شرح الترمذي - باب الاستنجاء بالحجرين [6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:

إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس ترجمة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، وسنواصل في هذا الدرس بقية ترجمته الطيبة رضي الله عنه وأرضاه، ووصلنا إلى مراحل جمع القرآن الكريم، فنقول:

مراحل جمع القرآن الكريم

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وموت كثير من حفظة القرآن من الصحابة بسبب حروب الردة، رأى الصحابة جمع القرآن، وقد كان صحفاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وجمع صدراً وسطراً في عهد أبي بكر ، والجمع الصدري موجود منذ أن أنزل القرآن وإلى أن تقوم الساعة، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:49]، والتعويل دائماً في ضبط القرآن على ما في الصدور لا على ما في السطور، وهذا من مزايا هذه الأمة ومنزلة كتابها، وأن دينهم أفضل دين.

إذاً جمع في عهد أبي بكر فصار في المصحف بعد أن كان في صحف.

الجمع الثالث: في عهد عثمان رضي الله عنه، كان المصحف عند أبي بكر ، فلما توفي رضي الله عنه وأرضاه بقي عند أمنا عائشة ، فلما توفي أبو بكر أخذ عمر رضي الله عنه المصحف فكان في بيته، فلما طعن رضي الله عنه وأرضاه عهد بهذه الصحف إلى أمنا حفصة رضي الله عنهم أجمعين، حتى يكون للمؤمنين خليفة منهم؛ لأنه لا يوجد خليفة تنقل إليه هذه الصحف وتكون في بيته، فلما جاءت الخلافة إلى عثمان ترك الصحف عند حفصة إكراماً لها فهي أم المؤمنين وزوجة النبي الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

طريقة كتابة المصحف في عهد عثمان

لما حصل ما حصل في غزاة أرمينية وأذربيجان -كما سيأتينا- ومات من مات من القراء في عهد عثمان ، رأى أن تلك الصحف التي صارت إلى مصحف وهي في بيت حفصة لابد من إحضارها، وكتابة القرآن بطريقة تحتمل ما استقر في العرضة الأخيرة من تلاوات وقراءات ثابتة عن خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، ثم توزع نسخ إلى الأمصار فيها هذا القرآن الذي كتب بصورة يحتمل ما بقي من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة، ولذلك لم يكن القرآن منقوطاً ولا مشكولاً، وما لا يحتمله الرسم لا يمكن أن يكتب في الحاشية؛ خشية أن يظن أن هذا من باب التصحيف، فكتب في بعض المصاحف من أجل أن يعلم المسلمون أن هذا منقول عن نبيهم، وهذا في كلمات محصورة أحصاها الأئمة في اثنتي عشرة كلمة، كقوله: وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:15] (فلا يخاف عقباها)، لا يمكن أن تكتب الواو والفاء في مصحف واحد، تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ [التوبة:100]، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:25]، فحذفت من بعض المصاحف، وكتبت في بعضها إشارة إلى أن كل هذا منقول عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وكتب المصحف بصورة تحتمل ما استقر، وبقي من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة، وما يقال من أن عثمان رضي الله عنه أبقى حرفاً ونسخ ستة أحرف، فهو كلام باطل! ولا دليل عليه، وإن قال به بعض علماء المسلمين، فلا يمكن لـعثمان أن يهمل ستة أحرف وسع الله بها على أمة نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن كتب القرآن بصورة تحتمل ما بقي من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة التي شهدها زيد بن ثابت رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام، وهذا هو رأي المحققين من أئمة القراءات كشيخ الإسلام أبي الخير بن الجزري وغيره، وسيأتينا تفصيل الكلام إن شاء الله عند جمع القرآن.

غضب ابن مسعود من تقديم عثمان لزيد بن ثابت في كتابة المصحف

عهد إلى زيد في عهد عثمان أيضاً، وجعل معه لجنة ثلاثة هو رابعهم، ومعهم اثنا عشر صحابياً لجنة عامة، وهذه لجنة رئيسة، والرئيس زيد بن ثابت ، وقالوا: إذا اختلفتم في الرسم فاكتبوه بلغة قريش، فإنه نزل القرآن بلغتهم.

عبد الله بن مسعود ما راق له هذا الأمر؛ لأنه كان يرى أنه أولى بأن يعهد إليه من زيد بن ثابت كما سيأتينا، فانفعل وغضب: (وكل بني آدم خطاء)، وأمر بغل المصاحف وكتمانها وعدم تسليمها إلى الخليفة الراشد، وأن يبقى كل إنسان على الصحف التي معه، وكلمه حذيفة في ذلك وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فما استجاب، ثم قال: -كما في السنن الكبرى للإمام النسائي وصحيح أبي عوانة ، والأثر رواه ابن أبي داود في المصاحف، كما نقل عنه ذلك أبو وائل شقيق بن سلمة- يقول: رقى منبر الكوفة وخطب، يعني: ما كفاه أنه غل مصحفه وكتمه، وقال: اكتموا مصاحفكم -يدعو على المنبر بالكتمان وغل المصاحف- قال الله تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، نأتي يوم القيامة ومعنا المصاحف، غلوا مصاحفكم، وانفعل، (وكل بني آدم خطاء)، وأثر الانفعال سيزول كما ستعلمون إن شاء الله بعد حين.

غلوا مصاحفكم كيف تأمرونني أن أقرأ بقراءة زيد بن ثابت ، ولقد حفظت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، ولـزيد ذؤابتان وهو يلعب مع الصبيان، ومع ذلك يقدم علي، لكن مع تقديرنا لـعبد الله بن مسعود ، هو وجد في زمن يستطيع فيه أن يتكلم، ولو كان في زمن عمر لما حرك ساكناً، فـعثمان رضي الله عنه هو الحيي رقيق القلب الحليم، الذي يتسع صدره لمن أحياناً ينازعه.

سبب سكوت ابن مسعود في عهد أبي بكر

كان عمر رضي الله عنه فيما يتعلق بضبط الأمور لا يبالي بكبير ولا صغير، يوقف الأمور عند حدها مهما كان الأمر، ولذلك زيد بن ثابت تولى الرئاسة على الجمع في عهد أبي بكر ، ولم يتكلم عليه عبد الله بن مسعود فهناك يوجد عمر ، لا يمكن لأحد في عهد عمر أن يتكلم، والله لو تكلم لأضجعه عمر ولوطئ على رقبته أياً كان، ولذلك عندما وسع عمر مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ما أحد حرك شفتيه، لا في السر ولا في العلن، فلما وسعه عثمان امتلأت المدينة بالكلام، فقام رضي الله عنه كما في صحيح البخاري ، وهو أحق بأن يستحي منه الناس، لم يعلم أحد من خلق الله خلا بابنتي نبي إلا عثمان رضي الله عنه وأرضاه، تستحي منه ملائكة السماء، قال: أيها الناس! إنكم أكثرتم -كأنه يعتذر إليهم، وأنت الخليفة بإمكانك أن تضرب جلودهم وأن تقطعهم، وإذا فعلت فأنت على هدى- إنكم أكثرتم وإني سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من بنى لله بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة)، أنا ماذا فعلت؟ مسجد ضاق بالمسلمين وسعته، وهذا مسجد النبي عليه الصلاة والسلام. ولما وسع في عهد عمر لم يتكلم أحد لا سراً ولا علناً.

فـعثمان أعاد ما كان فقط، قال: هذه الصحف جمعت في مصحف قام على جمعه زيد ، يا زيد ! تعال مرة ثانية، معك الثلاثة هؤلاء لجنة خاصة، واثنا عشر لجنة عامة أنتم تتصلون بالمسلمين، وأنا أشرف عليكم جميعاً، أنت الذي توليت الجمع الأول فاجمعه الآن، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه غضب.

وثبت في مسند الإمام أحمد من رواية خمير بن مالك ، وقد وثقه ابن حبان ، وترجمه البخاري في التاريخ الكبير في الجزء الثالث صفحة اثنتين وعشرين ومائتين، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، ولذلك ترجمته ستكون في تعجيل المنفعة بزوائد الأئمة الأربعة؛ لأن هذا في زوائد الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رضوان الله عنهم أجمعين، مسند أبي حنيفة وموطأ مالك ومسند الشافعي ، ومسند الإمام أحمد ، والكتاب نافع، فاحرصوا عليه.

خمير بن مالك ، ويقال: خمرة الهمداني الكوفي ، روى عن علي وابن مسعود ، وعنه أبو إسحاق السبيعي وعبد الله بن قيس ، وثقه ابن حبان ، وقال ابن سعد : له حديثان.

يقول الحافظ في تعجيل المنفعة: وهو ثقة عدل رضا من التابعين.

عن خمير بن مالك قال: لما أمر عثمان بالمصاحف أن تغير، والمراد من تغييرها أن تحرق، تجمع لتحرق، وقد أحرقت في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وكان علي رضي الله عنه يقول في خلافته كما سيأتينا عند جمع القرآن: إياكم والغلو في عثمان ، وقولكم: إنه حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا على مشهد منا أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالأمة مجمعة على هذا، فلما أمر عثمان بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال: من استطاع أن يغل مصحفه فليغلل؛ لأن الله يقول: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161].

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وموت كثير من حفظة القرآن من الصحابة بسبب حروب الردة، رأى الصحابة جمع القرآن، وقد كان صحفاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وجمع صدراً وسطراً في عهد أبي بكر ، والجمع الصدري موجود منذ أن أنزل القرآن وإلى أن تقوم الساعة، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:49]، والتعويل دائماً في ضبط القرآن على ما في الصدور لا على ما في السطور، وهذا من مزايا هذه الأمة ومنزلة كتابها، وأن دينهم أفضل دين.

إذاً جمع في عهد أبي بكر فصار في المصحف بعد أن كان في صحف.

الجمع الثالث: في عهد عثمان رضي الله عنه، كان المصحف عند أبي بكر ، فلما توفي رضي الله عنه وأرضاه بقي عند أمنا عائشة ، فلما توفي أبو بكر أخذ عمر رضي الله عنه المصحف فكان في بيته، فلما طعن رضي الله عنه وأرضاه عهد بهذه الصحف إلى أمنا حفصة رضي الله عنهم أجمعين، حتى يكون للمؤمنين خليفة منهم؛ لأنه لا يوجد خليفة تنقل إليه هذه الصحف وتكون في بيته، فلما جاءت الخلافة إلى عثمان ترك الصحف عند حفصة إكراماً لها فهي أم المؤمنين وزوجة النبي الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

لما حصل ما حصل في غزاة أرمينية وأذربيجان -كما سيأتينا- ومات من مات من القراء في عهد عثمان ، رأى أن تلك الصحف التي صارت إلى مصحف وهي في بيت حفصة لابد من إحضارها، وكتابة القرآن بطريقة تحتمل ما استقر في العرضة الأخيرة من تلاوات وقراءات ثابتة عن خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، ثم توزع نسخ إلى الأمصار فيها هذا القرآن الذي كتب بصورة يحتمل ما بقي من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة، ولذلك لم يكن القرآن منقوطاً ولا مشكولاً، وما لا يحتمله الرسم لا يمكن أن يكتب في الحاشية؛ خشية أن يظن أن هذا من باب التصحيف، فكتب في بعض المصاحف من أجل أن يعلم المسلمون أن هذا منقول عن نبيهم، وهذا في كلمات محصورة أحصاها الأئمة في اثنتي عشرة كلمة، كقوله: وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:15] (فلا يخاف عقباها)، لا يمكن أن تكتب الواو والفاء في مصحف واحد، تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ [التوبة:100]، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة:25]، فحذفت من بعض المصاحف، وكتبت في بعضها إشارة إلى أن كل هذا منقول عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وكتب المصحف بصورة تحتمل ما استقر، وبقي من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة، وما يقال من أن عثمان رضي الله عنه أبقى حرفاً ونسخ ستة أحرف، فهو كلام باطل! ولا دليل عليه، وإن قال به بعض علماء المسلمين، فلا يمكن لـعثمان أن يهمل ستة أحرف وسع الله بها على أمة نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن كتب القرآن بصورة تحتمل ما بقي من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة التي شهدها زيد بن ثابت رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام، وهذا هو رأي المحققين من أئمة القراءات كشيخ الإسلام أبي الخير بن الجزري وغيره، وسيأتينا تفصيل الكلام إن شاء الله عند جمع القرآن.

عهد إلى زيد في عهد عثمان أيضاً، وجعل معه لجنة ثلاثة هو رابعهم، ومعهم اثنا عشر صحابياً لجنة عامة، وهذه لجنة رئيسة، والرئيس زيد بن ثابت ، وقالوا: إذا اختلفتم في الرسم فاكتبوه بلغة قريش، فإنه نزل القرآن بلغتهم.

عبد الله بن مسعود ما راق له هذا الأمر؛ لأنه كان يرى أنه أولى بأن يعهد إليه من زيد بن ثابت كما سيأتينا، فانفعل وغضب: (وكل بني آدم خطاء)، وأمر بغل المصاحف وكتمانها وعدم تسليمها إلى الخليفة الراشد، وأن يبقى كل إنسان على الصحف التي معه، وكلمه حذيفة في ذلك وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فما استجاب، ثم قال: -كما في السنن الكبرى للإمام النسائي وصحيح أبي عوانة ، والأثر رواه ابن أبي داود في المصاحف، كما نقل عنه ذلك أبو وائل شقيق بن سلمة- يقول: رقى منبر الكوفة وخطب، يعني: ما كفاه أنه غل مصحفه وكتمه، وقال: اكتموا مصاحفكم -يدعو على المنبر بالكتمان وغل المصاحف- قال الله تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، نأتي يوم القيامة ومعنا المصاحف، غلوا مصاحفكم، وانفعل، (وكل بني آدم خطاء)، وأثر الانفعال سيزول كما ستعلمون إن شاء الله بعد حين.

غلوا مصاحفكم كيف تأمرونني أن أقرأ بقراءة زيد بن ثابت ، ولقد حفظت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، ولـزيد ذؤابتان وهو يلعب مع الصبيان، ومع ذلك يقدم علي، لكن مع تقديرنا لـعبد الله بن مسعود ، هو وجد في زمن يستطيع فيه أن يتكلم، ولو كان في زمن عمر لما حرك ساكناً، فـعثمان رضي الله عنه هو الحيي رقيق القلب الحليم، الذي يتسع صدره لمن أحياناً ينازعه.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4045 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3979 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3906 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3793 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3787 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3771 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3570 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3486 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3465 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] 3417 استماع