خطب ومحاضرات
شرح الترمذي - باب الاستنجاء بالحجرين [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً نافعاً، أما بعد:
فما زلنا في ترجمة الإمام أحمد وقلنا بأنه كان الصالحون يتبركون برؤية هذا الإمام الكبير، واستمعوا لـلخلال إذ قال: حدثنا عبد الله بن أحمد عليهم جميعاً رحمة الله قال: رأيت كثيراً من العلماء والفقهاء والمحدثين وبني هاشم وقريش والأنصار يقبلون أبي، بعضهم يده وبعضهم رأسه، ويعظمونه تعظيماً لم أرهم يفعلون ذلك لأحدٍ من الفقهاء غيره.
وليتنا رأينا نور وجهه فضلاً عن ملامسة شيء من جسده، وورد ما يشبهه في صفحة ثماني عشرة وثلاثمائة قال مهنا : رأيت أبا عبد الله مرات يقبل وجهه ورأسه وما يقول شيئاً ولا يمتنع، ورأيت سليمان بن داود الهاشمي يقبل رأسه وجبهته لا يمتنع من ذلك ولا يكرهه.
نعم كما قلت: هو لا يشتهي هذا لكن إن فعلوا هذا به يتركهم على نيته رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.
وذكر الذهبي أيضاً في صفحة واحدة وأربعين وثلاثمائة ما يشبه هذا يقول: قال صالح -وهو ولد الإمام أحمد -: ودخل على أبي مجاهد بن موسى فقال: يا أبا عبد الله ! قد جاءتك البشرى، هذا الخلق يشهدون لك -وهذا كان في مرض الإمام أحمد يعني: وألسنة الخلق أقلام حق، وأنتم شهداء الله في الأرض- ما تبالي لو وردت الله الساعة -يعني: ما عندك تخوف- وجعل يقبل يده ويبكي، ويقول: أوصني أبا عبد الله ! فأشار إلى لسانه اضبط هذا اللسان، فهو أشر من الثعبان.
ودخل سوار القاضي فجعل يبشره ويخبره بالرخص يعني: بالأمور التي فيها سعة عفو الله وفضل الله ورحمة الله وأن الله لا يؤاخذ العبد على تقصيره من غير تعمده، ورحمة الله واسعة، وأنه يستحب للإنسان أن يغلب رجاءه وأن يستبشر برحمة الله وحلمه وعفوه وصفحه في حال استحضاره؛ لئلا يلقى الله إلا وهو يحسن الظن به.
تبرك الأولياء بالإمام أحمد
فما نفعل بهذه العبارات التي يوردها أئمتنا، هل نقول: إنها شرك وتخريف؟
والله إني لأعجب غاية العجب من بعض الناس في هذه الأيام عندما يقولون التبرك بالصالحين حرام، أنا أريد أن أقول: من سبقهم إلى هذا؟
وقلت مراراً لعددٍ من الإخوة: أنتم تحسنون إلينا إذا أخبرتمونا عمن قال بهذا من سلفنا، فمن قاله؟ هل قاله الإمام أحمد والشافعي أم قاله مالك أو أبو حنيفة ؟ وهل نقل عن صحابي؟ من قاله؟ ما لكم تطلقون: عامة السلف على تحريمه، فمن هم؟ وهذه العبارة أين هي موجودة؟ أرشدوننا إليها، ودعونا من كتب المتأخرين كما تقولون لا نحن ولا أنتم، فنحن نقرأ هذا في تراجم أئمتنا ماذا نفعل فيها؟ هذا فضلاً عن وروده بنفسه.
وتقدم معنا مراراً حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وكما قلت: وفي معجم الطبراني الأوسط وحلية الأولياء وإسناد الحديث حسن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء، فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين) ماذا نعمل لهذه العبارات؟ (يرجو بركة أيدي المسلمين).
وهنا أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله وتبركوا به، هذه العبارة يقولها الذهبي ، ويقولها ابن الجوزي ، فهل هؤلاء -أئمتنا- خرفوا؟
أنا أريد أن أعلم المخرف من يرمي هذه الأقوال بالتخريف؟
هذا في السير يقول الذهبي الموحد السلفي: أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله -انتبه!- وتبركوا به، وروى ذلك أبو الفرج ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام أبا إسماعيل الأنصاري الهروي .
وكان الإمام علي بن المديني يقول عن الإمام أحمد : أبو عبد الله سيدنا.
وكان قتادة بن سعيد -وقد تقدم معنا ذكره وترجمته- يقول: لولا أبو عبد الله لمات الورع، وبموته ستظهر البدع.
حقيقة: ورعه فقط إذا درسناه فإننا نستغرب منه، فكيف يطبقه رضي الله عنه وأرضاه؟
ولده صالح كان يقبل جوائز السلطان لا لوظيفة كحالنا في هذه الأيام، نحن الذين نقول: هم رجال ونحن رجال، والسلطان في تلك الأيام معروف من هو السلطان، وبيت المال معروف ما هو بيت المال، فالإمام أحمد عجن في بيته العجين، ثم خبز بسرعة، وقدم إليه وهو جائع قال: أين الخبز؟ قالوا: في تنور ولدك صالح قال: لا آكله، علام؟ قال: إنه يأخذ جوائز السلطان. أبو عبد الله لو رآنا ماذا يقول؟ أنا أعجب لمن يجعل نفسه مع هؤلاء الأئمة وهو يقبل جوائز السلطان، وأحمد ما أخذ من عجين خبز في تنور ولده فما أكل منه.
هذا هو الورع لولا أبو عبد الله لمات الورع، وبموته ستظهر البدع.
هذا كلام أئمتنا في هذا الإمام المبجل.
تبرك صالح ابن الإمام أحمد بثياب والده
قالت لي: إنسان يمد يده إلى الإنسان أو ثوبه ثم يرجو البركة! أهذا شرك؟
قلت: أسألك أمة الله! لو مد الإنسان يده إلى الحجر الأسود وتبرك به هل هذا شرك؟ قالت: لا، قلت: لم؟ قالت: ذاك مرخص قلنا: وهنا مرخص، ونحن نقول: إذا ورد دليل فنحن مع الدليل، وإذا لم يرد فلا يجوز، كأن تذهب لقاضٍ وتمد يدك فإننا نقول: هذا ضلال وبدعة، فانتبهوا! فإن كثيراً من السفهاء في موضوع التبرك قد توسع وافترى، والله! سيؤول إليه عباده، ونقل لي هذا بعضهم لما جاء بعض الإخوة وقال: أنا أجيز أن يتبرك الإنسان بالقبر وكان يستحلف، من قال هذا من أئمتنا؟ حتى ظهر أنه يقوله واحدٌ في عصرنا، والقائل بهذا ينبغي أن يضرب على فيه وأن يسجن، وإنما نقف عند ما وقف عنده أئمتنا وعلى ما وقف عليه أئمتنا، وعلى ما وردت به النصوص.
ولد الإمام أحمد يتبرك بثوبه، فاستمع لهذه القصة التي يوردها الذهبي وكنت ذكرتها سابقاً، وهل الذهبي هنا خرف أو تفنن؟!
في صفحة ثلاثين ومائتين قال: حدثتني فاطمة بنت أحمد بن حنبل قالت: وقع الحريق في بيت أخي صالح ، وكان قد تزوج بفتاة فتية في أول عمرها وشبابها فحملوا إليه جهازاً كبيراً بأربعة آلاف دينار فأكلته النار، فجعل صالح يقول: ما غمني! ما ذهب إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه.
يقول: أنا ما غمني ذهاب هذا الجهاز بأربعة آلاف دينار من أوله إلى آخره، ولكن غمني ذهاب ثوب والدي الذي كان يصلي به وأنا أتبرك به وأصلي فيه، قال: فطفئ الحريق فدخلوا فيه فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حوله والثوب سليم.
هذه الحكايات ليست خرافات، والله لا يحكم عليها بالخرافات إلا من كان مخرفاً.
قصة ذكرها ابن الجوزي في كرامات الإمام أحمد
قال ابن الجوزي : وبلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي أنه حكى أن الحريق وقع في داره فأحرق ما فيها إلا كتاباً كان فيه شيءٌ بخط الإمام أحمد .
قال ابن الجوزي : ولما وقع الغرق ببغداد سنة أربعٍ وخمسين وخمسمائة -والإمام ابن الجوزي ولد سنة تسعٍ وقيل عشرٍ وخمسمائة، يعني: كان عمره خمس وأربعين سنة وتوفي الإمام ابن الجوزي سنة سبعٍ وتسعين وخمسمائة- يقول ابن الجوزي : وغرقت كتبي وسلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد .
قلت - الذهبي -: وكذا استفاض وثبت أن الغرق الكائن بعد العشرين وسبعمائة ببغداد- والذهبي توفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وكان شيخاً كبيراً في ذاك الوقت أي: قبل وفاته بقرابة عشرين سنة- عام فيه الماء وغطى على قبور مقبرة أحمد ، وأن الماء دخل في الدهليز الذي فيه قبر الإمام أحمد علو ذراع ووقف بقدرة الله، والقبور كلها عام الماء فوقها، ولما وصل لجهة قبر الإمام أحمد وقف الماء عند الدهليز مكان الطريق الذي يؤدي إلى قبره، ووقف الماء قدر ذراع -بقدرة الله- لا يميل ولا يسيح كأنه أمامه حاجز، وبقيت الحفر حول قبر الإمام بغبارها، وكان ذلك آية.
هذه قصة عن الإمام الذهبي وعن ابن الجوزي وعن صالح ولد الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله، فماذا نقول نحوها؟ هل هؤلاء من السلف أو من أهل التخريف؟
ينبغي أن نتقي الله في ما نقول، والإنسان إذا أراد أن يتكلم فليسند ما يقوله إلى أدلة معتبرة وإلى أئمتنا البررة.
ومازلنا في الأمر الثالث وهو ميل القلوب إليه -الإمام أحمد - وتعلق الناس به.
قصة ذكرها الذهبي في كرامات الإمام أحمد
عن رجل قال: عندنا في خراسان يظنون أن أحمد لا يشبه البشر، يظنون أنه من الملائكة، يعني: في أخلاقه وخلقه وأحواله وقد قال الله في القرآن حكاية عن يوسف : وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31]، لا يقصد أنه لا يأكل ولا يشرب ولكن أخلاق هذا الإنسان كأخلاق الملائكة الكرام، وتقدم معنا أنه كان مع أصحابه عشرين سنة ما اختلفوا في كلمة، أريد أن أعلم هل هذه حياة بشر أم حياة ملائكة؟
هذه حقيقة أخلاق الملائكة، فكونك مع صاحبك عشرين سنة ما تختلف معه ولا في كلمة؟! سبحان ربي العظيم!
وقال آخر: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة، أي: ننظر بها إليه، والإمام الذهبي نحو هذه العبارة علق تعليقاً -لا فهموا التعليق ولا فهموا ما بعده- قال: قلت: هذا غلوٌ لا ينبغي لكن الباعث له حب ولي الله في الله، هذا كلام الذهبي ، وقد جاء أخٌ ووقف لي بين الجلتين قائلاً: أنتم لا تعون الكلام عندما تسمعونه ألا تقفون عند حدكم؟ قال الذهبي : هذا غلو لا ينبغي، وقال الطحان : هذا ينبغي لأن الباعث له حب ولي الله في الله؟
اسمعوا هذا الكلام الذي يقولونه: الجملة التي حكيت ما وعيتها فجئت تفصل بينها، أول الكلام نسبته للذهبي وآخره نسبته إليَّ وليس الأمر كذلك، فالكلام كله للذهبي .
قال هذا الكلام كله الذهبي السلفي الموحد فلم أعميت بصرك بعد أن عمي قلبك عن كل كلامه؟ أريد أن أعلم لم؟ فهل هو هناك ليس بسلفي ولا موحد، وفقط الذهبي سلفي في هذه القضية.
فالإمام الذهبي عندما أورد هذا علقت على عبارته بما يدل على احترامنا له ولأئمتنا جميعاً وقلت: هذا ليس بغلو وإنه مما ينبغي لكن لا بد من تعليل شرعي، وقلت: وجه عدم الغلو فيه: أننا إذا نظرنا إلى هذا الإمام المبارك وهكذا لسائر أئمة الإسلام نظرة احترام وإكرام تعظيماً لشعائر الإسلام: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، فهذه النظرة قد تكون سبباً لنا في دخول الجنة، وقد تكون سبباً لنا في مغفرة ذنوبنا، وقبلها كم نضيع عبادة ستين أو ألف أو ستمائة سنة فلا يعلمه إلا الله.
وبالمقابل نحن إذا نظرنا إلى كافر نظرة احترام وإكرام، قد تكون هذه النظرة سبباً لخروجنا من الإسلام أوليس كذلك؟
وقلت: ليس المقصود من النظر أن تنظر إلى وجهه وتمشي، فهذه سفاهة، وإنما المقصود من النظر: النظر الذي له هذا المعنى المعتبر، كالنظر إلى هذا الإمام حيث تتأمل أخلاقه الحسان والبهجة والسكينة والوقار وأخلاق دينه وجده واجتهاده بالمعاني التي فيه فعندما تنظر إليه تستحضر هذا، ثم تكرمه وتقدره وتحترمه وهل الدين إلا حبٌ في الله وبغضٌ في الله أليس كذلك؟
وأنت إذا نظرت إلى عالم واحتقرته قد تكفر، وكما قلت: إذا نظرت إلى كافر وأكرمته قد تكفر، فقد جعلته عين التعظيم الشرعي، فمثل هذه العبارة إذا وجهت توجيهاً شرعياً فلا غلو فيها.
وكنت أشرت في محاضرة الفرائض إلى مقولة تشبه تلك المقولة قالها صحابي وهو أبو موسى الأشعري وقلت: إن الأثر مروي في كتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوي كما قاله الإمام الذهبي في السير.
يقول أبو موسى الأشعري : لمجلس كنت أجالس فيه عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عبادة سنة. وقد قال فيه -ما تقدم معنا-: لا تسألوني ما دام هذا الحَبر فيكم. فهل نقول: خرف؟
لننظر ماذا رتب على هذا؟ فإذاً لا حاجة للعبادة، لا لعبادة الله ولا لذكره ولا شكره ولا لقراءة القرآن ومصيرك الجنة؟
نعوذ بالله من هذه السفاهة، وقد بينت فيما سبق قيمة النظر وقلت: سأفرده إن شاء الله، وأبين ما له من أثر معتبر في شريعة الله، فنظرة واحدة إلى النبي عليه الصلاة والسلام والله لو حصلت لك لكانت أعظم مما لو أنفقت كل يوم مثل أحدٍ ذهباً في سبيل الله، هذا فقط بالنظر، أو ليس كذلك؟ فالنظرة لها أثر، ونظرة إلى صحابي تجعل لك شرف التابعين، فتكون من أهل القرن الثاني، وتقدم معنا تقرير هذا بأحاديث كثيرة، وأنه يغزو فئام من أناس في آخر الزمان بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام بفترة فيقول: هل فيكم من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيفتح عليهم بمن رآه، هذا كله يفهم، ويمحى القياس ثم يقول: التبرك تقول به؟
النظر إلى الإمام أحمد يعدل عبادة سنة، وهذا الذهبي الموحد يقول: هذا غلو، وأنت تقول: ليس بغلو.
الذهبي إذا كنتم تقبلون كلامه في جميع أحواله فقد انتهينا ووصلنا إلى المطلوب، ولكن إذا جئتم مثل اليهود لما وضع قارئهم يده على آية الرجم وقرأ ما بعدها وما قبلها، فقال: ارفع يدك لنقرأ الصفحة بكاملها، ونحن إذا كنتم تقبلون بما يقوله الذهبي فقد وصلنا، وكذلك بما يقوله ابن تيمية وابن القيم عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.
إننا نريد أن نفهم الأمور كما قلت فهماً شرعياً، ووالله لا يعادي السلف إلا من لعنه الله وغضب عليه، ولا يكره الانتساب إليهم إلا من لعنه الله وغضب عليه، ولكن ليس معنى أنه إذا انتسب أناسٌ شاذون أننا نترك تلك النسبة، أو أننا نعادي من ينتسب إلى السلف فقفوا عند حدكم.
فيقول بعض هؤلاء في هذه الأيام عندما قيل له: أنت تقول: لا يصل إلى الميت إهداء ثواب القرب بأنواعها: كقراءة القرآن والصيام وغيرها؟ فالإمام ابن تيمية قرر خلاف هذا، والإمام ابن القيم قرر خلاف هذا، وفي كتب التوحيد كشرح الطحاوية -وهي عقيدة أهل السنة ونحن ندرسها- فيها خلاف هذا، وقل هي سائر القرب يصح إهداؤها إلى الميت فمن عبادة بدنية أو مالية أو منهما هذا في كتب التوحيد مقرر، وهذا ينقله الإمام ابن قدامة في المغني فكيف هذا؟
قال مجيباً: تعلق بكلام الشيخ وتلميذه -يقصد الإمام ابن تيمية وابن القيم - بعض الحاقدين من المبتدعين، وقالوا: في هذا دليل على جواز إهداء ثواب الطاعات إلى الموتى قراءة القرآن وغيره، قال: وليعلم الناس أننا لا نقلد أحداً، لا ابن تيمية ولا ابن القيم ولا الإمام أحمد ولا أحداً، إنما نحن ننظر إلى القول لا إلى القائل، فإذا أخطأ ابن تيمية وأخطأ ابن القيم وأخطأ الإمام أحمد نرد خطأهم عليهم.
انظر إلى هذه الجرأة! هذا مذكور في الكتب نقلاً عن كلامه في كلامه:
هؤلاء أخطأوا ولن نتبعهم في هذه القضية، والوهم إذا كانوا يخطئون ويخرفون فهل نحن نخطئ ونخرف؟
هل أصبح كلامك فقط هو المقدم؟ هل رضيت لنفسك بهذا؟ أما تتقي الله في نفسك، إذا كنت ترى أن أقوال أئمتنا في هذا الانحطاط والتخريف والخطأ، فينبغي أن تراه في أقوالك من باب أولى، قبل أن تحكم به على أئمتنا، لكن مقولة باطلة تنتشر في هذه الأيام: هم رجال ونحن رجال، فانتبه لهذا!
وكما قلت: كان الأولياء يتبركون بالنظر إليه كما في السير في هذا الجزء صفحة خمسٍ ومائتين قال الإمام الذهبي : وقد أثنى على أبي عبد الله جماعةٌ من أولياء الله وتبركوا به.
فما نفعل بهذه العبارات التي يوردها أئمتنا، هل نقول: إنها شرك وتخريف؟
والله إني لأعجب غاية العجب من بعض الناس في هذه الأيام عندما يقولون التبرك بالصالحين حرام، أنا أريد أن أقول: من سبقهم إلى هذا؟
وقلت مراراً لعددٍ من الإخوة: أنتم تحسنون إلينا إذا أخبرتمونا عمن قال بهذا من سلفنا، فمن قاله؟ هل قاله الإمام أحمد والشافعي أم قاله مالك أو أبو حنيفة ؟ وهل نقل عن صحابي؟ من قاله؟ ما لكم تطلقون: عامة السلف على تحريمه، فمن هم؟ وهذه العبارة أين هي موجودة؟ أرشدوننا إليها، ودعونا من كتب المتأخرين كما تقولون لا نحن ولا أنتم، فنحن نقرأ هذا في تراجم أئمتنا ماذا نفعل فيها؟ هذا فضلاً عن وروده بنفسه.
وتقدم معنا مراراً حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وكما قلت: وفي معجم الطبراني الأوسط وحلية الأولياء وإسناد الحديث حسن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء، فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين) ماذا نعمل لهذه العبارات؟ (يرجو بركة أيدي المسلمين).
وهنا أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله وتبركوا به، هذه العبارة يقولها الذهبي ، ويقولها ابن الجوزي ، فهل هؤلاء -أئمتنا- خرفوا؟
أنا أريد أن أعلم المخرف من يرمي هذه الأقوال بالتخريف؟
هذا في السير يقول الذهبي الموحد السلفي: أثنى على أبي عبد الله جماعة من أولياء الله -انتبه!- وتبركوا به، وروى ذلك أبو الفرج ابن الجوزي ، وشيخ الإسلام أبا إسماعيل الأنصاري الهروي .
وكان الإمام علي بن المديني يقول عن الإمام أحمد : أبو عبد الله سيدنا.
وكان قتادة بن سعيد -وقد تقدم معنا ذكره وترجمته- يقول: لولا أبو عبد الله لمات الورع، وبموته ستظهر البدع.
حقيقة: ورعه فقط إذا درسناه فإننا نستغرب منه، فكيف يطبقه رضي الله عنه وأرضاه؟
ولده صالح كان يقبل جوائز السلطان لا لوظيفة كحالنا في هذه الأيام، نحن الذين نقول: هم رجال ونحن رجال، والسلطان في تلك الأيام معروف من هو السلطان، وبيت المال معروف ما هو بيت المال، فالإمام أحمد عجن في بيته العجين، ثم خبز بسرعة، وقدم إليه وهو جائع قال: أين الخبز؟ قالوا: في تنور ولدك صالح قال: لا آكله، علام؟ قال: إنه يأخذ جوائز السلطان. أبو عبد الله لو رآنا ماذا يقول؟ أنا أعجب لمن يجعل نفسه مع هؤلاء الأئمة وهو يقبل جوائز السلطان، وأحمد ما أخذ من عجين خبز في تنور ولده فما أكل منه.
هذا هو الورع لولا أبو عبد الله لمات الورع، وبموته ستظهر البدع.
هذا كلام أئمتنا في هذا الإمام المبجل.
واستمع لتبرك صالح بثياب والده. وقد اتصلت بي من أيام بعض النساء وقالت -الظاهر أن اللغط وصل حتى للنساء-: هل التبرك بالصالحين جائز؟ قلت: يا أمة الله! ليست المسألة برأيي ولا رأيك، ولعلها -السائلة- قريبة بعض الحاضرين والعلم عند رب العالمين، فإذا ثبت الأمر عن النبي عليه الصلاة والسلام ونقله سلفنا الكرام فلا كلام، فننظر للمسألة.
قالت لي: إنسان يمد يده إلى الإنسان أو ثوبه ثم يرجو البركة! أهذا شرك؟
قلت: أسألك أمة الله! لو مد الإنسان يده إلى الحجر الأسود وتبرك به هل هذا شرك؟ قالت: لا، قلت: لم؟ قالت: ذاك مرخص قلنا: وهنا مرخص، ونحن نقول: إذا ورد دليل فنحن مع الدليل، وإذا لم يرد فلا يجوز، كأن تذهب لقاضٍ وتمد يدك فإننا نقول: هذا ضلال وبدعة، فانتبهوا! فإن كثيراً من السفهاء في موضوع التبرك قد توسع وافترى، والله! سيؤول إليه عباده، ونقل لي هذا بعضهم لما جاء بعض الإخوة وقال: أنا أجيز أن يتبرك الإنسان بالقبر وكان يستحلف، من قال هذا من أئمتنا؟ حتى ظهر أنه يقوله واحدٌ في عصرنا، والقائل بهذا ينبغي أن يضرب على فيه وأن يسجن، وإنما نقف عند ما وقف عنده أئمتنا وعلى ما وقف عليه أئمتنا، وعلى ما وردت به النصوص.
ولد الإمام أحمد يتبرك بثوبه، فاستمع لهذه القصة التي يوردها الذهبي وكنت ذكرتها سابقاً، وهل الذهبي هنا خرف أو تفنن؟!
في صفحة ثلاثين ومائتين قال: حدثتني فاطمة بنت أحمد بن حنبل قالت: وقع الحريق في بيت أخي صالح ، وكان قد تزوج بفتاة فتية في أول عمرها وشبابها فحملوا إليه جهازاً كبيراً بأربعة آلاف دينار فأكلته النار، فجعل صالح يقول: ما غمني! ما ذهب إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه.
يقول: أنا ما غمني ذهاب هذا الجهاز بأربعة آلاف دينار من أوله إلى آخره، ولكن غمني ذهاب ثوب والدي الذي كان يصلي به وأنا أتبرك به وأصلي فيه، قال: فطفئ الحريق فدخلوا فيه فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حوله والثوب سليم.
هذه الحكايات ليست خرافات، والله لا يحكم عليها بالخرافات إلا من كان مخرفاً.
وهذه قصة سيعقب عليها الإمام الذهبي بما رآها وعلمها ابن الجوزي ثم قصة يعقب عليها بما رآه هو فاستمع لهاتين القصتين:
قال ابن الجوزي : وبلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي أنه حكى أن الحريق وقع في داره فأحرق ما فيها إلا كتاباً كان فيه شيءٌ بخط الإمام أحمد .
قال ابن الجوزي : ولما وقع الغرق ببغداد سنة أربعٍ وخمسين وخمسمائة -والإمام ابن الجوزي ولد سنة تسعٍ وقيل عشرٍ وخمسمائة، يعني: كان عمره خمس وأربعين سنة وتوفي الإمام ابن الجوزي سنة سبعٍ وتسعين وخمسمائة- يقول ابن الجوزي : وغرقت كتبي وسلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد .
قلت - الذهبي -: وكذا استفاض وثبت أن الغرق الكائن بعد العشرين وسبعمائة ببغداد- والذهبي توفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وكان شيخاً كبيراً في ذاك الوقت أي: قبل وفاته بقرابة عشرين سنة- عام فيه الماء وغطى على قبور مقبرة أحمد ، وأن الماء دخل في الدهليز الذي فيه قبر الإمام أحمد علو ذراع ووقف بقدرة الله، والقبور كلها عام الماء فوقها، ولما وصل لجهة قبر الإمام أحمد وقف الماء عند الدهليز مكان الطريق الذي يؤدي إلى قبره، ووقف الماء قدر ذراع -بقدرة الله- لا يميل ولا يسيح كأنه أمامه حاجز، وبقيت الحفر حول قبر الإمام بغبارها، وكان ذلك آية.
هذه قصة عن الإمام الذهبي وعن ابن الجوزي وعن صالح ولد الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله، فماذا نقول نحوها؟ هل هؤلاء من السلف أو من أهل التخريف؟
ينبغي أن نتقي الله في ما نقول، والإنسان إذا أراد أن يتكلم فليسند ما يقوله إلى أدلة معتبرة وإلى أئمتنا البررة.
ومازلنا في الأمر الثالث وهو ميل القلوب إليه -الإمام أحمد - وتعلق الناس به.
وأما بشأن القصة التي كنت ذكرتها وصار ضجيج حولها وهي حول النظر إلى هذا الإمام المبارك عليه رحمة الله، فأوردها الإمام الذهبي في صفحة إحدى عشرة ومائتين يقول:
عن رجل قال: عندنا في خراسان يظنون أن أحمد لا يشبه البشر، يظنون أنه من الملائكة، يعني: في أخلاقه وخلقه وأحواله وقد قال الله في القرآن حكاية عن يوسف : وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31]، لا يقصد أنه لا يأكل ولا يشرب ولكن أخلاق هذا الإنسان كأخلاق الملائكة الكرام، وتقدم معنا أنه كان مع أصحابه عشرين سنة ما اختلفوا في كلمة، أريد أن أعلم هل هذه حياة بشر أم حياة ملائكة؟
هذه حقيقة أخلاق الملائكة، فكونك مع صاحبك عشرين سنة ما تختلف معه ولا في كلمة؟! سبحان ربي العظيم!
وقال آخر: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة، أي: ننظر بها إليه، والإمام الذهبي نحو هذه العبارة علق تعليقاً -لا فهموا التعليق ولا فهموا ما بعده- قال: قلت: هذا غلوٌ لا ينبغي لكن الباعث له حب ولي الله في الله، هذا كلام الذهبي ، وقد جاء أخٌ ووقف لي بين الجلتين قائلاً: أنتم لا تعون الكلام عندما تسمعونه ألا تقفون عند حدكم؟ قال الذهبي : هذا غلو لا ينبغي، وقال الطحان : هذا ينبغي لأن الباعث له حب ولي الله في الله؟
اسمعوا هذا الكلام الذي يقولونه: الجملة التي حكيت ما وعيتها فجئت تفصل بينها، أول الكلام نسبته للذهبي وآخره نسبته إليَّ وليس الأمر كذلك، فالكلام كله للذهبي .
قال هذا الكلام كله الذهبي السلفي الموحد فلم أعميت بصرك بعد أن عمي قلبك عن كل كلامه؟ أريد أن أعلم لم؟ فهل هو هناك ليس بسلفي ولا موحد، وفقط الذهبي سلفي في هذه القضية.
فالإمام الذهبي عندما أورد هذا علقت على عبارته بما يدل على احترامنا له ولأئمتنا جميعاً وقلت: هذا ليس بغلو وإنه مما ينبغي لكن لا بد من تعليل شرعي، وقلت: وجه عدم الغلو فيه: أننا إذا نظرنا إلى هذا الإمام المبارك وهكذا لسائر أئمة الإسلام نظرة احترام وإكرام تعظيماً لشعائر الإسلام: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، فهذه النظرة قد تكون سبباً لنا في دخول الجنة، وقد تكون سبباً لنا في مغفرة ذنوبنا، وقبلها كم نضيع عبادة ستين أو ألف أو ستمائة سنة فلا يعلمه إلا الله.
وبالمقابل نحن إذا نظرنا إلى كافر نظرة احترام وإكرام، قد تكون هذه النظرة سبباً لخروجنا من الإسلام أوليس كذلك؟
وقلت: ليس المقصود من النظر أن تنظر إلى وجهه وتمشي، فهذه سفاهة، وإنما المقصود من النظر: النظر الذي له هذا المعنى المعتبر، كالنظر إلى هذا الإمام حيث تتأمل أخلاقه الحسان والبهجة والسكينة والوقار وأخلاق دينه وجده واجتهاده بالمعاني التي فيه فعندما تنظر إليه تستحضر هذا، ثم تكرمه وتقدره وتحترمه وهل الدين إلا حبٌ في الله وبغضٌ في الله أليس كذلك؟
وأنت إذا نظرت إلى عالم واحتقرته قد تكفر، وكما قلت: إذا نظرت إلى كافر وأكرمته قد تكفر، فقد جعلته عين التعظيم الشرعي، فمثل هذه العبارة إذا وجهت توجيهاً شرعياً فلا غلو فيها.
وكنت أشرت في محاضرة الفرائض إلى مقولة تشبه تلك المقولة قالها صحابي وهو أبو موسى الأشعري وقلت: إن الأثر مروي في كتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوي كما قاله الإمام الذهبي في السير.
يقول أبو موسى الأشعري : لمجلس كنت أجالس فيه عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عبادة سنة. وقد قال فيه -ما تقدم معنا-: لا تسألوني ما دام هذا الحَبر فيكم. فهل نقول: خرف؟
لننظر ماذا رتب على هذا؟ فإذاً لا حاجة للعبادة، لا لعبادة الله ولا لذكره ولا شكره ولا لقراءة القرآن ومصيرك الجنة؟
نعوذ بالله من هذه السفاهة، وقد بينت فيما سبق قيمة النظر وقلت: سأفرده إن شاء الله، وأبين ما له من أثر معتبر في شريعة الله، فنظرة واحدة إلى النبي عليه الصلاة والسلام والله لو حصلت لك لكانت أعظم مما لو أنفقت كل يوم مثل أحدٍ ذهباً في سبيل الله، هذا فقط بالنظر، أو ليس كذلك؟ فالنظرة لها أثر، ونظرة إلى صحابي تجعل لك شرف التابعين، فتكون من أهل القرن الثاني، وتقدم معنا تقرير هذا بأحاديث كثيرة، وأنه يغزو فئام من أناس في آخر الزمان بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام بفترة فيقول: هل فيكم من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيفتح عليهم بمن رآه، هذا كله يفهم، ويمحى القياس ثم يقول: التبرك تقول به؟
النظر إلى الإمام أحمد يعدل عبادة سنة، وهذا الذهبي الموحد يقول: هذا غلو، وأنت تقول: ليس بغلو.
الذهبي إذا كنتم تقبلون كلامه في جميع أحواله فقد انتهينا ووصلنا إلى المطلوب، ولكن إذا جئتم مثل اليهود لما وضع قارئهم يده على آية الرجم وقرأ ما بعدها وما قبلها، فقال: ارفع يدك لنقرأ الصفحة بكاملها، ونحن إذا كنتم تقبلون بما يقوله الذهبي فقد وصلنا، وكذلك بما يقوله ابن تيمية وابن القيم عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.
إننا نريد أن نفهم الأمور كما قلت فهماً شرعياً، ووالله لا يعادي السلف إلا من لعنه الله وغضب عليه، ولا يكره الانتساب إليهم إلا من لعنه الله وغضب عليه، ولكن ليس معنى أنه إذا انتسب أناسٌ شاذون أننا نترك تلك النسبة، أو أننا نعادي من ينتسب إلى السلف فقفوا عند حدكم.
فيقول بعض هؤلاء في هذه الأيام عندما قيل له: أنت تقول: لا يصل إلى الميت إهداء ثواب القرب بأنواعها: كقراءة القرآن والصيام وغيرها؟ فالإمام ابن تيمية قرر خلاف هذا، والإمام ابن القيم قرر خلاف هذا، وفي كتب التوحيد كشرح الطحاوية -وهي عقيدة أهل السنة ونحن ندرسها- فيها خلاف هذا، وقل هي سائر القرب يصح إهداؤها إلى الميت فمن عبادة بدنية أو مالية أو منهما هذا في كتب التوحيد مقرر، وهذا ينقله الإمام ابن قدامة في المغني فكيف هذا؟
قال مجيباً: تعلق بكلام الشيخ وتلميذه -يقصد الإمام ابن تيمية وابن القيم - بعض الحاقدين من المبتدعين، وقالوا: في هذا دليل على جواز إهداء ثواب الطاعات إلى الموتى قراءة القرآن وغيره، قال: وليعلم الناس أننا لا نقلد أحداً، لا ابن تيمية ولا ابن القيم ولا الإمام أحمد ولا أحداً، إنما نحن ننظر إلى القول لا إلى القائل، فإذا أخطأ ابن تيمية وأخطأ ابن القيم وأخطأ الإمام أحمد نرد خطأهم عليهم.
انظر إلى هذه الجرأة! هذا مذكور في الكتب نقلاً عن كلامه في كلامه:
هؤلاء أخطأوا ولن نتبعهم في هذه القضية، والوهم إذا كانوا يخطئون ويخرفون فهل نحن نخطئ ونخرف؟
هل أصبح كلامك فقط هو المقدم؟ هل رضيت لنفسك بهذا؟ أما تتقي الله في نفسك، إذا كنت ترى أن أقوال أئمتنا في هذا الانحطاط والتخريف والخطأ، فينبغي أن تراه في أقوالك من باب أولى، قبل أن تحكم به على أئمتنا، لكن مقولة باطلة تنتشر في هذه الأيام: هم رجال ونحن رجال، فانتبه لهذا!
قال المروذي : رأيت طبيباً نصرانياً خرج من عند أحمد ومعه راهب فقال: إنه سألني أن يجيء معي ليرى أبا عبد الله ، وقد كان الإمام أحمد يتعلق بآثار النبي عليه الصلاة والسلام ويتبرك بها فقد توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة، وما قاله بعض المخرفين من أن الصحابة ما كانوا يتبركون بآثار النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته على عبارته فيما كان عليه اجتماع الصحابة، ثم قال: العبرة بما كان عليه الخلفاء الراشدون، وما ثبت أن أحداً تبرك بآثار النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته هذا كما قلت: كله هرج وكلام باطل، وقلت له سابقاً: إذا كنت تقول: ما علمت به من كلامك أن النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان حياً تجوز فيه البركة ولذلك تبرك به الصحابة، وأما بعد موته فلم يتبركوا به، فإذا كنت تقصد أنه لا بركة في جسده عليه الصلاة والسلام بعد موته فقد كفرت، وقلت: يجب عليك أن تجدد إيمانك وأن تتوب إلى ربك، وإذا كنت تقول: إن البركة في نبينا عليه الصلاة والسلام في بدنه حياً وميتاً فعلام التفريق؟
فاستمع لما كان يفعله الإمام أحمد ولتعليق الإمام الذهبي -الموحد السلفي- على هذا الفعل كما في السير في صفحة اثنتي عشرة ومائتين: قال عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي عليه الصلاة والسلام فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أنني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ويشربه ويستشفي به، ورأيته أخذ قصعة النبي عليه الصلاة والسلام فغسلها في حوض للماء ثم شرب فيها، ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه، قلت - الذهبي -: أين المتنطع لينكر على أحمد .
وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه: عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويمس الحجرة النبوية فقال: لا أرى بذلك بأساً، أي: عندما كانت الحجرة البناء الذي كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام يسكنه، والمنبر فيه الرمانة وهي التي يضع يده عليها ويتكئ عندما يخطب عليه الصلاة والسلام يقول: لا أرى بذلك بأساً.
قال الذهبي الموحد السلفي: أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع، كأنه يقول: من ينكر هذا فهو خارجي مبتدع مخرف.
وأورد في صفحة خمسين ومائتين، وست وخمسين ومائتين: أن الإمام المبجل أحمد بن حنبل عندما ضرب في محنة خلق القرآن، وأرادوا أن يخرقوا قميصه كان يحمل في قميصه شعرات من شعر النبي عليه الصلاة والسلام، فامتنعوا عن تخريق قميصه، وما ظهر ما يكرهه من بدنه ببركة شعرات النبي عليه الصلاة والسلام.
يقول: وسعى بعضهم -هذا كلام الإمام أحمد - ليخرق القميص عنه فقال المعتصم : لا تخرقوه، فوضع فظننت أنه إنما درئ عن القميص الخرق بالشعر الذي فيه يقول: وقد صار إلي شعرٌ من شعر النبي عليه الصلاة والسلام في كم قميصي، فوجه إليَّ إسحاق بن إبراهيم -هذا كان من ضمن الشرطة ورئيس الفتنة في المعتصم والذي كان يتولى ضرب الناس- قال: ما هذا المصرور؟ فقلت: شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند موت الإمام أحمد كما في صفحة سبعٍ وثلاثين وثلاثمائة، قبل شعرات النبي عليه الصلاة والسلام وأوقع بعضها تحت لسانه كما فعل أنس بن مالك .
يقول: وأعطى بعض ولدي الفضل بن الربيع أبا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات من شعر النبي عليه الصلاة والسلام، فأوصى أبو عبد الله عند موته أن يجعل على كل عين شعرة، وشعرة على لسانه ففعل ذلك به عند موته.
وأعجب لمن يأتي ويخرف في هذه الأيام ويقول: تعريف التبرك: هو طلب منفعة دنيوية من المتبرك به، وأحمد عندما يموت يوصي أن تودع شعرة على العين وشعرة على العين الأخرى وشعرة تحت اللسان فهل هذا من أجل منفعة دنيوية؟
هو مات، وذهب إلى لقاء رب البرية، لا تعريف يوافق الحقيقة والواقع، ولا تأدب مع السلف الكرام، ولا وقوف عند أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام، ومع كل هذا إذا لم تتبعه فأنت مبتدع مخرف، والله! لا يتبعكم على حالكم إلا من فقد عقله ودينه، فإذا فقد الأمرين يتبعكم؛ لأنكم لا تعرفونه تعريفاً شرعياً ولا تقفون عند النصوص ولا تتأدبون مع الأئمة، ثم بعد ذلك: لازم أن نسير وراءكم.
أختم ترجمته بكلامٍ حكيم محكم كان يقوله عضوا عليه بالنواجذ.
قول الإمام أحمد باتباع الأئمة في المسائل الشرعية
الإمام أحمد كان يوصي أتباعه والمسلمين بذلك ونعمت الوصية، ولذلك إذا أحدٌ قال لك شيئاً قل: انقل لنا هذا عن أئمتنا، فهل سبقوك إلى ذلك؟ فإن سبقوك فعلى العين والرأس، وإلا اترك هذا القول في جيبك وأرحنا منه.
في صلاة التراويح المذاهب الأربعة على قولين:
جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة على أن صلاة التراويح عشرون ركعة ويوتر بثلاث، وهذا هو الثابت عن عمر رضي الله عنه، وكما قال الإمام ابن قدامة والولي ابن العراقي عليهم جميعاً رحمة الله: وكأنه إجماع، وهو الذي نقله الإمام الترمذي في سننه وسيأتينا عن أكثر أهل العلم.
والقول الثاني: قول الإمام مالك أنها ست وثلاثون، ويوتر بخمس فتصبح واحدة وأربعين، وما عدا هذا مما يقال: خروجٌ عما قرره أئمتنا الأبرار.
وما يقوله السفهاء في هذه الأيام: من أن هذه الكيفية عشرون وثلاث وتر بدعة، وأحيينا السنن في المساجد فبدأنا نصلي ثماني ونوتر بثلاث، أعاذنا الله من عموم الأقوال، فمن انحطاط الأمة وضلالها في هذه الأيام: أنها بدأت تعكف على النابتة في هذه الأيام، وتترك أقوال أئمة الإسلام، وهذه بلية ليس بعدها بلية، ولذلك قلت ولا أزال: في مساجد المسلمين ينبغي أن يصلى عشرون ويوتر بثلاث، والذي يريد أن يصلي بعد ذلك ثمانية أو أربعة أو ستة لا يوجد مانع، أما الشعيرة البارزة فلا بد من إقامتها حسب ما قرر أئمتنا.
وهؤلاء يقررون هذا، ولا يوجد قول ثالث في المسألة، إنما عشرون وثلاث، أو ست وثلاثون وخمس، وما عدا هذا فأقوال جاءوا بها من هنا وهناك، ويقولون: ما خرج عنها بدعة.
إن هذه المقالة فعلة بلية، ونحن نقول: السنة عشرون، وفعل عمر رضي الله عنه سنة ثابتة فقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء به، ثم بعد ذلك هذا ما عليه أئمتنا بالإجماع، وهل خفيت هذه السنة على الإمام أحمد وعلى شيخه الشافعي وعلى شيخه مالك وعلى أبي حنيفة عليهم جميعاً رحمة الله؟
والأمة تتابعت على هذا بعد ذلك أكثر من عشرة قرون يقرر هذا في الكتب، ويتعبد به في محاريب المسلمين، وبعض الشيوخ في المدينة المنورة على صاحبها صلوات الله وسلامه قال: منذ أن صلي صلاة التراويح في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذا اليوم ما نقصت الصلاة عن عشرين ركعة، هذا في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام بالاستقراء التاريخي منذ أن صليت في عهد عمر رضي الله عنه إلى هذا اليوم ما ثبت أن المسلمين في يومٍ من الأيام صلوا ثمان ركعات، قد يزيدون أحياناً على حسب مذهب الإمام مالك ، أما ثمان ويوترون بثلاث هذا ما وقع أبداً.
سبحان ربي العظيم! أمة تتابع على هذه السنة أكثر من عشرة قرون ويأتيك مخرفون في هذه الأيام يقولون: هذه بدعة.
إذاً: الأمة كلها مبتدعة وما بقي موحد إلا أنت؟ لا إله إلا الله!
وأنت إلى من تنتسب في هذا القول؟
أريد أن أعلم، هل تنتسب إلى ابن حزم أو إلى غيره؟ لم تركت قول الإمام أحمد؟ ألست تقول هو إمام أهل السنة؟! لا بد من وعي هذه القضية ولا بد من إعادة الأمور إلى كتب سلفنا.
ومن بلية الشباب في هذه الأيام أنهم ربطوا بكتب محدثة من قبل معاصرين يخطئون ويصيبون -والله أعلم بنسبة خطئهم- وفصلوا عن كتب سلفنا، وكنا أحياناً نتكلم مع بعض الإخوة ممن له شأن نقول: المسألة كذا وأنت حنبلي المذهب، وترى ما في هذا المذهب من الأقوال وهذا موجود في كتاب المغني ثم أنت تقول بخلافه، فيقول: هذا في المغني؟ قلت: تفضل هذا في المغني استنبط. قال: أراجع معكم.
إذاً: لم تتلق كلاماً من هنا وهناك؟ لم تأخذ بأقوال تتطاير هنا وهناك وتعبر عن رأي فردي، وأما كونه مجتهداً مخطئاً أو مصيباً أو صاحب شذوذ فهذا يحكم به رب العالمين، لكن لماذا ما ربطت الأمة بكتب السلف؟
هذا الذي ألقى به الإمام أحمد عليه رحمة الله عند موته، وانظر لوصيته بعد ذلك لهذه الأمة: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
ومن كلامه المحكم كما في صفحة ثمان وتسعين ومائتين قال عاصم بن عصام البيهقي : بت ليلة عند الإمام أحمد فوضع له ماءً؛ ليتطهر به وليتهجد لربه. يقول: فلما جاء لصلاة الفجر نظر إلى الماء فهو بحاله قال: سبحان الله! طالب علم لا ورد له في الليل!
قول الإمام أحمد عن كيفية أخذ العلم
هذا هو إعزاز العلم يقول: نحن تلقينا العلم وكنا نتذلل لمشايخ الاسلام، وعليه إذا جاء أحد يتعلم منا العلم كما يقال: من فوق لا نعلمه مسألة، ولذلك لما قيل للإمام مالك أن يعلم أولاد الخلفاء في بيوتهم قال: أعندي وقت؟ فقيل له: إذا جاءوك تفردهم بحديث، قال: لا، هم مع أولاد المسلمين، أخذنا العلم بالذل يعني: بعز من علمنا وتذللنا لهم، فلا نعطه إلا بذل يعني: دعه يتذلل لنا ويعظم شعائر ربنا حتى نعطيه العلم.
وهذا لا بد من وعيه ففي بعض المحاضرات بعض الإخوة إذا انتهينا كأنه يقول: يا شيخ! أنت تقول كذا وكذا، ولو قلت كذا، فبعضهم يقول: في المسألة كذا وبعضهم كذا، ومن أجل ألّا يخطئ البعض وما يصبح في قلوب بعض الناس شيئاً، قلت: يا عبد الله! إذا كنت شيخاً تحدث بهذا، أما أن تملي علي وعلى غيري فاعرف قدرك فما طلبت هذا منك ولا ينبغي أن تقوله، وهذا لا بد من بيانه من أجل نصح الأمة، وأسأل الله ألا يجعل في قلبنا تحقيراً لأحدٍ من خلقه، فنحن -كما قلت مراراً- نحترم كل أحدٍ إذا احترم أئمتنا، فوالله كرامة كل أحد تهون إذا تهرب من كرامة أئمتنا، هذا لا بد من وعيه.
ولما قيل له: وكما في صفحة تسعٍ وتسعين -والكلام ينقله الإمام ابن تيمية في كتاب نقد المنطق في صفحة اثنتين وثمانين ويكرره في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع صفحة ست وتسعين- وهو في ترجمة الإمام أحمد لـابن الجوزي صفحة ثمانين ومائة، قيل للإمام أحمد : إن فلاناً ينال من أهل الحديث ويقول: إنهم قوم سوء -وتقدم معنا هذا في فضل دراسة الحديث عند بداية مدارستنا لسنن الترمذي - فقام ينفض ثوبه ويقول: زنديق زنديق لا دين له.
فحقيقة من ينال من المحدثين ويقع فيهم فقد رد السنة وجحدها، فلا بد أن نعرف للمحدثين قدرهم، فهم الذين يروون حديث النبي عليه الصلاة والسلام.
قول الإمام أحمد في أهل الكلام والفلاسفة
فأصحاب الكلام: هم أهل الهذيان الذين حكموا عقولهم في دين الرحمن، وأرادوا أن ينصروا دين الله على حسب زعمهم بعقولهم، ثم بعد ذلك أولوا وجادلوا.
وكان أحمد يقول: لست أتكلم إلا في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما أثر عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين. فالكلام ضمن هذه الأمور الأربعة وما عدا هذا فدعونا منه بعد ذلك ولا ينبغي أن نخوض فيه.
وعلماء الكلام يختلفون عن الفلاسفة، فالفلاسفة: هم الذين لا يتقيدون بنصوص الشرع فيبحثون في الأمور على حسب عقولهم، فقد يثبت الفيلسوف الله وقد ينفيه، وقد يقول: لله كذا، وقد يقول لا، كل ذلك على حسب العقل دون أن يتقيد بنص شرعي، فهذا فيلسوف، يبحث بعقله المجرد في أمور الغيب بدءاً من الله جل وعلا فما عداه من المغيبات.
والمتكلمون: هم الذين يتقيدون بالنصوص الشرعية لكن يفسرونها على حسب عقولهم، ويدخلون العقول في مغيبات ولا يفندون معرفة حقيقة هذه المغيبات التي يتصف بها ربنا جل وعلا، وما يكون في البرزخ وفي الآخرة إلى المتصف بذلك وإلى قائله وهو الله جل وعلا، فهم جعلوا عمدتهم النصوص ولكن هذه النصوص تعرض على العقل، فالحكم هو العقل، وأما الفلاسفة فلا نص عندهم وإنما العقل هو الأصل دون أن ننظر في النص، وهؤلاء -المتكلمون- يقولون: النص يعرض على العقل فإن وافقه فبها ونعمت، وإلا فالتأويل، ولذلك عندما يأتي أحدهم إلى نصوص الصفات يقول: لا تتمشى مع العقل خشية حصول التكليف، فيخرج النص عن ظاهره، وهذا ضلال هؤلاء أصحاب الكلام.
سبق أن قلت: إن الأدلة مهما تعددت لا تخرج عن نوعين اثنين: دليل سني سلفي له قسمان، ودليل بدعي خلفي له قسمان.
الدليل السني السلفي:
الأول: النص الشرعي من كتاب وسنة.
والثاني: الفطرة الصحيحة المستقيمة.
والدليل الخلفي البدعي قسمان:
الأول: النظر العقلي المتعمق فيه.
والثاني: الكشف الصوفي والتخريف الذي عضل عليه المخرفون من الصوفية، وما ينقدح في قلبه يعتبره من شريعة ربه وهذا ضلال.
فلا كشف ولا تعويل على العقل وإنما نصٌ شرعي مع فطرة مستقيمة: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [إبراهيم:10].
وعلو الله جل وعلا تقرره النصوص الشرعية وبالفطرة السوية واسأل من تشاء من نساء البادية قل: أين الله؟ تقول: الله فوقنا، فالله فطر عباده على ذلك، وما أحدٌ يلتجئ إلى الله إلا ويقول: يا رب! يا رب! فهي فطرة، ولذلك لما جلس بعض المتكلمين؛ ليقرر نفي علو رب العالمين، وقال: كان الله ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان، أي: ليس بعالٍ فوقه عرشه سبحانه وتعالى، وهو الآن مع الإنسان ولا يجوز أن نقول: هو العلي العظيم، سبحانه وتعالى استوى على عرشه وفوقه.
فقام له بعض الحاضرين من أهل السنة الطيبين وقال: يا إمام! دعنا من الزمان ومن المكان، حدثنا عن هذه الضرورة التي نجدها في أنفسنا فما قال موحد قط: يا الله! إلا تحركت همته إلى ما فوقه فهذه الضرورة ما هي؟
هذه الضرورة التي نجدها في نفوسنا وهي الفطرة، ولذلك إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، هذه هي الفطرة؛ لأنهم هلكوا الآن. فما يحجبك شيء عن فطرتك عندما تفاعلت مع ما طرأ عليه من حوادث قالت: يا الله! هذه الفطرة فطرة سوية، لا دليل عقلي متعمق فيه الجوهر والعرض:
معرفة الله عليك تفترض وأنه لا جوهر ولا عرض
كما يقول المتكلمون في كتبهم، وأنا أقول: إن الجوهر خيال ووهم لا حقيقة له، ويعرفونه فيقولون: هو الجزء الذي لا يتجزأ، وبعد ذلك الأجسام تكون مركبة من جوهر مفردة.
والعرض يقولون عنه: هو ما يقوم بذلك الجوهر، فالأجسام مركبة من جواهر مفردة.
قال الإمام ابن عقيل : وأنا أجزم بأن الصحابة ماتوا -رضي الله عنهم أجمعين- وما سمعوا بالجوهر والعرض، وهؤلاء يقولون:
معرفة الله عليك تفترض لأنه لا جوهر ولا عرض
ونمشي بعد ذلك في النفي، كل هذا كلام باطل وهذا هو علم الكلام، وكان الإمام الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام.
وغالب ظني أني ذكرت في أول مباحث النبوة كلام الإمام الغزالي -الذي خاض في علم الكلام وكاد أن يختنق لولا أن تداركته رحمة الله فرجع- قال -هذا موجود في الأحياء- : وأما علم الكلام فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق على ما هي عليه، وهيهات هيهات أن يفيء علم الكلام بهذا المطلب الشريف، فليس فيه إلا التخليط والتضليل. وهذا إذا سمعته من محدثٍ أو حشوي ربما ظننت أن الناس أعداء لما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام إذا قلاه بعد الخبرة، وتغلل فيه إلى منتهى درجات المتكلمين وجاوزه إلى علوم أخرى.
هذا كلام الإمام الغزالي في الجزء الأول -غالب ظني- في حدود صفحة خمس وتسعين إلى مائة تقريباً، يقول علم الكلام يريد أن يرد النصوص الشرعية إلى العقول البشرية، فهنا نقل لكن يعرض على العقل، والفلاسفة لا يوجد نقل على الإطلاق إنما التعويل على العقل فقط.
ومن كلامه الذي كما يقال: نتسلى به في هذه الأيام، بل فلنتأس ولنتصبر به، ما روي عن هذا الإمام المبارك عليه رحمة الله في صفحة ثمان وثلاثين أو ستٍ وثلاثين أنه قيل له: ألا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟ قال: كلا. إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحق.
متى يرتفع الباطل ويعلو على الحق؟
إذا تركنا الحق، أما ما دمنا عليه فمهما علا الباطل وأزبد وارتفع في هذه الحياة فهو كالدخان عما قريب يتلاشى بإذن الرحمن، لكن علو الباطل يكون إذا تخلت قلوب أهل الحق عن الحق واتبعت الباطل.
ومن كلامه المحكم الطيب أنه كان يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز.
الإمام أحمد عليه رحمة الله اضطهد وضرب وأذوي وانخلعت كتفه عليه، وأُفتي بإراقة دمه لكن الله حفظه وصانه، ومع ذلك عندما توفي حضر جنازته أكثر من ألف ألف -يعني من مليون- وأُحصي عدد من حضر جنازته من النساء فبلغن ستين ألفاً، وكان يقال بين يديه -في جنازته- مقولته: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز.
أحمد بن أبي دؤاد الضال الخبيث الذي مات بعد الإمام أحمد بسنة، وهو قاضي القضاة لثلاثة من خلفاء بني العباس، وهو الذي تولى محنة خلق القرآن وأفتى بقتل الإمام أحمد ، عندما مات ما شيعه إلا نفرٌ من أعوان السلطان بحدود العشرة وما شهد جنازته أحدٌ من أهل الإيمان، قاضي القضاة يحضر جنازته عشرة، وإمام أهل السنة الذي يؤذى يشهد جنازته أكثر من ألف ألف أي: من مليون من المسلمين.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] | 4045 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] | 3979 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] | 3906 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] | 3793 استماع |
شرح الترمذي - مقدمات [8] | 3787 استماع |
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] | 3771 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] | 3570 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] | 3486 استماع |
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] | 3465 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] | 3417 استماع |