الشبهات المطروحة في الساحة الفكرية والردود عليها
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ...
وبعد: فالمطلع على مستجدات الحراك الفكري والثقافي في مجالات الإعلام عمومصا وفي صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً يلاحظ هجوم قوي منقطع النظير في طرح شبهات فكرية ومنهجية تشكك في ثاني مصدر من مصادر التشريع في الإسلام بعد كتاب الله جل وعلا -وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم- من أناس يعدّون أنفسهم أهلاً لذلك سواء ممن تلبسوا بلباس العلم والتدين زوراً وبهتاناً، أو ممن يدّعون سعة المعرفة وكثرة الإطلاع والإحاطة بالثقافات العربية الغربية كذباً وإدعاءً، من أمثال كتاب الصحف والمقالات اليومية.
و الإشكالية التي نعاني منها ليست في الشبه المطروحة مهما كانت قوتها وحجتها في نظر مدعيها أو المعجب بها، لأنهم في الأصل لم يأتوا بشيء جديد، فتلك الشبه التي يرددونها اقتبسوها من كتب من سبقهم في الضلال والابتداع وأعادوا صيغتها بما يناسب شهواتهم وشهوات أتباعهم، دون إخلال بمفهومها، وفي حقيقة الأمر فإن لعلماء الإسلام قديمًا ردودًا على تلك الشبه اجتثتها من جذورها ونقضتها من أصولها ولله الحمد والمنة.
والسؤال:
ما الذي ميّز هذه الشبه الآن وجعلها تظهر بشكل ملفت للنظر رغم قدمها ورغم ردود علماء الإسلام عليها ونقضهم لها؟
الجواب:
أولاً: إظهارها في وسائل الإعلام المتعددة وخصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي، سهّل ظهورها وانتشارها ووصولها لعامة الناس.
ثانياً: طرق عرضها على الناس بإكسابها صبغة حب الدين وحفظه وإلباس السنة التي لا توافق أهواهم لباس مخالفة صريح القرآن ومناقضة العقل والفطرة.
ثالثاً: (وهنا بيت القصيد) ضعف وركاكة كثير من الردود على هذه الشبه، سواء في طريقة العرض أو في الصياغة أو في مناقشة الفكرة، وفي غالب تلك الردود تتحول إلى شخصنة للموضوع دون نقد علمي.
و هنا مكمن الخلل والإشكالية التي نعاني منها، حيث إن المطلع من عامة الناس على تلك الشبه يريد ردودًا مساوية للشبه المطروحة في القوة، إن لم تكن أقوى، ويريد نقضاً علمياً مبنياً على أسُس شرعية وأصول علمية ثابتة لكي لا يتشرب الضلال باسم العقل، ولا يتلبس بالفسق باسم الفطرة، لأن عارض الشبهة يدعي التأصيل العلمي لطرحه بل ويتحدى في التشكيك في صحة كلامه بأسلوب قوي يبهر المطلع عليه، خاصة ممن ليس لديه خلفية شرعية مؤصلة، أو ممن لديه مفاهيم مغلوطة يتداخل فيها الحق والباطل، وعندما يأتي الرد بتضليل أو تفسيق أو تحذير ونحوها من الأساليب، فإنها تكون سبباً رئيسياً في رفض الحق لا رغبة عنه أو كرها له، لكن لضعف الأسلوب المدافع عنه وركاكته، ولأنه لم يقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل، فأسلوب التضليل والتحذير ونحوه إذا لم يكن مقروناً بأدلة تقويه، فإنه لم يعد مقبولاً عند العامة، لأنه لا يخاطب العقول.
إننا بحاجة ماسة لتفنيد شبه القوم وردها ردا علمياً مؤصلاً، يبهر أنصاف وأرباع المثقفين ومدعي المعرفة ويلجم أهل الضلال ومدعي البحث عن الحقيقة، ويهدي بإذن الله طالب الحق وراغب الهداية، وينقذه من بحور الشكوك وظلمات الابتداع والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سنته الشريفة.
و هنا اضرب مثالاً بسيطاً على ذلك، وهو طامة محمد آل الشيخ في رده للسنة النبوية، فرغم سذاجة فكرته وتخبط معلوماته وسوء طرحه، فضلاً عن سهولة رد تلك الشبهة بكاملها، إلا أن غالب الردود عليه تطالب بمحاكمته ومعاقبته أو تضلله أو تكفره، وهذا حق لا غبار عليه.
لكن ماذا عن أصحاب الثقافة وطلاب المعرفة والذين هم في الحقيقة من طبقة العامة؟
حيث أن بعضهم قد جعلتهم فكرته تلك في شك من أمرهم وفي حيرة منه
ماذا عن السذج الذين تقبلوا فكرته واتخذوها مدخلاً للقدح في دين الله جل وعلا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟
ماذا عن من لبس على الناس دينهم بتبني تلك الفكرة؟
كيف يجب أن يكون الرد عليهم؟
إن الردود التي اطلعت عليها لم أجد فيها رداً علمياً واحداً ينقض أساس فكرته، رغم سهولة ردها، ورغم معرفة صغار طلاب العلم بها فضلاً عن الكبار، ومنهم أكبر منهم من العلماء ، ومع ذلك لم أجد في تلك الردود ما يحل إشكال المثقف وطالب المعرفة فضلاً عن العامي، وهذا خطأ عظيم يجب الانتباه له، فبساطة الشبهة وسهولة ردها لا يلزم منه السكوت عن ردها حتى لو كان غالب العامة يعرفون ردها.
إن الأسلوب الأمثل للرد على تلك الشبه هو ردها بالحقائق العلمية ونقض الأساس الباطل الذي تعتمد عليه علمياً، وإثبات موافقة العقل الصريح لما ورد في كتاب الله جل وعلا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقل صحيح، مع إظهاره ونشره بنفس قوة الشبهة أو أقوى حتى يتم الأعذار لله جل وعلا أولاً، والمحافظة على عقائد المسلمين من شوائب الضلال وشبهاته، ثم البراءة ممن عرف الحق بعد ذلك وعزف عنه.
والله أعلم وصل اللهم سلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
سعيد آل يعن الله