خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8330"> شرح مقدمة الترمذي
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الترمذي - مقدمات [9]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الرحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فنحن في آخر موعظة من المقدمة التي أخذت أكثر مما كنت أتوقع، وكنت ذكرت أنها ستكون ضمن خمس مواعظ، وقلت: إن زادت أسأل الله أن لا تصل إلى العشر، ولعلنا الآن في الموعظة التاسعة، وهذه آخر موعظة نتدارس فيها مقدمة كتاب الإمام الترمذي عليه رحمة الله.
آخر شيء في هذه المقدمة يتعلق بمكانة كتاب الإمام الترمذي ومنزلة جامعه بين كتب السنة، وهذا البحث الذي سنتدارسه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلوم الحديث ومصطلحه، وقد يكون في البحث شيء من الجفاء، فأرجو أن تصبروا، ونسأل الله أن يوفينا أجورنا بغير حساب.
وقد ثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة، والحديث رواه الحاكم وصححه وأقره عليه الذهبي ، وهو في السنن الكبرى للإمام البيهقي ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة )، فهذا السهم الذي يرمى به الكفار في سبيل العزيز الغفار، يدخل الله به ثلاثة نفر الجنة: ( صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، والممد به )، وفي رواية: ( المنبل )، والمنبل: هو الذي يعطي السهم والنبل لمن يرمي به، فيقف وراءه وخلفه، كلما رمى سهماً ناوله سهماً آخراً، ويشمل أيضاً من يجمع هذه السهام بعد الرمي بها، ويعطيها لمن يرمي بها، ليرمي بها مرة ثانية، فهو مُنَبِّل ومُنْبِل، فالله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة.
والذي يقوم بتسجيل الموعظة فلعل هذه الموعظة ينتفع بها من غاب أكثر ممن حضر، ونسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
عندنا في كتب حديث النبي عليه الصلاة والسلام وكتب السنة كتب تقدم على غيرها يقال لها: كتب الأصول، أي: أصول الحديث، وأصول السنة، وأمهات الحديث، وأمهات كتب الحديث، فأول ما يرجع الإنسان إليها، وإذا عزا يعزو إليها، فهذه يقال لها: كتب أصول السنة.
وقد أجمع أئمتنا بلا خلاف بينهم على أن كتب أصول السنة خمسة كتب: الصحيحان، وسنن الترمذي ، وسنن أبي داود وسنن النسائي ، فهذه يقال لها: الأصول الخمسة، وعليها اقتصر الإمام النووي عليه رحمة الله في كتاب الأذكار، فقال: أقتصر على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإسلام، وهي خمسة: الصحيحان والترمذي وسنن أبي داود وسنن الإمام النسائي.
فإذاً: كتاب الترمذي أحد كتب الحديث الخمسة التي عليها مدار حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقل أن يخرج حديث صحيح عنها.
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة الإمام الترمذي في الجزء السادس عشر صفحة (274): قلت: في الجامع -يعني: في جامع الإمام الترمذي ، ويسمى بالجامع الصحيح وبسنن الترمذي - علم نافع، وفوائد عزيزة، ورءوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لولا ما كدره بأحاديث واهية، بعضها موضوع، وكثير منها في الفضائل. وما في كتابه -أي: من أحاديث وعلم- قاضٍ بإمامته وحفظه وفقهه، لكنه يترخص في قبول الأحاديث ولا يشدد، ونفسه في التضعيف رخوٌ يعني: أنه يتساهل ولا يتشدد ولا يضعف الرواة إلا إذا كان هناك ثقة على التضعيف.
إذاً: جامع الترمذي أحد أصول الإسلام الخمسة، وهذا لا نزاع فيه.
ضم أئمتنا إلى الأصول الخمسة كتاباً سادساً، وأطلقوا عليها مصطلح: الكتب الستة، لكنهم اختلفوا في السادس على ثلاثة أقوال:
فقيل: السادس: سنن الإمام ابن ماجه ، وقيل: موطأ الإمام مالك بن أنس ، وقيل: سنن الإمام الدارمي الذي يعرف بمسند الدارمي.
والسبب في اختلافهم -كما سيأتينا- أن الأصل في كتب السنة: هو الكتاب الذي يجمع صحة واستفاضة وأحاديث زائدة على غيره، وهو نافع في موضوع الفقه يحتج به ويعول عليه، هذا هو الأصل، فمن جمع هذه الأمور فهو من كتب السنة بعد الأصول الخمسة.
القول الأول: سنن ابن ماجه
أما أبو الفضل بن طاهر المقدسي فقد قيد كتابه الأطراف من الكتب الستة، وبعضها قيدها كتابه الأطراف بالصحيحين على حسب قيده، ففي كتابه الأطراف -أطراف الكتب الستة- اعتبر الأصل السادس الذي يضم إلى الأصول الخمسة المتفق عليها، اعتبر سنن الإمام ابن ماجه هو الأصل الثالث، وعده أيضاً في كتاب له سماه: شروط الأئمة الستة، وهو مطبوع مع كتاب للإمام الحازمي شروط الأئمة الخمسة، فذاك حذف الأصل السادس واقتصر على الصحيحين وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي أي: الإمام الحازمي صاحب شروط الأئمة الخمسة. وأما أبو الفضل بن طاهر المقدسي فاعتبر شروط الأئمة الستة، ويقصد بالسادس: سنن ابن ماجه الذي ينضم إلى الأصول الخمسة المجمع عليها المتفق عليها.
ثم تبعه على ذلك شيخ الإسلام في زمنه الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الدمشقي ، وكان ابن أخت الإمام ابن قدامة صاحب المغني في فقه الحنابلة وفقه الإسلام، والإمام ابن قدامة كان خالاً لـأبي محمد عبد الغني المقدسي ، وتوفي هذا العبد الصالح سنة (600هـ)، وابن قدامة مع أنه كان خالاً لـعبد الغني لكنه أصغر منه في العمر، وذهبا مع بعضهما وتتلمذا على شيخ الإسلام في زمنه الشيخ الصالح عبد القادر الجيلاني في بلاد العراق. وكان الإمام ابن قدامة عليه رحمة الله يثني على هذا العبد الصالح ويقول: كان الشيخ عبد القادر يكفي التلميذ من قصد غيره؛ لما اجتمعت به من العلوم، يعني: من ذهب إلى الشيخ عبد القادر لا يحتاج أن يذهب إلى غيره، فيحصل عنده علم النقل وعلم العقل، العلوم الشرعية وعلوم الآلات، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.
هذا عبد صالح أمار بالمعروف، نهاء عن المنكر، صادق عابد قدوة أثري متبع ومتبع، سيد الحفاظ في زمانه: عبد الغني المقدسي ، وكانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان يعظم من أجل الدين، عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمات رب العالمين.
الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا توفي -كما قلت- سنة (600هـ)، ألف كتاباً عظيماً في رجال الكتب الستة اسمه: الكمال في أسماء رجال الكتب الستة، أي ستة يقصدهم؟ الأصول الخمسة ومعهم سنن الإمام ابن ماجه ، وقلت: رجال الكتب الستة في هذا الكتاب الذي هو كتاب الكمال، اختصره أبو الحجاج المزي شيخ الإسلام في زمنه في كتاب سماه: تهذيب الكمال، ثم اختصره الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، ثم اختصره في تقريب التهذيب، فتقريب التهذيب في رجال الكتب الستة، وأصله الأصيل الكمال في أسماء رجال الكتب الستة.
كان هذا العبد الصالح بعد طلوع الشمس وبعد أن ينتهي من موعظته بعد الفجر يصلي إلى قبيل الظهر ثلاثمائة ركعة.
وعلى هذا سار محمد بن طاهر المقدسي ، وعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ، وتبعهم المتأخرون في تقديم سنن ابن ماجه على غيره، وجعل سنن ابن ماجه هو الأصل السادس مع الأصول الخمسة المتقدمة، وإنما قدموه على الموطأ؛ لكثرة زوائد سنن ابن ماجه على الأصول الخمسة بالنسبة لموطأ الإمام مالك ، فما يوجد من أحاديث في الموطأ غالبها موجود في الأصول الخمسة، فالذي انفرد به الإمام مالك عن الأصول الخمسة قليل جداً بخلاف سنن ابن ماجه فزوائده على الأصول الخمسة أكثر من الموطأ، وإن كان الموطأ أقدم من سنن ابن ماجه ، بل وأصح حديثاً منه.
هذا أحد الأقوال الثلاثة قال به هذان الإمامان، وعلى هذا المتأخرون، وهو الدارج الآن في اصطلاح أهل العلم، فكلهم بعد ذلك تبعوا ما هو مقرر في تقريب التهذيب؛ فالكتب الستة يراد بها الصحيحان والسنن الأربعة: سنن ابن ماجه ، مع السنن الثلاثة.
القول الثاني: موطأ الإمام مالك
قال الإمام السخاوي في فتح المغيث: وبعض العلماء اعتبر موطأ الإمام هو الأصل الثالث، ومنهم رزين السرقسطي ، توفي سنة (535هـ)، ويقال له: رزين العبدري الأندلسي أبو الحكم، له كتاب سماه: تجريد الصحاح، ويعني به: جمع الأحاديث الصحيحة في الكتب الستة، ويقصد بالكتب الستة: الصحيحين والسنن الثلاثة ومعها موطأ مالك على اصطلاحه، فحذف سنن ابن ماجه . وتبعه على هذا الإمام المجد بن الأثير أبو السعادات المبارك بن محمد في كتابه: جامع الأصول في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقصد بالأصول الأصول الستة؛ ولذلك إذا قال ابن الأثير وأبو الحسن العبدري السرقسطي : رواه الستة، فيقصدان: الصحيحين والسنن الثلاثة ومعها الموطأ، وإذا قال ابن حجر : رواه الستة فيقصد: الصحيحين والسنن الأربعة، فكل واحد له اصطلاح فلينتبه لذلك.
ولعل أكثر المتقدمين من أئمة المسلمين كانوا يرون هذا القول، بل نقل عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله أنه قال: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من موطأ الإمام مالك ، ولا يعني بهذا أنه يفضله على الصحيحين؛ لأن الإمام الشافعي توفي قبل أن يوجد من أتى بالصحيحين، فهو توفي سنة (204هـ)، والإمام البخاري ومسلم بعد ذلك، فوفاة البخاري سنة (256هـ)، والإمام مسلم سنة (261هـ).
إذاً: هذان الكتابان ألفا بعد موت الإمام الشافعي ، وحقيقة في زمنه لا يوجد تحت أديم السماء كتاب أصح من موطأ مالك بن أنس عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.
قال الإمام ابن علاّن الصديقي الشافعي في شرح الأذكار في الجزء الأول صفحة: (36) -وهو محمد بن علي بن علان الصديقي كما قلت المكي الشافعي ، توفي سنة (1057هـ)، وهو الذي شرح الأذكار في سبعة مجلدات، وشرح رياض الصالحين في ثمانية مجلدات -يقول: ومنهم من يعدها ستة لإدخال الموطأ، وعليه عرف المتقدمين، ومنهم من أدخل سنن ابن ماجه ، وهو المشهور في عرف المتأخرين. وهذا الذي استقر عليه اصطلاح المحدثين في العصور المتأخرة، والعلم عند الله جل وعلا.
القول الثالث: سنن الدارمي
وأما المعاجم فترتب الأحاديث فيها على حسب الرواة، إما على حسب شيوخ الراوي كشيوخ الطبراني ، وإما على حسب رواة الأحاديث من الصحابة، لكن ترتب هذه الأحاديث على حسب الرواة وتراعى حروف المعجم، فإذا بدأ بشيوخه يبدأ بإبراهيم، وإذا بدأ بالصحابة فيأتي أيضاً بمن اسمه يبدأ بالهمزة فيقدمه على غيره، فهذه معاجم رتبت الأحاديث فيها على حسب الرواة، إما على شيوخ الراوي، وإما من رواة الحديث من الصحابة، لكن على حسب المعاجم، بدءاً بالهمزة وانتهاء بالياء، وأما المسانيد فلا تراعى فيها حروف المعجم، بل على حسب رواتها من الصحابة.
فإذاً: الذي يفعله صاحب المعجم هو أن يرتب الأحاديث إما على حسب الشيوخ أو على حسب الصحابة، لكن يراعي حروف المعجم في الأمرين، وأما المسند فعلى حسب الصحابة فقط، فلا نظر لشيوخ الراوي أي: المؤلف.
فإذاً: سنن الإمام الدارمي ويقال لها: مسند الدارمي لا لأن الأحاديث فيها على ترتيب المسانيد، إنما قيل لها: مسند؛ لأن الأحاديث التي فيها مسندة، هذا قول.
والقول الثاني: أن الإمام الدارمي له كتابان، كتاب الجامع، وكتاب المسند، وله كتاب في التفسير، فكتابه المسند رتبه على حسب المسانيد ورواة الصحابة، وهذا غير موجود، ومن أيدينا مفقود، والموجود كتاب الجامع الذي حاله كحال جامع الترمذي وجامع البخاري.
فإذاً: تسميته بالمسند إما لأن ما فيه من الأحاديث المسندة، أو أن المراد هو المسند غير الموجود، والموجود هو الجامع، والناس يطلقون عليه مسند الإمام الدارمي ، وهو في الحقيقة جامع الإمام الدارمي الذي حكمه كحكم السنن، والعلم عند الله عز وجل.
وذهب إلى جعْل سنن الإمام الدارمي الأصل السادس الإمام العلائي ، وهو أبو سعيد صلاح الدين بن خليل بن كيكلدى ، المتوفى سنة (761هـ).
قال الإمام السيوطي في طبقات الحفاظ في صفحة (532): وإنما جعل الإمام العلائي مسند الإمام الدارمي هو الأصل السادس؛ لأن مسند الإمام الدارمي قليل الرجال الضعفاء، فما فيه من الرجال الضعفاء والمتكلم فيهم قليل بالنسبة إلى ما في سنن ابن ماجه ، وهو نادر الأحاديث المنكرة والشاذة، وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة. والمرسل ما يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف هو ما وقف على الصحابة من أقوالهم رضي الله عنهم.
والذي استقر عليه عمل المتأخرين القول الأول، وهو أن الأصل السادس هو سنن الإمام ابن ماجه .
ويلتحق بهذه الأصول الخمسة أو الستة في الحكم والمنزلة (المنتقى)، ومؤلفه: الإمام أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري ، توفي سنة: (307هـ)، وكتاب المنتقى مطبوع، وأحاديثه أعلى وأرفع من أحاديث المستدرك، وكثير من طلبة العلم في غفلة عنه.
قال عنه الإمام الذهبي : هو مجلد واحد في الأحكام لا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبداً، فهو أعلى من سنن ابن ماجه إلا في النادر في أحاديث يختلف فيها اجتهاد النقاد.
قيل: إنه سنن الإمام ابن ماجه ، وهذا القول ذهب إليه عدد من أئمة الحديث، كما ذكر ذلك الإمام السخاوي في فتح المغيث في شرح ألفية الحديث في الجزء الأول، صفحة: (84)، فقال: أول من أضاف سنن ابن ماجه إلى الأصول الخمسة فصارت ستة أبو الفضل وهو محمد بن طاهر المقدسي الذي توفي سنة: (507هـ)، وهو على مذهب الظاهرية، وعنده زلاتهم، وله كتابان، عد فيهما سنن ابن ماجه من كتب الأصول الستة، له كتاب أطراف الكتب الستة، ويعني بالأطراف: أن يأتي بطرف الحديث الذي يدل على بقيته، ثم يبين من أخرجه من أهل الكتب الستة، فمثلاً: ( إنما الأعمال بالنيات ) لا يكمل الحديث، ثم يقول: رواه الستة: الصحيحان والسنن الأربعة، هذا أطراف، يعني: يأتي بطرف الحديث الذي يدل على بقيته، هذا هو معنى كتب الأطراف في السنة، يأتي بطرف الحديث ثم يبين من رواه، وقد يفعل هذا مقيداً بكتب معينة، وقد لا يتقيد، فقد يأتي بطرف الحديث ثم يبين من رواه من أهل كتب الحديث، من ستة وغيرها.
أما أبو الفضل بن طاهر المقدسي فقد قيد كتابه الأطراف من الكتب الستة، وبعضها قيدها كتابه الأطراف بالصحيحين على حسب قيده، ففي كتابه الأطراف -أطراف الكتب الستة- اعتبر الأصل السادس الذي يضم إلى الأصول الخمسة المتفق عليها، اعتبر سنن الإمام ابن ماجه هو الأصل الثالث، وعده أيضاً في كتاب له سماه: شروط الأئمة الستة، وهو مطبوع مع كتاب للإمام الحازمي شروط الأئمة الخمسة، فذاك حذف الأصل السادس واقتصر على الصحيحين وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي أي: الإمام الحازمي صاحب شروط الأئمة الخمسة. وأما أبو الفضل بن طاهر المقدسي فاعتبر شروط الأئمة الستة، ويقصد بالسادس: سنن ابن ماجه الذي ينضم إلى الأصول الخمسة المجمع عليها المتفق عليها.
ثم تبعه على ذلك شيخ الإسلام في زمنه الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الدمشقي ، وكان ابن أخت الإمام ابن قدامة صاحب المغني في فقه الحنابلة وفقه الإسلام، والإمام ابن قدامة كان خالاً لـأبي محمد عبد الغني المقدسي ، وتوفي هذا العبد الصالح سنة (600هـ)، وابن قدامة مع أنه كان خالاً لـعبد الغني لكنه أصغر منه في العمر، وذهبا مع بعضهما وتتلمذا على شيخ الإسلام في زمنه الشيخ الصالح عبد القادر الجيلاني في بلاد العراق. وكان الإمام ابن قدامة عليه رحمة الله يثني على هذا العبد الصالح ويقول: كان الشيخ عبد القادر يكفي التلميذ من قصد غيره؛ لما اجتمعت به من العلوم، يعني: من ذهب إلى الشيخ عبد القادر لا يحتاج أن يذهب إلى غيره، فيحصل عنده علم النقل وعلم العقل، العلوم الشرعية وعلوم الآلات، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.
هذا عبد صالح أمار بالمعروف، نهاء عن المنكر، صادق عابد قدوة أثري متبع ومتبع، سيد الحفاظ في زمانه: عبد الغني المقدسي ، وكانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان يعظم من أجل الدين، عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمات رب العالمين.
الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا توفي -كما قلت- سنة (600هـ)، ألف كتاباً عظيماً في رجال الكتب الستة اسمه: الكمال في أسماء رجال الكتب الستة، أي ستة يقصدهم؟ الأصول الخمسة ومعهم سنن الإمام ابن ماجه ، وقلت: رجال الكتب الستة في هذا الكتاب الذي هو كتاب الكمال، اختصره أبو الحجاج المزي شيخ الإسلام في زمنه في كتاب سماه: تهذيب الكمال، ثم اختصره الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، ثم اختصره في تقريب التهذيب، فتقريب التهذيب في رجال الكتب الستة، وأصله الأصيل الكمال في أسماء رجال الكتب الستة.
كان هذا العبد الصالح بعد طلوع الشمس وبعد أن ينتهي من موعظته بعد الفجر يصلي إلى قبيل الظهر ثلاثمائة ركعة.
وعلى هذا سار محمد بن طاهر المقدسي ، وعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ، وتبعهم المتأخرون في تقديم سنن ابن ماجه على غيره، وجعل سنن ابن ماجه هو الأصل السادس مع الأصول الخمسة المتقدمة، وإنما قدموه على الموطأ؛ لكثرة زوائد سنن ابن ماجه على الأصول الخمسة بالنسبة لموطأ الإمام مالك ، فما يوجد من أحاديث في الموطأ غالبها موجود في الأصول الخمسة، فالذي انفرد به الإمام مالك عن الأصول الخمسة قليل جداً بخلاف سنن ابن ماجه فزوائده على الأصول الخمسة أكثر من الموطأ، وإن كان الموطأ أقدم من سنن ابن ماجه ، بل وأصح حديثاً منه.
هذا أحد الأقوال الثلاثة قال به هذان الإمامان، وعلى هذا المتأخرون، وهو الدارج الآن في اصطلاح أهل العلم، فكلهم بعد ذلك تبعوا ما هو مقرر في تقريب التهذيب؛ فالكتب الستة يراد بها الصحيحان والسنن الأربعة: سنن ابن ماجه ، مع السنن الثلاثة.
القول الثاني: الأصل السادس هو موطأ الإمام مالك بن أنس حبر زمانه وإمام المسلمين في أوانه، رحمه الله ورحم أئمتنا أجمعين.
قال الإمام السخاوي في فتح المغيث: وبعض العلماء اعتبر موطأ الإمام هو الأصل الثالث، ومنهم رزين السرقسطي ، توفي سنة (535هـ)، ويقال له: رزين العبدري الأندلسي أبو الحكم، له كتاب سماه: تجريد الصحاح، ويعني به: جمع الأحاديث الصحيحة في الكتب الستة، ويقصد بالكتب الستة: الصحيحين والسنن الثلاثة ومعها موطأ مالك على اصطلاحه، فحذف سنن ابن ماجه . وتبعه على هذا الإمام المجد بن الأثير أبو السعادات المبارك بن محمد في كتابه: جامع الأصول في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقصد بالأصول الأصول الستة؛ ولذلك إذا قال ابن الأثير وأبو الحسن العبدري السرقسطي : رواه الستة، فيقصدان: الصحيحين والسنن الثلاثة ومعها الموطأ، وإذا قال ابن حجر : رواه الستة فيقصد: الصحيحين والسنن الأربعة، فكل واحد له اصطلاح فلينتبه لذلك.
ولعل أكثر المتقدمين من أئمة المسلمين كانوا يرون هذا القول، بل نقل عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله أنه قال: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من موطأ الإمام مالك ، ولا يعني بهذا أنه يفضله على الصحيحين؛ لأن الإمام الشافعي توفي قبل أن يوجد من أتى بالصحيحين، فهو توفي سنة (204هـ)، والإمام البخاري ومسلم بعد ذلك، فوفاة البخاري سنة (256هـ)، والإمام مسلم سنة (261هـ).
إذاً: هذان الكتابان ألفا بعد موت الإمام الشافعي ، وحقيقة في زمنه لا يوجد تحت أديم السماء كتاب أصح من موطأ مالك بن أنس عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.
قال الإمام ابن علاّن الصديقي الشافعي في شرح الأذكار في الجزء الأول صفحة: (36) -وهو محمد بن علي بن علان الصديقي كما قلت المكي الشافعي ، توفي سنة (1057هـ)، وهو الذي شرح الأذكار في سبعة مجلدات، وشرح رياض الصالحين في ثمانية مجلدات -يقول: ومنهم من يعدها ستة لإدخال الموطأ، وعليه عرف المتقدمين، ومنهم من أدخل سنن ابن ماجه ، وهو المشهور في عرف المتأخرين. وهذا الذي استقر عليه اصطلاح المحدثين في العصور المتأخرة، والعلم عند الله جل وعلا.
القول الثالث في بيان الأصل السادس من أصول كتب السنة والحديث أنه سنن الإمام الدارمي ، ويقال له: مسند على المعتمد؛ لأن الأحاديث التي فيه مسندة، لا على أنه على ترتيب المسانيد؛ والمسانيد ترتب على حسب الصحابة، بينما كتب السنة الأخرى رتبت على حسب الموضوعات وأبواب الفقه، وأما هناك فلا ترتب الأحاديث على حسب موضوعاتها، إنما على حسب رواتها من الصحابة، ثم بعد ذلك يرتب الصحابة ترتيباً يراه المصنف، إما على حسب الفضل كما فعل الإمام أحمد في المسند، فبدأ بمسند أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ثم انتقل إلى بقية العشرة، ثم إلى البدريين، ثم على حسب الفضل، وإما أن يرتبها على حسب السبق في الإسلام، وإما على حسب البلدان على حسب حروف المعجم.
وأما المعاجم فترتب الأحاديث فيها على حسب الرواة، إما على حسب شيوخ الراوي كشيوخ الطبراني ، وإما على حسب رواة الأحاديث من الصحابة، لكن ترتب هذه الأحاديث على حسب الرواة وتراعى حروف المعجم، فإذا بدأ بشيوخه يبدأ بإبراهيم، وإذا بدأ بالصحابة فيأتي أيضاً بمن اسمه يبدأ بالهمزة فيقدمه على غيره، فهذه معاجم رتبت الأحاديث فيها على حسب الرواة، إما على شيوخ الراوي، وإما من رواة الحديث من الصحابة، لكن على حسب المعاجم، بدءاً بالهمزة وانتهاء بالياء، وأما المسانيد فلا تراعى فيها حروف المعجم، بل على حسب رواتها من الصحابة.
فإذاً: الذي يفعله صاحب المعجم هو أن يرتب الأحاديث إما على حسب الشيوخ أو على حسب الصحابة، لكن يراعي حروف المعجم في الأمرين، وأما المسند فعلى حسب الصحابة فقط، فلا نظر لشيوخ الراوي أي: المؤلف.
فإذاً: سنن الإمام الدارمي ويقال لها: مسند الدارمي لا لأن الأحاديث فيها على ترتيب المسانيد، إنما قيل لها: مسند؛ لأن الأحاديث التي فيها مسندة، هذا قول.
والقول الثاني: أن الإمام الدارمي له كتابان، كتاب الجامع، وكتاب المسند، وله كتاب في التفسير، فكتابه المسند رتبه على حسب المسانيد ورواة الصحابة، وهذا غير موجود، ومن أيدينا مفقود، والموجود كتاب الجامع الذي حاله كحال جامع الترمذي وجامع البخاري.
فإذاً: تسميته بالمسند إما لأن ما فيه من الأحاديث المسندة، أو أن المراد هو المسند غير الموجود، والموجود هو الجامع، والناس يطلقون عليه مسند الإمام الدارمي ، وهو في الحقيقة جامع الإمام الدارمي الذي حكمه كحكم السنن، والعلم عند الله عز وجل.
وذهب إلى جعْل سنن الإمام الدارمي الأصل السادس الإمام العلائي ، وهو أبو سعيد صلاح الدين بن خليل بن كيكلدى ، المتوفى سنة (761هـ).
قال الإمام السيوطي في طبقات الحفاظ في صفحة (532): وإنما جعل الإمام العلائي مسند الإمام الدارمي هو الأصل السادس؛ لأن مسند الإمام الدارمي قليل الرجال الضعفاء، فما فيه من الرجال الضعفاء والمتكلم فيهم قليل بالنسبة إلى ما في سنن ابن ماجه ، وهو نادر الأحاديث المنكرة والشاذة، وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة. والمرسل ما يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف هو ما وقف على الصحابة من أقوالهم رضي الله عنهم.
والذي استقر عليه عمل المتأخرين القول الأول، وهو أن الأصل السادس هو سنن الإمام ابن ماجه .
ويلتحق بهذه الأصول الخمسة أو الستة في الحكم والمنزلة (المنتقى)، ومؤلفه: الإمام أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري ، توفي سنة: (307هـ)، وكتاب المنتقى مطبوع، وأحاديثه أعلى وأرفع من أحاديث المستدرك، وكثير من طلبة العلم في غفلة عنه.
قال عنه الإمام الذهبي : هو مجلد واحد في الأحكام لا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبداً، فهو أعلى من سنن ابن ماجه إلا في النادر في أحاديث يختلف فيها اجتهاد النقاد.
هذه كتب الأصول على اختلاف درجاتها ومراتبها، بدءاً بالصحيحين وانتهاء بالأصول الثلاثة الأخرى، والثلاثة المختلف فيها بعد ذلك من سنن ابن ماجه والموطأ ومسند الإمام الدارمي ، وما ألحق بها من منتقى الإمام ابن الجارود ، هذه كلها تقدم في الحجية والمنزلة والمكانة على كتب المسانيد والمعاجم، وقد تقدم معنا أن المسانيد: هي ما رتبت الأحاديث فيما جمعت على حسب الصحابة دون النظر إلى موضوع الأحاديث، فبعضها في صلاة الضحى، وبعضها في الظهار، وبعضها في العتق، وبعضها في صيام رمضان، فترى في الصفحة الواحدة أحاديث متعددة. ولا يفعل هذا أهل كتب السنة الذين رتبوا على حسب الأبواب، بل عندهم مثلاً كتاب الطهارة، يأتيك باب كذا باب كذا باب كذا .. حتى ينتهي من كتاب الطهارة، ثم يشرع في كتاب الصلاة، أما في المسانيد فلا يوجد لا كتاب ولا باب، بل تجد مسند أبي بكر رضي الله عنه، وفيه ما عنده من أحاديث عن أبي بكر أوردها جملة واحدة، مختلفاً بعضها عن بعض الحج مع الصلاة، مع الصيام، مع الزكاة، فهذه يقال لها: مسانيد، وقد ترتب كما قلنا بعد ذلك على حسب حروف المعجم، أو على حسب الفضل، أو على حسب البلدان، أو على حسب السبق في الإسلام، كما يرى صاحب المسند.
وأما المعاجم فترتب على حسب حروف المعجم، سواء للصحابة أو الشيوخ أو أحياناً معاجم البلدان، كل هذا يقع في كتب المعاجم. وعليه كتب الأصول تقدم على المسانيد والمعاجم لأمرين اثنين:
الأمر الأول: كتب الأصول الغاية منها أصالة أن يورد المصنف أصح ما عنده في هذا الباب، فعندما يأتي إلى كتاب الطهارة: باب: (لا يقبل الله صلاة من غير طهور)، الأصل: أن يورد في هذا الباب أصح ما عنده، ثم ما يليه ثم ما يليه ويمضي، أما أن يروي الضعيف ويترك الصحيح أو أحياناً يذكر ضعيفاً مع صحيح فلا، بل يذكر أصح ما عنده فإذا لم يكن فينزل قليلاً إذا لم يشترط في الكتاب الصحة ككتب السنن، لكن يقدم أقوى ما عنده في هذا الباب فيرويه، بخلاف كتب المسانيد فهناك لا أقوى ولا أضعف، بل يروي كل ما يحفظ، فهنا ينتقي من حفظه، وهناك يسرد، وعليه تقدم هذه على تلك؛ لأن هذه في الغالب ذكرت من أجل أن يحتج الإنسان بما فيها على أحكام الشرع، وأما تلك فليست كذلك.
الأمر الثاني: استخراج الحديث من كتب الأصول أيسر بكثير من استخراجه من المسانيد والمعاجم، مثلاً أبو هريرة رضي الله عنه الذي روى أحاديث زادت على خمسة آلاف حديث لو أردنا استخراج حديث من أحاديثه يتعلق بفضل قيام ليلة القدر، فكيف سنستخرجه من ضمن هذه الأحاديث التي هي خمسة آلاف؟ هذا حقيقة فيه بعض الصعوبة، فعندما تفتح الكتاب تحتاج أن تستقرئ مسنده من أوله إلى آخره، وقد يكون هذا الحديث في آخر المسند، وقد يكون في الوسط، ولكن إن جئت لتخرجه من كتب الأصول فما أيسر الأمر! تفتح كتاب القيام، باب: فضل إحياء ليلة القدر، تفتح صفحة كذا ترى هذا الحديث.
فإذاً: استخراج الحديث من كتب الأصول أيسر من استخراجه من المسانيد والمعاجم، ولذلك تقدم على تلك الكتب، وإن جلت تلك الكتب من جلالة وفضل أصحابها، فالإمام أحمد مؤلف المسند عليه وعلى أئمتنا رحمة الله مرتبته جليلة، ومسنده له مرتبة لجلالة مؤلفه، لكن هو دون آخر كتاب من كتب الأصول في المنزلة من حيث الترتيب والتعويل عليه، يعني: نرجع إلى سنن ابن ماجه ، وإلى منتقى ابن الجارود ، وإلى الموطأ، وإلى الدارمي قبل المسند؛ لأن الأصل: أن الذي في هذه الكتب هو الأصح فالأصح، والأقوى فالأقوى من أجل الاستدلال به على الحكم، فلا يقصد صاحب هذا الكتاب مجرد الجمع.