خطب ومحاضرات
مباحث النبوة - وصف الحوريات في محكم الآيات
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إخوتي الكرام! ما زلنا نتدارس مقاصد النكاح وحكمه العامة، وقلت: إن مقاصده خمسة:
أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية.
وثانيها: إنجاب الذرية التي تعبد وتوحد رب البرية.
وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه، وعن طريق نفقته ومساعدته المالية لصاحبه.
ورابع الحكم: تذكر لذة الآخرة.
وآخرها: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وقرابته وعشيرته.
وكنا نتدارس الحكمة الرابعة ألا وهي: تذكر لذة الآخرة في هذا النكاح الذي أحله الله وشرعه في هذه الحياة، وبينت فيما تقدم أن أعظم المشتهيات الحسية عند المخلوقات في هذه الحياة شهوة الجنس، فهي ألذ اللذائذ عند البشر، وهذه اللذة التي يقدمونها على ما عداها من المشتهيات من اللذائذ المحسوسات، هذه اللذة مع أنها -كما تقدم معنا- فيها مكدرات وآفات، فإذا كانت النفس تتعلق بهذه اللذة مع ما فيها من كدر ونقص، فينبغي أن تتعلق بهذه اللذة في الدار الآخرة إذا لم يكن فيها شائبة ولا عكر ولا كدر.
ولذلك -إخوتي الكرام- سنتدارس في هذه الموعظة وصف النساء الطاهرات اللائي يكن في جنة رب الأرض والسماوات، من المؤمنات، ومن الحوريات المباركات، وهذه المدارسة تحرك هممنا لطلب ما عند ربنا جل وعلا، إن المؤمن يتذكر ما يكون في الجنة من نعيم حسي، من مطاعم ومشارب ومناكح، لكن أعظم نعيم عنده، فهو الذي ينبغي ألا يغيب عن باله طرفة عين، هو رضوان الله جل وعلا عليه في هذه الحياة، وهكذا بعد الممات، ثم التنعم بلذة النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم، نسأل الله أن يمن علينا بذلك إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وما عدا هذا فهو من فضل الله الذي تفضل به علينا في هذه الحياة وفي نعيم الجنات، من مآكل ومشارب ومناكح، لكن هو دون رضوان الله علينا، ودون تطلعنا إلى التمتع بالنظر إلى نور وجه ربنا سبحانه وتعالى.
تلك نعم تتطلع هممنا إلينا، وتتعلق نفوسنا بها، لكن نضع كل شيء في موضعه، ولذلك كان كثير من الصالحين يعرض عليهم في نومهم الحور العين، ويرونهن، وهذا وقع لعدد كثير من أئمتنا، بل بعضهم أنشدته زوجته الحورية أبياتاً من الشعر وهو نائم فحفظها ونقلها إلينا، وهذا مدون في تراجم كثير من أئمتنا.
سليمان الداراني يرى الحوراء في المنام ويسمع عذب كلامها
نعم كما قلت نتذكر هذا، لكن نضع كل شيء في موضعه، ولذلك قال أحمد بن أبي الحواري -وهذه القصص كلها مذكورة في حلية الأولياء في ترجمته في الجزء التاسع صفحة تسع وخمسين ومائتين فما بعدها- يقول أحمد بن أبي الحواري : قلت لـأبي سليمان الداراني : إن الإنسان إذا ذكر الدنيا وبدأ يفكر فيها تذكر النساء، قال: لأنها ألذ شهوات الدنيا، فقلت له: وإذا ذكر الآخرة ذكر الحوريات، قال: ينبغي أن يقصر نفسه عن ذلك، وأن يفكر فيما هو أعظم منه، كأنه يقول: لا يسترسل في البحث في النعيم الحسي من المطاعم والمشارب والمناكح في الجنة، هناك ما هو أعظم في الجنة، وهو رضوان الله، والنظر إلى نور وجهه الكريم سبحانه وتعالى، يعني لا يجعل همته أنه يريد في الجنة أن يأكل ويشرب، وأن يتمتع بالحسان من الحوريات والمؤمنات الطاهرات، قال: لا ينبغي أن يقصر همته على ذلك، بل لابد أن يفكر فيما هو أعظم من ذلك، وأبو سليمان من أئمتنا الربانيين الكرام، وهو الذي يقول: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله. وكان يقول: لكل شيء علامة، وعلامة الخذلان ترك البكاء من خشية الرحمن عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا.
والإمام الجنيد جاء بعده وتوفي سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة، يقول: شيء بلغني عن أبي سليمان استحسنته، وهو قوله: من اشتغل بنفسه شغل عن غيره، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن غيره. حقيقة إذا بحثت في أمر نفسك وفي عيوبك، وكيف ستخلص نفسك من الرعونات والآفات، فإنك تنشغل عن المخلوقات، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وإذا فكرت في حقوق الله عليك، حتى حقوق النفس تسلو عنها، وتعطيها بمقدار، وتقوم بحق الله عليك، وتسلو بعد ذلك عن مشتهيات النفس، وعن الكلام في الغير، فإنه من اشتغل بالله شغل عن نفسه وعن غيره.
إذن هذا عبد صالح يرى حورية في النوم تقول له: إني أربى لك في الخدر منذ خمسمائة سنة.
تلميذ منصور بن عمار يرى الحور في المنام
أتخطب مثلي وعني تنام ونوم المحبين عنا حرام
لأنا خلقنا لكل امرئ كثير الصلاة براه الصيام
فضبط هذا العبد الصالح هذين البيتين وحدث بهما شيخه في هذه الرقعة، وما سمى نفسه كعادة أئمتنا، كما قال أبو سليمان لتلميذه أحمد بن أبي الحواري : لا تخبر بهذا إلا بعد موتي، وهذا يقول لشيخه: أنا رأيت كذا وما سمى نفسه، لكن الشيخ ينقل هذا فيما قرأه من الرقعة على أصحابه كما في حلية الأولياء.
ومنصور بن عمار توفي في قرابة سنة مائتين للهجرة، ما حددت سنة وفاته، الإمام الذهبي يقول: توفي في قرابة سنة مائتين للهجرة قبلها أو بعدها بقليل.
فمن هؤلاء العباد الصالحين الطيبين أبو سليمان الداراني ، وكنت ذكرت في المواعظ السابقة أنه توفي سنة خمس ومائتين للهجرة أو سنة خمس عشرة ومائتين للهجرة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، يقول تلميذه أحمد بن أبي الحواري ، وكان يلقب بريحانة الشام، وهو ثقة زاهد خير صالح فاضل تلميذ، وقد خرج حديثه الإمام أبو داود في سننه والإمام ابن ماجه في سننه، وتوفي هذا العبد الصالح أحمد بن أبي الحواري سنة ست وأربعين ومائتين للهجرة، يقول: دخلت على شيخي أبي سليمان عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الرحمن فرأيته في منتهى السرور، يبتسم وهو بمفرده، وعليه مظاهر البهجة والفرح، فقلت: ما الذي حصل أيها الشيخ الكريم؟ قال: أخبرك بشرط أن تكتم عني هذا فلا تخبر به أحداً إلا بعد موتي، وقد عاش بعده قرابة أربعين سنة، يقول: هذه القصة لا تخبر بها ما دمت حياً، قال: كنت نائماً بعد الظهر في القيلولة، وإذا بحورية أجمل من الشمس وأبهى من القمر تقول لي: يا أبا سليمان ! تخطبني وتنام وأنا أربى لك في الخدر منذ خمسمائة سنة، يقول أبو سليمان : فوالله ما زالت عذوبة حديثها وكلامها في أذني إلى الساعة، فأنا أستحضر هذه اللذة وهذه البهجة من هذه الحورية الجميلة القانتة الخيرة الطيبة الكريمة، فلذلك ترى علي أثر هذه البهجة.
نعم كما قلت نتذكر هذا، لكن نضع كل شيء في موضعه، ولذلك قال أحمد بن أبي الحواري -وهذه القصص كلها مذكورة في حلية الأولياء في ترجمته في الجزء التاسع صفحة تسع وخمسين ومائتين فما بعدها- يقول أحمد بن أبي الحواري : قلت لـأبي سليمان الداراني : إن الإنسان إذا ذكر الدنيا وبدأ يفكر فيها تذكر النساء، قال: لأنها ألذ شهوات الدنيا، فقلت له: وإذا ذكر الآخرة ذكر الحوريات، قال: ينبغي أن يقصر نفسه عن ذلك، وأن يفكر فيما هو أعظم منه، كأنه يقول: لا يسترسل في البحث في النعيم الحسي من المطاعم والمشارب والمناكح في الجنة، هناك ما هو أعظم في الجنة، وهو رضوان الله، والنظر إلى نور وجهه الكريم سبحانه وتعالى، يعني لا يجعل همته أنه يريد في الجنة أن يأكل ويشرب، وأن يتمتع بالحسان من الحوريات والمؤمنات الطاهرات، قال: لا ينبغي أن يقصر همته على ذلك، بل لابد أن يفكر فيما هو أعظم من ذلك، وأبو سليمان من أئمتنا الربانيين الكرام، وهو الذي يقول: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله. وكان يقول: لكل شيء علامة، وعلامة الخذلان ترك البكاء من خشية الرحمن عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا.
والإمام الجنيد جاء بعده وتوفي سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة، يقول: شيء بلغني عن أبي سليمان استحسنته، وهو قوله: من اشتغل بنفسه شغل عن غيره، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن غيره. حقيقة إذا بحثت في أمر نفسك وفي عيوبك، وكيف ستخلص نفسك من الرعونات والآفات، فإنك تنشغل عن المخلوقات، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وإذا فكرت في حقوق الله عليك، حتى حقوق النفس تسلو عنها، وتعطيها بمقدار، وتقوم بحق الله عليك، وتسلو بعد ذلك عن مشتهيات النفس، وعن الكلام في الغير، فإنه من اشتغل بالله شغل عن نفسه وعن غيره.
إذن هذا عبد صالح يرى حورية في النوم تقول له: إني أربى لك في الخدر منذ خمسمائة سنة.
وهكذا قصة أخرى ذكرها أئمتنا في ترجمة العبد الصالح الأواه منصور بن عمار، وهو من الوعاظ الأبرار، فهو ضعيف في الرواية، لكنه صالح تقي نقي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، يقول الإمام الذهبي في ترجمته في السير في الجزء التاسع صفحة ثلاث وتسعين: كان عديم النظير في الموعظة والتذكير، وسبب ذلك -كما في تاريخ بغداد-: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فتفل نبينا عليه الصلاة والسلام في فمه، فما كان في زمنه أوعظ منه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، رأى النبي عليه الصلاة والسلام في النوم فتفل في فيه فآتاه الله الحكمة وحلاوة التذكير، رفعت إليه رقعة من قبل بعض تلاميذه في مجالس وعظه كما في حلية الأولياء في الجزء التاسع صفحة ست وعشرين وثلاثمائة، مكتوب فيها من قبل بعض أصحابه يقول له: اهتديت على يديك، وبعد أن هداني الله وشرح صدري للحق، نذرت أن أقرأ ثلاثين ختمة، لأجل أن تكون مهراً لحورية، ولا يقولن قائل: هذا بدعة، وهذا يحتاج إلى نص، لا بدعة ولا يحتاج إلى نص، هذا يأمل ويرجو من الله ويقول: يا رب! أنا أريد أن أقرأ ثلاثين ختمة لكلامك لكتابك، وأسألك أن تجعل هذا مهراً لحورية مما عندك، أريد أن أقدم لها مهراً، فأكمل هذا العبد الصالح تسعاً وعشرين ختمة، ثم نام بعدها يريد أن يستأنف الثلاثين، قال: فرأى الحورية، وهي أجمل ما رآه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ثم قالت له: تخطبني ولا تكمل المهر وتنام، أين الختمة الأخيرة التي هي تمام الثلاثين، ثم أنشدته بيتين من الشعر هما في حلية الأولياء:
أتخطب مثلي وعني تنام ونوم المحبين عنا حرام
لأنا خلقنا لكل امرئ كثير الصلاة براه الصيام
فضبط هذا العبد الصالح هذين البيتين وحدث بهما شيخه في هذه الرقعة، وما سمى نفسه كعادة أئمتنا، كما قال أبو سليمان لتلميذه أحمد بن أبي الحواري : لا تخبر بهذا إلا بعد موتي، وهذا يقول لشيخه: أنا رأيت كذا وما سمى نفسه، لكن الشيخ ينقل هذا فيما قرأه من الرقعة على أصحابه كما في حلية الأولياء.
ومنصور بن عمار توفي في قرابة سنة مائتين للهجرة، ما حددت سنة وفاته، الإمام الذهبي يقول: توفي في قرابة سنة مائتين للهجرة قبلها أو بعدها بقليل.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مباحث النبوة - الرضاعة حق للطفل | 3297 استماع |
مباحث النبوة - أزواج المؤمنين في جنات النعيم | 3252 استماع |
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [1] | 3230 استماع |
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1] | 3207 استماع |
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [3] | 3166 استماع |
مباحث النبوة - صفات النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخلُقاً | 3152 استماع |
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [2] | 3121 استماع |
مباحث النبوة - كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده | 3095 استماع |
مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [1] | 3005 استماع |
مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة | 2951 استماع |