شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

لا زلنا نتدارس ترجمة أمنا المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين، وزوج نبينا الأمين على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.

والسبب الذي دعانا لترجمتها -كما تقدم معنا- هو أنها هي راوية الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في الباب الخامس من أبواب الطهارة: ما يقول إذا خرج من الخلاء، فروت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه (كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك). وحديثها كما قال عنه الإمام الترمذي : حديثٌ حسنٌ غريب، قال: ولا نعرف في الباب إلا حديث أمنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وتقدم معنا ترجمتها الطيبة المباركة وأنها ضمن ستة أمور، وأن الأمر الخامس منها فيما يتعلق بقيامها بأمر الدين على وجه التمام حسبما في وسع الإنسان، فكانت تقوم بتعظيم ذي الجلال والإكرام، وبينت شيئاً من عبادتها لربها جل وعلا، فيما يتعلق بصيامها وقيامها وقراءتها وخوفها من ربها جل وعلا، ثم بينت ما يتعلق أيضاً بإحسانها ومساعدتها لعباد الله وشفقتها عليهم أيضاً، وختمت الأمر الخامس بأمرٍ ينبغي أن يستفيده نساؤنا منها ألا وهو حياؤها العظيم، ومحافظتها على عرضها، وصونها لبدنها رضي الله عنها وأرضاها، فكانت تحجب بدنها من الأحياء المبصرين، ومن الأحياء العميان، ومن الميتين أيضاً، فلا يقع على بدنها نظر أحدٍ كما لا تنظر هي إلى أحد رضوان الله عليها وعلى سائر أمهات المؤمنين.

هذا الخلق الكريم الذي كانت تتصف به أمنا الطيبة المباركة زوجة نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه، ينبغي أن نقف عنده وقفةً، وأن نأخذ منه درساً وعبرةً في إلزام نسائنا بالحياء، وفي التزام نسائنا بهذا الخلق الكريم الرفيع، وقد شاء الله جل وعلا أن يمتد الكلام في ذلك في جميع المحاضرة الماضية، وكان في نيتي أن ننتهي لكن قدر الله وما شاء فعل، ولا غرو في ذلك ولا عجب، فأمنا عائشة رضي الله عنها مباركةٌ، وما هذا الحديث بأول بركةٍ من بركات أمنا عائشة رضي الله عنها، فهي الطيبة المباركة حيةً وميتةً، وسيأتينا عند آية التيمم أن ما حصل لهذه الأمة بسببها ليس بأول بركتها ولا هو بأول بركة آل أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، وهذا أيضاً من بركتها لتوفيق الله لنا أن تدارسنا ما يتعلق بأمرها فيما يتعلق بحيائها وحجابها رضي الله عنها وأرضاها.

تكلمت على ثلاثة أمورٍ حسان:

أولها: أن الحجاب خلقٌ كامل، وأن ستر الوجه عنوان الحياء، وينبغي على النساء أن يحافظن على ذلك.

والأمر الثاني: إذا خشيت فتنة من كشف الوجه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها باتفاق أئمتنا كما تقدم معنا تقرير ذلك، وعليه قلت: كل من نقل عن الأئمة الكرام خلافاً في موضوع وجه المرأة وهل هو عورةً أو لا؟ ورتب على هذا الخلاف أنه إذا لم يكن عورة فلا مانع من كشفه، قلت: هذه سفاهةٌ وخيانةٌ لدين رب العالمين، وافتراءٌ على أئمة المسلمين، فالذين لم يقولوا: بأن الوجه عورة قالوا: لا يجوز أن يكشف الوجه إذا خشي فتنة من الكشف عليها أو على الناظر، ولا خلاف بين أئمتنا في ذلك كما تقدم معنا، وعليه لا صلة بين قول علمائنا: إنه ليس بعورة، وبين جواز كشفه، لا صلة على الإطلاق، فإن هذا موضوعٌ آخر، والستر لا بد منه، أما هل هو عورةٌ أو لا؟ فهذا يبحث بعد ذلك كما قلت في الأمر الثالث، ووفقت بين القولين، فقلت: من رخص في كشفه فهذا باعتبار بداية ما كان عليه الأمر، ثم استقر الأمر بعد ذلك على أن الوجه ينبغي أن يستر، ولا يجوز أن يكشف، وأنه عورة، وهذا هو القول الثاني كما تقدم معنا عن الإمام أحمد ، وجمع بين هذا القول والأقوال الأخرى أئمتنا بالصفة التي ذكرتها.

وفي بداية هذه الموعظة سأذكر بثلاثة أمورٍ أيضاً، ثم ندخل إن شاء الله في مناقشة السفهاء الذين أثاروا سفهاً ولغطاً حول موضوع الحجاب والنقاب للمرأة.

كما تقدم معنا: إن الأكمل للمرأة أن تستر وجهها، وأن ستر الوجه للمرأة عنوان حيائها، فالمرأة الحيية هي التي تستر وجهها، والتي انسلخت من الحياء كشفت عن وجهها، وأقول: إن كشف الوجه بدايةٌ لكشف ما بعده، فكل ما عدا الوجه لا يمكن أن يكشف إلا إذا كشف الوجه، ومن سهل عليها أن تكشف عن وجهها سيسهل عليها بعد ذلك أن تكشف عما عدا ذلك، ولذلك كان عنوان الحياء ودليل الطهر والصفاء والنقاء في المرأة أن تستر وجهها، وهذا هو مسلك نساء سلفنا الطيبات الطاهرات المباركات.

عفاف نساء نابلس

استمعوا إلى هذه القصة التي يرويها الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن، وهو من علماء القرن السادس للهجرة كما تقدم معنا حاله وخبره -رحمه الله- وهو صاحب كتاب عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي ذكر في تفسير قول الله جل وعلا في سورة الأحزاب: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] إلى آخر الآية الكريمة، في الجزء الثالث صفحة خمسٍ وثلاثين وخمسمائة وألف؛ لأن الكتاب في أربعة مجلدات، وهو مرتبٌ من الجزء الأول إلى آخر الجزء الرابع بأرقام متسلسلة، وقد نقل عنه هذا الإمام القرطبي في تفسيره أيضاً في الجزء الرابع عشر صفحة ثمانين ومائة، يقول هذا العبد الصالح عليه رحمة الله: لقد دخلت نيفاً على ألف قرية -يعني: ما يزيد على ألف قرية- فما رأيت نساءً أطول عيالاً ولا أعف نساءً من نساء نابلس -بضم الباء واللام، والنسبة إليها نابلسي، التي رمي فيها الخليل إبراهيم عليه السلام بالنار- فإني أقمت فيها أشهراً، فما رأيت امرأةً في طريقي نهاراً إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدةٍ منهن إلى الجمعة الأخرى، وقد رأيت في المسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه.

يقول: إنه دخل قرى كثيرة، وكلهن فيها صفة الحجاب، لكن هذه البلدة تمتاز نساؤها بالحجاب ولزوم البيوت، فالمرأة لا تخرج من بيتها إلا في يومٍ واحد، إلى المسجد الأقصى لتستمع الموعظة، ثم بعد ذلك يعدن إلى بيوتهن، وخروجهن وعودتهن بالصفة الشرعية، حتى تكاد أبدانهن أن تلتصق بالجدران عند مشيهن في ذهابهن وإيابهن إلى المسجد وإلى بيوتهن.

هذا هو شأن المرأة المسلمة، أما أن يوجد شوارع تمتلئ بالنساء في جميع الأوقات فهذه ليست مظاهر إسلامية، إنما هي مظاهر الجاهلية، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].

إذاً: هذا الخلق هو خلق النساء الصالحات الطيبات في العصر الأول، وقد كان أئمتنا عليهم رحمة الله يذكرون في ترجمة كثيرٍ من النساء الصالحات ما يستغربه السفهاء في هذه الأوقات، بل ما يعتبرونه ضيماً كما قال بعض السفهاء في كتابٍ له ألفه وهو يعتبر نفسه من الدعاة وهو من البغاة، يقول: يفتخر المسلمون في هذا الوقت بترجمة بعض النساء؛ لأنها ما خرجت من بيتها إلا إلى قبرها.

حسناً: وهل هذه مكرمة أم منقصة؟ يعني: أنه لازم أن نزج بها في الجامعات، ويأتيها بعد ذلك أشكال المائلات المميلات، وهل لازم على المرأة المسلمة أن تذهب لهذه الجامعات المنحطة؟ سبحان ربي العظيم! يقول هذا الكاتب: هذه الآن بعض الناس يذكرونها وهي منقصة عار على الإسلام والمسلمين، يقولون: ما خرجت من بيتها إلا إلى قبرها، يعني ما كانت تتجول ولا تعرف الأسواق، ولا دخلت هذه المدارس الآسنة والمستنقعات المنتنة باسم الدراسة.

عفاف فاطمة بنت العطار

انتبه إلى ما يقوله أئمتنا في ترجمة امرأة من نساء القرن السادس للهجرة توفيت سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وهي الصالحة القانعة القانتة الورعة الحيية العفيفة، فاطمة بنت نصر العطار ، يذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه المنتظم في الجزء العاشر صفحة تسع وسبعين ومائتين، والقصة رواها الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الثاني عشر صفحة تسع وتسعين ومائتين، قال: كانت من العابدات المتورعات المخدرات، ويقول الإمام ابن الجوزي : شاع عنها الذكر الجليل، والزهد في الدنيا، وحدثني أخوها: أنها كانت تقوم الليل، وما خرجت من البيت إلا ثلاث مرات، ما خرجت في حياتها من بيتها إلا ثلاث مرات، حقيقةً: هذا هو شأن المرأة الطاهرة، تخرج من بيتها لزيارة بيت ربها لأداء نسك الحج والعمرة، وتخرج من بيتها لبيت زوجها، وبعد ذلك تخرج من بيتها إلى قبرها، ثلاث مرات تكفيها.

فإن قيل: كيف ستعيش هكذا في البيت؟ نقول: إن بيوتنا مؤسسات علمية، ليست بيوتاً قائمة على التلفاز ولا على فيديو ولا على قلة حياء، فبيوتنا عندنا هي المؤسسات العلمية، يجلس صاحب البيت مع أسرته، يتذاكرون بعد العشاء وبعد الفجر وفي كل وقت، وبعد ذلك كل من تعب من أهل البيت نام، فليس عندنا مذياع يشتغل في البيت، ولا عندنا تلفاز ينظر إليه أحد، ولا عندنا قيل وقال، هذا كلام فارغ، لكن أنتم لما ابتليتم بهذه القاذورات تقولون: من أين تتعلم البنت؟ يعني هل يشترط لتعليمها أن تذهب لهذه المدارس العفنة؟ لا ثم لا، وقد كان نساء سلفنا يتعلمن وهن العالمات كما تقدم معنا في ترجمة حفصة بنت سيرين الثقة العالمة الورعة العابدة من رجال الكتب الستة، كان أخوها محمد بن سيرين إذا أشكل عليه شيء وسأله طلابه وهو شيخ الإسلام، يقول: اسألوا حفصة ، اذهبوا واستأذنوا عليها واسألوها، يعني أي مشكلة أشكلت عليكم تجيبكم عليها، أما أنا فلا أستطيع أن أجيبكم، وهو شيخ الإسلام، فليس معنى هذا أننا إذا قلنا: لا تخرج من البيت أنها ستعيش هي والبهيمة سواء، من قال هذا؟ ولذلك هو يربط بين الأمرين ليضل الأمة، يقول: إذا ما خرجت من البيت يعني تبقى جاهلة، ولم تمتهنون المرأة؟

الجواب: أنه ما امتهن المرأة إلا أنتم عندما أخرجتموها من خدرها وحصنها ومملكتها وسيادتها، أي امتهان لها عندما تكون في البيت تعلم من قبل المسئول عن الأسرة؟ وإذا قدر أنه ليس كذلك فإنه تتصل بها النساء الصالحات أو تحضر وعظهن ودروسهن وعلمهن وانتهى الأمر، أما أن توضع مناهج فيها ما يدنس القلب ويلوث الذهن، يقال: للمرأة لازم أن تذهبي إلى هذا، من الذي ألزم ومن أين جاء اللزوم؟ فإذاً: لم تخرج إلا ثلاث مرات، وهذه يوردها أئمتنا مقبلين لذلك، مجلين له، مثنيين عليه، وما يوردون ذلك معترضين عليه متذللين كما يفعل السفهاء في هذا الحين، يقول: هذه من مناقبها لم تخرج من بيتها إلا ثلاث مرات، حقيقةً هذا هو شأن المرأة الحيية.

استمعوا إلى هذه القصة التي يرويها الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن، وهو من علماء القرن السادس للهجرة كما تقدم معنا حاله وخبره -رحمه الله- وهو صاحب كتاب عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي ذكر في تفسير قول الله جل وعلا في سورة الأحزاب: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] إلى آخر الآية الكريمة، في الجزء الثالث صفحة خمسٍ وثلاثين وخمسمائة وألف؛ لأن الكتاب في أربعة مجلدات، وهو مرتبٌ من الجزء الأول إلى آخر الجزء الرابع بأرقام متسلسلة، وقد نقل عنه هذا الإمام القرطبي في تفسيره أيضاً في الجزء الرابع عشر صفحة ثمانين ومائة، يقول هذا العبد الصالح عليه رحمة الله: لقد دخلت نيفاً على ألف قرية -يعني: ما يزيد على ألف قرية- فما رأيت نساءً أطول عيالاً ولا أعف نساءً من نساء نابلس -بضم الباء واللام، والنسبة إليها نابلسي، التي رمي فيها الخليل إبراهيم عليه السلام بالنار- فإني أقمت فيها أشهراً، فما رأيت امرأةً في طريقي نهاراً إلا يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدةٍ منهن إلى الجمعة الأخرى، وقد رأيت في المسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه.

يقول: إنه دخل قرى كثيرة، وكلهن فيها صفة الحجاب، لكن هذه البلدة تمتاز نساؤها بالحجاب ولزوم البيوت، فالمرأة لا تخرج من بيتها إلا في يومٍ واحد، إلى المسجد الأقصى لتستمع الموعظة، ثم بعد ذلك يعدن إلى بيوتهن، وخروجهن وعودتهن بالصفة الشرعية، حتى تكاد أبدانهن أن تلتصق بالجدران عند مشيهن في ذهابهن وإيابهن إلى المسجد وإلى بيوتهن.

هذا هو شأن المرأة المسلمة، أما أن يوجد شوارع تمتلئ بالنساء في جميع الأوقات فهذه ليست مظاهر إسلامية، إنما هي مظاهر الجاهلية، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].

إذاً: هذا الخلق هو خلق النساء الصالحات الطيبات في العصر الأول، وقد كان أئمتنا عليهم رحمة الله يذكرون في ترجمة كثيرٍ من النساء الصالحات ما يستغربه السفهاء في هذه الأوقات، بل ما يعتبرونه ضيماً كما قال بعض السفهاء في كتابٍ له ألفه وهو يعتبر نفسه من الدعاة وهو من البغاة، يقول: يفتخر المسلمون في هذا الوقت بترجمة بعض النساء؛ لأنها ما خرجت من بيتها إلا إلى قبرها.

حسناً: وهل هذه مكرمة أم منقصة؟ يعني: أنه لازم أن نزج بها في الجامعات، ويأتيها بعد ذلك أشكال المائلات المميلات، وهل لازم على المرأة المسلمة أن تذهب لهذه الجامعات المنحطة؟ سبحان ربي العظيم! يقول هذا الكاتب: هذه الآن بعض الناس يذكرونها وهي منقصة عار على الإسلام والمسلمين، يقولون: ما خرجت من بيتها إلا إلى قبرها، يعني ما كانت تتجول ولا تعرف الأسواق، ولا دخلت هذه المدارس الآسنة والمستنقعات المنتنة باسم الدراسة.

انتبه إلى ما يقوله أئمتنا في ترجمة امرأة من نساء القرن السادس للهجرة توفيت سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وهي الصالحة القانعة القانتة الورعة الحيية العفيفة، فاطمة بنت نصر العطار ، يذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه المنتظم في الجزء العاشر صفحة تسع وسبعين ومائتين، والقصة رواها الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء الثاني عشر صفحة تسع وتسعين ومائتين، قال: كانت من العابدات المتورعات المخدرات، ويقول الإمام ابن الجوزي : شاع عنها الذكر الجليل، والزهد في الدنيا، وحدثني أخوها: أنها كانت تقوم الليل، وما خرجت من البيت إلا ثلاث مرات، ما خرجت في حياتها من بيتها إلا ثلاث مرات، حقيقةً: هذا هو شأن المرأة الطاهرة، تخرج من بيتها لزيارة بيت ربها لأداء نسك الحج والعمرة، وتخرج من بيتها لبيت زوجها، وبعد ذلك تخرج من بيتها إلى قبرها، ثلاث مرات تكفيها.

فإن قيل: كيف ستعيش هكذا في البيت؟ نقول: إن بيوتنا مؤسسات علمية، ليست بيوتاً قائمة على التلفاز ولا على فيديو ولا على قلة حياء، فبيوتنا عندنا هي المؤسسات العلمية، يجلس صاحب البيت مع أسرته، يتذاكرون بعد العشاء وبعد الفجر وفي كل وقت، وبعد ذلك كل من تعب من أهل البيت نام، فليس عندنا مذياع يشتغل في البيت، ولا عندنا تلفاز ينظر إليه أحد، ولا عندنا قيل وقال، هذا كلام فارغ، لكن أنتم لما ابتليتم بهذه القاذورات تقولون: من أين تتعلم البنت؟ يعني هل يشترط لتعليمها أن تذهب لهذه المدارس العفنة؟ لا ثم لا، وقد كان نساء سلفنا يتعلمن وهن العالمات كما تقدم معنا في ترجمة حفصة بنت سيرين الثقة العالمة الورعة العابدة من رجال الكتب الستة، كان أخوها محمد بن سيرين إذا أشكل عليه شيء وسأله طلابه وهو شيخ الإسلام، يقول: اسألوا حفصة ، اذهبوا واستأذنوا عليها واسألوها، يعني أي مشكلة أشكلت عليكم تجيبكم عليها، أما أنا فلا أستطيع أن أجيبكم، وهو شيخ الإسلام، فليس معنى هذا أننا إذا قلنا: لا تخرج من البيت أنها ستعيش هي والبهيمة سواء، من قال هذا؟ ولذلك هو يربط بين الأمرين ليضل الأمة، يقول: إذا ما خرجت من البيت يعني تبقى جاهلة، ولم تمتهنون المرأة؟

الجواب: أنه ما امتهن المرأة إلا أنتم عندما أخرجتموها من خدرها وحصنها ومملكتها وسيادتها، أي امتهان لها عندما تكون في البيت تعلم من قبل المسئول عن الأسرة؟ وإذا قدر أنه ليس كذلك فإنه تتصل بها النساء الصالحات أو تحضر وعظهن ودروسهن وعلمهن وانتهى الأمر، أما أن توضع مناهج فيها ما يدنس القلب ويلوث الذهن، يقال: للمرأة لازم أن تذهبي إلى هذا، من الذي ألزم ومن أين جاء اللزوم؟ فإذاً: لم تخرج إلا ثلاث مرات، وهذه يوردها أئمتنا مقبلين لذلك، مجلين له، مثنيين عليه، وما يوردون ذلك معترضين عليه متذللين كما يفعل السفهاء في هذا الحين، يقول: هذه من مناقبها لم تخرج من بيتها إلا ثلاث مرات، حقيقةً هذا هو شأن المرأة الحيية.

عندنا المرأة في الإسلام عرض يصان؛ لأنها أغلى شيء في هذه الحياة، قال عليه الصلاة والسلام: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)، والمتاع كلما كان نفيساً كلما اشتدت المحافظة عليه، يعني: إذا كان عندك جوهرة قيمتها ملايين فأين تحفظها؟ هل ترميها في السيارة وتأتي إلى المسجد؟ لا أبداً؛ لأن هذه ملايين فلا بد لها من صناديق لها مفاتيح سرية، وهذه الصناديق ثقيلة لو جاء مائة رجل ما استطاعوا تحريكها ولا حملها، هذا عند أصحاب الأموال الكثيرة، فإذا كانت المرأة جوهرة نفيسة، بل هي أنفس جوهرة في الدنيا، فلا بد من صيانتها وحفظها، وما طاب نساء الجنة إلا حين كن مقصورات في الخيام، وقاصرات الطرف، لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:49]، أما المرأة الخراجة الولاجة البذيئة السفيهة، ثم بعد ذلك يقال عنها: هي المرأة المتقدمة الواعية! فنعوذ بالله من هذه الجاهلية ومن هذه السفاهة.

ثلاث مرات لا غير خرجت فاطمة بنت نصر من بيتها، هذا ما يقرره أئمتنا في ترجمتها، هذا الخلق صار غريباً بيننا.

إن لزوم البيوت بالنسبة للنساء واجبٌ، ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا لضرورة شرعية، وقد قرر الله هذا في كتابه فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، اقررن وامكثن واثبتن.

ولا يقولن سفيه: هذه الآية في أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، والحجاب خاص بنساء النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: الحجاب غل وقيود، وجاء للمسلمين من قبل الأعاجم وغيرهم.

نقول: إذا كان الحجاب قيوداً وأغلالاً فلماذا لم يقيد الله بها إلا زوجات خير خلق الله على نبينا وأزواجه وآله صلوات الله وسلامه، ومن عداهن جاء إليهن الحجاب من عادة أعجمية؟ وهنا إياك أن يخطر ببالك أن الحجاب خاص بنساء النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو عام لكل النساء واستمع لما يقوله القرطبي في تفسير هذه الآية، يقول: معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، والخطاب وإن كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف ونصوص الشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة على ما تقدم في غير موضع.

أمر الله جل وعلا نساء النبي عليه الصلاة والسلام بملازمة بيوتهن وخاطبهن بذلك تشريفاً لهن، ونهاهن عن التبرج، وأعلم جل وعلا أنه من فعل الجاهلية الأولى فقال: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، وحقيقة التبرج إظهار ما ستره أحسن، وهو مأخوذ من السعة، يقال: في أسنانه برج إذا كانت متفرقةً.

واختلف الناس في الجاهلية الأولى، فقيل: هو الزمن الذي ولد فيه إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال، وقال الحكم بن عيينة : ما بين آدم ونوح على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه وهي ثمانمائة سنة، وحكيت لهم سير ذميمة، أي: في هذه الفترة.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي ما بين نوح وإدريس على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه، وقيل: ما بين نوح وإبراهيم على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، قيل: إن المرأة كانت تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين، سبحان الله! كأن ما يفعل في هذه الأيام هو الذي كان يفعل في قديم الزمان، غير مخيط الجانبين، والآن لو أن المخيط حتى من الجوانب الأربعة، فهو من الأمام مفتوح ومن الخلف ومن الجانبين، تلبس الثوب لكن غير مخيط الجانبين، بل من خلال حركاتها تظهر جوانبها ومقدمتها وأمامها، كل هذه هي الجاهلية التي كانت تفعل، وتلبس الثياب الرقاق التي لا تواري بدنها.

حكى مرةً بعض الشيوخ -وما رأيت مثل هذا في حياتي وأسأل الله أن يسترنا- أنه رأى امرأةً في سوق كبيرة في القاهرة تلبس قميصاً أبيض شفافاً، وفوقه قميص آخر شفاف، وليس على سوأتها خرقة، فتبدو سوأتها من الأمام ومن الخلف من وراء الثياب، هذا وهي في سوق كبير، والناس ينظرون بإعجاب وإكبار، أنه عندهم تطور وتقدم أن تخرج بهذه الحالة، تخرج وعليها قميص أبيض شفاف فوقه قميص أحمر شفاف، وليس على بدنها شيء وتتعمد لبس هذه الأشكال من أجل أن يعطي البشرة والجلد والأعضاء زينةً أكبر، والجسم في الأصل يميل في طبيعته إلى الحمرة أيضاً، فانظر أثر هذه الألوان في وسط الشارع العام، وهي تمشي بهذه الحالة، نسأل الله العافية.

وقد وقع نظرنا على عورات مغلظة من أفخاذ وغيرها مكشوفة، ولكن ليس إلى هذا الحد، فنسأل الله الستر.

وقالت فرقة: هي ما بين موسى وعيسى.

وقال السعدي : يعني تبرج الجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد.

وقال أبو العالية : في زمن داود وسليمان كان فيه للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين.

وقال أبو العباس المبرد : الجاهلية الأولى كما تقول الجاهلية الجهلاء، وكان النساء في الجاهلية الجهلاء يظهرن ما يقبح إظهاره، حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخِلِّها، وهذا موجود أيضاً الآن في زماننا، فينفرد خليلها بما فوق الإزار إلى الأعلى، وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى الأسفل، المرأة معها اثنان: خليل وحلِيل، الخليل له من السرة إلى الرأس، والحليل من أسفل السرة يفعل ما شاء، قال المبرد : وربما سأل أحدهما صاحبه البدل، ما أكثر هذا الآن في الحفلات العامة التي تفعل في بلاد المسلمين! وأما بلاد الكافرين فكلهم على هذا، حفلات عامة، هذا يراقص زوجة صاحبه، وصاحبه يراقص زوجته، يفعل بها ما شاء على مرأى الناس، كما قال: حتى ربما سأل أحدهما صاحبه البدل، يعني: خذ نصيبي وأعطني نصيبك، هذا يكون الجانب الأعلى له، والجانب الأسفل للآخر فترة، وفترة يتناوبان.

وقال مجاهد : كان النساء يتمشين بين الرجال فذلك التبرج، يعني: خروج المرأة من غير مصلحة شرعية يعتبر تبرجاً.

قال ابن عطية : والذي يظهر عندي أنه أشار بالجاهلية إلى التي لحقنها، فأمرهن بالنقلة عن سيرتهن فيها، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة؛ لأنهم كانوا لا غيرة عندهم، وكان النساء دون حجاب، وجعلها أولى بالنسبة إلى ما كانوا عليه، وليس المعنى أن ثمة جاهلية أخرى، وقد أوقع اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل الإسلام فقالوا: جاهلية الشعراء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في البخاري : سمعت أبي في الجاهلية يقول: إلى غير هذا، قلت: وهذا قول حسن لكن يعترض عليه؛ لأن العرب كانوا أهل قسوة وضيق في الغالب، والتنعم وإظهار الزينة إنما جرى في الأزمان السابقة وهي المراد بالجاهلية الأولى، والمقصود من الآية مخالفة من قبلهن من النسوة على توريد وتكثير وإظهار المحاسن للرجال إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعاً، وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها فيلزمن البيوت، فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على احتشام وتستر تام.

ذكرنا هو خلق النساء المسلمات في العصر الأول، وأمر الله لكل المسلمات في كل عصر أن يَقرن في بيوتهن، وإذا خرجت إحداهن فلتستر بدنها، وستر الوجه هو عنوان حيائها.

وقد قرر أئمتنا وبينوا في السياسة الشرعية أن ولي الأمر مطالب بمطاردة النساء في الشوارع، فمن تكثر الخروج يمنعها من ذلك ويعزرها ويؤدبها، ومن تخرج بغير صفة شرعية واجب عليه أن يردعها وأن يزعها عن ذلك، وإلا لا تبرأ ذمته أمام الله جل وعلا في حق هذين الصنفين: التي تكثر الخروج من غير حاجة، والتي تخرج بغير صفة شرعية، فزجرهن واجب على ولي الأمر؛ لئلا ينتشر الفساد بين العباد، و(أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، وستهلك هذه الأمة عن طريق النساء.

كلام ابن القيم فيما يجب على ولي الأمر تجاه النساء المؤمنات

يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية في صفحة ثمان وعشرين وثلاثمائة، تحت عنوان: منع اختلاط النساء بالرجال، ومن ذلك: إنّ ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال.

قال الإمام مالك رحمه الله: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع، أي: أصحاب الصناعات والدكاكين في قعود النساء إليهم، يتقدم بالنهي إليهم ويحذرهم من ذلك، ثم قال: فالإمام مسئول عن ذلك، والفتنة بالنساء عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء)، والحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

وفي حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (لكن حافات الطريق)، والحديث في درجة الحسن، رواه أبو داود من حديث أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى النساء مرةً خرجن من المسجد واختلطن بالرجال في طريق المسجد عند عودة الجميع إلى البيوت، فنادى عليه الصلاة والسلام بأعلى صوته: (يا معشر النساء! استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق)، أي: أن تسرن في حقها وفي وسطها، إنما المرأة تمشي على الجانب الأيمن أو الجانب الأيسر، (عليكن بحافة الطريق)، والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للنساء وسط الطريق)، قال أبو أسيد رضي الله عنه: فلقد كانت المرأة تلتصق بالجدار من مشيتها بحافة الطريق وبجانبه، حتى إن ثوبها ليكاد يعلق بالجدار من لصوقها به، بعد قول النبي عليه الصلاة والسلام لهن: (لا تحققن الطريق، عليكن بحافة الطريق).

يقول ابن القيم : وواجب عليه -أي: ولي الأمر- منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة والرقاق، ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك، وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة ثيابها بسدرٍ ونحوه إذا تجملت وتزينت وخرجت بها، فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب، وهذا من أدنى عقوبتهن المالية، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، خراجة ولاجة كل يوم تريد أن تذهب إلى حديقة وإلى زيارة وإلى سوق، والمحتسب في هذا الباب ينبغي أن يكون على دراية تامة بأمر الرعية، فالمحتسبون الذين يتجولون ويضبطون ويراقبون إذا وجدوا امرأة تتجول كل يوم وتخرج، فلهم حبسها إذا أكثرت الخروج من منزلها، سواءٌ كانت متجملة أم لا، ولو كانت تلبس اللباس الشرعي، فكثرة الخروج ليس عندنا في شريعة ربنا المعبود.

يقول ابن القيم : لا سيما إذا خرجت متجملة، بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية، والله سائل ولي الأمر عن ذلك، وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهم في الطريق، فطريق الرجال لماذا تمشي فيه امرأة؟ وقد جعل عمر رضي الله عنه للنساء باباً خاصاً في خلافته، في مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام الذي أشار النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (لو جعلناه للنساء فما دخل منه بعد ذلك ابن عمر قط)، وفي عهد عمر خصص هذا الباب للنساء لا يدخل منه رجل قط.

كلام الخلال فيما يجب على ولي الأمر تجاه النساء

وقال الخلال في جامعه: فعلى ولي الأمر أن يقتدي بـعمر رضي الله عنه في ذلك، وقال أيضاً: أخبرني محمد بن يحيى الكحال أنه قيل لـأبي عبد الله -أحمد بن حنبل -: أرى الرجل السوء مع المرأة يجتمع معها يكلمها في الشارع؟ فقال: صح به، يعني: اهجره، ولا تقره على ذلك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن المرأة إذا تطيبت وخرجت من بيتها فهي زانية)، والحديث صحيح رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: ويمنع المرأة -أي: ولي الأمر- إذا أصابت بخوراً أن تشهد العشاء الآخرة في المسجد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان)، والحديث أيضاً صحيح روي عن عدة من الصحابة الكرام، ومعنى استشرفها يعني تعرض لها، وفرح بخروجها، واستقبلها من أجل أن يفتنها، وأن يفتن الناس بها، روى ذلك الإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية ابن عمر عن نبينا عليه الصلاة والسلام بسند رجاله رجال الصحيح: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان).

ورواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة في الصحيح وابن حبان والترمذي في السنن وقال: حسن صحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ورواه الطبراني أيضاً من رواية عبد الله بن مسعود ، عن النبي عليه الصلاة والسلام بإسناد حسن، ولفظه: (النساء عورة)، قال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن: المرأة كلها عورة، فلا يجوز كشف شيء من ذلك إلا لضرورة.

كلام أبي بكر بن العربي فيما يجب على ولي الأمر تجاه النساء

يقول ابن العربي : ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة، ولما اختلط البغايا بعسكر موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفاسير، فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل فساد الدين لكانوا أشد شيء منعاً لذلك.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا ظهر الزنا في قرية أذن الله بهلاكها، والأثر مروي بسند صحيح كالشمس عن نبينا عليه الصلاة والسلام، رواه أحمد في المسند، وأبو يعلى في مسنده بسند جيد كما قال الهيثمي في المجمع، والمنذري في الترغيب والترهيب من رواية عبد الله بن مسعود عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا ظهر الربا والزنا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله لهم)، والحديث رواه الحاكم في مستدركه في الجزء الثاني صفحة سبع وثلاثين بسند صحيح أقره عليه الذهبي ، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ظهر الربا والزنا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله).

إذاً: كثرة الخروج تمنع منه المرأة، وإذا خرجت لضرورة وجب أن يكون خروجها بصفة وهيئة شرعية، ليس بعد هذا متنزهات وحدائق عامة ونساء يذهبن إليها صباح مساء، ويحصل فيها ما يحصل من البلاء، هذا كله ليس من شريعتنا الغراء، إنما هو عمل السفيهات والسفهاء.

يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية في صفحة ثمان وعشرين وثلاثمائة، تحت عنوان: منع اختلاط النساء بالرجال، ومن ذلك: إنّ ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال.

قال الإمام مالك رحمه الله: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصناع، أي: أصحاب الصناعات والدكاكين في قعود النساء إليهم، يتقدم بالنهي إليهم ويحذرهم من ذلك، ثم قال: فالإمام مسئول عن ذلك، والفتنة بالنساء عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء)، والحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

وفي حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (لكن حافات الطريق)، والحديث في درجة الحسن، رواه أبو داود من حديث أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى النساء مرةً خرجن من المسجد واختلطن بالرجال في طريق المسجد عند عودة الجميع إلى البيوت، فنادى عليه الصلاة والسلام بأعلى صوته: (يا معشر النساء! استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق)، أي: أن تسرن في حقها وفي وسطها، إنما المرأة تمشي على الجانب الأيمن أو الجانب الأيسر، (عليكن بحافة الطريق)، والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس للنساء وسط الطريق)، قال أبو أسيد رضي الله عنه: فلقد كانت المرأة تلتصق بالجدار من مشيتها بحافة الطريق وبجانبه، حتى إن ثوبها ليكاد يعلق بالجدار من لصوقها به، بعد قول النبي عليه الصلاة والسلام لهن: (لا تحققن الطريق، عليكن بحافة الطريق).

يقول ابن القيم : وواجب عليه -أي: ولي الأمر- منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة والرقاق، ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك، وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة ثيابها بسدرٍ ونحوه إذا تجملت وتزينت وخرجت بها، فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب، وهذا من أدنى عقوبتهن المالية، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، خراجة ولاجة كل يوم تريد أن تذهب إلى حديقة وإلى زيارة وإلى سوق، والمحتسب في هذا الباب ينبغي أن يكون على دراية تامة بأمر الرعية، فالمحتسبون الذين يتجولون ويضبطون ويراقبون إذا وجدوا امرأة تتجول كل يوم وتخرج، فلهم حبسها إذا أكثرت الخروج من منزلها، سواءٌ كانت متجملة أم لا، ولو كانت تلبس اللباس الشرعي، فكثرة الخروج ليس عندنا في شريعة ربنا المعبود.

يقول ابن القيم : لا سيما إذا خرجت متجملة، بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية، والله سائل ولي الأمر عن ذلك، وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهم في الطريق، فطريق الرجال لماذا تمشي فيه امرأة؟ وقد جعل عمر رضي الله عنه للنساء باباً خاصاً في خلافته، في مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام الذي أشار النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (لو جعلناه للنساء فما دخل منه بعد ذلك ابن عمر قط)، وفي عهد عمر خصص هذا الباب للنساء لا يدخل منه رجل قط.

وقال الخلال في جامعه: فعلى ولي الأمر أن يقتدي بـعمر رضي الله عنه في ذلك، وقال أيضاً: أخبرني محمد بن يحيى الكحال أنه قيل لـأبي عبد الله -أحمد بن حنبل -: أرى الرجل السوء مع المرأة يجتمع معها يكلمها في الشارع؟ فقال: صح به، يعني: اهجره، ولا تقره على ذلك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن المرأة إذا تطيبت وخرجت من بيتها فهي زانية)، والحديث صحيح رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: ويمنع المرأة -أي: ولي الأمر- إذا أصابت بخوراً أن تشهد العشاء الآخرة في المسجد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان)، والحديث أيضاً صحيح روي عن عدة من الصحابة الكرام، ومعنى استشرفها يعني تعرض لها، وفرح بخروجها، واستقبلها من أجل أن يفتنها، وأن يفتن الناس بها، روى ذلك الإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية ابن عمر عن نبينا عليه الصلاة والسلام بسند رجاله رجال الصحيح: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان).

ورواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة في الصحيح وابن حبان والترمذي في السنن وقال: حسن صحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ورواه الطبراني أيضاً من رواية عبد الله بن مسعود ، عن النبي عليه الصلاة والسلام بإسناد حسن، ولفظه: (النساء عورة)، قال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن: المرأة كلها عورة، فلا يجوز كشف شيء من ذلك إلا لضرورة.

يقول ابن العربي : ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة، ولما اختلط البغايا بعسكر موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفاسير، فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل فساد الدين لكانوا أشد شيء منعاً لذلك.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا ظهر الزنا في قرية أذن الله بهلاكها، والأثر مروي بسند صحيح كالشمس عن نبينا عليه الصلاة والسلام، رواه أحمد في المسند، وأبو يعلى في مسنده بسند جيد كما قال الهيثمي في المجمع، والمنذري في الترغيب والترهيب من رواية عبد الله بن مسعود عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا ظهر الربا والزنا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله لهم)، والحديث رواه الحاكم في مستدركه في الجزء الثاني صفحة سبع وثلاثين بسند صحيح أقره عليه الذهبي ، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ظهر الربا والزنا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله).

إذاً: كثرة الخروج تمنع منه المرأة، وإذا خرجت لضرورة وجب أن يكون خروجها بصفة وهيئة شرعية، ليس بعد هذا متنزهات وحدائق عامة ونساء يذهبن إليها صباح مساء، ويحصل فيها ما يحصل من البلاء، هذا كله ليس من شريعتنا الغراء، إنما هو عمل السفيهات والسفهاء.