شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [4]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

لا زلنا نتدارس الباب الثاني من أبواب الطهارة من جامع الإمام أبي عيسى الترمذي عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين، وقد دار هذا الباب حول فضل الطهور، باب ما جاء في فضل الطهور، وقد روى الإمام الترمذي في هذا الباب حديثاً عن شيخيه: إسحاق بن موسى الأنصاري ، وقتيبة بن سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرجت كل خطيئةٍ بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب). قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.

وكنا نتدارس المبحث الرابع من المباحث المتعلقة بهذا الحديث الشريف وهو آخر المباحث، والمبحث الرابع في بيان الروايات التي أشار إليها الإمام الترمذي في آخر كلامه على هذا الحديث، وهي ست روايات أشار إليها الإمام الترمذي بقوله: وفي الباب عن عثمان وثوبان ، وعن الصنابحي ، وعن عمرو بن عبسة ، وعن سلمان ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين.

أما الروايات الثلاث الأولى فقد تقدم الكلام عليها: على رواية عثمان رضي الله عنه ومن أخرجها، وهكذا رواية ثوبان ومن أخرجها، وهكذا رواية الإمام الجليل الصحابي الفاضل الصنابحي .

وختمت الكلام فيما يتعلق بالإمام الصنابحي الصحابي الجليل بأن هناك ثلاثة من الرواة يطلق عليهم هذا اللفظ، فلا بد من التفريق بينهم: الصنابحي الصحابي اسمه عبد الله ، و الصنابحي التابعي أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة ، والصنابح بن الأعسر صحابي أيضاً، وعليه عندنا صحابيان كل منهما يقال له: الصنابحي ، ويقال للصنابحي الثاني: الصنابح بن الأعسر أيضاً، ويقال له: الصنابحي، وتابعي وهو عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله فكونوا على علمٍ بذلك، وذكرت أن الإمام البلقيني ألف رسالةً في ذلك وضح فيها هذا الأمر سماها الطريقة الواضحة في بيان الصنابحة كما تقدم معنا هذا.

ذكر رواية عمرو بن عبسة

أما الرواية الرابعة وهي رواية عمرو بن عبسة ، فقد أخرجها الإمام أحمد في مسنده، والإمام مسلم في صحيحه، ورواها ابن سعد في الطبقات أيضاً، ورواها الإمام النسائي عن أبي أمامة ، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنهم أجمعين، وحديث عمرو بن عبسة فيه الإشارة إلى فضل الطهور كما أشار إلى ذلك الإمام الترمذي ، وهو حديثٌ طويل يتعلق ببعض الأمور، أحب أن أقرأ عليكم الحديث من صحيح مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بوب عليه الإمام النووي باباً فقال: باب إسلام عمرو بن عبسة ، وحقيقةً هذا الباب لا يتناسب مع عنوان الكتاب، فلو قال: باب ما جاء في فضل الطهور، وفي فضل الصلاة أيضاً، أو في مواقيتها وفضل الطهور لكان أفضل.

أما إسلام عمرو بن عبسة فلا محل له في كتاب الطهارة، على كل حال هذا هو الموجود في صحيح مسلم ، إذا كان الكتاب يتعلق بصلاة المسافرين فبين مواقيت الصلاة أو فضل الطهور الذي يتعلق بصلاة الإنسان عندما يصلي لربه، أما إسلام عمرو بن عبسة فهذا محله إما أن يكون في باب الإيمان، وإما في الفضائل، يروي هذا في فضائله ومناقبه، رضي الله عن الصحابة أجمعين.

وقبل أن أذكر لفظ الحديث أنقل ما ورد في طبقات ابن سعد عن هذا الصحابي الجليل وهو أنه لقي رجلاً من سيناء فقال له: أنتم أهل كتاب ونحن أهل أوثان، إذا كان أحدنا في سفر فرأى أربعة أحجار، أخذ ثلاثةً منها ونصب عليها قدره، من أجل أن يطبخ طعامه، ثم اختار أحسنها وهي الرابع ليعبد ويسجد له ويتمسح به، ثم قال له: فإذا رأى غيره أحسن منه، يعني: رأى حجرة أخرى فيها ظرافة وملساء وجمال ترك هذه الحجارة التي كان يعبدها وعبد غيرها، يقول عمرو بن عبسة لهذا اليهودي : فأرشدني إلى دينٍ خيرٍ من هذا الدين الذي نحن عليه، فقال له اليهودي الذي هو من سيناء كما في طبقات ابن سعد : قد أضل زمانٌ يخرج فيه نبيٌ من مكة -قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام- يأتي بأفضل دين، فإذا سمعت به فآمن به، أما اليهودية الموجودة فلا يرتفع قدرها عن الشرك الذي عندكم، كلنا على ضلال، فإذا بعث نبيٌ في مكة -وهو نبينا عليه صلوات الله وسلامه- فيأتي بخير دين وأفضل دين فآمن به، فكان عمرو بن عبسة يقول: لم يكن لي همةٌ منذ أن سمعت كلام هذا اليهودي إلا مكة، فكان يكثر الأسفار إلى مكة، وهو من بلاد نجد من بني سليم، كان يكثر الأسفار إلى مكة حتى سمع ببعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فاسمعوا حديثه في صحيح مسلم :

يقول: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء.

وهذا حقيقةً من فضل الله على الإنسان، يعني أن يلقي الله وفي قلبه هذه السكينة وهذه الطمأنينة، وأذكر عندما كنت في بلاد الشام وما أظن أن القلم جرى علي في ذلك الزمان، وذلك الوقت يعني كنت دون الاحتلام لكن ناهزته، وكنت في السنة الأولى الثانوية الشرعية، وكنا ندعى إلى أماكن من أجل العبادة والذكر وما شاكل هذا من سماع حلق العلم، وما أكثر المساجد التي يقام فيها هذا الذكر، وأكثر ما يقام فيها بدع إلا من رحم ربك، فذهبت إلى كثير من المجالس التي فيها رقص في حلق الذكر، ويعلم الله هذا من منته وفضله وحفظه لي لا بجدي ولا بجهدي ولا علم عندي في ذلك الوقت يعني بهذه الأمور، وأنها ضلالات شنعاء قد تكون في حلق الذكر، أذهب المرة الأولى بعد أن أدعى من قبل هؤلاء الإخوة، تتأمل حالهم في بيوت الله، يرقصون نعوذ بالله!! يحولون المساجد إلى مراقص، وكأنها دواب وحمير تدق في بيوت الله، فتعاظمت نفسي هذا وهذا من فضل الله علي.

وهذا العبد الرشيد الصالح يقول: كنت أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجلٍ بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي، وهذا السماع قلنا: سبقه إخبار من يهودي، قال له: انتبه! سيخرج نبيٌ في مكة على نبينا صلوات الله وسلامه، قال: فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخف جرآء عليه قومه -جمع جريء- وهذا كان في المرحلة السرية، وبقي النبي عليه الصلاة والسلام على هذا قرابة ثلاث سنين مستخفياً يدعو بدعوته سراً، جرآء عليه قومه.

قال: فتلصصت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ وإنما لم يقل: من؟ لأنه يسأل عن الصفة، ما أنت؟ يعني: ما صفتك؟ وما مهمتك؟ وما وظيفتك؟ وما خبرك؟ ولم يقل: من أنت؟ وهو رجلٌ من بني هاشم معروف، (قال: أنا نبي، قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فقلت: وبأي شيءٍ أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء، قلت له: فمن معك على هذا؟ من تبعك؟ قال: حر وعبد)، ما معه إلا هذان: أبو بكر وبلال رضي الله عنهم أجمعين، قال: ومعه يومئذٍ أبو بكرٍ وبلالٍ ممن آمن به، ورابعهم عمرو بن عبسة ؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الأول، والثاني أبو بكر ، وبلال الثالث ، وعمرو بن عبسة هو الرابع ، وأسلم في هذه الساعة، (فقلت له: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس)، أي: لا يمكن أن تكون معي في هذا الوقت، (تؤمن بي لكن تنصرف إلى ديار قومك)، وسيأتينا أنه آمن كما في روايات المسند، ومستدرك الحاكم وغيره بسندٍ صحيح، والأثر رواه أيضاً ابن سعد في الطبقات، وكما قلت: إسناده صحيح، صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي ، انظروه في الجزء الثالث صفحة ستمائة وسبع عشرة، وصححه الحافظ في الإصابة، قال: لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام، فأسلمت يعني عندما ذكر له النبي عليه الصلاة والسلام أنه بعث (لصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء، فأسلمت، ثم قلت: أتبعك؟ قال: لا، ولكن الحق بأرض قومك، فإذا ظهرت فأتني)، يعني: إذا ظهر أمري ونصرني الله ومكنني في الأرض فأت، (فقلت: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني).

أسلم عمرو كما في المسند والمستدرك وطبقات ابن سعد ، ثم عاد إلى قومه، قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حقيقةً صبره قوي رضي الله عنه وأرضاه، ما هاجر إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا في العام السابع للهجرة، يعني بعد بعثته بإحدى وعشرين سنة فترة طويلة، ولو هاجر في الفترة الأولى لكان خيراً له، ولعل عنده مانع من الموانع والعلم عند الله جل وعلا، يقول: حتى قدم علي نفرٌ من أهل يثرب من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا الناس إليه سراعٌ، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: (يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الذي لقيتني بمكة، أنت ربع الإسلام كيف لا أعرفك؟!)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( خير الأصحاب أربعة: أنا وأبو بكر وبلال رضي الله عنهم أجمعين )، وإنما لم يذكر عمرو بن عبسة من السابقين إلى الإسلام؛ لأنه لم يظهر إسلامه ولم يكن مع النبي عليه الصلاة والسلام كمن كان معه، فـأبو بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار الكبار الشيوخ، وعلي أول من أسلم من الصبيان والفتيان وسيأتينا فهو راوي الحديث في الباب الثالث معنا، أسلم مع النبي عليه الصلاة والسلام وكان عمر علي إذ ذاك عشر سنين، وبلال أول من أسلم من العبيد والأرقاء، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي، وأمنا خديجة رضي الله عنها أول من أسلم من النساء، فإن قيل: عمرو بن عبسة لم يذكر، فقيل: لأنه لم يبق مع النبي عليه الصلاة والسلام، إنما أعلن إسلامه وذهب، أما أولئك فلهم هذه الخصيصة والمنزلة كونهم يحيطون بالنبي عليه الصلاة والسلام في جميع أحواله وأوقاته عليه صلوات الله وسلامه.

(قال: أنت الذي لقيتني بمكة؟ قال: فقلت: بلى يا نبي الله! أخبرني عما علمك الله وأجهله؟ أخبرني عن الصلاة؟ قال: صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس: حتى ترتفع، فإنها تطلع بين قرني شيطان)، الأمور المغيبات نذكرها ولا نخوض في تأويلها، الشيطان يحاذي الشمس عندما تطلع من جهتيها، ويسجد الكفار لها وللشيطان وهذا علمه عند الرحمن، (وحينئذٍ يسجد الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة تشهدها الملائكة وعباد الله المقربون، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنه حينئذٍ تسجر جهنم)، وستأتينا مواقيت الصلاة إن شاء الله، (فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطانٍ وحينئذٍ يسجد لها الكفار، قال: فقلت: يا نبي الله! صلى الله عليه وسلم فالوضوء حدثني عنه)، وهذا هو محل الشاهد. عندما قال الترمذي : وفي الباب عن عمرو بن عبسة .

(فالوضوء حدثني عنه، قال: ما منكم رجلٌ يقرب وَضوءه -بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به- فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه -فمه- وخياشيمه)، فإذا غسل وجهه كما أمر الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، (ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه).

فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة ! انظر ما تقول، في مقامٍ واحدٍ يعطى هذا الأجر؟! يعني أن يصلي المسلم في مقامٍ واحد وضوء وصلاة يعطى كل هذا الأجر ويثبت له، وعندما ينصرف ينصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه، أمرٌ غريب، فقال عمرو : يا أبا أمامة ! لقد كبر سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله عليه الصلاة والسلام، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرةً أو مرتين أو ثلاثاً حتى عد سبع مرات ما حدثت به أبداً، ولكني سمعته أكثر من ذلك، يعني ومتيقن من هذا.

فهذا الحديث هو الذي أشار إليه الإمام الترمذي ، وهو -كما قلت- في المسند وصحيح مسلم ، ورواه ابن سعد في الطبقات أيضاً في صفحة مائتين وخمس عشرة، ورواه الإمام النسائي أيضاً عليهم جميعاً رحمة الله.

ذكر رواية سلمان الفارسي

أما حديث سلمان الذي قال فيه الإمام الترمذي : وفي الباب عن سلمان أيضاً، فقد أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، كما في جمع الجوامع في الجزء الأول صفحة خمسين، ويقال له: الجامع الكبير للإمام السيوطي وفيه مائة ألف حديث، وهو مطبوعٌ في مجلدين بخط اليد، كل مجلد يزيد على ألف صفحة، وكل صفحةٍ لو طبعت في هذه الأيام لأخذت عشر صفحات على أقل تقدير.

نسب حديث سلمان كما قلت إلى كتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي ، ولفظه: (إذا توضأ العبد تحاتت عنه ذنوبه كما تتحات ورق هذه الشجرة).

ورواه أيضاً الطبراني في معجمه الكبير والصغير، وفيه أشعث بن أبي أشعث السعداني ، قال الإمام المنذري : لم أقف على ترجمته، وهذا الحديث في فضل الصلاة وتقدم معنا، لكن الحديث الذي هو محل الشاهد رواه الإمام أحمد والنسائي في السنن الكبرى، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط، قال المنذري : ورواة أحمد محتج بهم في الصحيح، إلا علي بن زيد -وهو علي بن زيد بن جدعان- مختلفٌ في الاحتجاج به كما قال الذهبي في كتابه الكاشف، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والإمام مسلم في صحيحه لكن مقروناً بغيره في المتابعات، وأهل السنن الأربعة، ويقول الإمام الذهبي في الميزان : اختلفوا فيه، هذا في إسناد الإمام أحمد ، ومن عداه محتجٌ بهم في الصحيح.

ولفظ الحديث: عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرةٍ، فأخذ غصناً منها يابساً فهزه حتى تحات ورقه، يعني: سقط، ثم قال: يا أبا عثمان ! ألا تسألني: لم أفعل هذا؟ قلت: ولم تفعله؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرةٍ، وأخذ منا غصناً يابساً فهزه حتى تحات ورقه، ثم قال: (يا سلمان ! ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: ولمَ تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس)، فهنا وضوءٌ مع صلاة، وأما حديث البيهقي في شعب الإيمان فهو خاص بفضيلة الوضوء فانتبهوا له، (ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق، وقال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ).

ومحل الشاهد في كتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي .

إذاً: الحديث رواه الإمام أحمد والنسائي والطبراني عن سلمان ، لكن فيه مع الوضوء صلاة، والعلم عند الله جل وعلا، وهذا يذكرنا بحديث عثمان ، وتقدم معنا أنه نسب إلى الصحيحين وليس خاصاً بفضيلة الوضوء، وإنما وضوء مع الصلاة، ففضيلة الوضوء فقط ثابتة في صحيح مسلم ، ولذلك قلت: كلام الشيخ المباركفوري أن حديث عثمان في الصحيحين فيه عليه مؤاخذةٌ لطيفة، ففضل الوضوء فقط ما ورد إلا في صحيح مسلم كما تقدمت معنا روايات الحديث.

ذكر رواية عبد الله بن عمرو بن العاص

أما الحديث السادس وهي الرواية الأخيرة والوقوف عليها ما يعدله شيءٌ من عرض الدنيا، وهذه الرواية تقدمت معنا عند حديث ثوبان ، مع أنني بحثت عنها ما يزيد على أسبوع -كما قلت- وما وقفت عليها، وخلال استعراضي للروايات أمامكم تذكرتها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي يقول: لم أقف على رواية عبد الله بن عمرو ، وأنا بحثت أسبوعاً فما وقفت عليها، والرواية تقدمت معنا في حديث ثوبان وهي في سنن ابن ماجه ، ورقم الحديث: مائتان وتسعٌ وسبعون في كتاب الطهارة، باب: المحافظة على الوضوء، وهي كلفظ حديث ثوبان تماماً، (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، وهذه فضيلة للوضوء عظيمة، أي: فضل الطهور، فمن يحافظ عليه فهذا من علامة إيمانه، وتقدم معنا أن حديث ثوبان روي عن عدة أيضاً من الصحابة الكرام، منهم: عبد الله بن عمرو ، والحديث صحيح، لكن رواية عبد الله بن عمرو فيها ليث بن أبي سليم ، وهو صدوق لكنه طرأ عليه الاختلاط في آخر عمره فتغير فترك حديثه، أخرج حديثه الإمام البخاري في صحيحه لكن معلقاً، والإمام مسلم لكن مقروناً بالشواهد والمتابعات، وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة، وغالب ظني أنه تقدمت الإشارة إلى هذا العبد الصالح في أول محاضرة الحديث.

إذاً: هذه رواية عبد الله بن عمرو ، وبذلك نكون قد انتهينا من قول الإمام الترمذي : وفي الباب، وليتنا نعثر كما تقدم على كتاب الحافظ ابن حجر اللباب في بيان قول الترمذي: وفي الباب، في تخريج هذه الروايات.

بعض الإخوة الكرام أرسل إلي ورقةً في الموعظة الماضية يقول: خرج شرح لسنن النسائي طبع منه مجلدات من بعض الإخوة في بلاد مصر يخرج هذه الروايات التي يشير إليها الإمام الترمذي بقوله: وفي الباب، فأنا أطلب منه شاكراً سعيه أن يحضر لي الكتاب لأتأمله وأنظر فيه، أما أنا فما عندي علم عنه.

أما الرواية الرابعة وهي رواية عمرو بن عبسة ، فقد أخرجها الإمام أحمد في مسنده، والإمام مسلم في صحيحه، ورواها ابن سعد في الطبقات أيضاً، ورواها الإمام النسائي عن أبي أمامة ، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنهم أجمعين، وحديث عمرو بن عبسة فيه الإشارة إلى فضل الطهور كما أشار إلى ذلك الإمام الترمذي ، وهو حديثٌ طويل يتعلق ببعض الأمور، أحب أن أقرأ عليكم الحديث من صحيح مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بوب عليه الإمام النووي باباً فقال: باب إسلام عمرو بن عبسة ، وحقيقةً هذا الباب لا يتناسب مع عنوان الكتاب، فلو قال: باب ما جاء في فضل الطهور، وفي فضل الصلاة أيضاً، أو في مواقيتها وفضل الطهور لكان أفضل.

أما إسلام عمرو بن عبسة فلا محل له في كتاب الطهارة، على كل حال هذا هو الموجود في صحيح مسلم ، إذا كان الكتاب يتعلق بصلاة المسافرين فبين مواقيت الصلاة أو فضل الطهور الذي يتعلق بصلاة الإنسان عندما يصلي لربه، أما إسلام عمرو بن عبسة فهذا محله إما أن يكون في باب الإيمان، وإما في الفضائل، يروي هذا في فضائله ومناقبه، رضي الله عن الصحابة أجمعين.

وقبل أن أذكر لفظ الحديث أنقل ما ورد في طبقات ابن سعد عن هذا الصحابي الجليل وهو أنه لقي رجلاً من سيناء فقال له: أنتم أهل كتاب ونحن أهل أوثان، إذا كان أحدنا في سفر فرأى أربعة أحجار، أخذ ثلاثةً منها ونصب عليها قدره، من أجل أن يطبخ طعامه، ثم اختار أحسنها وهي الرابع ليعبد ويسجد له ويتمسح به، ثم قال له: فإذا رأى غيره أحسن منه، يعني: رأى حجرة أخرى فيها ظرافة وملساء وجمال ترك هذه الحجارة التي كان يعبدها وعبد غيرها، يقول عمرو بن عبسة لهذا اليهودي : فأرشدني إلى دينٍ خيرٍ من هذا الدين الذي نحن عليه، فقال له اليهودي الذي هو من سيناء كما في طبقات ابن سعد : قد أضل زمانٌ يخرج فيه نبيٌ من مكة -قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام- يأتي بأفضل دين، فإذا سمعت به فآمن به، أما اليهودية الموجودة فلا يرتفع قدرها عن الشرك الذي عندكم، كلنا على ضلال، فإذا بعث نبيٌ في مكة -وهو نبينا عليه صلوات الله وسلامه- فيأتي بخير دين وأفضل دين فآمن به، فكان عمرو بن عبسة يقول: لم يكن لي همةٌ منذ أن سمعت كلام هذا اليهودي إلا مكة، فكان يكثر الأسفار إلى مكة، وهو من بلاد نجد من بني سليم، كان يكثر الأسفار إلى مكة حتى سمع ببعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فاسمعوا حديثه في صحيح مسلم :

يقول: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء.

وهذا حقيقةً من فضل الله على الإنسان، يعني أن يلقي الله وفي قلبه هذه السكينة وهذه الطمأنينة، وأذكر عندما كنت في بلاد الشام وما أظن أن القلم جرى علي في ذلك الزمان، وذلك الوقت يعني كنت دون الاحتلام لكن ناهزته، وكنت في السنة الأولى الثانوية الشرعية، وكنا ندعى إلى أماكن من أجل العبادة والذكر وما شاكل هذا من سماع حلق العلم، وما أكثر المساجد التي يقام فيها هذا الذكر، وأكثر ما يقام فيها بدع إلا من رحم ربك، فذهبت إلى كثير من المجالس التي فيها رقص في حلق الذكر، ويعلم الله هذا من منته وفضله وحفظه لي لا بجدي ولا بجهدي ولا علم عندي في ذلك الوقت يعني بهذه الأمور، وأنها ضلالات شنعاء قد تكون في حلق الذكر، أذهب المرة الأولى بعد أن أدعى من قبل هؤلاء الإخوة، تتأمل حالهم في بيوت الله، يرقصون نعوذ بالله!! يحولون المساجد إلى مراقص، وكأنها دواب وحمير تدق في بيوت الله، فتعاظمت نفسي هذا وهذا من فضل الله علي.

وهذا العبد الرشيد الصالح يقول: كنت أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجلٍ بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي، وهذا السماع قلنا: سبقه إخبار من يهودي، قال له: انتبه! سيخرج نبيٌ في مكة على نبينا صلوات الله وسلامه، قال: فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخف جرآء عليه قومه -جمع جريء- وهذا كان في المرحلة السرية، وبقي النبي عليه الصلاة والسلام على هذا قرابة ثلاث سنين مستخفياً يدعو بدعوته سراً، جرآء عليه قومه.

قال: فتلصصت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ وإنما لم يقل: من؟ لأنه يسأل عن الصفة، ما أنت؟ يعني: ما صفتك؟ وما مهمتك؟ وما وظيفتك؟ وما خبرك؟ ولم يقل: من أنت؟ وهو رجلٌ من بني هاشم معروف، (قال: أنا نبي، قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فقلت: وبأي شيءٍ أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء، قلت له: فمن معك على هذا؟ من تبعك؟ قال: حر وعبد)، ما معه إلا هذان: أبو بكر وبلال رضي الله عنهم أجمعين، قال: ومعه يومئذٍ أبو بكرٍ وبلالٍ ممن آمن به، ورابعهم عمرو بن عبسة ؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الأول، والثاني أبو بكر ، وبلال الثالث ، وعمرو بن عبسة هو الرابع ، وأسلم في هذه الساعة، (فقلت له: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس)، أي: لا يمكن أن تكون معي في هذا الوقت، (تؤمن بي لكن تنصرف إلى ديار قومك)، وسيأتينا أنه آمن كما في روايات المسند، ومستدرك الحاكم وغيره بسندٍ صحيح، والأثر رواه أيضاً ابن سعد في الطبقات، وكما قلت: إسناده صحيح، صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي ، انظروه في الجزء الثالث صفحة ستمائة وسبع عشرة، وصححه الحافظ في الإصابة، قال: لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام، فأسلمت يعني عندما ذكر له النبي عليه الصلاة والسلام أنه بعث (لصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء، فأسلمت، ثم قلت: أتبعك؟ قال: لا، ولكن الحق بأرض قومك، فإذا ظهرت فأتني)، يعني: إذا ظهر أمري ونصرني الله ومكنني في الأرض فأت، (فقلت: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني).

أسلم عمرو كما في المسند والمستدرك وطبقات ابن سعد ، ثم عاد إلى قومه، قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حقيقةً صبره قوي رضي الله عنه وأرضاه، ما هاجر إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا في العام السابع للهجرة، يعني بعد بعثته بإحدى وعشرين سنة فترة طويلة، ولو هاجر في الفترة الأولى لكان خيراً له، ولعل عنده مانع من الموانع والعلم عند الله جل وعلا، يقول: حتى قدم علي نفرٌ من أهل يثرب من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا الناس إليه سراعٌ، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: (يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الذي لقيتني بمكة، أنت ربع الإسلام كيف لا أعرفك؟!)، وقال صلى الله عليه وسلم: ( خير الأصحاب أربعة: أنا وأبو بكر وبلال رضي الله عنهم أجمعين )، وإنما لم يذكر عمرو بن عبسة من السابقين إلى الإسلام؛ لأنه لم يظهر إسلامه ولم يكن مع النبي عليه الصلاة والسلام كمن كان معه، فـأبو بكر أول من أسلم من الرجال الأحرار الكبار الشيوخ، وعلي أول من أسلم من الصبيان والفتيان وسيأتينا فهو راوي الحديث في الباب الثالث معنا، أسلم مع النبي عليه الصلاة والسلام وكان عمر علي إذ ذاك عشر سنين، وبلال أول من أسلم من العبيد والأرقاء، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي، وأمنا خديجة رضي الله عنها أول من أسلم من النساء، فإن قيل: عمرو بن عبسة لم يذكر، فقيل: لأنه لم يبق مع النبي عليه الصلاة والسلام، إنما أعلن إسلامه وذهب، أما أولئك فلهم هذه الخصيصة والمنزلة كونهم يحيطون بالنبي عليه الصلاة والسلام في جميع أحواله وأوقاته عليه صلوات الله وسلامه.

(قال: أنت الذي لقيتني بمكة؟ قال: فقلت: بلى يا نبي الله! أخبرني عما علمك الله وأجهله؟ أخبرني عن الصلاة؟ قال: صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس: حتى ترتفع، فإنها تطلع بين قرني شيطان)، الأمور المغيبات نذكرها ولا نخوض في تأويلها، الشيطان يحاذي الشمس عندما تطلع من جهتيها، ويسجد الكفار لها وللشيطان وهذا علمه عند الرحمن، (وحينئذٍ يسجد الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة تشهدها الملائكة وعباد الله المقربون، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنه حينئذٍ تسجر جهنم)، وستأتينا مواقيت الصلاة إن شاء الله، (فإذا أقبل الفيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطانٍ وحينئذٍ يسجد لها الكفار، قال: فقلت: يا نبي الله! صلى الله عليه وسلم فالوضوء حدثني عنه)، وهذا هو محل الشاهد. عندما قال الترمذي : وفي الباب عن عمرو بن عبسة .

(فالوضوء حدثني عنه، قال: ما منكم رجلٌ يقرب وَضوءه -بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به- فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه -فمه- وخياشيمه)، فإذا غسل وجهه كما أمر الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، (ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه).

فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة ! انظر ما تقول، في مقامٍ واحدٍ يعطى هذا الأجر؟! يعني أن يصلي المسلم في مقامٍ واحد وضوء وصلاة يعطى كل هذا الأجر ويثبت له، وعندما ينصرف ينصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه، أمرٌ غريب، فقال عمرو : يا أبا أمامة ! لقد كبر سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله عليه الصلاة والسلام، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرةً أو مرتين أو ثلاثاً حتى عد سبع مرات ما حدثت به أبداً، ولكني سمعته أكثر من ذلك، يعني ومتيقن من هذا.

فهذا الحديث هو الذي أشار إليه الإمام الترمذي ، وهو -كما قلت- في المسند وصحيح مسلم ، ورواه ابن سعد في الطبقات أيضاً في صفحة مائتين وخمس عشرة، ورواه الإمام النسائي أيضاً عليهم جميعاً رحمة الله.

أما حديث سلمان الذي قال فيه الإمام الترمذي : وفي الباب عن سلمان أيضاً، فقد أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، كما في جمع الجوامع في الجزء الأول صفحة خمسين، ويقال له: الجامع الكبير للإمام السيوطي وفيه مائة ألف حديث، وهو مطبوعٌ في مجلدين بخط اليد، كل مجلد يزيد على ألف صفحة، وكل صفحةٍ لو طبعت في هذه الأيام لأخذت عشر صفحات على أقل تقدير.

نسب حديث سلمان كما قلت إلى كتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي ، ولفظه: (إذا توضأ العبد تحاتت عنه ذنوبه كما تتحات ورق هذه الشجرة).

ورواه أيضاً الطبراني في معجمه الكبير والصغير، وفيه أشعث بن أبي أشعث السعداني ، قال الإمام المنذري : لم أقف على ترجمته، وهذا الحديث في فضل الصلاة وتقدم معنا، لكن الحديث الذي هو محل الشاهد رواه الإمام أحمد والنسائي في السنن الكبرى، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط، قال المنذري : ورواة أحمد محتج بهم في الصحيح، إلا علي بن زيد -وهو علي بن زيد بن جدعان- مختلفٌ في الاحتجاج به كما قال الذهبي في كتابه الكاشف، وقد أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والإمام مسلم في صحيحه لكن مقروناً بغيره في المتابعات، وأهل السنن الأربعة، ويقول الإمام الذهبي في الميزان : اختلفوا فيه، هذا في إسناد الإمام أحمد ، ومن عداه محتجٌ بهم في الصحيح.

ولفظ الحديث: عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرةٍ، فأخذ غصناً منها يابساً فهزه حتى تحات ورقه، يعني: سقط، ثم قال: يا أبا عثمان ! ألا تسألني: لم أفعل هذا؟ قلت: ولم تفعله؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرةٍ، وأخذ منا غصناً يابساً فهزه حتى تحات ورقه، ثم قال: (يا سلمان ! ألا تسألني لم أفعل هذا؟ قلت: ولمَ تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس)، فهنا وضوءٌ مع صلاة، وأما حديث البيهقي في شعب الإيمان فهو خاص بفضيلة الوضوء فانتبهوا له، (ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق، وقال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ).

ومحل الشاهد في كتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي .

إذاً: الحديث رواه الإمام أحمد والنسائي والطبراني عن سلمان ، لكن فيه مع الوضوء صلاة، والعلم عند الله جل وعلا، وهذا يذكرنا بحديث عثمان ، وتقدم معنا أنه نسب إلى الصحيحين وليس خاصاً بفضيلة الوضوء، وإنما وضوء مع الصلاة، ففضيلة الوضوء فقط ثابتة في صحيح مسلم ، ولذلك قلت: كلام الشيخ المباركفوري أن حديث عثمان في الصحيحين فيه عليه مؤاخذةٌ لطيفة، ففضل الوضوء فقط ما ورد إلا في صحيح مسلم كما تقدمت معنا روايات الحديث.

أما الحديث السادس وهي الرواية الأخيرة والوقوف عليها ما يعدله شيءٌ من عرض الدنيا، وهذه الرواية تقدمت معنا عند حديث ثوبان ، مع أنني بحثت عنها ما يزيد على أسبوع -كما قلت- وما وقفت عليها، وخلال استعراضي للروايات أمامكم تذكرتها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي يقول: لم أقف على رواية عبد الله بن عمرو ، وأنا بحثت أسبوعاً فما وقفت عليها، والرواية تقدمت معنا في حديث ثوبان وهي في سنن ابن ماجه ، ورقم الحديث: مائتان وتسعٌ وسبعون في كتاب الطهارة، باب: المحافظة على الوضوء، وهي كلفظ حديث ثوبان تماماً، (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، وهذه فضيلة للوضوء عظيمة، أي: فضل الطهور، فمن يحافظ عليه فهذا من علامة إيمانه، وتقدم معنا أن حديث ثوبان روي عن عدة أيضاً من الصحابة الكرام، منهم: عبد الله بن عمرو ، والحديث صحيح، لكن رواية عبد الله بن عمرو فيها ليث بن أبي سليم ، وهو صدوق لكنه طرأ عليه الاختلاط في آخر عمره فتغير فترك حديثه، أخرج حديثه الإمام البخاري في صحيحه لكن معلقاً، والإمام مسلم لكن مقروناً بالشواهد والمتابعات، وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة، وغالب ظني أنه تقدمت الإشارة إلى هذا العبد الصالح في أول محاضرة الحديث.

إذاً: هذه رواية عبد الله بن عمرو ، وبذلك نكون قد انتهينا من قول الإمام الترمذي : وفي الباب، وليتنا نعثر كما تقدم على كتاب الحافظ ابن حجر اللباب في بيان قول الترمذي: وفي الباب، في تخريج هذه الروايات.

بعض الإخوة الكرام أرسل إلي ورقةً في الموعظة الماضية يقول: خرج شرح لسنن النسائي طبع منه مجلدات من بعض الإخوة في بلاد مصر يخرج هذه الروايات التي يشير إليها الإمام الترمذي بقوله: وفي الباب، فأنا أطلب منه شاكراً سعيه أن يحضر لي الكتاب لأتأمله وأنظر فيه، أما أنا فما عندي علم عنه.

إخوتي الكرام! هناك رواياتٌ أخرى فيها الدلالة على فضل الطهور ما أشار إليها الإمام الترمذي ؛ لأنه ليس من شرطه أن يستقصي، إنما يشير إلى بعض الروايات.

فورد أيضاً في فضل الطهور أحاديث عن أنس ، وعن عباد ، ويقال: عبّاد، وفي التقريب ضبطه الحافظ بكسر العين عِباد وهو صحابي، ويقال: عبّاد، وهو أبو ثعلبة العبدي ، أما في الإصابة فذكر الوجهين: عَبّاد وعِباد، وأما في التقريب فذهب إلى كسر العين فقط، روى عنه ولده ثعلبة بن عِباد بن عَبّاد ، وحديثه في فضل الطهور أخرجه الطبراني وابن السكن وابن شاهين ، والحديث روي أيضاً عن عقبة بن عامر ، وعن عبد الله بن مسعود ، وعن أبي الدرداء ، وعن أبي مالك الأشعري وعن غيرهم من الصحابة الكرام، انظروا مجمع الزوائد الجزء الأول صفحة واحد وعشرين ومائتين، وكتاب الترغيب للإمام المنذري الجزء الأول صفحة مائة وواحد وخمسين، والروايات كثيرةٌ في هذا، منها: رواية أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه، ورواية أبي أمامة ما أشار إليها الإمام الترمذي ، أوليس كذلك؟ هذا ضمن الروايات التي ذكرتها: أنس ، وعِبَاد أو عَبّاد ، وعقبة بن عامر ، وابن مسعود ، وأبو الدرداء ، وأبو مالك الأشعري ، وأبو أمامة الباهلي رضي الله عنهم أجمعين.

أقرأ لكم روايات حديث أبي أمامة في كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري: وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجلٍ قام إلى وضوئه يريد الصلاة ثم غسل كفيه -هو الذي فعل- ثم غسل كفيه نزلت كل خطيئةٍ من كفيه مع أول قطرةٍ، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرةٍ، فإذا غسل وجهه نزلت كل خطيئةٍ من سمعه وبصره مع أول قطرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب كهيئته يوم ولدته أمه، قال: فإذا قام إلى الصلاة رفع الله درجته، وإن قعد قعد سالماً)، يعني: إذا لم يصل فقد سلم من الذنوب وطهر من العيوب، وإذا قام ليصلي يرفع الله درجته سبحانه وتعالى، رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بهران عن شهر بن حوشب ، وقد حسنها الترمذي في غير هذا المتن، يعني ما روى هذا الحديث الإمام الترمذي وهو في المسند، لكن هذا الإسناد حسنه الإمام الترمذي في السنن، وهو إسنادٌ حسن في المتابعات لا بأس به.

وفي رواياتٍ له أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ فأسبغ الوضوء غسل يديه ووجهه، ومسح على رأسه وأذنيه وغسل رجليه ثم قام إلى صلاةٍ مفروضة غفر له في ذلك اليوم ما مشت إليه رجله، وقبضت عليه يداه، وسمعت إليه أذناه، ونظرت إليه عيناه، وحدث به نفسه من سوء، قال: والله لقد سمعته من نبي الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصيه)، هذا أبو أمامة الذي كان يعترض على ابن عبسة ، يقول: انظر ما تقول، في المجلس الواحد يعطى الرجل كل هذا؟ أنت الآن تروي ما فيه تلك الدلالة وزيادة رضي الله عنهم أجمعين.

ورواه أيضاً بنحوه من طريقٍ صحيح وزاد فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الوضوء يكفر ما قبله ثم تصير الصلاة نافلةً).

وفي رواية أخرى لـأبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ الرجل المسلم خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه، فإن قعد قعد مغفوراً له)، وإسناد هذه حسن.

وفي أخرى له أيضاً: (إذا توضأ المسلم فغسل يديه كفر عنه ما عملت يداه)، إما أن نقول: كفر الله عنه، وإما أن يبنى الفعل للمجهول وهنا ضبطها بالمبني للمعلوم، لكن هذه الطبعة من شر الطبعات وأسوئها، وكلها مملوءةٌ بالتصحيف والتحريف، (إذا توضأ المسلم فغسل يديه -كما قلت- كُفِّر عنه أو كَفَّر الله عنه ما عملت يداه، فإذا غسل وجهه كفر الله عنه ما نظرت إليه عيناه، وإذا مسح برأسه كفر الله عنه ما سمعت أذناه، فإذا غسل رجليه كفر الله عنه ما مشت إليه قدماه، ثم يقوم إلى الصلاة فهي فضيلة ويصح أن يكون المعنى كفر عنه الوضوء، إذا توضأ المسلم فغسل يديه كفر الوضوء عنه ما عملت يداه، أو كُفر عنه أو كَفّر الله عنه، يعني توجيه صحيح، لكن إذا بني للمجهول وأعيد الفاعل إلى الوضوء فالكلام صحيح، كَفَّر الوضوء، أو كَفّر الله عنه، أو كُفِّر عنه، من ناحية التوجيه سليم )، وإسناد هذه حسنٌ أيضاً.

وفي روايةٍ للطبراني في الكبير: قال أبو أمامة : لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سبع مرات ما حدثت به، كرواية عمرو بن عبسة : لو لم أسمعه إلا سبع مرات ما حدثت به، قال: (إذا توضأ الرجل كما أمر ذهب الإثم من سمعه وبصره ويديه ورجليه)، وإسناده حسنٌ أيضاً.

فهذه الروايات كلها تدل على فضل الطهور.

ندخل إخوتي الكرام في الباب الثالث إن شاء الله من جامع الإمام الترمذي من كتاب الطهارة.

باب ما جاء في أن (مفتاح الصلاة الطهور).

تقدم معنا الباب الأول: (لا تقبل صلاةٌ بغير طهور)، والباب الثاني: ما جاء في فضل الطهور، والآن سيعيد الترمذي الباب الأول بصيغةٍ أخرى؛ فهناك لا تقبل بغير طهور، وهنا الطهور هو مفتاحها للدخول إليها.

قال الإمام أبو عيسى الترمذي عليه وعلى أئمتنا والمسلمين أجمعين رحمة رب العالمين: حدثنا قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان ، إذاً ثلاثة من شيوخه يروي الحديث عنهم في هذه الرواية الأولى، حدثنا قتيبة وهناد ومحمود بن غيلان ، قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان ، (ح)، وحدثنا محمد بن بشار الشيخ الرابع للإمام الترمذي بعد أن حول الإسناد من سفيان إلى محمد بن بشار ليلتقي بعد ذلك الإسناد الثاني بـسفيان مرةً أخرى.

قال الترمذي : وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال: حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيلٍ ، عن محمد بن الحنفية ، عن عليٍ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم).

قال أبو عيسى : هذا الحديث أصح شيءٍ في هذا الباب وأحسنه، وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوقٌ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، قال أبو عيسى : وسمعت محمد بن إسماعيل -يعني الإمام البخاري - يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال محمد -يعني الإمام البخاري- عليهم جميعاً رحمة الله: هو مقارب الحديث، بكسر الراء وفتحها، وسيأتينا شرح هذا الاصطلاح وبيان قيمة الراوي إذا وصف بذلك إن شاء الله.

قال أبو عيسى : وفي الباب عن جابر وأبي سعيد .

عندنا في هذا الباب حديثٌ آخر في بعض الطبعات لم يذكر في طبعة الهند التي شرحها الإمام المباركفوري في تحفة الأحوذي.

والحديث الثالث كما سيأتينا، وأشار إليه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير؛ لأن هذه الرواية في سنن الترمذي ، وعليه فمما يؤكد ثبوت هذا الحديث هو أنه يوجد في بعض النسخ المخطوطة ولا يوجد في بعضها، فبعض النسخ حذف منها الحديث الثاني من الباب الثالث، وهو الحديث الرابع على الترتيب.

قال أبو عيسى : وحدثنا أبو بكر محمد بن زنجويه ضبط عندكم زنجويه هذا خطأ وتصحيف وغلط في ضبط الحديث، وسيأتينا توجيه هذا إن شاء الله عندما نتكلم على ترجمة هذا العبد الصالح، هناك ذكر ثلاثةً، ثم أتبعهم في الإسناد الثاني بـمحمد بن بشار ، هنا ذكر واحداً وقال: وغير واحدٍ، تصح قال وقالوا؛ قال بناءً على أنه شيخه الذي ذكره محمد بن زنجويه ، وقالوا الذين معه جميعاً، قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا سليمان بن قرم ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء)، هناك: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وهنا: (مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء).

وسنتدارس هذين الحديثين كما تقدم معنا على الترتيب.

أول شيءٍ نبحثه في بيان ترجمةٍ موجزةٍ للرواة، قلنا: وهو المبحث الأول من المباحث الأربعة التي نتدارس فيها أبواب الإمام الترمذي عليه رحمة الله.

قوله: حدثنا قتيبة تقدمت معنا ترجمة قتيبة وتقدمت معنا ترجمة هناد .

وكنت أشرت إلى طريقةٍ تفيدكم في المستقبل، لا أعلم هل أحد منكم فعلها أو لا، أو لا تذكرونها على الإطلاق؟

والطريقة هي: قلت: لو أفرد الرواة على حسب حروف المعجم، فمن بدأ اسمه بالهمزة تفرده، ومن يبدأ بالباء أو بالقاف وهكذا، وكلما جاء ذكر راوٍ في السنن تشير إلى رقم الحديث، فتقول: جاء في الحديث الأول وفي الحديث الثاني وفي الحديث الثالث وفي الرابع، وتحصي في نهاية الأمر كم حديثاً روى عنه؟ وأين ورد ذكره وغيره؟ وهذا فعله على مهل لا يأخذ كلفة؛ لأنه في الأسبوع نأخذ حديثاً أو في الأسبوعين حديثين، فضبط هذين من أسهل ما يكون وليس فيه كلفة، وفيه إراحة للإنسان أحياناً إذا لزمه أن يخرج روايات قتيبة أو روايات هناد ، أو روايات غيرهم بعد ذلك من الرواة.

ترجمة محمود بن غيلان

قتيبة وهناد تقدما معنا، ومحمود بن غيلان شيخ الإمام الترمذي هذا أول ذكر له في هذا الحديث.

هو محمود بن غيلان العدوي مولاهم، أي: ولاءً، يكنى بـأبي أحمد المروذي ، نزيل بغداد، ثقةٌ من العاشرة، مات سنة تسعٍ وثلاثين عليه رحمات رب العالمين، أي: بعد المائتين وتسعٍ وثلاثين؛ لأننا قلنا: من بعد الثامنة التاسعة فما فوقها بعد المائتين، ثقةٌ من العاشرة، أخرج حديثه أهل الكتب الستة إلا الإمام أبو داود عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا، قال: وحدثنا وكيع ، تقدمت معنا ترجمة وكيع ، وتقدم معنا الوهم الذي تدارسناه في ترجمته، فهو من التاسعة سنة سبعٍ وتسعين، وقلنا: على اصطلاح الحافظ ينبغي أن يكون مائتين وسبعٍ وتسعين، وهو توفي سنة سبعٍ وتسعين ومائة، وكما قلت سابقاً: نوجز في ترجمة رجال الإسناد، إلا إذا كان الإنسان حوله كلام فنطيل الكلام حوله، وما عدا هذا فالإيجاز مطلوب.

محمود بن غيلان من أئمة أهل الخير والصلاح والاستقامة، يقول عنه الإمام أحمد عليه رحمة الله: أعرفه هو صاحب حديثٍ وسنة، حبس من أجل القرآن، أي: من أجل فتنة خلق القرآن التي أحدثها المأمون في هذه الأمة.

ترجمة سفيان الثوري

حدثنا وكيعٌ عن سفيان، وهذا أول موطنٍ يرد معنا فيه ذكرٌ لـسفيان الثوري ، وهو سفيان بن سعيد بن مسروق أبو عبد الله ، ثقةٌ حافظٌ فقيهٌ عابدٌ إمامٌ حجة، هذا كلام الحافظ في التقريب ولا أتعداه إلى اصطلاحات أخرى، وإذا ذكرت شيئاً عليه أزيده، وهذا في أعلى الدرجات، من السابعة، توفي سنة إحدى وستين، أي: بعد المائة، خرج حديثه أهل الكتب الستة (الجماعة)، وربما دلس، وبحث التدليس إن شئتم أن نتكلم عليه عند ترجمة العبد الصالح سفيان تكلمنا، وإن شئتم أن نرجئه إلى ما بعد ذلك عند دراسة الإسناد أرجأناه، ولو تكلمنا على التدليس هنا لكان الأمر أيضاً مرتبطاً بالبحث وفي محله.

إخوتي الكرام! يقول الحافظ في ترجمته: وكان ربما دلس، وهو من أئمة الهدى والصلاح والاستقامة لا شك فيهم، ينعته الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ بأنه شيخ الإسلام وسيد الحفاظ، ويقول في السير: هو شيخ الإسلام وإمام الحفاظ وسيد العلماء العاملين في زمانه، ونقل الذهبي عن شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك أنه قال: كتبت عن ألفٍ ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان ، هو أفضل هؤلاء الشيوخ على الإطلاق.

وقال الإمام أحمد شيخ أهل السنة عليهم جميعاً رحمة الله: لم يتقدمه في قلبي أحد، أي: من أئمة الإسلام لا يوجد أحد قبل سفيان في قلبي له هذه المنزلة العظيمة.

وقال الإمام الأوزاعي : لو قيل لي: اختر لهذه الأمة إماماً لما اخترت لهم إلا سفيان الثوري ، وهو أحد الستة الذين نقل عنهم الفقه الإمام الترمذي في جامعه كما تقدم معنا، ينقل فقه سفيان بالإسناد إليه كما تقدم معنا في مزايا جامع الإمام أبي عيسى الترمذي ، فهذا الإمام الذي هو شيخ الإسلام وسيد الحفاظ وسيد العلماء العاملين أيضاً ربما دلس، فما معنى التدليس؟ وما حال تدليس سفيان ؟


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4045 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3979 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3906 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3793 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3787 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3771 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3570 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3486 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3465 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [59] 3418 استماع