شرح أخصر المختصرات [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرأنا في الليلة الماضية ما يتعلق بالجمعة، ومن تلزمه الجمعة، وشروطه، وحكم من صلى ظهراً ممن تلزمه الجمعة، وسفر من تلزمه قبل الزوال أو بعده، وشروط صحة الجمعة، والخلاف في العدد المشترط لحضورها، والراجح أن اشتراط الأربعين ليس بلازم، وأنها تصح باثني عشر، وتدرك الجمعة بإدراك ركعة كاملة، واشتراط الخطبتين، وما يشترط فيهما، وما يسن، وعدد ركعات الجمعة، وما يقرأ فيها، وتعدد الجمعة في البلد، والسنة بعدها وقبلها، وما يستحب في الجمعة من القراءة، وما يكره فيها، وأنه يحرم تخطي الرقاب، وأن يقيم غيره، وأن يتكلم حال الخطبة.

كذلك صلاة العيد: ذكرنا حكمها ووقتها، وحكم ما إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد خروج الوقت، وشروط وجوبها، وما يشترط لصحتها من العدد والاستيطان، وحكم من فاتته الصلاة أو بعضها، وأين تؤدى؟ وما هي التي تؤخر من صلاة العيدين والتي تقدم؟ وما هي التي يؤكل قبلها والتي لا يؤكل قبلها؟ والتكبيرات الزوائد في الصلاة، وما يكون بين كل تكبيرتين، وما يقرأ في صلاة العيد، وخطبة العيد ومقدارها، والتكبير المطلق والتكبير المقيد.

وذكرنا صلاة الكسوف وسببها وتطويلها، وكون كل ركعة أطول من التي قبلها، وكل ركن كذلك.

وذكرنا صلاة الاستسقاء، وسببها، وصفتها، وأين تؤدى؟ وماذا يتقدمها من المواعظ والأعمال الصالحة؟ وصفة من يخرج إليها، ومن يستحب خروجهم ومن لا يستحب، وما يستحب في الخطبة، وأنه يدعو فيها بما ورد، وذكر بعض الأدعية.

وبهذا نعلم أن الشريعة الإسلامية جاءت بكل المصالح، فشرعية صلاة الاستسقاء لأجل إزالة الضرر عن المسلم، فقد يعم المسلمين ضرر كقحط أو جدب أو نحو ذلك، فإذا كان القحط في جهة من البلاد فإن الجميع يؤدون صلاة الاستسقاء، ولو كان بعضهم ليس عنده قحط؛ وذلك لأن مصيبتهم واحدة؛ ولذلك يشاهد أنها تكثر الأمطار في جهة وتخف في جهة، فيستغيثون ويستسقون ربهم كلهم، وهذا يحقق قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

قال رحمه الله تعالى:

[كتاب الجنائز: ترك الدواء أفضل، وسُن استعداد للموت، وإكثار من ذكره، وعيادة مسلم غير مبتدع، وتذكيره التوبة والوصية، فإذا نزل به سن تعاهد بلِّ حلقه بماء أو شراب، وتندية شفتيه، وتلقينه (لا إله إلا الله) مرة، ولا يزاد على ثلاث، إلا أن يتكلم فيعاد برفق، وقراءة الفاتحة ويس عنده، وتوجيهه إلى القبلة، وإذا مات تغميض عينيه، وشد لحييه، وتليين مفاصله، وخلع ثيابه، وستره بثوب، ووضع حديدة أو نحوها على بطنه، وجعله على سرير، وغسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه، وإسراع في تجهيزه، ويجب في نحو تفريق وصيته وقضاء دينه.

فصل: وإذا أخذ في غسله ستر عورته، وسن ستر كله عن العيون، وكره حضور غير معين، ثم نوى وسمى، وهما كفي غسل حيّ، ثم يرفع رأس غير حامل إلى قرب جلوس، ويعصر بطنه برفق، ويكثر الماء حينئذٍ، ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها، وحرم مس عورة من له سبع. ثم يدخل أصبعيه وعليها خرقة مبلولة في فمه، فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما بلا إدخال ماء، ثم يوضئه، ويغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، وبدنه بثُفله، ثم يفيض عليه الماء.

وسن تثليث، وتيامن، وإمرار يده كل مرة على بطنه، فإن لم ينق زاد حتى ينقى. وكره اقتصار على مرة، وماء حار وخلال وأشنان بلا حاجة، وتسريح شعره.

وسن كافور وسدر في الأخيرة، وخضاب شعر، وقص شارب، وتقليم أظفار إن طالا، وتنشيف. ويجنب محرم مات ما يجنب في حياته.

وسقط لأربعة أشهر كمولود حياً، وإذا تعذر غسل ميت يمم.

وسن تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض بعد تبخيرها، ويجعل الحنوط فيما بينها، ومنه بقطن بين إلييه، والباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم الأيمن على الأيسر، ثم الثانية والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل عند رأسه.

وسن لامرأة خمسة أثواب: إزار وخمار وقميص ولفافتان، ولصغيرة: قميص ولفافتان، والواجب ثوب يستر جميع الميت.

فصل: وتسقط الصلاة عليه بمكلف، وتسن جماعة، وقيام إمام ومنفرد عند صدر رجل ووسط امرأة، ثم ‏يكبر أربعاً، يقرأ بعد الأولى والتعوذ الفاتحة بلا استفتاح، ويصلي على النبي‏ صلى الله عليه وسلم بعد الثانية كفي تشهد، ويدعو بعد ‏الثالثة، والأفضل بشيء مما ورد، ومنه: (اللهم اغفر لحينا‏ وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا ‏وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم ‏من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه ‏واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا ‏كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، ‏وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه).

وإن كان صغيرًا أو مجنونًا قال: اللهم اجعله ذخراً لوالديه، وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، ‏اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة ‏إبراهيم، وقه‏ برحمتك عذاب الجحيم، ويقف بعد الرابعة قليلاً، ويسلم ويرفع يديه مع كل تكبيرة.

وسن تربيعٌ في حملها، وإسراعٌ، وكون ماشٍ أمامها، وراكبٍ لحاجةٍ خلفها، وقرب منها، وكون ‏قبرٍ لحداً، وقول مدخل:‏ (باسم الله، وعلى ملة رسول الله)، ولحده على شقه الأيمن، ويجب ‏استقباله القبلة، وكره بلا حاجة جلوس تابعها قبل وضعها، وتجصيص قبر، وبناءٌ وكتابةٌ، ومشيٌ ‏وجلوسٌ عليه، وإدخاله شيئاً مسته النار، وتبسمٌ وحديثٌ بأمر الدنيا عنده.

وحرم دفن اثنين ‏فأكثر في قبرٍ إلا لضرورةٍ، وأي قربةٍ فعلت وجعل ثوابها لمسلمٍ حي أو ميتٍ نفعه.

وسن لرجال زيارة قبر مسلم، والقراءة عنده، وما يخفف عنه، ولو بجعل جريدة رطبة في القبر، ‏وقول زائر ومار به: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله ‏المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، ‏واغفر لنا ولهم).

وتعزية المصاب بالميت سنة، ويجوز البكاء عليه، وحرم ندب ونياحة، وشق ثوب ولطم خد ‏ونحوه]. ‏

ألحقوا كتاب الجنائز بالصلاة؛ لأن أهم ما يعمل مع الميت الصلاة عليه، واسمها صلاة ولو لم يكن فيها ركوع وسجود؛ لأن فيها قياماً، وقراءة، وتكبيرات، وتحريماً، وتسليماً، فأشبهت الصلاة، ولأنه يشترط لها الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، ونحو ذلك، فأصبحت من جنس الصلاة.

ولما كان كذلك ذكروا كتاب الجنائز بعد كتاب الصلاة، وذكروا ما يتعلق بالجنائز، وإن لم يكن من جنس الصلاة.

أيهما أفضل: التداوي أم تركه؟

هل ترك التداوي أفضل أم فعله؟

يقولون: من كان قوي القلب، وقوي الصبر، ويأمن ألا يضجر ولا يشتكي ولا يتضجر ولا يتأوه، بل يثق في نفسه بأنه يرضى بقضاء الله وبقدره؛ فإن ترك الدواء توكلاً على الله تعالى أفضل في حقه، كما في حديث السبعين ألفاً: (لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) ومع ذلك فإن الدواء جائز، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله! ولا تتداووا بحرام) ، وقوله: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، وكية نار، وشربة عسل) يعني: أن هذه أقرب لحصول الشفاء، ولا ينفي حصول الشفاء في غيرها، فهذا دليل على إباحة التداوي، وإذا أراد الإنسان التداوي فإنه مع ذلك يتوكل على الله، ويعتقد أن ربه سبحانه هو الذي أنزل الداء، وهو الذي أنزل الدواء، وهو الذي أمر بالعلاج وأباحه، كما أمر بالغذاء والأكل والشرب لدفع ألم الجوع والعطش وما أشبه ذلك، فعلى هذا يكون الدواء مباحاً، ولا ينافي التوكل إذا علم أن الله تعالى مسبب الأسباب.

من السنة الاستعداد للموت بالأعمال الصالحة

يقول المؤلف رحمه الله: (يسن الاستعداد للموت) الاستعداد له هو بعمل الصالحات، وكان كثير من السلف يعملون من الأعمال الصالحة ما لا مزيد عليه؛ حتى لو قيل لأحدهم: إنك تموت الليلة أو غداً لم يكن هناك ما يزيد في عمله؛ لأنه عامل بكل ما يستطيعه وما يقدر عليه، فالاستعداد له هو أن يعمل الأعمال الصالحة، ويترك السيئات، ويتوب دائماً، ويجدد التوبة في كل صباح وفي كل مساء حتى إذا جاءه الموت يكون مستعداً، ولا يقول: رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:10-11].

ويسن الإكثار من ذكره، ففي حديث صحيح عند الترمذي وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هاذم اللذات) هكذا ضبطوه بالذال، يعني: مكدرها، أي: أنه ما ذكر في قليل إلا كثره، ولا في كثير إلا قلله، فإذا أكثر من ذكره فإن ذكره يزهده في الدنيا وما عليها، ويرغبه بالقناعة، ويقنعه بما أعطاه الله ولو كان قليلاً، وكذلك إذا كان ذا ثروة وذا أموال ونحوها، ثم تذكر الموت علم أنه ذاهب وتارك هذه الدنيا كلها، وأنه ليس له إلا ما قدم، فيحرص على أن يقدم الخير.

استحباب عيادة المسلم غير المبتدع

تسن عيادة المسلم غير المبتدع، والعيادة: هي زيارة المريض في حال مرضه؛ لأنه محبوس قد حبسه المرض، فهو يحب من إخوانه وأصدقائه أن يعودوه، فإذا عادوه دعوا له، وذكروه، وحثوه على الصبر، وحثوه على التوبة، وحثوه على كتابة وصيته وما عنده، ونفسوا له في أجله، فيقولون له: أبشر بالعافية وبالشفاء، فإن فرج الله قريب، فإن الله تعالى يثيبك على صبرك، وإن المؤمن مبتلى، وإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فزيارته في حال مرضه وحال احتباسه فيها أجر كبير، وقد وردت فيها أحاديث كثيرة مذكورة في كتب الآداب.

ولا يسن زيارة المبتدع وصاحب البدعة، سواء كانت بدعته بدعة اعتقادية كالمعتزلي والرافضي والقبوري والمتصوف الغالي في التصوف ونحوهم، أو بدعة عملية كالذين يبتدعون أعمالاً زائدة على الشرع مثل بدعة المولد، وبدعة الرغائب، وما أشبهها، وأشدها ما يكون من الشرك كبدعة المشركين الذين يغلون في الأموات ويدعونهم من دون الله، فلا يجوز عيادتهم.

وإذا زاره ونفس له في الأجل، فإن ذلك لا يرد قدراً، ولا يغير شيئاً، فيقول له: سوف تشفى إن شاء الله، ومثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد لما زاره: (لعلك أن تشفى حتى ينفع الله بك قوماً ويضر بك آخرين).

ويستحب تذكيره بالتوبة، فعلى الإنسان أن يجددها في كل صباح ومساء؛ لأن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

ما يستحب فعله عند المحتضر

يجب على الإنسان -إذا كان عنده شيء- أن يبادر بكتابة الوصية، وليست كتابة الوصية مقربة للأجل أو مبعدة له، فيبادر بكتابة وصيته ولو كان صحيحاً قوياً، وفيها أحاديث.

قال رحمه الله: (فإذا نزل به سُن تعهد بلِّ حلقه بماء أو شراب، وتندية شفتيه) وذلك ليسهل عليه الكلام، ويسهل عليه أن ينطق بالشهادة، ويسهل عليه أن يتكلم بما يريد أن يوصي به.

قال رحمه الله: (وتلقينه لا إله إلا الله مرة، ولا يزاد على ثلاث، إلا أن يتكلم فيعاد تلقينه برفق) ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) والمراد: المحتضر الذي حضره الأجل، يلقن برفق حتى لا يضجر، ويكررها؛ لأنه عند النزع في حالة شدة، وفي حالة ألم شديد؛ فلا يشدد عليه، وإنما يلقن برفق، فيقال: قل: لا إله إلا الله، أو يذكر عنده كلمة لا إله إلا الله، ولا يكرر عليه أكثر من ثلاث، فإن تكلم بعدها يعاد تلقينه برفق، ولا يكلف الشيء الذي لا يستطيعه.

قوله: (وقراءة الفاتحة ويس عنده) أما سورة يس فقد ورد فيها حديث مذكور في السنن: (اقرءوا على موتاكم يس)، واستحب بعضهم قراءة الفاتحة، ذكر ذلك في سبل السلام، واستحب بعضهم قراءة سورة تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1]، واستحب بعضهم قراءة البقرة، ولكن لعل هذه وقائع دون أن يكون فيها نص، وكأنه وقع أن بعض الصحابة أو بعض العلماء قال: اقرءوا عليه سورة البقرة، وآخر قال: اقرءوا الفاتحة، وآخر قال: اقرءوا الملك، ولكن النص ما ورد إلا في سورة يس، ولعل السر في اختيار يس ما فيها من البشارة مثل قوله تعالى: قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [يس:26]، ومثل قوله تعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يس:55]، فإن في هذا ما يقوي قلبه.

ما يستحب فعله بالميت بعد خروج روحه

يستحب توجيه المحتضر إلى القبلة، بأن يجعل على جنبه الأيمن، ووجهه إلى القبلة، فإن شق عليه ذلك فإنه يستلقي على ظهره، ويرفع رأسه حتى يكون وجهه إلى القبلة، وتكون رجله إلى جهة القبلة، لتكون القبلة مقابل وجهه، واختلف في حكم ذلك، فأنكره بعضهم كـسعيد بن المسيب ، واستحبه بعضهم كـحذيفة حيث قال: وجهوني، واستدلوا بحديث: (قبلتكم أحياء وأمواتاً)، فهو مستحب.

قوله: (وإذا مات يسن تغميض عينيه، وشد لحييه، وتليين مفاصله، وخلع ثيابه، وستره بثوب، ووضع حديدة أو نحوها على بطنه، وجعله على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه)

تغميض عينيه ورد فيه قوله عليه السلام: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) فيسن إذا رأوا أنه قد نزل به أن يغمضوا عينيه؛ وذلك لأنه إذا مات وهي مفتوحة بقيت مفتوحة دائماً، وفيه شيء من التشويه لمظهره وصورته، فيغمضه الذين يحضرونه.

وأما شد لحييه فلمخافة أن يبقى فمه مفتوحاً حالة غسله، وحالة تجهيزه، فيشد حتى ينطبق فمه مع أسنانه.

وأما تليين مفاصله فالحكمة في ذلك أن تلين عند الغسل، وذلك بأن يمد يده ثم يثنيها، ويمد منكبه ثم يثنيه، وهكذا يفعل بيده الأخرى، وكذلك يفعل برجليه، فيقبض رجله ليثنيها ثم يمدها مرتين أو ثلاثاً حتى تلين عند الغسل.

قوله: (وخلع ثيابه) يعني: الثياب التي مات فيها يسن أن تخلع ساعة موته، ويستر برداء أو نحوه، ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم لما مات ستروه بثوب حبرة.

وأما وضع الحديدة أو شيء ثقيل على بطنه؛ لأنه عادة يربو وينتفخ، فتوضع هذه حتى لا ينتفخ بعد موته، فتضغط عليه هذه الحديدة أو الخشبة أو نحو ذلك، وبعضهم يجعل عليه مصحفاً، ولا أصل لذلك، حتى ولو قالوا: إن فيه البركة ونحو ذلك فالأولى أن يتبع الدليل، ولا دليل على استحباب جعل المصحف على بطنه.

قوله: (ووضعه على سرير غسله) يعني: يبادر إلى وضعه على سرير غسله إذا تيسر ذلك بعد موته مباشرة متوجهاً يعني: موجهاً وجهه إلى القبلة، منحدراً نحو رجليه، يعني: ترفع جهة رأسه، وتخفض جهة رجليه حتى إذا خرج منه شيء ينحدر، ولا يلوث بقية بدنه.

استحباب الإسراع في تجهيز الميت وتنفيذ وصيته وقضاء دينه

يسن الإسراع في تجهيز الميت، وقد ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) يعني: أن إبقاءه عندهم بدون تجهيز وهو ميت لا فائدة فيه، فليس له إلا أن يجهز ويدفن قبل أن يتغير وينتن، فإنه عادة يسرع إليه التغير، فيبادرون بتجهيزه، ويستثنى من ذلك إذا مات فجأة؛ مخافة أنها غشية غلبت عليه وأنه سوف يصحو ويفيق، أما إذا تحقق أنه مات وخرجت روحه فالإسراع في تجهيزه أولى.

وكذلك الإسراع في تفريق وصيته وقضاء دينه، وهذا يتعلق بأوليائه، فإذا أوصى فيجب أن تنفذ وصيته، سواء كانت وصية مالية في ماله، أو وصية بإبلاغ شيء أو نحوه، وكذلك الإسراع في إبراء ذمته من الدين، وقد ورد في ذلك حديث: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) فيسارعون في قضاء دينه حتى يرتاح من ذلك، وقد ورد في حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم أُتي برجل فقال: هل عليه دين؟ فقالوا: ديناران، فقال: صلوا عليه، فقال أبو قتادة : هما علي، فسأله بعد ذلك: هل قضيتهما؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلدته) فيسارعون بقضاء دينه بقدر الاستطاعة، فإذا كان عليه دين وهم عاجزون فإنهم معذورون.

تجهيز الميت من فروض الكفاية

وتجهيز الميت من فروض الكفاية، وتغسيله يلزم من علم بحاله، وهو من فروض الكفاية، وكذلك تكفينه وحمله والصلاة عليه ودفنه، كل هذه من فروض الكفاية، فلو تركوه وهم عالمون بذلك أثموا؛ بسبب أنهم فرطوا في شيء واجب عليهم جميعاً، فيأثم كل من علم أنه دفن بلا غسل، أو نحو ذلك.

والجاهلون عليهم أن يتعلموا، وفي كثير من البوادي يجهلون الحكم، فإذا ما مات الميت حفروا له حفرة كأنه جيفة حيوان ودفنوه فيها، بدون تغسيل، وبدون تكفين، وبدون صلاة عليه، ولا شك أن هذا حرام على من يعلم الحكم، وأن عليهم أن يتعلموا.

كيفية غسل الميت

صفة تغسيل الميت أن تنزع ثيابه المعتادة، وأن يستر بثوب، فإذا بدءوا بتغسيله وضعوا على عورته سترة تستر ما بين السرة إلى الركبة، ووضعوه على سرير، وبدءوا بالتغسيل.

وكذلك يستر عن العيون، بأن يستر في داخل غرفة مغلقة الأبواب والنوافذ، ولا يراه أحد إلا الذين يتولون تغسيله، ولا يجوز أن يغسل أمام الناس، ويتأكد أن يكون تحت سقف، وإذا لم يجدوا مكاناً مسقوفاً غسلوه في مكان مكشوف السقف، ولكن الأولى أن يكون في محل مستور.

ويكره أن يحضره إلا أهل التجهيز: الذي يدلك، والذي يصب عليه الماء، والذي يعلمهم بأن يقول: افعلوا كذا وكذا، يعني: الذين يقومون بتجهيزه هم الذين يحضرونه، ولا يجوز أن يحضره غيرهم لعدم الحاجة إلى ذلك.

ولابد من النية، فينوي تغسله الذي يتولاه.

ثم يسمي فيقول: باسم الله؛ وذلك لأنه ينوي رفع حدث عنه، والنية والتسمية مثل النية والتسمية في غسل الحيض، وقد عرفنا أن التسمية فيها خلاف، والمشهور أنها واجبة، وأن النية شرط، يعني: في غسل الحيض.

وبعد أن ينوي المغسِّل يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، فيعصر بطنه برفق؛ ليخرج ما كان متهيئاً للخروج، فقد يكون في بطنه شيء، فإذا عصر بطنه برفق خرج، ولكن لا يعصره عصراً شديداً مخافة أن تخرج أمعاؤه، بل يعصر برفق، ويكثر من صب الماء حينئذٍ مخافة أن يخرج منه شيء له رائحة، فإذا أكثر من صب الماء فإنه يحمل الخارج بسرعة.

ويستثنى من ذلك الحامل، فلا يرفع رأسها، ولا يعصر بطنها؛ لأن ذلك قد يسبب خروج الحمل أو انشقاق البطن أو نحو ذلك.

وبعد أن يبدأ في تغسيله يلف على يده خرقة أو ليفة ينجيه بها، ويغسل بذلك فرجيه، فيدخل يده من تحت الستارة فيغسل قبله ودبره وما حول ذلك إلى تحت السترة، ويصب الماء على السترة ولا يكشفها، ولا يحل له أن ينظر إلى عورة مكلف، وهو من بلغ عشر سنين أو فوقها، فلا تكشف عورته، وإنما يدخل يده تحت السترة، ويصب الماء ويدلكه وعلى يده هذه اللفافة من خرقة أو نحوها.

قوله: (ويحرم مس عورة من له سبع سنين) يعني: من تمت له سبع سنين يحرم مس عورته وهما الفرجان.

وأيضاً ينظف فمه ومنخريه، ولا يدخلهما الماء، فلا يدخل الماء في فمه ليمضمضه مخافة أن يدخل الماء إلى جوفه فيحرك النجاسة، وكذلك في أنفه، وإنما يلف على إصبعيه خرقة، فيبل الخرقة فينظف بها فمه وأسنانه ومنخريه، ولا يدخلها الماء.

ثم يبدأ بأعضاء الوضوء، وينوي وضوءه، فيغسل وجهه كما يغسل وجه المتوضئ، ثم يغسل ذراعيه، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه، كأنه وضوء حي، هذا أول ما يبدأ به أن يوضئه.

ثم بعد أن يوضئه يبدأ بغسل رأسه فيدلك رأسه، والرأس عادة فيه الشعر، والشعر يحتاج إلى دلك، وغالباً ما يكون فيه وسخ، فلأجل ذلك قالوا: يغسله بورق السدر، فيجعلون السدر في طست أو في إناء كبير، ثم يخضخضونه إلى أن يكون له رغوة، فيأخذون هذه الرغوة فيغسلون بها الشعر، ويدلكون الشعر، ولا يأخذون بثفل السدر؛ لأنه قد يدخل بين الشعر، فيكتفون بغسله بالرغوة، وكذلك اللحية يغسلها برغوة السدر حتى لا تدخل فيها حبات من حثالة ورق السدر.

والسدر معروف، فإذا يبس يسحق جيداً حتى يكون ناعماً كالدقيق، فيقوم مقام الصابون، يعني: تغسل به الأواني، وينظف به الجلد، وينظف به الثياب، فهو يقوم مقام الصابون، وهو من جملة المنظفات، فيستعمل في غسل الميت، كما أنهم كانوا يستعملونه لغسل الحي؛ لحديث أم سلمة لما كانت حادّة على زوجها فكانت تغسل رأسها بشيء من المزيل، فأمرها أن تغسل رأسها بالسدر بدلاً من الأشنان، وذكر أن الأشنان يشب الوجه، فقال: (اغسليه بالسدر) يعني: رأسها عندما تحتاج إلى اغتسال من حيض أو نحوه.

فيغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، ويغسل بدنه بثفل السدر، يعني: بحثالته وبقية الماء الذي اختلط به، والعادة أن الماء يكتسب قوة من هذا السدر، فتكون فيه قوة تنظيف، يعني: قد يؤخذ ملئ الكأس من السدر، فيصب في طست يسع عشرين لتراً أو نحوه، ويكفيه هذا المقدار، فيغسل به الرأس والبدن.

قوله: (ويسن التثليث) بأن يغسله ثلاثاً (والتيامن) بأن يبدأ بشقه الأيمن، فيبدأ من رأسه، فيغسل شقه الأيمن الذي هو عنقه ويده اليمنى وجنبه الأيمن الذي أمام والذي خلف وفخذه إلى قدمه، ثم بعد ذلك يقلبه ويغسل جنبه الأيسر، يعني: يصب الماء ويدلكه، ويلف على يده خرقة أو ليفة يدلك بها جسده أو نحوها حتى لا يمس بشرته بيده، بل بواسطة هذه اللفافة ونحوها، فإذا غسله ثلاثاً اكتفي بذلك، وتجزئ واحدة منظفة.

قوله: (ويمر يده في كل مرة على بطنه) يعني: يعصر بطنه عصراً خفيفاً حتى يخرج منه ما هو مستعد للخروج من النجاسات ونحوها، فإذا كان عليه وسخ شديد واحتيج إلى تكرار الغسل فيزاد على الثلاث، ولكن يسن أن تكون وتراً؛ لحديث أم عطية أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدرٍ، واجعلن في الغسلة الآخرة كافوراً) فالقطع على وتر أفضل، فإذا احتاجوا إلى الغسلة الرابعة أضافوا إليها خامسة، فإن احتاجوا إلى ست أضافوا إليها سابعة، وفي كل غسلة يبدءون من أعلاه، يصبون عليه الماء ويدلكونه إلى رجليه.

ويكره أن يقتصر على غسلة واحدة مع إجزائها، فالغسلة الواحدة مجزئة، ولكن الأفضل ألا يقصر عن ثلاث.

ويستعمل الماء الحار والأشنان عند الحاجة إليه، والماء الحار قد يكون أقوى في التنظيف، فإذا احتيج إليه استعمل، وإن لم يحتج إليه فلا يستعمل، لماذا؟ لأنه يرخي الأعضاء، فلا يحتاج إليه سيما إذا كان شديداً إلا عند الحاجة إلى التنظيف به.

والخلال هو: تخليل الأسنان بعود أو نحوه إذا احتيج إلى ذلك وإلا فلا، والأشنان هو: ورق من شجر الوادي شبيه بالحمض، يؤخذ زهره ثم يجفف وييبس، ثم يسحق ويقوم مقام الصابون، وله قوة في التنظيف فيستعمل، فإذا لم تكن هناك حاجة فلا يستعمل، ويكتفى بالسدر.

وإذا كان على المرأة شعر طويل فإنه يسرح بمشط أو نحوه، كما ذكرت أم عطية أنهم جعلوا قرون رأسها ثلاثة قرون، والقرن هو الظفيرة، فجعلوه ثلاث ظفائر، وألقوها خلفها، وإذا كان على الرجل شعر طويل فإنه يسرح بالمشط ونحوه حتى ينظف.

وذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم قال لـأم عطية : (واجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً) والكافور معروف، يوجد عن العطارين ونحوهم، وهو شيء أبيض يسحق ثم يخلط بالماء في الغسلة الأخيرة، وفائدته: أنه يصلب الأعضاء، ويصلب البشرة، ومعلوم أنه بعد السدر يحتاج إلى غسلة أخرى حتى ينظف أثره ولزوجته.

وذكر المؤلف خضاب الشعر، والصحيح أنه لا حاجة إليه؛ لأنه يفعل في الدنيا، فالمرأة تخضب شعرها بالحناء أو نحوه للجمال، فأما بعد الموت فلا حاجة إلى تخضيبه.

وإذا كان شارب الرجل طويلاً أو أظفاره فإنه يقص الشارب وتقلم الأظفار؛ لأنه من تمام الجمال.

وأيضاً بعدما يغسل ينشف بثوب أو نحوه، إلا إذا كان محرماً فيجنب المحرم ما يجنب في حياته، بمعنى أنه لا يطيب، ولا يغطى رأسه في حال موته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (غسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) فيجنب المحرم ما يجتنب في حياته.

حكم السقط

السقط الذي عمره دون أربعة أشهر: الصحيح أنه لا يكفن، وإنما يلف ويدفن في مكان طاهر، وليس له حكم الإنسان، فإذا تمت له أربعة أشهر فإنه يعامل كالحي، فيغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدعى لوالديه كما لو ولد حياً، فأما ما دون الأربعة الأشهر فإنه لا حكم له.

وقد ورد في الحديث أنه عليه السلام قال: (سموا أسقاطكم فإنهم شفعاؤكم) يعني: السقط الذي تم أربعة أشهر يسمى، ويعمل معه كما يعمل مع المولود حياً.

إذا تعذر غسل الميت يمم

قوله: (وإذا تعذر غسل ميت يمم) وذلك لأجل المشقة، فيضرب أحدهم يديه بالتراب، ويمسح وجهه، ويمسح كفيه، ويقوم مقام الغسل، ويمثلون لذلك بالمحترق الذي إذا غسل تمزق لحمه، فلا يستطيعون أن يغسلوه، وكذلك من كان في بدنه جروح كثيرة، وجلدته بشعة، بحيث إنه إذا صب عليه الماء تمزق جلده، وتمزق لحمه؛ فلا يغسل والحالة هذه، وهكذا أيضاً ما يحصل في حوادث السيارات، فإن كثيراً منهم بعد الحادث يكون قد تمزق أشلاء، وتقطعت أعضاؤه؛ فلا يستطيعون أن يغسلوه، فيغسلون ما يقدرون عليه من ذلك، ويلفون بعضه إلى بعض.

كيفية تحنيط الميت وتكفينه

قوله: (يسن تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض)، ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كفن رسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة) ثلاث لفائف أي: خرق، كل خرقة فيً طول الميت وزيادة فوق رأسه، وخلف رجليه، هذه الثلاث اللفائف يوضع بعضها فوق بعض، توضع كل لفافة فوق الأخرى، وتبخر، يعني: بالطيب، ويجعل بينها حنوط، والحنوط هو عبارة عن أخلاط من الطيب من المسك ومن الريحان ومن أنواع الطيب، تخلط جميعاً، ثم تذر فوق اللفافة الأولى، وفوق الثانية، وفوق الثالثة، ثم يجعل الميت فوقه.

قلنا: إن الحنوط مجموعة من الأطياب من مسك ومن ورد ومن ريحان وأنواع من الطيب، تجمع وتسحق، ثم توضع في قارورة أو نحوها، وعندما يراد تكفين الميت بعد ما يتم تغسيله، يجعل الحنوط على اللفائف، فيذر على اللفافة الأولى، ثم توضع عليها اللفافة الثانية ويذر فوقها، ثم اللفافة الثالثة.

ويؤخذ من هذا الحنوط في قطن، ويجعل بين إليتيه، ثم يمسك على إليتيه وعلى عورته بأن تشد بخرقة على هيئة التبان مشقوقة الطرف، طولها متر، وعرضها نصف متر، تجمع إليتيه ومثانته، فتجعل تحت إليتيه، ثم تخرج بين فخذيه وتمسك عورته، ثم بعد ذلك تشق نصفين، ثم تدخل تحت جنبيه حتى تعقد خلفه وتمسك الحنوط، وتكون كهيئة التبان هكذا ذكروا.

ويوضع الباقي من الحنوط على منافذ وجهه، فيجعل على عينيه، وعلى منخريه، وعلى أذنيه، وعلى حلقه، وإبطيه، وبطون ركبتيه، وبطون ذراعيه، وعلى مواضع سجوده كركبتيه وذراعيه ونحو ذلك من مواضع السجود.

وعندما يوضع على السرير فوق الكفن يؤخذ طرف اللفافة فيرد من جهة ثم الطرف الثاني يرد فوقه، ثم هكذا الثانية والثالثة، ثم بعد ذلك يعقد بخرق من تحتها، فتجعل خمس خرق تمسكه أو سبع خرق، واحدة فوق الرأس، وواحدة خلف الرجلين، وواحدة فوق الرقبة، وواحدة فوق الصدر، وواحدة فوق المثانة، وواحدة على الفخذين، وواحدة على الساقين وإن احتيج إلى أكثر فلا بأس، ويجعل أكثر الفاضل على رأسه، وذلك إذا كان الكفن طويلاً.

والمرأة تكفن في خمسة أثواب: إزار وخمار وقميص ولفافتين، والإزار: هو ما يستر به العورة، يعني: من السرة إلى الركبة خرقة تسترها، وتعقد على العورة، والخمار يلف على الرأس وعلى الوجه، والقميص: عبارة عن ثوب أو خرقة في طول الميت مرتين أو نحوها، فيشق في نصفها مدخل للرأس، فيدخل الرأس مع هذا الشق، فيجعل نصفها فراشاً ونصفها لحافاً، واللفافتان: مثل لفافة الرجل ترد إحداهما من الطرف الأيمن والثانية من الطرف الأيسر، ثم الثانية كذلك.

والميت يوضع على السرير بعد ما توضع عليه هذه اللفائف.

والصغيرة يكفي فيها قميص ولفافاتان.

والمجزئ الواجب ثوب واحد يستر جميع الميت من أعلاه إلى أسلفه، وإنما اختاروا خمسة أثواب للمرأة، وثلاث لفائف للرجل؛ لأنه هو الأفضل، وإلا فالأصل أن الواحدة تكفي.

الصلاة على الميت حكمها وكيفيتها

الصلاة على الميت تسقط بواحد مكلف، فإذا صلى عليه رجل واحد بالغ عاقل مكلف فإنها تسقط عنهم، وإذا ترك ولم يصل عليه أحد فإنهم يأثمون، وتسن جماعة، ويسن كثرة الجماعة؛ وذلك لأن كل واحد منهم يدعو له، وقد ورد حديث: (ما من مسلم يصلي عليه مائة رجل لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعوا فيه)، وفي حديث آخر: (ما من مسلم يقوم عليه أربعون رجلاً يسألون الله له المغفرة إلا غفر له) أو نحو ذلك، فكثرتهم أولى، وقد ورد في فضل الصلاة عليه أجر كبير، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) يعني: من الأجر، كأنه حصل له هذا الأجر الكبير بصلاته على أخيه المسلم، ولا شك أن في هذا تأكيد الصلاة على الميت، وقد ورد أيضاً أن من حق المسلم على المسلم تشييعه واتباع جنازته إذا مات.

وكانت الصلاة على الأموات في العهد النبوي في البقيع، فإذا أرادوا أن يصلوا عليه حملوه إلى البقيع، ثم صلوا عليه، ثم حملوه إلى قبره، وما كانوا يصلون على الجنائز في المساجد إلا قليلاً، ذكرت عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ابني بيضاء في المسجد، وكذلك أيضاً ذكرت أنه صلي على أبي بكر في المسجد، وكذلك أمرت بالصلاة على عبد الرحمن بن عوف في المسجد؛ فدل على أنه يجوز.

والصلاة في المسجد في هذه الأزمنة أولى؛ وذلك لأن المساجد تجمع جماعات كثيرة، ولو لم يصل عليه إلا الذين يشيعونه لكانوا قليلاً، فلأجل ذلك يتأكد أن ينظر المسجد الذي أهله وجماعته كثير، فيصلى عليه فيه حتى يكون ذلك أقرب إلى شفاعتهم له لكثرتهم.

ولا بأس أيضاً بإعلان الصلاة عليه إذا كان له أحباب يحبون أن يصلوا عليه، فيجوز الإعلان عليه في صحيفة أو في إذاعة أو نحو ذلك، ويحدد وقت الصلاة عليه، وكذلك يجوز إخبار بعضهم بعضاً: إن فلاناً توفي، وسوف يصلى عليه في المسجد الفلاني؛ لأنهم غالباً يودون أن يشتركوا في الصلاة عليه والدعاء له، فلا بأس بالإخبار حتى يكثر المصلون عليه.