عنوان الفتوى : استنجاء المرأة قبل الغسل الواجب ثم تعميم بدنها بالماء هل يجزئ؟
السؤال
بالأمس احتلمت، ولم أرَ بأني أجامع، ولم ينقبض مهبلي، ولكن حلمت بشيء قد يكون مثيرًا بالنسبة لي، فعددته احتلامًا، وبعد ذلك استيقظت من نومي وتحسست، فلم أجد بللًا، ثم بعدها بفترة تحسست مرة أخرى، ولم أجدد بللاً أيضًا، وبعد ذهابي للحمام خرج بعد البول سائل أبيض شفاف لا لون له، ولا رائحة؛ فقلت في نفسي: رطوبة فرج، أو على الأقل مذي؛ للصفات المذكورة، ثم غسلت المنطقة جيدًا، وعندما ذهبت لأتوضأ نزلت قطع متفتتة، كالجبن، كريهة الرائحة، مع نقاط من الماء الشفاف المذكور أعلاه، فهل من الممكن أن يكون هذا السائل وديا، أم هو منّي؟ وهل تلك القطع البيضاء بسبب الاحتلام؟ وهل هي منّي؟ وهل يلزمني الغسل أم لا؟ وهل يلزم غسل الفرج في الغسل المجزئ؟ فإذا استنجيت أولًا وغسلت فرجي ودبري، ثم غسلت رأسي، وكل أعضاء جسمي، مع المضمضة والاستنشاق، فهل ذلك صحيح ومجزئ؟
أرى دائمًا أنكم لا تذكرون غسل الفرج والدبر في الغسل المجزئ، بل تعميم الجسد بالماء فقط، وهذا ما أسمعه من كثير من الناس، فهل لا يجب عليّ غسل الفرج والدبر، ويكفي أن أعمم ظاهر جسدي فقط؟ أفتوني في كل أسئلتي -جزاكم الله خيرًا- لأهميتها الشديدة، ولأني لا أستطيع كتابة كل سؤال بشكل منفرد، وأرجو منكم أن لا تحيلوني لفتاوى أخرى؛ لأني لا أفهمها أبدًا، وتشتتني جدًّا، وشكرًا جزيلًا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن هذا الخارج ليس منيًّا؛ لأنه لا يحمل صفات منيّ المرأة المعروفة، وقد بيناها في الفتوى: 131658.
وقد يكون وديا، فيوجب الاستنجاء.
وقد يكون من الرطوبات المعروفة، فلا يوجب إلا الوضوء.
وإذا شككت، فإنك تتخيرين، فتجعلين له حكم ما شئت.
وإن كنت قد استنجيت منه، فقد برئت ذمتك بكل حال، ولا يلزمك الغسل -والحال ما ذكر-، هذا عن سؤالك الأول.
وأما سؤالك الثاني: فإن المرأة لا بد أن تغسل جميع بدنها في الغسل الواجب، بما في ذلك باطن الأليتين، وما يظهر عند قعودها لحاجتها من فرجها.
ولو استنجت ولم تغسل ذلك المحل بنية رفع الحدث، لم يجزئها عن غسله في الغسل الواجب؛ لأن النية من شروط صحة الغسل، فلو اغتسلت ولم تغسل ذلك الموضع، فغسلها غير تام، وعليها أن تعود فتغسل ما تركت.
وقولنا: إنها تعمم بدنها بالماء، شامل لهذين الموضعين، وهما باطن الألية، وما يظهر عند قعودها لحاجتها، قال البهوتي في كشاف القناع: (وَالْغُسْلُ الْمُجْزِئُ) وَهُوَ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ فَقَطْ (أَنْ يُزِيلَ مَا بِهِ) أَيْ: بِبَدَنِهِ (مِنْ نَجَاسَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، إنْ وُجِدَ) مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا؛ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْبَشَرَةِ (وَيَنْوِيَ) كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (ثُمَّ يُسَمِّيَ)...
(ثُمَّ يَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغَسْلِ) فَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ (حَتَّى فَمَهُ وَأَنْفَهُ) فَتَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي غُسْلٍ (كَوُضُوءٍ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) حَتَّى (ظَاهِرَ شَعْرِهِ وَبَاطِنِهِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مُسْتَرْسِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.... (وَحَتَّى حَشَفَةُ أَقْلَفَ) أَيْ: غَيْرِ مَخْتُونٍ (إنْ أَمْكَنَ تَشْمِيرُهَا) بِأَنْ كَانَ مَفْتُوقًا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ (وَ) حَتَّى (مَا تَحْتَ خَاتَمٍ، وَنَحْوِهِ، فَيُحَرِّكُهُ) لِيَتَحَقَّقَ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ (وَ) حَتَّى (مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا)؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ (وَلَا) يَجِبُ غَسْلُ (مَا أَمْكَنَ مِنْ دَاخِلِهِ) أَيْ: فَرْجٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَإِمَّا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ. انتهى.
وقال النووي: يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى غُضُونِ الْبَدَنِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَدَاخِلِ السُّرَّةِ، وَبَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ وَالْإِبْطَيْنِ، وَمَا بَيْن الْأَلْيَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ، وَحُمْرَةِ الشَّفَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وقال أيضًا: والمراد بباطن الألية ما يستتر في حال القيام، وبظاهرها ما لا يستتر. انتهى.
والله أعلم.