أرشيف المقالات

القصص

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
المصابيح السبعة قصة من القصص الشعبي لسكان جزيرة بورينو مترجمة عن الإنكليزية عندما كبر والد الأبناء السبعة وطالت لحيته البيضاء بطول عمر، دعا إليه ثمار بذوره وتحدث إليهم في صوت خافت: (أبنائي! أنني أقف هنا في مكان مظلم وتقفون أنتم حولي ولكن انظروا: هاهي أمامكم سبعة مصابيح عددها كعددكم، فليختر كل منكم مصباحاً يستضيء به ويتبع نوره، ولا يأخذنكم الإعجاب بشدة ضوئها الحالي، فإني أنصحكم أن لا تتخيروا ما قد يبدوا لكم الآن أنه احسن المصابيح وأسطعها ضوءاً.
انظروا إليها نظرة فاحصة ثم تخيروا ما شئتم، وإني لكم لنذير بأن اختياركم ذا اختيار نهائي لا رجعة فيه.
فتبينوا الأمر قبل أن تقدموا، فإذا أقدمتم وتخيرتم ما استقر عليه رأيكم فلا تتحولوا عنه وأصروا على الاستضاءة به إصراراً، إذ الأفضل أن يؤمن المرء إيماناً تاماً برأي ما ويتبعه في إخلاص وأمانة، وفي ثبات وإصرار - ولو كان هذا الرأي خطا في جوهره - أقول أن هذا أفضل من أن يتبع المرء في تردد وضعف رأياً يؤمن في قرارة نفسه ببطلانه، ولو كان هذا الرأي في جوهره هو الحق والصواب)
. فتقدم عند إذ الابن الأكبر ومد يده نحو المصباح الأحمر، ثم تمنطق بسيفه ودرعه وبدا على وجهه إمارات الجشع والطمع؛ ثم صاح صيحة الوداع وانقلب على وجهه مسرعاً ليقضي حياته كلها في السلب والنهب والإجرام. ورأى الوالد سوء طالع ابنه وفساد رأيه، ولكنه لزم الصمت وأدار وجهه نحو الباقين مكن أبنائه ليرقب ما استقر عليه رأي ابنه الثاني، وكان ضعيف الجسم قوي العقل، فتقدم ببطء وتردد وأخذ يعمل فكره في تؤدة شأن الحكماء من بني الإنسان، ثم ترنح قليلا ومد يده نحو المصباح الأزرق وقبض عليه.
فاغتبط الأب بهذا الاختيار أياما غبطة وقال: (اذهب أنك لمن المبرزين، وإنك سوف تظهر على الناس أجمعين)! وكان المصباح الأزرق - مصباح الحق - يتلألأ أثناء ذلك وتقدم الابن الثالث وكان جميل الوجه حسن السمات.

فأعجبت به النساء وشغفن به حباً، فتخير المصباح الأخضر ذا اللهب الخافق الحائر وأخذه بين يديه، ثم انصرف.
فلما خرج من الباب لمح والده (صاندال) تجري في إثره وكانت هذه المرأة مضغة الأفواه لقبح سيرتها وفساد أخلاقها، فطأطأ الشيخ رأسه وقال: أن الرجل الذي يجعل النساء الجميلات قبيلته وغاية سيعه، فيخضع لهن ويرضى أهوائهن، لهو رجل خاسر، إذ لا يتيسر له أن يتجه وجهة أخرى أو يعمل عملاً آخر ولم يكن يختفي هذا الابن الذي جعل النساء شغله الشاغل في هذه الحياة حتى سمع الجميع صوت النقود ورنين الذهب، إذ تقدم الابن الخامس وعلى وجهه تعلو سمة المرابي، فاختطف المصباح الأصفر وولى مسرعاً وجاء الابن الخامس خائفا مسرعا يترقب، يلتفت يمنة ويسرة، ويتقدم رجلاً ويؤخر أخري أصفر الوجه، مرتجف اليد.

ونظر إلى المصابيح البقية فتخير المصباح الرمادي - مصباح الخوف والجزع - فقبض عليه بيده الحائرة، وتولى من مجلس أبيه وهو يرتجف فرقاً.
وتبعه الابن السادس: وكان مدللاً ملحوظاً من يوم ولادته بعناية والديه، فشب أنانياً محباً لذاته، فلم يتردد ولم يتمهل، بل اندفع نحو المصباح الأسمر - مصباح الأثرة والضوء القاتم الخائر وقبض عليه.
وأخيرا.

وقف الابن الأصغر في تواضع وخشوع بين يدي والده، ثم ركع على ركبته واخذ المصباح الأبيض - مصباح الإيمان بالله - وقال: يا أبت.

لسوف أتبع هذا النور على الدوام في كل مكان وكل زمان، في السراء والضراء.
ومرت الأعوام.

فضمر جسم الوالد، وانحنى ظهره، وطال شعره.

ولكن ظلت عيناه الحادتان ترقبان - على الدوام - عودة أبنائه السبعة.
وقرع الباب يوماً، فلما فتحه الوالد الشيخ وجد أمامه الابن الثالث الذي تخير المصباح الأخضر فقال له: (أبي لقد تبين لي أن النساء مخادعات غادرات.
ولقد احترق زيت مصباحي عن آخره.
وهاأنذا شريد بائس، ولقد قابلت أخي الذي شغف بجمع المال وطلبت مساعدته، ولكنه أبي على ذلك)
ثم عاد بعد ذلك الابن الرابع صاحب المصباح الأصفر فإذا بمصباحه قد خبأ ضوؤه وهو ما يزال يسعى وراء المال وجمعه؛ وكان هذا هو كل ما حصل عليه.
فقال: (يا أبي، أنني رجعت دارنا لأموت) ثم سقط على الأرض وفارق الحياة وعاد الابن الخامس ذو المصباح الأسمر وكان سلطان شهواته ورغباته وأثرته لم يبق له خليلاً ولا صديقاً، ولم يجلب له سلاماً أو طمأنينة فرجع إلى أبيه بائسا مسكيناً وعاد بعد ذلك الابن الخامس ذو المصباح الأخضر فإذا به قد قضى حياته كلها يحيه الخوف والجزع، ذلك فانه لم يؤمن بالله، ولم يعرف أنه أرحم الراحمين، فاحترق مصباحه بين يديه، ونفذ زيته، وأخذه الشك والخوف من كل مكان، وكان نصيبه الوحدة والهزؤ من الناس أجمعين وأخيراً رجع الأبناء معاً يحمل أحدهم المصباح الأخضر - مصباح الحق - ويحمل الآخر مصباح الأبيض - مصباح الإيمان بالله - فقال للشيخ: (يا أبانا، لقد هدانا المصباحان سواء السبيل فاسترشدنا بهما وسط العواصف والأنواء، وكلما حزب الأمر واشتد الإغراء وجدناهما خير معوان لنا على مقاومة النفس والشر أينما كان.
وهانحن أولاء نعود إليك نشكرك ونحييك ونخلص لك)
إبراهيم عبد الحميد زكي

شارك الخبر

المرئيات-١