ارجعا ارجعا، يريد أن يعيدهما، حتى أدركهما فردهما، ثم لحق بالأول فقال له: إن هذين شيطانان، وإني لم أزل بهما حتى رجعا -وهذا الذي أرجعهما من الجن هو الآخر-.
فإذا أتيت المدينة وأتيت النبي عليه الصلاة والسلام فأقرئه مني السلام، وأخبره أننا نجمع صدقاتنا، ولو كان يحل أن نرسلها إليه لأرسلناها، لكن صدقات الإنس ترد على الإنس، وصدقات الجن ترد على الجن، نحن نجمع الزكاة أيضاً وطولبنا بها كما طولبتم أنتم، ولو كانت تحل لأرسلناها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا هو المشهد الذي حصل.
فلما جاء هذا الصحابي إلى المدينة وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك: ( نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الخلوة عند ذلك ).
وتقدم معنا مراراً أن الشيطان له تمكن من الإنسان في حال خلوته، كما أنه له تمكن منه في حال الظلمة، وإذا اجتمع ظلمة مع خلوة فالمحفوظ من حفظه الله، والمعصوم من عصمه الله.
وغالب هذه الروايات كنت ذكرتها في مبحث النبوة، ومنها:
ما في مسند الإمام أحمد ، بسند صحيح من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده ).
وما في المسند، وصحيح البخاري ، وسنن الترمذي ، وابن ماجه ، والدارمي ، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وابن خزيمة في صحيحه، وابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في السنن الكبرى من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو يعلم الناس ما في الوحدة، ما سار راكب بليل وحده أبداً ).
إذاً: نهى أن يبيت الرجل -ينام- وحده، ولو يعلمون ما في الوحدة ما يعلمه رسول الله عليه الصلاة والسلام ما سار راكب بليل بمفرده أبداً، وهنا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخلوة.
ففي هذا الحديث الذي معنا أيضاً تشكل الشياطين بصورة آدميين، وجاء ثالث بصورة آدمي يقول: ارجعا ارجعا، فردهما، وقالا له: انتبه، أنت تمشي بمفردك من خيبر، هلا كان معك رفقة؟ ( والواحد شيطان، والاثنين شيطانان، والثلاثة ركب )، هلا كان معك جماعة؟
وهذا الحديث تقدم معنا في مباحث النبوة، في المبحث الذي بدأنا فيه فيما يتعلق بترجمة أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه في الترغيب في النكاح، وأن النبي عليه الصلاة والسلام ( لعن المتبتلين والمتبتلات )، و(لعن راكب الفلاة وحده ).
ذكرت هذه الأحاديث عند هذا الأمر، وكان ضمن البحث المستدرج الذي كنا نتدارسه في مبحث النبوة.
على كل حال هذا فيما يتعلق بتشكل الجان بصورة الإنسان، ولعل الصورة الآن أصبحت واضحة، والأدلة كثيرة، وما نعلم هل بقي شبهة لمشتبه ممن يتفكهون في هذه الأيام، ويقولون: هذا يستحيل أن يقع، وعندما تورد عليه مثل هذه الأخبار وتبين له منزلتها وصحتها، يتنقص منها ويردها ويقول: دعها وراء ظهرك، أو تحت رجلك.. من هذا الكلام الباطل الذي يقوله كثير من السفهاء الذين لا يعرفون قدرهم، ومن باب أولى لا يعرفون قدر نبيهم عليه الصلاة والسلام، ولا قدر ربهم، بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [يونس:39].
والجان يتصور أيضاً بصورة البهيم من الحيوان، وخاصة في صورة الثعابين والحيات، يتصور الجان ويتشكل بهذه الصورة الخطرة، ولذلك إذا رأينا حيات البيوت فهناك هدي من نبينا عليه الصلاة والسلام نحوه ينبغي أن نسلكه قبل قتلها.
أما الحيات فهي مفجعة ومرعبة للإنسان وشكلها مخيف، ولا يجوز لإنسان أن يرى حيةً ويتركها، وإذا رأى حيةً وتركها خشية ثأرها أو خوفاً منها فقد برئ منه النبي عليه الصلاة والسلام وخرج من جماعة المسلمين، فالحية عدوة للإنسان، وإذا أنت رأيتها وتركتها قد تذهب إلى إنسان فتلدغه فتقتله، فوجب عليك إذاً أن تقتلها.
فإذا رأيت هذه العدو المبين -الحية- فينبغي أن تقتلها، والشيطان يتمثل بها، لكن حيات البيوت لها شأن، وما عدا هذه فهي قد أفزعتنا، فإن كانت جنية فالله يكفينا شرها، وإن كانت من الحيوانات الحقيقة فقد فعلنا ما أوجبه الله علينا.
الأمر بقتل الحيات في الحل والحرم
الغراب، والحدأة، والحية، والعقرب، والكلب العقور، وفي بعض الروايات ذكرت الفأرة، وحذفت الحية، وفي بعض الروايات ذكرت الفأرة وحذفت العقرب، ومجموع الروايات تأتي معنا وأنها ستة، ويلحق بها كل مؤذ كما قال أئمتنا.
والحديث جاء أيضاً عن أمنا حفصة رضي الله عنها، وذلك في المسند، والصحيحين، وسنن النسائي ، وروي الحديث أيضاً من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في المسند، والصحيحين، والسنن الأربعة، إلا سنن الترمذي ، ورواه الإمام الدارمي والبيهقي في السنن الكبرى، والإمام مالك في موطئه، رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.
وروي الحديث من رواية أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وعليه صار من رواية أمنا عائشة ، ومن رواية أمنا حفصة ، ومن رواية ابن عمر ، ومن رواية أبي هريرة ، ومن رواية أبي سعيد : ( خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم ).
وقد بلغ من حرص سلفنا على قتل هذا العدو من حية أو عقرب أن بعض الصحابة الكرام كان يخطب الجمعة رضي الله عنه، فرأى حيةً على الجدار فنزل وهو يخطب ثم قتل الحية، وأخبرهم أن من قتل حيةً فكأنما قتل مشركاً حل دمه.
ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ، ومسند أبي يعلى ، والبزار ، ومعجم الطبراني الكبير، والحديث روي مرفوعاً عن عبد الله بن مسعود عن النبي المحمود صلوات الله وسلامه عليه، وروي موقوفاً عن عبد الله بن مسعود وله حكم الرفع إلى نبينا عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه، والمرفوع والموقوف إسنادهما صحيح ورجالهما رجال الصحيح كما قال الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء (4/46)، ورواية البزار في كشف الأستار في الجزء (2/74)، وهذه الرواية أيضاً في الترغيب والترهيب، وتصحيح الإمام المنذري لها في الجزء (3/624)، والحديث في تاريخ بغداد في الجزء (3/234).
ولفظ الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يخطب خطبة الجمعة وهو على المنبر، فرأى حيةً تمشي على الجدار، فنزل رضي الله عنه ثم ذهب إليها وقتلها، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قتل حيًة فكأنما قتل مشركاً )، والذي يقتل مشركاً له أجر كبير عند الله الجليل، وهنا كذلك الذي يقتل الحية.
فيتوقع المفسدة من الحية كما يتوقع من المشرك، فالمشرك قد يقتل مؤمناً، والحية قد تلدغ مؤمناً فتقتله، ومع هذا فما أعلم هل أحد قد قتل حيةً في حياته أم لا؟ نسأل الله أن يمكننا من قتل الحيات البهيمية، والحيات الجنية إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
فالحديث من رواية أبي الأحوص الجشمي وهو عوف بن مالك ، عن شيخه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
وقد تقدم معنا ترجمة أبي الأحوص وقلت: إن حديثه مخرج في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وصحيح مسلم ، والسنن الأربعة، وهو ثقة إمام عدل رضا، والحديث صحيح.
وقد أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: بقتل الحيات في كثير من أحاديثه الصحيحة، فمن ذلك:
ما في سنن أبي داود ، والنسائي ، والحديث حسن من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اقتلوا الحيات كلهن، فمن خاف ثأرهن فليس مني )، قوله: فمن خاف ثأرهن، أي: ما يشيع بين الناس من احتمال أن تكون هذه الحية جنية، وأن قومها وأهلها يأخذون بثأرها، وأن الإنسان يكون بقتلها على غير صراط الله المستقيم.
( فمن خاف ثأرهن فليس مني )، أنت إذا قتلت الحيات بالكيفية الشرعية، سيحفظك رب البرية، سواء كانت جنية، أو حيوانية بهيمية، والحديث رواه أبو داود في سننه، وابن حبان في صحيحه، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، انظر موارد الظمآن صفحة (465)، ولو كان في الصحيحين لما أورده الإمام الهيثمي في موارد الظمآن، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اقتلوا الحيات كلهن، ما سالمناهن منذ حاربناهن، من ترك قتلهن فليس مني ) أي: من ترك قتلهن مخافة ثأرهن فليس مني.
وفي بعض الروايات: ( فليس منا ).
والحديث رواه أبو داود في سننه من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ترك قتل الحيات، مخافة طلبه فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن ).
إذاً: الحديث وارد من رواية عدة من الصحابة الكرام: عبد الله بن مسعود ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
وثبت في المسند، ومعجم الطبراني الكبير، وصحيح ابن حبان كما في الموارد صفحة (465) من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل حيةً فله سبع حسنات، ومن قتل وزغةً فله حسنة )، ( من قتل حيةً فله سبع حسنات )، هذا أعظم من قتل الوزغ، ( ومن قتل وزغةً فله حسنة، ومن ترك قتل الحيات خيفةً -وفي رواية مخافةً، أي: مخافة الثأر- فليس منا ).
قال الإمام الهيثمي في المجمع: الحديث إسناده صحيح، لكن المسيب بن رافع ، لم يسمع من عبد الله بن مسعود فهو منقطع.
والمسيب ثقة توفي سنة 105 للهجرة، وحديثه مخرج في الكتب الستة، وهو المسيب بن رافع الأسدي الكاهلي أبو العلاء الكوفي ، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في الجزء (10/153): قال أبو حاتم : رواية المسيب بن رافع - هذا ليس هو سعيد بن المسيب ولا والد سعيد -عن عبد الله بن مسعود مرسلة، وهكذا قال أبو زرعة ؛ لأنه لم يلق ابن مسعود .
تعدد الروايات في بيان أجر من قتل الوزغ وكيفية الجمع بينها
ثبت في المسند، وصحيح مسلم ، والسنن الأربعة، إلا سنن النسائي ، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل وزغةً في أول ضربةٍ فله كذا وكذا، ومن قتل وزغة في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة )، دون الأجر الذي يحصله في الضربة الأولى، ( ومن قتل وزغةً في الضربة الثالثة فله كذا كذا حسنة )، أيضاً دون الثانية، وورد في بعض روايات مسلم : ( من قتل وزغاً في الضربة الأولى فله سبعون حسنة )، وفي بعض الروايات: ( مائة حسنة ).
الجمع بين هذه الروايات كما يفهم من كلام أئمتنا في نظائر هذا الحديث، وأما في هذا الحديث فما وقفت لكلامٍ لهم فيه، ولا أقول: ما وجدت، لكن لا أعلم، لكن نظائر هذه الأحاديث يقولون فيها:
أولاً: لا منافاة بين مثل القليل والكثير، فلا منافاة أن تقال: حسنة، ثم يزاد سبع حسنات، ثم يزاد سبعون، ثم يزاد إلى مائة، لا منافاة، ويمكن أن يقال غير ذلك، فإن هذا يتفاوت على حسب ما يكون في نفس الإنسان من استجابةٍ لذي الجلال والإكرام، فحينما يعظم الله ويضرب هذا الحيوان الخبيث ويُحكم الضربة، وهو كما قلت معظماً تعظيماً كثيراً، وقتله وليس له حظٌ في نفسه، إنما قتله لأنه حيوان خبيث أمرني الله بقتله.
فعندما يكون ضمن هذا المعنى فله مائة حسنة، أو سبعون، أو حسنة واحدة، فيتفاوت على حسب ما يكون في نيته.
ثانياً: يمكن أن يقال: إن هناك حسنة عظيمة جليلة كبيرة تساوي مائة حسنة، وعليه فقتل الحية له سبع حسنات كبيرات عظيمات لا يساويها قتل الوزغ، فإذا خلصت النية وعظم رب البرية فهناك مائة حسنة تعدل حسنة واحدة من حسنات قتل الحية، هذه كلها تعدل حسنة، والعلم عند الله جل وعلا.
الطبيعة الخبيثة للوزغ
وهذا يشبه الباطنية والنصيرية الذي نجد عندهم كما يقرر عند الباطنية وهكذا عند الشيعة: أنه يجب على الشيعي، والباطني والنصيري إذا خلا بمسلم أن يقتله، وإذا عجز عن قتله أن يهم بقتله، وإذا رآك وما استطاع أن يضرك يطأ على ظلك، هذا الذي في إمكانه أن يفعله، المقصود أن يشفي غليله.
وهنا كذلك: أنت ماذا ينفع نفخك؟ جمعوا حطباً وأوقدوا ناراً، ولو مر الطائر في أعلى الجو سقط مشوياً، وهذا الوزغ ينفخ؟!
وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى معدنه الخبيث، وأنه كان ينفخ النار على خليل الرحمن إبراهيم ثبت الحديث بذلك في المسند، وسنن النسائي ، وسنن ابن ماجه ، وصحيح ابن حبان ، من رواية سائبة مولاة الفاكهي بن المغيرة رضي الله عنها وأرضاها، تقول: دخلت على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها فرأيت عندها رمحاً موضوعاً في بيتها، قلت: ما تصنعين بهذا الرمح يا أم المؤمنين؟ أي: هل أنت في حالة معركة وقتال، رمح في بيتك ما تصنعين به؟ فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها: نقتل هذه الأوزاغ، هذا الرمح معد حتى إذا رأيت وزغةً طاردتها بهذا الرمح وقتلتها، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة في الأرض إلا تطفئ عنه )، كل الدواب جاءت تطفئ، حتى يذكر في أخبار أهل الكتاب عن الضفدع أنها تحمل الماء من البحر بفيها وتأتي ترشه على النار، وهذه أيضاً لن تطفئ النار، ولكن معدنها طيب، والوزغ معدنها خبيث، ولذلك نقيق الضفدع تسبيح وأنت منهيٌ عن قتلها، والوزغ إذا رأيته ينبغي أن تطارده، كانت تُعد الرماح في البيوت من أجل أنهم إذا رأوه يتقربون بقتله إلى رب العالمين.
قال: ( لم تكن دابة في الأرض إلا تطفئ عنه غير الوزغ )، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.
وكون الوزغ تنفخ النار، من أجل ذلك أمرنا بقتلها، وهذا ثابت في أصح الكتب بعد كتاب الله، فقد ثبت في صحيح البخاري ، عن أم شريك رضي الله عنها وأرضاها قالت: أمر رسول الله بقتل الوزغ، وقال: ( كانت تنفخ النار على خليل الرحمن إبراهيم ).
أقوال العلماء في قتل الحيات
والحيات قد تكون جنية، والجن كثيراً ما يتصور بصور وأشكال الحيات، فما الحكم الشرعي في ذلك؟ هل نقتل الحية كيفما كان مطلقاً، في أي مكان دون مراعاة قيد أو شرط؟ هذا لا بد من ضبطه ويأتي معنا عند: تشكل الجان بصورة الحيات من الحيوان.
وذكر أئمتنا الكرام فيما يتعلق بأمر الحيات خمسة أقوال في قتلها، سوف أذكرها وأبين أقوى الأقوال منها، والذي تشهد له الأدلة، وكل قول له دليل، لكن القول الراجح يجمع بين أطراف الأدلة كلها، وهذا هو الواجب دائماً على الإنسان أن يجمع بين نصوص الشرع، ولا يأخذ بدليل ويغفل بقية الأدلة.
وهذه الأقوال حكاها الإمام المنذري في الترهيب والترغيب في الجزء (3/628)، وحكاها الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في الجزء (14/230)، وهي في فتح الباري في الجزء (6/349)، وهذا الخلاف كله من أجل تشكل الجن بصور حيات البيوت، وما عدا هذا سيأتينا التفصيل.
القول الأول: ذهب إليه بعض علماء الإسلام، وهو أن جميع الحيات تقتل أينما كانت في الصحارى، أو في البيوت، في المدينة المنورة أو في غيرها من المدن، أينما رأيت الحية فاقتلها، فلم يستثنوا نوعاً منها، كما أنهم لم يستثنوا موضعاً، أصناف الحيات تقتل في كل مكان بلا استثناء، قال الإمام المنذري في الترغيب: وعول هؤلاء على العموم الوارد في الأحاديث المتقدمة، في حديث عبد الله بن مسعود ، وحديث عبد الله بن عباس ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين: ( اقتلوا الحيات كلهن )، ولم يستثنوا موضعاً ولا جنساً.
وهذا استناد على دليل، لكنهم في الحقيقة لم يراعو الأدلة الأخرى، ونحن مأمورون بقتل الحيات ولا شك، في خارج البيوت بلا شرط، أما في داخل البيوت، في المدينة وفي غيرها -أي: في البيوت مطلقاً- فنحن مأمورون بهدي معين نحو الحيات، إلا نحو صنفين من الحيات فيقتلان في البيوت في المدينة وفي غيرها بلا صفةٍ، فحكم هذين الصنفين: الأبتر وذي الطفيتين كحكم الحيات الأخرى في الصحراء، وما عدا هذا فله حكم خاص بينه نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا بد من الجمع كما قلت بين أطراف الأدلة.
إذاً: من قال بالقول الأول تمسك بالعموم، فالحيات تقتل جميعاً في كل موضع، وما استثنى نوعاً ولا موضعاً، أينما وجدت حية فينبغي أن تقتلها.
نسأل الله إن أحيانا أن يحيينا على الإسلام، وإن أماتنا أن يتوفانا على الإيمان، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.